بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هُداه :

قد انتشر في أوساط الشباب – الجزائري خاصة – بعض الأغاني المُستوحاة من التراث والتي أُعيد أداءها في شكل عصري بآلات موسيقية حديثة حتى تلقى رواجا بينهم وتجد مكانا بين أذواقهم. والمصيبة الجسيمة في كون هذه الأغاني تحمل في طيّاتها عبارات شركية كُفرية غريبة عن ثقافة الشعب الجزائري العربي المسلم. ومن هذه الشركيّات دُعاء غير الله من الأموات الذين قال فيهم الله عز وجل : "إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين."
فهم يعكفون على دعاء الأموات و أصحاب القبور بزعم كونهم من أولياء الله الصالحين ،وهنا لنا وقفتان:
أولا : من أدراكم بأنّهم من أولياء الله الصالحين، فكونهم كانوا أُناسا ظاهرهم التقوى والصلاح لا يسوغ لكم وصفهم بالولاية وذلك لأن الله سبحانه وتعالى نهانا عن تزكية بعضنا البعض كما في قوله تعالى:
"فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
وقوله سبحانه:" ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء "
ثانيا : لو سلّمنا بأن أصحاب هذه القبور من أولياء الله الصالحين حقيقة فإن صلاحهم لأنفسهم وهو لا ينفعُ غيرهم. والدّليل قول الله سبحانه وتعالى لنبيه عليه السلام – وهو أصلح العالمين وأتقاهم - وقد سأل المغفرة لبعض أقرب الناس إليه وقد مات على الكفر :" ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "

وقوله تعالى : " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم "

وقوله تعالى : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " فالأمر كله لله ليس منه شيء بيد الأنبياء والمرسلين ممن صلاحهم متيقن فضلا عمن هو دونهم.
ومن أمثلة هذه الأغاني الشركية ما يلي :




1/ أغنية " عبد القادر يا بوعلام "




وهي أغنية قديمة أعاد أداءها بعض الرعاع المعاصرين والذي يقول فيها:





عبد القادر يا بوعلام ضاق الحال عليّا*داوي حالي يا بوعلام سيدي روف عليّا




ويكمن الشرك هنا في دعاء صاحب القبر والتذلل له والشكوى والافتقار إليه بقوله: "ضاق الحال عليّا" وقوله:
" سيدي روف عليّا " وكلمة "روف" معناها أنعم وجُد (من الجُود ) وتكرّم،أي تكرّم بالصحّة والعافية وصلاح الحال كما في قوله :



هذاك الوالي*أرواح داويلي حالي


سيدي عبد الرحمان * داوي داوي داوي



فعبد القادر ،المُنادى أو المدعو في هذه الأغنية هو وليّ صالح مزعوم، أي رجل ميّت بُني على قبره ضريح يُعبد من دون الله عزَ وجل. فيُقصد بالدعاء والرجاء وطلب الحاجات والاستعانة والتذلل، وغيرها من العبادات التي هي حق لله الواحد القهار وحده لا شريك له. لقوله تعالى : "إياك نعبد وإياك نستعين" أي لا نعبد إلا إياك و لا نستعين إلا بك. والدعاء واحد من هذه العبادات التي لا يجب أن نصرفها لغير الله تعالى والدليل قوله تعالى:"وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون" سورة الأعراف آية 29

وقوله سبحانه: "ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" سورة المؤمنون الآية 117

وقوله سبحانه:"وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" غافر60

فسمّى الله – سبحانه وتعالى – الدعاء عبادة، ففي المرة الأولى قال "أدعوني" ثم عوّض هذه الكلمة بقوله تعالى " عبادتي" لنعلم أن الدعاء هو العبادة.
و مصداقه ما جاء في السُنّة النبوية الشريفة من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو العبادة "ثم قرأ: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }"
وتجدر الإشارة هنا إلى أمر مهم وهو،قد يقول قائل :نحن لا ندعوا أصحاب القبور بهذه العبارات ولا ننزل بهم الحاجات، ولكننا نطلب منهم أن يتوسطوا لنا عند الله تعالى وليقربونا منه لما لهم عنده سبحانه من مكانة مقربة رفيعة بسبب صلاحهم. والجواب هو :
* أولا : ما الفرق بين كلامكم هذا وكلام من قال فيهم الله سبحانه وتعالى: " ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ".
* ثانيا : لقد سبق الكلام عن تزكية الآخرين ووصفهم بالولاية وأن صلاحهم – إن تحقق – لا ينفع غيرهم. ومن أمثلة ذلك ما روى الإمام البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل : وأنذر عشيرتك الأقربين ، قال : " يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا "
فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو خليل الله وصفيه - لا يُغني شيئا عن أحب الناس إليه وهي ريحانة قلبه وفلذة كبده فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء الجنة مع عظيم مكانته عند الله عزّ وجل، فما الذي يملكه عبد القادر-رحمه الله – لهؤلاء المغنّين ؟؟














2/ أغنية " يا لالة يا تركية "





