السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

إضاءات الفجر






إضاءةٌ . .. تَسْكبُ ...دَعْوةً ~
تجول الروح بعيداً في أفق هذه الأيام الندية بالطهر
وتتصاعد أشواق العابدين حين تعانق أول العشر
وتهطل أسراب الوجد على قارعة الفؤاد
لتستجيش في قلوبنا مشاعر التقوى
وتسكن نفوسنا بذكر الله
بغية وجهه ورضاه..!
فلنستنشق الريّا من عبير هذه الأيام المأنوسة
ونملأ خلايانا بيقظة الوجدان ..
ليكن الله حاضراً في وجودنا أبداً ..
ماثلاً أمام أعيننا دائماً ..كأننا نراه
حتى تصبح عادات حياتنا كلها عبادة
لتتحقق إرادة الله في الخلق ،
ويستقيم بها وجودنا في الأرض..
وتكون موصولة السبب بالسماء..!



إضاءةٌ ترْشفُ مِنْ نوْر آيَة ~

قال تعالى :« فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين».
حقيقة الضلال قبل الإسلام كانت قائمة تمثلها حياة العرب في الجاهلية ،
وهي ماتزال قائمة بالقياس إلى المسلمين .. من كل جيل .. ومن كل أمة ..!
هذه الحقيقة أتت لتذكرنا في هذه الآيات أننا حين نقيم حياتنا على المنهج الإسلامي فإننا ننتقل بها إلى طور رفيع من العيش نرتقي به إلى القمة الشامخة ..
وننظر بها من علٍ إلى وجوه الجاهلية التي تنغمس فيها البشرية
في الوهم والضلال والأوحال ..!
ولا يدرك حجم هذه النقلة من الضلال إلى الهدى إلا من عاشها..!
ولقد خبرها المسلمون الأول حين خاصوا غمار الجاهلية .. قبل أن تشرق نفوسهم
بالإيمان ..!
ويدركها المؤمنون الآن في كل مكان وهم يلمسون العبثية والشقاء ، والجشع والاضطراب الذي هوت البشرية في مستنقعه الآسن حين استغنت عن الشريعة الاسلامية الله .
حقيقة النقلة في الآية المذكورة تنيرنا :
أن الحج كان عادة وتقليداً عربياً في الجاهليه.. تحيطه طقوسه ورموزه الغريبة
ثم انتقل في الاسلام فصار فريضة يراد بها طاعة نداء الله محفوفة بشعائر التقوى




إضاءةُ تأَمُّلاتٍ ..مِنْ مَطْلعِ سُوْرةِ الْفَجْر ~

وهنا .. دعونا نستشرف أنوار الليالي العشر.. على ألق سورة الفجر ..ونسافر فيها..
ففي مطلع السورة يهلّ علينا هذا القسم الندي الذي يجلو المشاهد والخلائق ..
تلك التي تضم الأرواح الطيفية الشفيفة ..!
" والفجر " .. نلمس لحظات تنفس الحياة في فرحٍ واستبشارٍ.. ودعةٍ مطمئنة والكون الغافي تحت غاشية الليل ينضو عنه ثوب الظلام .. فيتثاءب الوجود، مرتقباً ولادة الضوء وينتعش رويداً رويداً ..
وكأنما هو رئة تتنفس مناجاةً ..
وزهرة تتفتح ابتهالاً ..!
" وليالٍ عشر " آيةً أطلقها النص القرآني .. ووردت فيها رواياتٌ شتى ..
قيل هي العشر من ذي الحجة ..
وقيل هي العشر من المحرم ..
وقيل هي العشر من رمضان ..
وإطلاقها بهذه الصورة أغزر وقعاً وأندى ..
هي - في كل الأحوال - لها عند الله تعالى شأن كبير ..
وهي ليالٍ لها كينونة تختص بها ...
وكأنها خلائق حية ذوات أرواحٍ ..
نتعاطف معها ، وتُعاطفنا .. من خلال التعبير القرآني الودود..!
وفي سياق هذا القسم اللطيف تأتي " والشفع والوتر "
لتطلق روح العبادة والصلاة في هذا الجو الحبيب
الذي تتعانق فيه.. مع الفجر ، والليالي العشر ..
صلاة الشفع والوتر - كما جاء في حديث الترمذي- في هذا التفسير
حيث تتلاقى أرواح العبادة الخاشعة ، مع أرواح الليالي المختارة ، مع روح الفجر الساجي الوضيء..!



