قال الله تعالى : (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النمل : 18]


قال ابن باديس رحمه الله تعالى :" هذه النملة هي كبيرة النمل، فقد كان عندها من قوة الإحساس ما أدركت به الخطر قبل غيرها، فبادرت بالإنذار. فلا يصلح لقيادة الأمة وزعامتها إلاّ من كان عنده من بعد النظر، وصدق الحدس، وصائب الفراسة، وقوة الإدراك للأمور قبل وقوعها، ما يمتاز به عن غيره، ويكون سريع الإنذار بما يحس وما يتوقع. هذه نملة وفت لقومها، وأدت نحوهم واجبها!! فكيف بالإنسان العاقل فيما يجب عليه نحو قومه؟!

هذه عظة بالغة لمن لا يهتم بأمور قومه، ولا يؤدي الواجب نحوهم، ولمن يرى الخطر داهماً لقومه، فيسكت ويتعامى، ولمن يقود الخطر إليهم ويصبه بيده عليهم. آه ما أحوجنا- معشر المسلمين- إلى أمثال هذه النملة!" انتهى كلامه رحمه الله.

إي والله ما أحوج المسلمين عموما إلى أمثال هذه النملة، وما أحوج إخواننا المصريين في هذه الأيام إلى مثل هذه النملة في الصفات المذكورة، وما أحوجهم إلى من يصرخ فيهم ويقول:" ادخلوا مساكنكم ليبيدنكم هذا النظام السفاح الذي لا يخاف الله تعالى"، لقد حدثت المجازر الواحدة تلو الأخرى في مدد متابعدة ومتقاربة، والذي لا يخاف الله ويرغي ويزبد ويبدي ويعيد ويقتل ويبيد، ولم أسمع كبيرا من الكبراء ولا عالما من العلماء الأمناء يقول لإخواننا المصريين:" ادخلو مساكنكم، وحافظوا على أرواحكم"، إلا بعض الأصوات المبحوحة والأسماء المغمورة، وبعض من أهان نفسه والعلم الذي يحمله فلم يبق للمصريين ثقة فيما يقول، وقد يكون لبعض الساكتين بعض العذر الذي نفهمه؟ ولكن أين عذر المحرضين على الخروج إلى الشارع مع كل هذه الضحايا؟ وما هو التأويل السائغ للمؤيدين لاستمرار النزيف والمجازر؟

-أيؤمن مسلم أو عربي أن المسيرات والاعتصامات ترد الحقوق وتحرر الشعوب وتسقط الأنظمة الحاكمة؟

-أويأمل عاقل في تراجع قادة الانقلاب عن انقلابهم، وتقديمهم الاعتذارات للشعب؟

-أيتخيل مراهقوا السياسة أن كثرة الضحايا ستجعل الانقلابيين يشعرون بحجم المسؤولية أو بعقدة الذنب؛ فيستقيلون من مناصبهم ويسلمون السلطة إلى غيرهم؟ أو يردوها إلى أهلها؟

-أيظن معارضوا الانقلاب أنهم بكثرة الضحايا يرغمون السفاحين –الذين لا يؤمنون بالحوار- على الجلوس إلى طاولة الحوار؟

-أيطمع المصريون في انقلاب عسكري ضد الانقلاب ؟؟ أو في انشقاق وسط الجيش ؟؟

-أم أنهم ينتظرون تدخلا عسكريا أجنبيا تحت غطاء الأمم المتحدة أو غيرها لحمايتهم ؟

وسأكتفي في هذا النداء بشرح مفصل الدافع الأول الذي أحسب أن تعويل الرافضين للانقلاب عليه، فأقول إن الذي يجعل المرء يظن أن هذه المظاهرات والاعتصامات كفيلة برد الحقوق ورفع المظالم ؛ هو تلك الأكذوبة التي روج لها الإعلام وصدقها أكثر الناس في كل مكان، وهي أن ثورة الشعب وتظاهره السلمي أسقط نظام الجبابرة في تونس ومصر.

وإن من يصدق بأن فوضى 25 يناير في مصر هي التي أسقطت "مبارك" لغافل أو متغافل من أجل أن يجعل من نفسه بطلا، والذي كان بينا معلوما واضحا جليا لا خفاء فيه أن الذي أزال "حسني مبارك" لا نظامه هو الجيش لا غير، والذي أمر الجيش وأكد على ضرورة تنحي مبارك بالعبارة الشهيرة "الآن" هو "باراك أوباما"، أما الشعب الذي أخرج وهو لا يدري لم خرج، فلم يكن إلا ورقة لتغطية لمؤامرة أجنبية أمريكية ضد عملائها المنتهية مدة صلاحيتهم.

كيف يكون الشعب الذي خرج ولا هدف له واضح هو الذي أسقط مبارك، نعم لم يكن لها هدف مرسوم بدليل ظهور مصطلح إعلامي سياسي جديد اسمه "رفع سقف المطالب" الذي يبلغ مداه "إسقاط النظام"، ولا أخال ينكر هذه الحقيقة إلا من كان غائبا عن تتبع تطور الثورات؟؟ في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، أو كان يتابعها وهو معصوب العينين، نعم لم تكن تلك الأحداث ثوْرات، ولكنها تسمى بالمصطلح السياسي "الفوضى الخلاقة"، التي تستثمر فيها الصهيونية والماسونية العالمية وتوجهها بما أوتيت من وسائل الإعلام وتوجيه الرأي العام، كيف تسمى تلك الأحداث ثوْرات وهي تنطلق بلا أهداف ومن دون مبادئ عقائدية، ومن غير قادة معروفين يدعون إليها؟؟ لقد كذب الناس على أنفسهم إذ قالوا قائد الثورة هو الشعب، ومتى كان الشعب يتحرك من غير محرك؟ ولست ألوم كل الأمة، ولكن ألوم أهل العلم والدعوة الذين يغلبون العاطفة والحماس على الحكمة والعقل، وأهل السياسة الذين لا يدرسون السياسة ولا مادة التاريخ الأمم وتجارب الشعوب، وكل شأنهم التصريحات والتحليلات الفارغة، وكل همهم ركوب الموجات وتسجيل الحضور الإعلامي بأي شكل من الأشكال.

إن الشعب الأعزل لم يسقط نظام مبارك، ولا يمكنه أبدا أن يسقط حكومة الانقلاب الحاقدة، فادخلوا مساكنكم وسلموا أمركم لله تعالى، واخرجوا من الفتنة بأقل ما يمكن من الخسائر وراجعوا أنفسكم، وتذكروا أن الله تعالى قد وضع للتغيير سننا لا تتبدل، ولن يتم التغيير إلا بوفقها.

أيها المسلمون في أرض مصر لقد ابتليتم ببلية سبقناكم في الجزائر إلى مثلها، ونسأل الله تعالى أن يجنبكم رؤية ما رأينا وذوق مرارة ما عشنا، كتبت هذه الكلمات والألم يعتصر القلب، ولا أزعم أني كبير في النمل، ولكن أرجو أن تقع كلمتي هذه في أذن من ينتفع بها فانتفع بها، نسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل والهداية والتسديد، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في مصر وفي كل مكان وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحقن دماءهم وأبرم لهم أمر رشد يعز به أولياؤك ويذل فيه أعداؤك.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©