فضل القرآن الكريم فضل القرآن الكريم

الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالين نذيرا، الحمد لله الذي جعل القرآن الكريم حجة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعله دليل نبوته، وصدق رسالته، وجعله هداية للناس أجمعين، وشفاء وهدى للمؤمنين، وجعله ربيع القلوب، وأنيس الوحشة، الناطق بالحق الناس إلى سواء السبيل.



وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الحي القيوم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ونبيه الصادق الأمين. نصح الأمة، وأدى الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله وسلم وبارك عليه ما بزغ فجر وذرت شمس وتعاقب ليل.



أما بعد، فيا عباد الله:

اتقوا الله الذي خلقكم والذين من قبلكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن من حق الله عليكم أن تتعهدوا كتاب كامل الله بالتلاوة والتدبر، وأن تعوا ما فيه من الآيات والعظات والأحكام والذكر الحكيم. فقد تعبدكم به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]. ويقول تبارك وتعالى في فضل القرآن والتمسك به: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإسراء: 9، 10]. وفي آية أخرى يقول جل وعلا: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].



أيها الإخوة المسلمون:

هذا كتاب كامل الله بين ظهرانيكم وفي متناولكم وبين أيديكم منذ أن خاطب القرآن الكريم الوجود كله بلفظة واحدة ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، ألا فلتتفهموا حقيقة هذا الكتاب كامل السماوي الخالد وما حوي؛ فإنه مشعل حضارتكم، وضياء الحاكمين فيكم وسراج المحكومين منكم، من ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن تركه من جبار قصمه الله. ومن طبق أحكامه وتشريعاته هدي إلى صراط مستقيم.



عباد الله ما هذا الإعراض عن كتاب كامل الله وقد أمرتم بتلاوته وتتبعه وتدبره وتعبد الله به؟ ما هذه الغفلة التي رانت على قلوب كثير منكم وأنتم ممن قال الله فيهم: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]؟.



إن كتاب كامل الله سبحانه وتعالى لا بد أن يكون حجة لكم أو عليكم، لأنه نعمة أنعمها الله على عباده، وكل نعمة ما لم تقيد بالشكر والثناء والحمد فسوف تستحيل نقمة على صاحبها، وإن كتاب كامل الله- أيها الأحباب- لنعمة كبيرة تستوجب الشكر والثناء والحمد، لا النكران والإعراض. رحم الله سلف الأمة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذين تعهدوا كتاب كامل الله، وتلوه حق تلاوته، وحفظوه في صدورهم، وامتثلوا أوامره، وانتهوا بنواهيه.



يقول ابن عباس حبر الأمة رضي الله عنه: "لو أعلم أن أحدا أعلم مني بآية من كتاب كامل الله تبلغه الإبل لركبت إليه"، رحم الله أولئك السلف الأبرار الذين أحلوا كتاب كامل الله منهم المحل الأعلى وأنزلوه المكانة العليا. كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون حفظوا القرآن في سنيهم الأولى فكان الواحد منهم يحفظه وهو في التاسعة فما فوق، صحابة أجلاء قاموا بواجبهم تجاه إسلامهم وتجاه كتاب كامل ربهم فأخلصوا ونصحوا، وعبدوا وجاهدوا وثبتوا واستشهدوا.



يقول أبو حمزة الشاري عن أولئك السلف الصحابة الأبرار:

"شباب والله مكتهلون، في شبابهم غضيضة عن الشر، أعينهم أنضاء عبادة وأطلاح سهر. باعوا أنفسا تموت إذا بأنفس لا تموت أبدا. قد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم بآية عن ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية عن ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه".



أين نحن - أيها الإخوة المؤمنون - من أولئك السلف الصالحين الذين أخبتوا لله وجدوا في سيرهم إليه. لقد اتخذنا كتاب كامل الله وراءنا ظهريا إلا القليل منا، وتلك والله قاصمة الظهر والضياع والهلاك والخسران.



ترى الكثيرين منا يودعون القرآن بعد انصراف شهر رمضان إلى عام قابل كأن الله لم يتعبدهم بتلاوته إلا في رمضان، وبئست الحال هذه وبئس أهلها وبئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.



عباد الله، أو تظنون أنكم غير محاسبين عن كتاب كامل الله، وغير مسئولين أمام الله عن إعراضكم عنه، وعن هجرانه وقطيعته؟ كيف ذلك والله سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 124، 127].



إن كتاب كامل الله يدعو كل مسلم على التفيؤ بظلاله الوارفة المزهرة ورحيقه السلسبيل إلى العيش في رحابه ليضع عن كاهله وساوس الشيطان ويسعد بمناجاة ربه من خلال آياته الداعية إلى الصراط المستقيم.