إضاءةٌ .. تَزْهرُ في رَوْضِ التّفاسيرِ ~

هلم بنا نلتقط هنابعضاً من أطراف التفاسير في : الفجر ..والليالي العشر .. والشفع والوتر..
بمايحمله القسم من شفافية .. وهمس إلهيّ ينبض حياة تتلبس روح الكون كله ..!
وننثرها هنا لآليء على مسك أيام الحج :

فعن مسروقٍ : المراد بالفجر هو فجر يوم النحر خاصة ، وهو خاتمة الليالي العشر
والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة..

وعن ابن عباس قال : « والفجر » : جعل الله جل ثناؤه لكل يومٍ ليلة قبله، إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده ؛ لأن يوم عرفة له ليلتان : ليلة قبله وليلة بعده ، فمن أدرك الموقف ليلة بعد عرفة ، فقد أدرك الحج إلى طلوع الفجر، فجر يوم النحر.

وروى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« والفجر وليالٍ عشر - هي عشر الأضحى فهي ليالٍ عشر على هذا القول ؛ لأن ليلة النحر داخلة فيه
، إذ خصها الله بأن جعلها موقفاً لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة .
وإنما نكرت ولم تعترف لفضيلتها على غيرها(1) ، فلو عُرّفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير ، فنكّرت من بين ماأقسم به ، للفضيلة التي ليست لغيرها
والله أعلم .

عن جابر بن عبد الله : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" « والفجر وليالٍ عشر » -
قال : هو الصبح ، وعشر النحر ، والوتر يوم عرفة ، والشفع : يوم النحر " .



إضاءةٌ تهمسُ عِطر ~

هذا القسم العظيم الذي انطلق في مطلع هذه السورة
ليس مجرد ألفاظ وعبارات بما ضمه من آيات ...
ولكنه رونق أنسام الفجر .. وجو نديٌّ خاشعٌ مشعشعٌ بالعطر .. !
وهو النداء الرفيف .. والنجوى الرفيقة .. للقلب ..!
وهو اللمس الرقيق ، والهمس الرباني اللطيف .. للروح ..!
وهو ..المعبر عن حقيقة .. في الوقت ذاته ..!
أمّا المقسم لأجله ، فقد طواه السياق ، ليفسره مابعده ..
وما بعده هو موضوع الطغيان والفساد ، ومآله وعاقبته ..!




إضاءةٌ .. ذرّاتها مِسْك ~

والحديث عن الحج يمتد .. ولا ينتهي
تهمي من أفقه الرحيب علينا صور شتى
تجلولأرواحنا الغايات السماوية
والمرامي السامية العلوية
من وراء شعائر أيامه العشر..!
تتألق في قمم أهدافه وغاياته
آصرةٌ تآلف القلوب ..وتجردها إلا من سمة الإسلام ..!
لافرد يعلو على فرد .. ولاقبيلة على قبيلة ..ولا جنس على جنس . .!
تتوحد بها المشاعر والاتجاهات ، ويُتوجَه بها كلها ...إلى الله .
ومن ثم يعني هذا توجيه الشعور والعمل ، والنشاط والعبادة..
إلى تلك الوجهة الواحدة... في سائر أمور حياتنا .. لما بعد الحج ..!
وبذلك تصبح كل حركة لنا في الحياة تحمل .. روح العقيدة.
وبذلك تتوحد الطاقات وتتفق الاتجاهات.
ولا تتمزق النفس الإنسانية في تشتت المسالك ..وتضارب الأهداف ...
ونحمل روح الحج معنا أينما تسافرنا الحياة..!






مصادر مادة التفسير : الكامل لابن أثير
تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن .




راق لي




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©