بسم الله الرحمن الرحيم


دعـوهـا فـإنـهـا منتنة

الحمد لله رب العالمين,و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.
إنّ مما نعاني منه في هذا العصر , الانتصار للنفس و الهوى و القبيلة و العشيرة مِن العصبية الجاهلية التي يتفاخر بها بعض المسلمين على بعض , بل يتطاولون على الناس بتفاخرهم بقبيلتهم و عصبيتهم , و هذا ما كان عليه أهل الجاهلية مِن التفرق و التمزق و التشرذم , و لا يحكم دين و لا عقل حكيم , بل كان قويُّهم يأكل ضعيفهم , وغنيُّهم يأكل فقيرهم ,و الكلمة الأولى و الأخيرة لسيد القبيلة و لو كان على باطل و جور و ظلم , بل كانت الحروب تنعقد بينهم مِن أجل استغاثة رجل بقبيلة , و نحو ذلك.
فجاء الإسلام قاضياً على كل هذه الظواهر الجاهلية , وهذّب نفوس أصحابها , حيث جعل التفاضل بالعـلم و التقوى و العمل الصالح ,قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
(13سورة الحجرات)
و قال – صلى الله عليه و سلم - :" ألا فضل لعربي على عجمي , و لا عجمي على عربي , و لا لأبيض على أسود و لا لأسود على أبيض إلا بالتقوى "
( رواه أحمد و إسناده صحيح )
و قال – صلى الله عليه و سلم - :" إنّ الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ,و لكن إنّما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم " ( رواه مسلم )
و أنكر النبي – صلى الله عليه و سلم – أشد الإنكار على المهاجري و الأنصاري , عندما قال المهاجري : يا للمهاجرين , و قال الأنصاري يا للأنصار , فخرج عليهم , و قال لهم :" ما بال دعوى أهل الجاهلية ؟ ثـم قـال : " شأنهم " فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري ,فقال النبي – صلى الله عليه و سلم :" دعوها فإنها منتنة "
( متفق عليه )
فانتساب الشخص لماله أو ولده أو قبيلته أو عشيرته أو شيخه , و هو على غير تقوى و هُدى , لن تنفعه هذه النسبة , و لا تقربه إلى الله تعالى , قال تعالى :"وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ"
(37 سورة سبأ)
و لهذا لما أنزل الله تعالى قوله :" وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ"
(214سورة الشعراء)
قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال :" يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم لا أغُني عنكم مِن الله شيئاً,يا بني عبد مناف لا أغني عنكم مِن الله شيئاً , يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك مِن الله شيئاً,و يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنكِ مِن الله شيئاً و يا فاطمة بنت محمد سليني مِن مالي لا أغني عنك مِن الله شيئاً" ( رواه البخاري )
فهل هؤلاء تنفعهم نسبتهم للنبي – صلى الله عليه و سلم – عند الله – عز و جل – بدون الإيمان و العمل الصالح ؟ فبيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنَّه لا يُنجِّي من عذاب الله إلا الإيمان و العمل الصالح .
و هل تنفع اليهود نسبتهم لنبي الله موسى – عليه السلام؟ و هل تنفع النصارى نسبتهم لنبي الله عيسى – عليه السلام ؟ و هل تنفع الروافض ( الشيعة ) نسبتهم لآل بيت النبوة ؟ و هل تنفعك يا مَن تتعصب لقبيلتك و عشـيرتك و شيخك نسبتك لهم ؟ فالمقياس: التقوى و العمل الصالح , قال – صلى الله عليه و سلم - :" ..... مَن بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه " ( رواه مسلم )
فالانتصار للقبيلة أو العشيرة على غير الحق , هذا عين الظلم و الجـاهلية , و لا تنـفعهم تلك النـصرة ,
قال – صلى الله عليه و سلم -:" مَن نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي رُدّيَ فهو ينزع بذنبه "
( رواه أبو داود و إسناده صحيح )
"و ينزع بذنبه " أي البعير الذي تردَّى في بئر و يحاول أصحابه أن يخرجوه مِن ذنبه . فالنصرة لابد أن تكون على الحق,و ليس على القبيلة و الباطل , فقال – صلى الله عليه و سلم :" أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً , إن يكُ ظالماً فاردده عن ظلمه , و إن يك مظلوماً فانصره "
( رواه الدارمي و الحديث صحيح )
فكيف بمَن يُجنِّد بعض الناس للوقوف مع قبيلته الظالمة في وجه الحق! فكيف بمن يدفع الأموال و المغريات للمحتاجين مِن الناس لنصرة قبيلته على الباطل! و كيف بمن يشتري أصحاب الضمائر الضعيفة ( المرتزقة ) لبث الرعب و الخوف بين الآمنين ,ليبقى مسيطراً عليهم بالحديد و النار ! أليس هذا مِن الجاهلية ؟ فإذا كان الربُّ واحداً ,و النبي واحداً, و الدين واحداً , و الأب واحداً و الأم واحدةً ( آدم وحواء) فلماذا هذه الجاهلية ؟ قـال تـعـالى :
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عليمٌ خَبِيرٌ" (13سورة الحجرات)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" إنَّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم , و إنْ لم تكن ابن نبي و لا أبا نبي , فإبراهيم – صلى الله عليه و سلم – أكرم على الله مِن يوسف و إن كان أبوه آزر , و هذا أبوه يعقوب , و كذلك نوح أكرم على الله مِن إسرائيل , و إن كان هذا أولاده أنبياء , و هذا أولاده ليسوا بأنبياء .
و لهذا لم يُثنِ الله على أحد في القرآن بنسبه أصلاً : لا على ولد نبي , و لا على أبي نبي , و إنما أثنى على الناس بإيمانهم و أعمالهم , وإذا ذكر صنفاً و أثنى عليهم , فلِمَا فيهم مِن الإيمان و العمل الصالح , لا بمجرد النسب "
( منهاج السنة 8 / 215 – 216 )
و امتدح اللهُ – عزّ و جلّ- الصحابةَ – رضي الله عنهم – بإيمانهم و أعمالهم الصالحة , قال تعالى :"وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"
(100 سورة التوبة)
و قال تعالى :"وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (10سورة الحديد)
فبعد هذا يُقال للذين يفتخرون بأنسابهم على الناس , و يتطاولون عليهم بالظلم و العدوان , و أكلهم لأموالهم بالباطل : فهذا مِن الطغيان و البغي و الاستطالة على الخلق , و هذه كلها لا تنفع صاحبها , بل سيُحاسب عليها إنْ لم يتب إلى الله , و يردُّ المظالم لأهلها ,قال –صلى الله عليه و سلم - :" إنه أوحيَ إليَّ : أنْ تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد و لا يبغي أحد على أحد " ( رواه مسلم )
و لهذا حذَّر النبي – صلى الله عليه و سلم- مِن أمور الجاهلية في حجة الوداع فقال :" .... ألا كلُّ شيء مِن أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ..." ( رواه مسلم )

