بسم الله
كانت حياتي عادية كما هي حياة كل شاب جزائري نشأ في أسرة محافظة وقرية صغيرة قد لا تفترق كثيرا عن تلك التي يزورها إخواننا الشروقيون ، لكن لم تكن أبدا الظروف ولا البيئة عائقا أمام الحب الجارف البريىء البعيد عن التعصب،، نعم أحبتي هو الحب ، الحب "حاء" و" باء "، نعم نعم إنه ذلك الذي تغنى به الشعراء وأبدع فيه الأدباء وتفنن في ممارسته العشاق والأخلاء.

كان بجوار بيتنا رجل كان يملك بنيات حبيبتي ، رغم أن الكثير كان يتوجس منه خيفة فهو متهم بالتشدد تارة وبالشذوذ الإجتماعي والوهابية أخرى و ما إلى ذلك.

وكنت أنا أيضا كذلك رغم أني في أكثر من مرة أقرأ كلام الشيخ بن باديس التالي لكن لا أعيره إهتماما فهو الهوى والتعصب ،، كان الشيخ بن باديس يتهم أيضا بالوهابية طبعا هنا أقصد العلامة بن باديس ولست أنا فكان يقول رحمه الله وهو يرد على بعض خصوم الدعوة الإصلاحية بالجزائر في ( العدد 3 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 5 جمادى الثانية 1352 هـ / 5 سبتمبر 1933 م ، ص 4 ) : (( ثم يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهابي ، أفتعد الدعوة إلى الكتاب كامل والسنة وما كان عليه سلف الأمة وطرح البدع والضلالات واجتناب المرديات والمهلكات ؛ نشرا للوهابية ؟!! ، أم نشر العلم والتهذيب وحرية الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح ؛ نشرا للوهابية ؟ !! ، إذاً فالعالم المتمدن كله وهابي! فأئمة الإسلام كلهم وهابيون ! ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام وقام عليه نظام التمدن في الأمم إن سمانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون ، فنحن - إن شاء الله - فوق ما يظنون ، والله وراء ما يكيد الظالمون))

كل هذا لم يكن يجد أمام ما كان بي من التعصب فجاري وهابي وهابي شاء أم أبى !! لكنه الحب فقد كنت أحبه وأحب ما عنده من الجمال ....فأمام الجمال يسقط كل تعصب ألا ترى الرجل يصرعه الجمال ويأخذ بشغاف قلبه ؟

فبعد الله كان جاري هو السبب في لقائي وتعرفي على حبيبتي ومحبوبتي إنها كلمة التوحيد والشهادة !
لاإله إلا الله محمد رسول الله .
في الحقيقة كنت أحبها لكن لم أكن أعرف معناها ،، وما إن عرفت معناها حتى أحببتها وتعلقت بها وعرفت كم كنت بعيدا عنها .

شطر حبيبتي الأول هو لا إله إلا الله .

كنت أحسب أن معناها : تفرد الله عز وجل بالخلق ، والرزق ، والإحياء ، والإماتة ، والملك ، والتدبير ، وسائر ما يختص به من أفعال ......ككثير من الناس
لكن جاري قال لا ليس كذلك ،،
فكانت أولى الصدمات والأهوال تصيبني !!
ويحي أيعقل أن أكون مسلم ولم يستقر عندي مفهوم لا إله إلا الله ......
قال لي جاري ،،

يابني أما بلغك أن ما تعتقده كانت قريش تقر به وكان صناديد الطغيان والكفران يؤمنون بها فكانوا يعلمون أن لا يوجد خالق لهذا الكون إلا الله عز وجل هو المدبر هو الرازق وهو المتصرف ثم أقرأني قول الله تعالى :
(( وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه ..... ))
فهي نزلت في قريش ومشركيها ،،
فقلت ويحك يا إبن باديس ما نفعتك لا إله إلا الله فما أنت إلا كما أبو لهب وأبو جهل في المعتقد !
وأصابتني حيرة وحسرة وندم على تقصيري في تعلم ديني !!
قلت حسن أكيد أن معناها هو أنه لا معبود إلا الله ..
لكن جاري أيضا قال لي ليس كذلك...
فكانت ثاني الصدمات ...
وقلت ويحك يا إبن باديس أفي مثل عمرك هذا قضيته مسلما ولم يستقر لك فهم لمعنى لا إله إلا الله ....
رفعت بصري لجاري وقلت كيف ذاك ...
قال لا معبود إلا الله هو قول غلاة الصوفية ،، ويعني أن من تعبده سيكون الله فيكون بوذا هو الله والعياذ بالله أو لست تقول يا ابن باديس أنه لا معبود إلا الله وبوذا معبود يعبده البوذيون فمعنى كلامك أنه هو الله والعياذ بالله ...
وسيكون عيسى بن مريم هو الله ...ألم تعتقد أن لا معبود إلا الله وعيسى معبود يعبده النصارى فسيكون هو الله والعياذ بالله ...
بل غلاة الصوفية يقول أحدهم ما الحق إلا أنا وما تحت الجبة إلا الله ،، فكل شيىء تعبده هو الله والله حال بكل شيىء والعياذ بالله ....

