بسم الله الرحمن الرحيم
(منقول)

القول الميمون بترجمة الشيخ عباس طيبون رحمه الله .
رائد الإصلاح بمدينة أبي العباس
(1) .


اسمه و مولده :
هو الشيخ الفاضل المصلح الداعية الشاب أبو اسحاق عباس طيبون من مواليد سنة أولى955 م بمدينة بلعباس ، وهي من ولايات الغرب الجزائري .

نشأته :
نشا في كنف بيت ملؤه العفاف و الصيانة و الديانة ، و منذ نعومة اظافره طان ميالا مدمنا لقراءة الكتب مادة اللغة العربية و المادة الفرنسية ، وحدث عندنا – في أواخر السبعينات – أن جاءت بعض الدعوات التي تدعوا الى الرجوع الى تعاليم الاسلام و لم تقم على أساس العلم الصحيح ,, ، و ازداد اقبال العامة على الاستقامة ، وكثر الزائرون للحجاز عمرة أو حجة ، و تطايرت السنتهم ثناء عطرا على السلفيين و الدعوة السلفية ، فتلقفها الشيخ رحمه الله من افواههم ، و أصابت فؤاده و نقشت في خلده ، مما أثار فضوله لمعرفة هذا المنهج و معرفة اصوله و دعاته ، فاعتكف ردحا من الزمان على كتب شيخ الاسلام ابن تيمية و ابن القيم و كتب الشوكاني و صديق حسن خان رحم الله الجميع الى ان وفقه الله للقيا الشيخ حماد الانصاري رحمه الله (2) ، افتضح له السبيل و لزمه ، ودعا اليه حتى فارقت الروح الجسد .

صفاته :
صفات الشيخ صفات اهل العلم تواضع جم ، و حسن الكلام ، و طيب سريرة ، يشهد بذلك القاضي و الداني و المحب و الشانئ .

و من اخص صفاته و انبلها الحرص على تعليم الناس ، و له نصيب من وصف الرسول صلى الله عليه و سلم ( حريص عليكم ) (3) ، لم يتوقف عن التدريس حتى في سنين الجمر مفتديا بنفسه ووقته طمعا فيما عند ربه من النعيم المقيم ، و لا يكاد من يرابط مجلسه ان ينصرف بتعلم سنة ، أو وءد بدعة ...

فان لم يتات له ذلك تاثر بسمته و دماثة خلقه .

عقيدته و منهجه :
و كان الشيخ رحمه الله على مذهب السلف الصالح يثبت انواع التوحيد الثلاثة : الربوبية و الالوهية و توحيد الأسماء و الصفات .
و له اهتمام بالغ بتقرير توحيد العبادة و الدعوة اليه و تعظيمه ، و بيان الشرك و انواعه و ذرائعه ووسائله ، و نبذه و الرد على اهله ، ومن أوائل الكتب التي درسها كتاب كامل فتح المجيد .
و اما توحيد الصفات فكان يسلك مسلك اهل الحديث امثال الامام أحمد / ومالك ، و الشافعي و غيرهم ، لا تكييف و لا تمثيل و لا تعطيل .
و يرد على الفرق المنحرفة في هذا الباب ، و خاصة الاشعرية التي تلبس بها فئات من الناس في بلدنا .
و هكذا انتقد رسالة انتشرت بين رواد المكاتب أشاد صاحبها بمذهب الروافض ، فبين زيف هذا المعتقد و خبثه و شئمه على العباد و البلاد ، و افصح عن حال الخميني (4) و عداءه للاسلام في زمان اغتر كثير من المثقفين بدعوته و خفي عليم حاله ، واني أعد هذا من أرجى حسناته عند ربه .
كما بذل جهده في تقرير عقيدة اهل السنة من خلال تدريسه للعقيدة الطحاوية مكثرا النقل من كلام ابن ابي العز ، و شيح الاسلام ابن تيمية ، و تلميذه ابن القيم ، و ابن كثير و الدهبي ، و ابن رجب ، و علماء الدعوة و غيرهم .....
و اما عن منهجه كان يسلك دعوة التصفية و التربية يجهر بها و يدعوا اليها ، و خلاصة هذه الدعوة تصفية الاسلام من كل دخيل ، و تربية الناس على هذا الاسلام الاصيل ، أي تصفية التوحيد من الشرك ، و السنة من البدعة ، و الفقه من الاراء الحادثة المرجوحة ، و الاخلاق من سلوك الامم الهالكة المقبوحة ، و الاحاديث النبوية الصحيحة من الاحاديث المكذوبة المفضوحة ......و هكذا .
و كان الشيخ بعيدا عن مناهج الحادثة و الجماعات الاسلامية التي خافت منهج الانبياء في الدعوة الى الله الذي فيه الحكمة و العقل .
بعيدا عن التحالفات السياسية و الحزبيات المقيتة (5) التي فرقت الامة شدر مدر .
و له رحمة الله عليه قراءة في كتاب كامل حقيقة الدعوة الى الله تعالى و ما اختصت به جزيرة العرب للشيخ سعد الحصين حفظه الله .
و قد تولى رحمه الله توزيع كتب في هذا الباب و الاشادة بها ككتاب كامل السراج المنير للعلامة تقي الدين الهلالي ...