وتقول فيها المغنّية :




يا لالة يا تركية * أنا سمعت البندير



لا صحة لا ذرية * وتعاونيني بالخير





والشرك في هذه الأغنية أجلى من أن يُظهر، ففي قولها " يا تركية " نداء لصاحبة القبر ودعاء لها.
- وقولها " أنا سمعت البندير " أي الدف الذي يُضرب في الزردة والوعدة التي تُقام على الضريح.
- وقولها " لا صحة لا ذرية * وتعاونيني بالخير" أي أنَي-أي المُغنية- أشكو من ضعف الصحة والقوة ومن انعدام الذرية والأولاد فأعينيني بالخير أي بإعطائي الصحة والذرّية الصّالحة.
ومن المعلوم أنه لا أحد قادر على إعطاء الصحة والأولاد للعباد إلا رب العباد وخالقهم لقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: " وإذا مرضت فهو يشفين " أي لا يقدر على شفائي إلا هو سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى :" لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير " فهذه خاصية متعلقة بالله تعالى، لا ب"تركية" ولا بغيرها من المخلوقين.


















3/ أغنية " يما شوشانة "










وفي هذه الأغنية كذلك يقوم المُغني بدُعاء أصحاب القبور وسُؤالهم الحاجات التي يجب أن يتوجه بها إلى الباري سبحانه وتعالى كسؤال تفريج الكربات في قول المغني:







يا بابا بحري * سلّك وحلي





و " سلّك وحلي" بالعاميّة الجزائرية معناه فرّج كربي وفُكّ ضيقي.

و بالمقابل يُخبر المُغني صاحبة القبر بأنه جاءها ببعض القُرُبات في قوله :






يما شوشانة جيت نزور * راني جايب "جاوي" و "بخور"
















4/ أغنية " سيدي راشد "



ومن كلمات هذه الأغنية :






سيدي راشد * أحضر كون معا






وصاحب هذه الأغنية لم يكتفي بالشرك في الألوهية بل تعدّاه إلى الشرك في الربوبية وذلك بإسناده بعض خصائص الربّ عزّ وجلّ لمخلوق ميّت مقبور لا حول له ولا قوة. ففي قوله " أحضر كُون معانا " يزعم أن الميت سميع الدعاء مُحيط بحاجات العباد، بل وقادر على الإنتقال من دار الجزاء والحساب إلى الدنيا والحضور مع محبيه ومريديه، فيزعم المُغني أن صاحب القبر على فعل ما يشاء قدير.

وأعلم - رحمك الله - أن الله قد كتب على أهل الدنيا إذا خرجوا منها إلى الدار الآخرة أنهم إليها لا يرجعون .

والدليل في قوله تعالى :"وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ" سورة الأنبياء الآية 95

وقوله سبحانه : " أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ" سورة يس الآية 31


وفي الحديث النبوي روى الإمام الترمذي في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال " لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي :"يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا"؟ قُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ :"أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ"؟ قَالَ :قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ :" مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ : يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ : يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً . قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ . قال : يا رب فأبلغ من ورائي . فنزلت هَذِهِ الْآيَةُ :{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الْآيَةَ} .














5/ أغنية " سيدي بومدين "





وسوق بعض كلماتها يُغني عن بيان الشرك المتضمّن فيها، إذ يقول فيها صاحبها :



سيدي بومدين جيتك زاير * أجيني فالمنام نبرى



وكلمة "نبرى" معناها أُشفى.


















6/ أغنية " أصحاب البارود "




ومن كلمات هذه الأغنية :


يا الجيلالي * داوي حالي


والجيلالي المقصود بالدعاء هنا هو عبد القادر الجيلاني – رحمه الله - والذي وإن كان من علماء السلف وزُهَادهم ( أنظر إلى سيرته من هنا )فإنه عبد من عباد الله لا يجب أن يُعطى حق الله تعالى في إخلاص العبادة له وإفراده بها وحده عزّ وجلّ، كما أن الجيلاني – رحمه الله – ليس بإمكانه تفريج الكربات إذ هي خاصية لله ربّ العالمين .








7/ أغنية " هيا يا زيّار "

ويقول صاحب هذه الأغنية :


هيا يا زيّار * هيا يا زيّار




هيا نزورو بابانا * بن عبد الرحمان













8/ أغنية " هيا يا رجال الله "




ويتجلى في هذه الأغنية دُعاء "رجال الله" وهم أولياء الله الصّالحين، والإستغاثة بهم .























9/ أغنية " يا الشاذلي يا بالحسن "










والمقصود بالدُعاء في هذه الأغنية هو أبو الحسن الشاذلي والذي يقول له المُغني:





"يابابا ريحك اللي جابني" ويقول " أنا ضري زادني يا بالحسن"





ففي هذه الأغنية ما فيها من التذلّل والتضرّع والخضوع والخشوع لأبي الحسن الشاذلي.




















{أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} سورة النمل الآية62

منقول للفائدة





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©