بسم الله الرحمن الرحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فهذه مُقتطفات من كتاب كامل: "إِغَاثَـةُ اللَّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَــانِ" للإمام: اِبن قيِّم الجوزية -رحمه الله-، انتقيْتها لكم وأردتُ وضعها بشكل مُتجدّد في هذا الموضوع حتى تعم الفائِدة.
الكتاب كامل كلّه قيِّم كما هو حـال باقي كُتب الإمام رحمه الله تعالى، ولأنه لا يسعنـا وضعه كاملاً لهذا اِنتقيتُ هذه المجموعة من الفوائِد التي دوّنتها خلال قراءتي للكتـاب ووددتُ مشاركتكم إيّـاها
أسأل الله أن ينفعني وإيّاكم بها ..
أرجو أن تكونوا في المُتابعة كما أرجو أن لا تُفوّتوا فرصة اِقتنـاء الكتاب كامل
والله الموفق والله الهادي للصواب ..

قال -رحمه الله تعالى- في تصنيفه للقلوب إلى ثلاثة أقسام: "قلب سليم، وقلب سقيم وقلب ميِّت":
(فالقلب السّليم: هو الذي سَلِمَ من أن يكون لغير الله فيه شِرك بوجهٍ مـا؛ بل خلُصت عبُوديّته لله تعالى: إرادة ومحبّة وتوكلاً وإنـابـة وخشيـة ورجاءً، وخلُصَ عمله لله فإن أحبّ أحبّ في الله وإن أبغَضَ أبغضَ في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منَعَ مَنَعَ لله، ولا يكفيه هذا حتّى يَسْلَمَ من الاِنقيـاد والتّحكيم لكلّ من عدا رسوله ﷺ. فيَعقد قلبه معه عقدًا مُحكمًا على الاِئْتِمَـامِ والاقتِـداءِ بـه وحده دون كلّ أحدٍ في الأقـوال والأعمـال، مِن أقـوال القلب وهي العقائِد وأقـوال اللّسـان وهي الخبَر عمّا في القلب).

إلى أن قـال:
(والقلب الثانـي [القلب الميِّت]: ضد هـذا وهو القلب الميْت الذي لا حيـاة بـه، فهو لا يعرف ربّه ولا يعبد بأمـره وما يُحبّه وبرضـاه؛ بل هو واقِفٌ مع شهواته ولذاذاته ولو كان فيها سخط ربّه وغضبه، فهو لا يُبالي إذا فـاز بشهوتـه وحظه رضي ربّه أم سخط، فهو مُتعبّدٌ لغير الله: حُبًّا وخوفًا ورجاءً ورضًا وسخطًا وتعظيمًا وذُلاً.
إن أحبّ أحبّ لهواه وإن أبغض أبغض لِهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منعَ لِهواه، فهواه آثَرُ عنده وأحبُّ إليـه من رضـا مولاه، فالهوى إمامـه والشّهوة قائِده والجهل سائِقه والغفلة مَرْكَبُهُ، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدُنيوية مغمور، وبِسكرة الهوى وحبِّ العاجلـة مَخمُور يُنادَى إلى الله وإلى الدّار الآخِرة من مكان بعيد، ولا يستجيبُ للنّاصح ويتّبعُ كلّ شيْطان مرِيد. الدُنيـا تُسخطه وتُرضيه، والهوى يصمّه ويَعميه، فهو في الدُنيـا كما قِيل في ليلـى:
عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَتْ وسِلْمٌ لِأَهْلِهَا ** وَمَنْ قَرَّبَتْ لَيْلَى أَحَبُّ وَاَقْرَبَا
فَمُخالطة صاحِبِ هذا القلب سَقم، ومُعاشرتُه سم، ومُجالسته هلاك.
والقلب الثّالِث [القلب السّقيم]: قلب لـه حياة وبه علّة فلـه مادتـان، تمده هذه مرّة وهذه أخرى. وهو لِما غلب عليه منهما، ففيه من محبّة الله تعالى والإيمان به والإخلاص لـه، والتوكل عليه: ما هو مادّة حياتـه. وفيه من محبّة الشهوات وإيثارها والحِرص على تحصيلها، والحسد والكِبر والعُجب، وحبّ العلو والفسـاد في الأرض بالرّيـاسـة: ما هو مادّة هلاكه وعَطَبِه. وهو مُمتحنٌ بين داعيَيْن: داعٍ يدعوه إلى الله ورسولـه والدّار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجِلة. وهو إنّما يُجيب أقربهمـا منه بابًا. وأدناهما إليه جِوارًا.
فالقلب الأول حيّ مُخْبِتٌ ليِّن واعٍ، والثّاني يابِسٌ ميِّتٌ، والثّالِث مريـض، فإمّا إلى السلامـة أدنى، وإمّا إلى العطب أدنَى).
ثم قال:
(فلذلك اِنقسمت القلوب إلى هذه الأقسـام الثلاثة:
- فالقلب الصّحيح السّليم: ليس بينه وبين قبول الحق ومحبّته وإيثـاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول لـه.
- والقلب الميِّت القاسـي: لا يقبله ولا ينقاد لـه.
- والقلب المريض: إن غَلَبَ عليه مرضه التحق بالميِّتِ القاسي، وإن غَلَبَت عليه صحّته اِلتحق بالسّليم).



منقول باختصار وتصرّف يسير
الباب الأول: في انقاسم القلوب إلى صحيح وسقيم وميت
ص: 19-21








©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©