أما اشرطة العلامة الالباني رحمه الله و الشيخ محمد امان الجامي رحمه الله و غيرهما فكان لها الحظ الاوفر في تجسيد دعوة التصفية و التربية . و ان شئت قل التنقية و التحلية .

شيوخه :
اكثر علم الشيخ وجادة من الكتب ساعده في ذلك نباهته و فرط دكائه و سلامة قريحته ، فلقد أوتي فهما مسددا و نظرا ثاقبا و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، كما استفاد من زيارته للمملكة مادة اللغة العربية السعودية من توجيهات أهل امثال العلامة شيخ مشايخنا حماد الانصاري رحمه الله في اول لقاء معه سنة أولى985 م اذ فتح له بابه ، و دفعه الى مهايع الخير و سبل الهداية ، و انر له البصيرة ، و شحذ له الهمة في الدعوة الى الله .

كما استفاد من لقاءات الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله الذي صار بيته ملاذا لطلاب العلم يختلفون اليه زرافات ووحدانا ، يحودهم الحادي لسماع الحديث و مصطلحه .
و يحسن بالذكر أن الشيخ رحل الى الشام و التقى بالشيخ الأرنؤوط رحمه الله لكن لم تطب نفسه فيها لكثرة ما وجد فيها من البدع و المحدثات .
ثم يمم وجهه الى المغرب الاقصى لاستجلاب الكتب النافعة كاثار تقي الدين الهلالي رحمه الله و غيرها فاتسعت مداركه و كبرت اهتماماته ، و صار أكثر لزوما للعلم النافع ، لا تفوته ساعة الا و هو في قراءة كتاب كامل أو القاء محاضرة ، أو الاجابة عن سؤال فرحمه الله رحمة واسعة .

طلابه :
طلاب الشيخ كثر و المرتادون لمجالسه و محاضراته لا احصيهم كثرة ، استفادوا من دروس مفصلةه و توجيهاته و لا زال بفضل الله اكثرهم في الطلب نسأل الله ان يبارك في جهود الجميع .

و لعل هذه الترجمة المقتضبة تؤز طلابه و محبيه ، و تدفعهم الى الاصلاح و الحرص على هداية الناس بالتي هي أحسن للتي هي اقوم ، شعارهم في ذلك الدعوة الى التوحيد و السنة ، و دثارهم لا يصلح شان هذه الامة الا بما صلح به اولها .

جهوده في الاصلاح :
و له جهود في إصلاح عقائد الناس ببيان زيفها ن و خاصة ما يتعلق بالمظاهر الشركية من دعاء الأولياء الصالحين – زعموا – و الاعتكاف على عتبات المشاهد و الذبح لها ، و إقامة الزردات و الوعدات (6)
و الاعتقاد في ديوان الصالحين ، أفصح غير مرة من غير كلام أن هذا شرك و مجانبة لدعوة النبي صلى الله عليه و سلم .
و اهتم رحمه الله بنقد البدع التي شاعت عندنا كبدع الجنائز من إقامة السرادقات و القيطون (7) و قراءة القران على المقابر ، و البناء على القبور ، و ابتلى في ذلك بلاءا شديدا لشدة استحكام الغربة و فشو الجهل و تصدر أدعياء العلم .

