السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

تحية عطرة لكل الأعضاء الكرام

إخوتي أخواتي أحببت أن أشارككم في بعض التأملات القرآنية، التي قد تعيننا على تدبّر القرآن فلا نقرأ كلماته فقط بل نستشعر معانيه ونعيش مع روحانياته العظيمة
هناك آيات تتشابه في القرآن فنظن أنها تصب في المعنى ذاته لكن لو تأملنا الكلمات وكيفية نظمها ومسألة التقديم والتأخير لأدركنا أنها تختلف لتدل على معنى أعمق ومغاير يجدر بنا الانتباه له
أردت إخوتي أخواتي أن نستفيد جميعا ونتأمّل معجزة الله في هذا الكتاب كامل العظيم
أنظروا معي:
هذه الآيات من سورة المعارج، يقول الله تبارك وتعالى: (( يُبصّرونهم يودّ المُجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه 11 وصاحبته وأخيه 12 وفصيلته التي تؤويه13 ومن في الأرض جميعا ثم يُنجيه14))
وهذه الآيات من سورة عبس، يقول عزّ وجل: (( فإذا جاءت الصّاخة 33 يوم يفرّ المرء من أخيه34 وأمّه وأبيه35 وصاحبته وبنيه36 لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغنيه37))
يظهر لنا هنا أن المعنى لا يختلف فقط اختلفت بعض الألفاظ لكن الحقيقة غير ذلك فاللفظ في القرآن يؤوّل حسب موضعه وفي السياق لأن كل كلمة وضعت في مكانها لا يمكن أن تستبدلها بكلمة أخرى وهذا هو الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم
جاء في كتاب كامل لمسات بيانية للدكتور صالح فاضل السّامرائي في ما يخص التفسير اللغوي لهاتين السورتين ص 192، 193، 194، 195 مايلي:
"بدأ في سورة (عبس) بذكر الأخ فالأم فالأب فالصاحبة ثم الأبناء في الأخير.
وفي سورة المعارج على عكس ذلك، فقد بدأ بالأبناء، فالصاحبة فالأخ فالفصيلة، ثم انتهى بأهل الأرض أجمعين.
وسبب ذلك والله أعلم أن المقام في (عبس) مقام الفرار والهرب، قال تعالى:"يوم يفرّ المرء" والإنسان يفرّ من الأباعد أولا، ثم ينتهي بألصق الناس به وأقربهم إليه، فيكونون آخر من يفرّ منهم. والأخ أبعد المذكورين في الآية من المرء. وإنّ ألصقهم به زوجه وأبناؤه، فنحن ملتصقون في حياتنا بأزواجنا وأبنائنا أكثر من التصاقنا بإخواننا وآبائنا وأمهاتنا. فقد تمر شهور بل ربما أعوام ونحن لا نرى إخواننا في حين نأوي كل يوم إلى أزواجنا وأبنائنا
والإنسان قد يترك أمه وأباه ليعيش مع زوجه وأبنائه وهو ألصق بأبنائه من زوجه، فقد يفارق زوجه ويسرحها ولكن لا يترك ابنه، فالأبناء آخر من يفر منهم المرء ويهرب.
وهكذا رتب المذكورين في الفرار بحسب العلائق، فأقواهم به علاقة هو آخر من يفر منه....
هذا هو السياق في (عبس) سياق الفرار من المعارف وأصحاب العلائق...
أما السياق في سورة المعارج، فهو مختلف... ذلك أنه مشهد من مشاهد العذاب الذي لا يُطاق، فقد جيء بالمجرم ليقذف به في الجحيم المستعر، وهو يودّ النجاة بكل سبيل ولو أدّى ذلك بأن يبدأ بابنه... فرتّب المذكورين ترتيبا آخر يقتضيه السياق وهو البدء بالأقرب والأعلق بالنفس فيفتدي به قبلا عن الآخرين، ولقد وردت في السياق جملة أمور تقتضي هذا الترتيب منها
إنه ذكر أن هذا المفتدي (مجرم) وليس امرءا عاديا، والمجرم مستعد لفعل أي شيء لينجو...
إن البدء بأقرب الناس وأحبهم إليه وألصقهم بقلبه ليفتدي به، يدل على أن العذاب فوق التصوّر...
أسأل الله لنا العفو والعافية
هذا الكتاب كامل قيّم جدا ويتحدّث عن روائع القرآن بتدقيق لغوي مدهش
أرجو أن تكونوا استفدتم على الأقل ممّا طرح ، أستودعكم الله





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©