آه على نفسي آه عليها آه منك يا إبن باديس اتحسب نفسك تصوم وتصلي وتفعل الخيرات وأنت لا تعرف معنى لا إله إلا الله !
أوليس من يشرك بالله بحبط عمله ! فما تفيدني لا إله إلا الله وما تفيدني صلواتي وصيامي إن لم أعرف معناها وعملت بغير مقتضاها ،، وحسرتاه عليك يا إبن باديس ...
وأخذ الحزن يعتصر قلبي والحسرات يضيق بها صدري والدمع يشق خدي والقلب من قبله مشقوق ....

توجهت لجاري وقلت له إني لم أستطع صبرا فأنبئني بمعنى لا إله إلا الله .
فقال يا بني معناها أنه لا معبود بحق إلا الله ،،
فلا معبود بحق حقيقة إلا الله عز وجل وكل المعبودات من غيره هي باطلة ....
أصابتني فرحة عظيمة أني أخيرا عرفت أنه لا معبود إلا الله وهي معنى إلا الله إلا الله

بيد أن فرحتي لم تدم طويلا ، فمازال معناها بعيدا عني والله المستعان ولله الأمر من بعد ومن قبل ،، فما هي إلا وقيتات حتى كلمني جاري ودعاني وقال لي يا ابن باديس ألم أعلمك معنى لا إله إلا الله وإني قد رأيتك لا تنكر على فلان يأتي القبر ويزوره ويدعوه ويذبح لسيده الميت فلان ويستغيثه ....
فتعجبت وقلت أين المشكل ؟؟
أكيد أنه يعتقد مثل ما أعتقد أن لا معبود إلا الله فهو يقر بذلك لا أعتقد أن يضره لو دعا فلان أو ذبح له !.
فسكت هنيهة وأنكس رأسه ثم رفعه .. وقال :
ياولدي ألم نقل أن لا معبود بحق إلا الله ؟
فقلت نعم ،،
فقال: فما هي العبادة وكيف نعرف أن هذه عبادة أو لا ؟
فقلت :علمني علمك الله
فقال" العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
ثم قال لي: يا إبن باديس أليس الدعاء مما يحبه الله ويرضاه !؟
أليس الخوف والخشية مما يحب الله ويرضاه ؟
أليس الذبح والنذر مما يحبه الله ويرضاه؟
أليست كل هذه عبادة؟
فكيف بصاحبك يصرف هذه العبادات للقبر ولسيده فلان !
أليس إخلال بمعنى لا إله إلا الله وهي لا معبود بحق إلا الله ؟!
فصاحبك جعل معبودا آخر وهو القبر !؟

فأصابني حزن شديد من جديد ! وخرجت مستاءا من صديقي متوجها إليه .

وكلمت صديقي في هذا ،،
فقال: ويحك يا إبن باديس إنما عبادتنا هي لله عز وجل وحده وما للقبر وسيدي فلان إلا أناس أخيار نتوسط بهم لله عز وجل فهم الوسطاء والشفعاء ووسائل توصل لله عز وجل فنحن نقر بالعبادة لله وحده !
آه يا ابن باديس قد طاش عقلك !
فعلا لم أعد أفهم شيئا و اختلطت علي الأمور !

وعدت مكسور الخاطر لجاري العزيز وأخبرته بما قال صاحبي القبوري .

فقال: ويحك يا إبن باديس إن نبيك ودينك ما شرع القتال إلا لمحاربة مثل هذا وقريش لم تقع إلا في هذا وما تحججت إلا بمثل ما تحجج به صاحبك !
فقريش الطاغية كانت تقر بأن الله واحد أحد وأن الأصنام لا تنفع وتضر بذاتها لكنهم يتخذونها وساطة وشفاعة ،، وتلى علي قوله تعالى:
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾

يا حسرتي يعني أن تلك الخمس وتلك العجلات والأشواك التي نعلقها وتلك التمائم كلها منافية لمعنى لا إله إلا الله ،، الله المستعان ..!!