فالانتساب الشرعي المحمود , هو الانتساب لدين الله – عز و جل- و الانتساب للآباء و الأجداد و للقبيلة في الحق , فهي نسبة لابدَّ منها , أما إذا كانت كنسبة أهل الجاهلية, فهي بلا شك أكثر ذماً و أشدُّ مقتاً , لأنها مِن العصبية التي يبغضها الله – عز و جل- , فلا تفيد الشخص نسبتُه إلى نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى و العمل الصـالح .
ليس معنى ذلك أننا ندعو إلى إبطال الأنساب و تمزيق القبائل , كلا , بل نريد أنْ تكون القبيلة و العشيرة ملتزمتان بشرع الله , واقفتان عند حدوده , بعيدتان كل البعد عن ظلم الآخرين و التعدي عليهم و استغلال قوتهم في سفك دماء الأبرياء , وهتك أعراضهم , و أكل أموالهم بالباطل .

و مِن المعلوم أنَّ شرف القبيلة بهذا المعيار شرفٌ عظيم , و نعمة مِن نعم الله – عز و جل- , فتـكون مـوالاتهم و معاداتهم على دين الله – عز و جل - .
و الأصل في القبائل القوية أن تنصر القبائل الضعيفة بالحق , و تشارك الآخرين في أفراحهم و أحزانهم و لا تتكبر و لا تتجبر ,و تسعى جادة بين القبائل إلى إحقاق الحق , و إبطال الباطل , و نصرة المظلومين .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
..........

منقوووووووووووووووووووووول
عسى ان ينفعني الله به واياكم
يوم لا ينفع مال ولا بنون





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©