معنى الحياة الطّيّبة


الكاتب: عمر الحاج مسعود

صفر 1429


إنّ الحياة الطّيّبة السّعيدة ليست هي الفوز بالأموال والشهوات ولا التمتع بالمساكن والملذات، وإنّما هي نعيم القلب، وانشراح الصّدر وبهجة النفس وراحة البال.

وهذه الحياة هي من نصيب المؤمنين الموحّدين الذّاكرين العابدين، لكل نصيب حَسَب إيمانه وعلمه وتقواه وصلاحه، قال الله عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾ [النحل: 97].

قال الحسن وغيرُه من السلف: «لَنَرْزُقَنَّه عبادة يجدُ حلاوتَها في قلبه»(1).

وفسّرت الحياة الطّيّبة بالقناعة والّرضا، والرّزق الحسن وغير ذلك.


قال ابن القيم: «والصّواب أنّها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ومحبّته والإنابة إليه والتّوكل عليه»(2).


وقال تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين﴾[التوبة: 112]، وقال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾ [يونس: 62 ـ 64].

فهؤلاء يُبَشَّرُون في الدّنيا والآخرة بالخيرات والنِّعم، وتُصْرَفُ عنهم الشُّرُور والنِّقَم وينالون أغلى المطالب، ويفوزون بأعلى المكاسب.

إنَّ جَنَة الدنيا ونعيمها: توحيدُ الله وعبادته ومحبّتُه وذكره، والعلمُ بأسمائه وصفات جزائريةه، وخوفه ورجاؤه، والتّوكل عليه والسّعي في مرضاته، فَمَنْ منَّ الله عليه بهذا فلا عليه إن فاته متاع الدّنيا، فلذّاتها كلُّها لا تعدل ذرّة من ذلك النّعيم.

قال بعضهم: «لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لَجَالَدُونا عليه بالسّيوف».


وقال مالك بن دينار: «ما تنعّم المُتنعّمون بمثل ذكر الله».


وقال آخر: «مساكين أهل الدنيا: خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها»، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: «محبّة الله تعالى ومعرفته وذكره»(3).

فهذا شأن مَن أصبح وأمسى ولا هَمَّ له إلاّ عبادة ربّه والشّوق إلى لقائه والسّعي في فكِّ رقبته والإستعداد لآخرته.

وكان عمّار بنُ ياسر رضي الله عنه يقول في صلاته هذا الدّعاء الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: «اللّهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أَحْيِنِي ما علمت الحياة خيرا لي، وتَوَفَّنِي إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللّهم أسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغِنَى، وأسألك نعيما لا يبيد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مُضِرَّة، ولا فِتْنَة مُضِلَّة، اللّهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين»(4).


فالشّوق إلى لقاء الله عز وجل في هذه الدّنيا أعظم نعيم وأكبر لذّة، وأفضل حلاوة يوفّق إليها الموحّدون الصّادقون المحبّون.

قال بعضهم: «إذا ذكرت القدوم على الله كنت أشدّ اشتياقا إلى الموت من الظمآن ـ الشّديد ظمؤه في اليوم الحار الشّديد حرُّه ـ إلى الماء البارد»(5).

وقال ذو النون: «ما طابت الدّنيا إلاّ بِذِكْرِه ولا الآخرة إلاّ بِعَفْوِه ولاَ الجَنَّة إلاّ بِرُؤْيَتِه»
(6).

فَمَنْ رزقه الله ما سبق ذكره: اطمأنّ قلبُه وارتاحت نفسُه، وطابت معيشته وزال همُّه، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب﴾[الرعد: 28 ـ 29].

إنّ هؤلاء هم الأحياء، ولا عيش إلاّ عيشهم، ولا سعادة إلاّ سعادتهم.

قال ابن القيم: «فلا عيش إلاّ عيش المُحِبِّين، الّذين قرَّت أعينهم بحبيبهم وسكنت نفوسهم إليه، واطمأنَّت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه، وتنعّموا بِحُبِّه، ففي القلب فاقة لا يسدّها إلا محبّة الله والإقبال عليه والإنابة إليه، ولا يُلَمُّ شَعَثُه بغير ذلك أَلْبَتَّةَ، ومَنْ لم يظفر بذلك فحياته كلّها هموم وغموم وآلام وحسرات»(7).


نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفات جزائريةه العلى، أن يحيينا حياة طيّبة، ويُسعدنا في الدّنيا والآخرة، إنَّه نعم المولى ونعم النّصير.

-----------------------------------------------------------------------------


(1) «تفسير ابن رجب» جمع طارق عوض الله (2/133).

(2) «مدارج السالكين» (3/259).

(3) «الوابل الصيب» لابن القيم (ص74) و«تفسير ابن رجب» (2/134).

(4) رواه أحمد (18515)، والنسائي (1305، 1306)، وابن خزيمة في «كتاب كامل التوحيد» (ص12)، والحاكم، وقال: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي (1/525)، وصححه الألباني في «أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم» (3/1008).

فائدة: عند النسائي: «وأسألك نعيما لا ينفد»، قال الألباني: «والصّواب رواية الجمهور، أي: لا يبيد» [«أصل صفة الصلاة» (3/1009)].


(5) «شرح مفصل حديث عمار» لابن رجب (ص 32).

(6) «لطائف المعارف» (ص 316).

(7) «مدارج السالكين» (3/274).




مصدر الموضوع:


http://www.d16.net/vb/t1600#post1600





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©