كما اهتم بإصلاح الأخلاق و ذلك بالتحذير من مغبات الكبائر و شؤم الفواحش عن طريق الوعظ الحسن و الكلمة الطيبة و النصح المستديم لأسرى الشهوات و العادات .

و قد سبق بيان منهجه في الدعوة الى الله ، و لما جاءت الحزبية المقيتة بعجرها و بحرها نبذها نبذ النوى ، و لم ينخرط في مسالكها و لم ينخدع بزخرفها ....مقتفيا بذلك مسلك العلماء الكبار ، ناصبا فكره و فؤاده بالقرون الثلاثة المفضلة ، لا يحيد قدر ...عن الكتاب كامل و السنة ، ممثلا قول القائل:

و نهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... و لكنها الاهواء عمت فأعمت .
لعمري لقد نبهت من كان نائما ...و أسمعت من كانت له أذنان ( .

و كان رحمه الله يرى ان طريق التمكين لا يكون إلا بالأخذ بالأسباب الشرعية من تعليم الناس دينهم و ما ينفعهم في العاجل و الأجل .

وفاته :

قتل رحمه الله في شهر أكتوبر سنة أولى994 م (9) ، في فتنة عظيمة قد وقانا الله شرها (10) ، و كان موقف الشيخ فيها موقف الاطدواد الشامخات ، راسخا رسوخ الجبال الراسيات ، مستمسكا غرز العلماء الربانيين حتى الممات ، نسال الله له الشهادة و صدق من قال :

و ليس من الرزية فقد مال....و لا شاة تموت و لا بعير .
لكن الرزية فقد شخص ...يموت لموته ناس كثير (11).

و قد تولى تغسيله طلابه و احبابه ، و لقد رايته مسجى بكفنه و الابتسامة لا تفارق وجهه ، و سمة الصلاح لم تفراق طلعته .....و ذرفت عليه العيون ، و حزنت عليه القلوب ، و عطلت اكثر المدارس و المؤسسات و الهيئات ، و لم يتخلف عن الخروج الا مضطر او في قلبه دغل على دعوة الحق ، و صدق الامام أحمد لما قال بيننا و بينكم الجنائز (12) .

و لعل هذا من اخلاصه و صدقه و قبوله عند الناس اذ صح في الخبر : ( اذا احب الله العبد نادى جبريل : ان الله يحب فلانا فاحببه فيحبه جبريل فينادى جبريل في اهل السماء : ان الله يحب فلانا احبوه ، فيحبه اهل السماء ، ، ثم يوضع له القبوا في الأرض ) (13) .

أثاره :
شغف الشيخ رحمه الله بتأليف الرجال قبل تأليف الكتب ، و اعتنى بالتوجيه و الإصلاح و التدريس و التعليم إلى أخر لحظة من عمره .
و له بحوث كان يلقيها على طلابه في مساجد المدينة أكثرها نفعا شرح مفصله للطحاوية ، و تعليقه على كتاب كامل الجنائز للمحدث الألباني رحمه الله .

و من أثاره أيضا : رسالة في صفة السجود السهو و أحكامه التي كتبت و نشرت في حياته رحمه الله .

فهذه نبذة يسيرة و ترجمة مقتضبة كتبت على عجله و بجله لعلها تفي بالغرض ، و اني على يقين اني ما استوفيت حقه ، و صدق من قال من السلف : ( كنت اذا تعلمت عن الرجل مسالة فقد استعبدني ) .

و الدافع من اخراج الترجمة تعرفه للجماهير من الناس و طلاب العلم ممن سمع به و لم يره اداء للجميل ووفاء له ، و ربطا بين الجيل الصاعد و الجيل الذي سبق ، و قيل قديما : ( الحكايات جنذ من جنود الله تعالى ، يثبت الله بها القلوب أوليائه ) و قال ابو حنيفة : ( الحكايات عن العلماء و محاسنهم احب الي من كثير من الفقه لانها اداب القوم ) (14) .

