بسم الله و بعد


يشهد المجتمع الجزائري الحديث انهيارا في وجوه الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الناس و انحطاطا في القيم الأخلاقية العامة لأفراده

حتى أصبحنا ننبهرمن أخبار الأخيار فيه كأنهم عملة نادرة في مجتمع يدين أفراده بالإسلام الذي تلقوه عن نبيهم ولخصه في قوله ( إنما بعثت لأتمم صالح
الأخلاق )
وقد تلقى مدحا من ربه في كتاب كامل يتلونه ليلا و نهارا جعله في أخلاقه لا في شيئ اخر فقال "و إنك لعلى خلق عظيم"

فداخل الأسرة مثلا أصبحنا نحتار لعلاقة الأبناء مع آبائهم , فالصوت العالي ميزة الحوار و السب و الشتم أسلوب يحترفه الأولياء في تقويم أبنائهم ,أما التواصل العاطفي و الفكري فهو نادر ينحصر في حالات المرض و الأزمات

أما شوارعنا فقد أضحت مرتعا لكل الآفات و مدرسة حقيقة لكل الموبقات ,ومن العادي أن تتعثر صباحا و أنت ذاهب إلى عملك بزجاجات خمر فارغة أو تلمح بعض الشلة ثملة مخدرة تفترش الرصيف و الزقاق و الجسور أو تسمع كلام سب من هنا أو هناك و إن لم تمشي الحيط الحيط قد ينقض عليك من يسرق هاتفك أو حقيبتك ومن يعتدي على سمعك بالموسيقى الصاخبة , و فوق كل ذلك أنت مضطر لرؤية كل ألوان التبرج و السفور و المعاكسات و التحرشات ...

مدارسنا ,من التعليم المتوسطاتنا و من التعليم الثانوياتنا و جامعاتنا أضحت صروحا للعلم الخال من التربية و من العادي أن تسمع خبر ضرب التلميذ للأستاذ و كسر أنفه أو أحد أضلعه أو تكسير للكراسي و الطاولات وزجاج النوافذ و حتى إشعال النار في الستائر أو مشاهدة السلوكيات المنحرفة بين التلاميذ و التلميذات تدخين وماكياج و تمثيليات حب في الساحة و القسم على المكشوف و لا داعي للتفصيل هنا و حتى المربين من أساتذة و مساعدين تربويين ساهموا في جلد التربية و الأخلاق ببعض التصرفات التي لا تليق بالوسط التربوي

الأخلاق يا جماعة أثمار بذرها الوراثة و تربتها التربية و سقياها العلم و القائمون عليها هم نحن رجالا و نساء ,اباءا و أمهات , مربون ,أساتذة و معلمين و أئمة كلنا منتظمون في أربع مؤسسات تقع على عاتقها تقويم و إصلاح كل شؤون المجتمع هي الاسرة و الشارع و المسجد و وسائل الإعلام
على الأسرة بصفتها نواة الإصلاح في المجتمع و حجر الأساس للأخلاق في واقع الفرد أن تبدي استعدادا أكبر للتربية و أن لا تكتفي باللهث و راء تحسين الوضع الاجتماعي لأفرادها على حساب القيم و الأخلاق بل هي مطالبة بثورة أخلاقية مبنية على جلب أطايب الكلام في الحوار العاطفي و الفكري بين أفرادها وعدم ربطه بالمادة فكم من أحاسن الأخلاق لم تفسدها أسمال الفقر
فعلى كل من أراد أن يفتح بيتا أن يدرك أن وظيفة هذا الوكر الأولى هي المحافظة على الإيمان و العبادة و الخلق الشريف و المسلك القويم و التقاليد الراشدة و المثل العليا و أن يسعى بشتى السبل لتحقيق ذلك

الشارع بما فيه من موبقات مطالب بثورة شعارها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قد و صفنا الله عز وجل بخيرية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ففرطنا فيها و أمرنا بالتعاون على البر والتقوى فتناسينا أمره، فظهرت فينا معاص لم تكن فينا وألفها السواد الأعظم منا وأخلدنا إلى المداهنة في الإنكار، فكأن الخاطب بزواجر القرآن والسنة غيرنا

فأفراد شوارعنا أنا و أنت, أفراد عائلتي و عائلتك ,جاري و جارك كلنا مطالبون بالالتحام و القيام بحملات جماعية و فردية ومبادرات لوضع أعمدة للأخلاق في زقاقه وطرقاته ولا نحتاج في هذا إلا لإرادة الأفراد و ليست إرادة دولة أو نظام

المؤسسات التربوية , لا خير في علم بلا تربية و لا خير في تربية تهتم بكل شيئ وتترك الأخلاق فالتربية الكاملة هي ما اتخذت الأخلاق أساسا فإن لم تهدف التربية إلى تهذيب الآخلاق فلا كانت
وتلعب المؤسسات التربوية دورا خطيرا في بناء أخلاق النشء فهي أعظم قوة خلقية في المجتمع لأنها تزود الأفراد بالتراث العقلي الذي فيه تتكون ثقافتنا و بالسلوك الخلقي الذي يحدد فهم الفرد لنواحي الحياة الاجتماعية
على المربيين و القائمين على هذه المؤسسات أن يفرض رائعوا سلوكا تربويا يكون حصنا منيعا للأخلاق و القيم داخل أسوراها و أن يكونوا القدوة الصابرة الصبورة لكل ما يتوافد عليهم من المجتمع

المسجد هذا الصرح الإصلاحي العظيم لا نريده مكانا للصلاة و فقط بل نريد منه أن يقوم بمجهودات خارج خطب و دروس مفصلة الجمعة أولم يكن سابقا جامعا لأداء العبادات من الفرائض والسنن والنوافل وجامعة للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء ومعهدا لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع ومركزا للقضاء والفتوى ودارا للشورى وتبادل الآراء ومنبرا إعلاميا لإذاعة الأخبار وتبليغها ومنـزلا للضيافة وإيواء الغرباء ومكانا لعقد الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله تعالى
فيكفيه ممارسة مهامه تلك حتى تجد محاسن الأخلاق سبيلها في قلوب الوافدين إليه فتنطلق على بركة الله في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا المجتمع

و سائل الإعلام تحتاج إلى إصلاح لتقوم بدورها في الإصلاح الأخلاقي و غيره فلا نريد منها أن تكتفي بإعطائنا أرقام الانحرافات و معدلات الافات و الموبقات و لا أساليبها الشيطانية فهي بذلك تساهم فيها بوعي أو بجهل و جهالة بل نريد دورا إيجابيا و فعالا و على القائمين عليها أن يدرسوا سبل ذلك بجدية و أن يتقوا الله فكل ساقطة لها لاقطة فمابلكم بساقطة يتلقفها الملايين

أسأل الله أن يجملنا و أياكم بمحاسن الأخلاق




ملاحظة ما ذكرته من فساد للأخلاق داخل الأسرة و الشارع و المؤسسات التربوية لا يعني أن الخير قد انقطع في مجتمعي و الدليل وجود من يكتب عن الأخلاق و وجود من يقرأ ما كتب بإذن الله و الأهم التشمير للقيام بهكذا ثورة


مسلمة





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©