خرجت من عند جاري بين الفرحة والحزن ،، سعادة تغمرني أني عرفت معنى لا إله إلا الله وحزن على ما في صديقي وبني قومي من شرك وجهل .

لكن ليت الأمر توقف هنا ،، فماهي هي وقيتات أخرى إلا وجاري يقول لي مابك يا ابن باديس !!
كيف ترافق أولائك في الوعدة والزردة لسيدهم فلان ؟
فقلت : وما يضر ذلك معنى لا إله إلا الله فأنا لا أفعل شيىء مما يفعلون وهم أحرار لكن كنت مرافقا لهم فقط .
فنكت رأسه هنيهة ثم رفعه وقال : يا ابن باديس إن لاإله إلا الله لا تكتمل إلا بالتبرأ من الشرك وأهله بل بغضهم بغضا شرعيا دون المجاوزة للظلمهم أو التعدي إليهم بل تدعوهم وفقط وتبغضهم في الله وتبغض شركهم وتنكره.

فقلت : عجبي ياجاري أصبحت تبالغ فكلٌ حرٌ في نفسه وماشأني فيهم ولما أبغضهم فأنا على حق وهذا يكفي ،، وكنت قد أحسست أن جاري عند ه تطرف نوعا ما ؟

فقال : بهدوء كالعادة يا ابن باديس ألم تر كيف أن رسولك لم يتعرض للأذى إلا لما نابذ الأصنام وقريش و عادى أصنامهم و آلهتهم وقد كان يكفيه أن يؤمن هو وقومه فقط دون التعرض لدينهم ... فإندهشت !

ثم استدرك يا ابن باديس ألم تتأمل في قصة إبراهيم عليه السلام ،، وقول الله تعالى (( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ; إذ قالوا لقومهم: إنا برآء منكم , ومما تعبدون من دون الله , كفرنا بكم , وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ))

فيا ابن باديس إن التوحيد لا يستقيم إلا بالتبرأ من فعل المشركين فلا تقول أنا مسلم ولا يهمني ما يفعلون ! أو لا يعنني أن أحب ذلك أو أكرهه .
فلا تستقيم لا إله إلا الله إلا بالبراءة من الشرك وأهله بل وبغضهم في الله ولا تواليهم كما بينت لك وكما هي الآيات .
فتأمل في قول الله تعالى (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير))
وقوله تعالى (( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)).

فقلت ياجاري العزيز هل أضربهم بالعصى وأنابذهم و أأذيهم و ...

فتبسم وقال لا يا إبن باديس نحن لسنا أربابا لنحاسب العباد ولا نحن حكاما وقضاه فنلزمهم بل دعاة وفقط .
ولا يعني بغض المشرك أن تعتدي عليه بل تدعوه وتحسن إليه وتقسط أما قرأت قول الله تعالى (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين))
وقوله في الوالدين المشركين
(( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ))

آه تنفست الصعداء وقبلت جاري من جبينه واحتضنته وقلت له بارك الله فيك فقد غيرت حياتي ،،
وأنا أهم بالخروج ناداني بصوته الحنون الحاني ابن باديس.... ابن باديس فقلت
آمر يا جاري العزيز ..
فقال تذكر يا إبن باديس ولا تنسى فلا اله إلا الله شروطها تدور حول مايلي :
......
....
...
..
.
الشرط الأول : (العلم ) بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل بذلك
الشرط الثاني ( اليقين ) بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً
الشرط الثالث (القبول ) لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ،
الشرط الرابع ( الانقياد ) لما دلت عليه المنافي لترك ذلك ، قال الله عز وجل ( ومن يُسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي بلا إله إلا الله ( وإلى الله عاقبة الأُمور ) ومعنى يُسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن موحد ، ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسناً فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى ، وفي حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جِئت به" وهذا هو تمام الانقياد وغايته .
والخامس (الصدق ) فيها المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه يواطىء قلبه لسانه ،
والسادس( الإخلاص) وهوتصفية العمل عن جميع شوائب الشرك قال تبارك وتعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) وقال ( قل الله أعبد مخلصاً له ديني ) وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه "
والسابع (المحبة ) لهذه الكلمه ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك " .


ماسبق يأحبتي هي قصتي مع الشطر الأول من حبيبتي الشهادة
وإنتظروني مع قصتي مع الشطر الثاني .

وكتب / باديسي





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©