تفسير سورة البقرة (آية 138 ) الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم


{)صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138)
التفسير:
{ 138 } قوله تعالى: { صبغة الله }؛ «الصبغة» معناها اللون؛ وقالوا: المراد بـ{ صبغة الله } دين الله؛ وسمي «الدين» صبغة لظهور أثره على العامل به؛ فإن المتدين يظهر أثر الدين عليه: يظهر على صفحات وجهه، ويظهر على مسلكه، ويظهر على خشوعه، وعلى سمته، وعلى هيئته كلها؛ فهو بمنزلة الصبغ للثوب يظهر أثره عليه؛ وقيل: سمي صبغة للزومه كلزوم الصبغ للثوب؛ ولا يمنع أن نقول: إنه سمي بذلك للوجهين جميعاً: فهو صبغة للزومه؛ وهو صبغة أيضاً لظهور أثره على العامل به.
ووجه نصب { صبغة الله }: قيل: إنها مصدر معنوي؛ لقوله تعالى: { آمنا } في قوله تعالى: { قولوا آمنا بالله }؛ فإن { آمنا } معناها الدين، وأن التقدير: تدينا دين الله؛ ولا ريب أن هذا بعيد؛ لأن { آمنا } في آية أخرى قبلها؛ ويبعد أن يكون هذا متعلقاً بها؛ ولأنه فُصِل بينهما بفواصل كثيرة؛ إذاً هو منصوب على الإغراء - يعني: الزموا صبغة الله، ولا يصدنكم هؤلاء عن دينكم -؛ وأضيفت «الصبغة» إلى الله؛ لأنها منه: فإن الالشريعة الاسلامية جاءت من الله؛ ولا أحد يشرع للخلق إلا خالقهم.
قوله تعالى: { ومن أحسن من الله صبغة }: الاستفهام هنا بمعنى النفي؛ أي لا أحد أحسن من الله صبغة؛ وذلك؛ لأن دين الله عزّ وجلّ مشتمل على المصالح، ودرء المفاسد؛ ولا يوجد دين يشتمل على هذا إلا ما جاء من عند الله، سواء كان الدين الإسلامي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، أو الأديان الأخرى ما دامت قائمة لم تنسخ؛ ومجيء الاستفهام بمعنى النفي أبلغ من النفي المجرد؛ لأنه يتضمن التحدي؛ فإن القائل إذا قال: «ليس مثل زيد بشر» ليس كقوله: «مَنْ مثل زيد مِن البشر؟!»؛ الثاني أبلغ: كأنه يتحدى المخاطَب أن يأتي بأحد مثله.
قوله تعالى: { ونحن له عابدون }: الضمير { نحن } يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه؛ وتقديم المعمول في قوله تعالى: { له عابدون } على عامله هنا له فائدتان؛ أولهما: لفظية؛ وهي مراعاة فواصل الآيات؛ والثانية: معنوية؛ وهي الحصر، والاختصاص؛ فهو كقوله تعالى: {إياك نعبد} [الفاتحة: 5] ؛ و «العبادة» التذلل لله عزّ وجلّ بفعل أوامره محبة له، واجتناب نواهيه تعظيماً له مع شعور الإنسان بمنزلته، وأن منزلته أن يكون عبداً لله عزّ وجلّ.



الفوائد:
1 - من فوائد الآية: وجوب الالتزام بدين الله؛ لأن المعنى: الزموا صبغة الله عزّ وجلّ.
2 - ومنها: أن هذا الدين حق؛ لأن الله سبحانه وتعالى أضافه إلى نفسه؛ وكل ما يضاف إلى الله عزّ وجلّ فإنه حق.
3 - ومنها: أن دين الله سبحانه وتعالى أحسن الأديان، وأكملها، وأشملها، وأقومها بمصالح العباد؛ لقوله تعالى: { ومن أحسن من الله صبغة }.
4 - ومنها: وجوب إخلاص العبادة لله؛ لقوله تعالى: { ونحن له عابدون }؛ فقدم المعمول لإفادة الحصر؛ وعبادة الله فخر، وشرف للعبد؛ ولهذا جاء وصف العبودية في المقامات العليا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت في مقام الدفاع عنه في قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} [البقرة: 23] ؛ وفي مقام تكريمه بالإسراء في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] ، وفي مقام رسالته، مثل قوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب كامل ولم يجعل له عوجاً} [الكهف: 1]





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©