و صدق من قال : ( الناس في حجور علمائهم كالصبيان في حجور أبائهم ) (15) .

فاعرف أخي القارئ حق هذا الرجل ، و لا يعرف حقه و قدره الا من عرف دين الرسول صلى الله عليه و سلم و حقه و قدره فمن وقع دين الرسول صلى الله عليه و سلم في قلبه بموقع سيتحقه ، عرف حق ما قام به هذا الرجل بين اظهر عباد الله يقوم معوجه و يصلح فسادهم و يلم تشعثهم جهد إمكانه .


فالله الله أخي القارئ في تذكرة و الثناء عليه و نقل أثاره و الترحم عليه و الدعاء له .

و بعد ذلك كله فقول الحق فريضة ، فلا ندعي فيه العصمة عن الخطأ ، و هذا القدر لا يجهله عارف منصف .

( جعلنا الله و إياكم ممن ثبت على قرع نوائب الحق جأشه ، و احتسب لله ما بذله من نفسه في إقامة دينه و ما احتوشته من ذلك وحاشه ، و احتذى حذو السبق الأولين من المهاجرين و الأنصار ، و الذين لم تاخذخم في الله لومه لائم ، فكانوا مع ذلك كل منهم مجاهد بدين الله قائم .

و نرجوا من الله تعالى أن يوفقنا لأعمالهم و يرزق قلوبنا قسطا من أحوالهم ، و ينظمنا في سلكهم ، و تحت سنجقهم و لوائهم ، مع قائدهم و إمامهم سيد المرسلين ، و إمام المتقين / محمد صلوات الله عليه و على أله و أصحابه أجمعين (16) .


و كتبه محب الشيخ و بلديه : عبد الكريم بن عبد القادر ال سهلة .
المدينة المنورة (17) .

------------------------------------------------------
1 - هكذا جاء اسم مدينة سيدي بلعباس في الكتب المادة التاريخية .
2- هو شيخ مشايخنا حماد بن محمد الأنصاري الخزرجى السعدي ، ولد سنة أولى343 ه ببلدة يقال لها ( تاد مكة ) في مالي بأفريقيا
3 – سورة التوبة الآية 128 .
4- عندي رسالة اهداها لي اخي في الله ابو الهمام المصري كاتب الشيخ ناصر مكتوبة بخط العلامة الالباني رحمه الله
5- و من اواخر الكتب التي اعتكف عليها الشيخ طيبون رحمه الله على قراءتها كتاب كامل عيون البصائر للعلامة الابراهيمي رحمه الله
6- و قد أفتى بحرمتها العلامة البشير الابراهيمي ،و العلامة المبارك الميلي و الشيخ بلقاسم أرواق
7- قال العلامة احمد تيمور في كتاب كامله المهندسون في العصر الإسلامي ص107 : ألقيطون المخدع
8 –انظر الهدية الهادية للعلامة الهلالي رحمه الله ص 56 .
9- انظر في كتاب كامل شيخنا و حبيبنا الشيخ أب عبد المالك بن اخمد رمضاني حفظه الله مدارك النظر ( هامش صحيفة 415 – الطبعة الرابعة الذي تولى تقريظه العلامة المحدث الألباني رحمه الله و شيخنا محدث المدينة عبد المحسن العباد البدر حفظه الله .
10- انظر فتاوى العلماء الكبار للشيخ رمضاني حفظه الله و كتاب كامل العراق للشيخ مشهور حسن حفظه الله .
11 – مادة التاريخ دمشق 21/340 56/463 .
12- انظر تهذيب التهذيب (1/61)
13- أخرجه البخاري في صحيحة برقم (3037-5693 ، 7047-ت : البغا )
14- جامع بيان فضل العلم
15- هو من كلام ربيعة بن عبد الرحمن رحمه الله انظر شرح مفصل العقيدة الوسطية ص98 .
16- التذكرة و الاعتبار و الانتصار للإبرار في الثناء على شيخ الإسلام و الوصاية به .ص20 للعلامة احمد بن إبراهيم المعروف بابن شيخ الحزامين .
17- خريج الدبلوم العالي قسم القضاء الجامعة الإسلامية .




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©