هذه الدعوة للحق شذى
من شذى هذا الرحيق السلسل
الكتاب كامل الوارف الظل الذي
جاء للحاضر والمستقبل
إنه القرآن يهدي نوره
يا له في الناس من نور عظيم
حاب من لم يتخذ تشريعه
منهجا فهو الصراط المستقيم


إنه لجدير بالمسلم المؤمن أن يتخلق بأخلاق القرآن الذي هو خلق محمد صلوات الله وسلامه عليه، ويجعله زاده الروحي في الحضر، ورفيقه في السفر ليستنير بهديه ويتزود من معينه.



عباد الله من منا لا يحب الخير لنفسه، ومن منا لا يحب أن يكون عبدا شكورا، ومن منا لا يحب أن يكون مع السفرة الكرام يوم القيامة. إنه لا ينكر هذه الخلال الحميدة إلا معاند مكابر ضال مضل. فاتقوا الله- أيها المسلمون- وارجعوا إلى كتاب كامل ربكم، لا تهجروه فتهجروا، ولا تنسوه فتنسوا، ودلا تقطعوا الصلة به فتقطعوا، أنصحوا لله ولرسوله ولكتاب كامله ولأئمة المسلمين وعامتهم.



وأعلموا أن النصيحة لكتاب كامل الله تعني تلاوته حق تلاوته، وتدبره حق تدبره، وحفظ آياته وسوره وفقه علومه وأحكامه، والإيمان بمحكمه ومتشابهه. ونشره في ربوع الناس وديار الإسلام، وتعهده بالتكرار آناء الليل وأطراف النهار. فإنكم لم تنصروا إلا بهذا الكتاب كامل، ولم يستقر لكم وضع ويستتب لكم أمن إلا بتحكيم شرع الله الذي هو تشريع هذا الكتاب كامل. ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه. ونسأله المزيد من الفضل والإنعام، نسأله من فضل قرآنه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.



ونشهد أن لا إله إلا الله منزل الكتاب كامل، وسبحانه من رب بر رؤوف رحيم، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خير من فقه القرآن وحفظه وعلمه وعلمه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة الأطهار.



أما بعد:

فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت: 1 - 4].



ويقود رسول الهدى ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه:"أوتيت القرآن ومثله معه". وهذا يعني كبير فضل القرآن وعظيمه، وتأثيره في نفوس وقلوب المؤمنين، فهو تثبيت لقلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كلما حزبه أمر واشتد عليه أذى المشركين من قومه ومن غيرهم، هو تثبيت للمسلمين في كل زمان ومكان ﴿ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].



أيها الإخوة المؤمنون:

ما أجمل ما قاله أحد الكتاب كامل من علماء المسلمين حول واقع الأمة إن هي ضلت عن كتاب كامل الله تعالى، يقول وفقه الله ونفع بقوله: "إن الإنسانية المعذبة اليوم في ضميرها، المضطربة في أنظمتها، المتداعية في أخلاقها. ولا منجاة ولا عاصم لها من الهاوية التي تردت فيها إلا القرآن ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].



عباد الله:

فكروا في واقعكم الأسري، فإنكم لله الحمد في بلد آمن مطمئن، وفي رغد من العيش، ولكن على الرغم من ذلك تكثر بين العديد من الأسر أسباب الشحناء والقطيعة والهجران والتكاثر بحطام الدنيا، وتكثر أسباب البغض والكره والضغينة والتقاطع بين الأرحام. ويظل كثير منا في دوامة طوال يومه لا هم له إلا أن يكون أكثر من أخيه مالا وأحسن منه حالا. ولا دواء لهذه المهلكات إلا بالرجوع إلى كتاب كامل الله القرآن الكريم، ودليل ذلك أن علماء الإسلام من سلف الأمة الصالحين لا أدركوا سر الأمر بتلاوته وتدبره تعهدوه عليه طوال حياتهم حتى كان كتاب كامل الله فيهم قبلة الفقهاء، وكان إدراكه غاية أهل التفسير، وكان جماله البياني مجال بحث العلماء والناقدين، وكانت مثله العليا في المعاملة والأخلاق والسلوك مجالا للمفكرين من علماء الأخلاق وعلماء الاجتماع، وكانت أحكامه العادلة الرشيدة ملاذا وحجة للعلماء والمتعلمين. وصدق الله القائل ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38].



عباد الله:

أليس من الخير أن يقوم الآباء على الناشئة والشباب بمدارسة القرآن والأخذ بأسباب حفظه ومعرفة تفسيره. ما لنا نعرض عن الخير وكلنا يشاهد مدارس تحفيظ القرآن مفتحة الأبواب في المساجد والدارس والجامعات.



أفي الخير أن نترك أبناءنا من الناشئين الصغار يتسكعون في الطرقات ويمارسون بعض الألعاب في منعطفات السكك، وعلى قارعة الطريق في أوقات الصلاة وغير أوقات الصلاة. إن أبناءنا مسؤولية كبرى في أعناقنا يلزمنا تربيتهم تربيه صالحة من منهج القرآن والسنة النبوية، فإنه لا عاصم لنا ولهم من هذا الواقع إلا القرآن الكريم.



فاللهم يا منزل الكتاب كامل حبب إلينا القرآن، واجعله نور عقولنا، وربيع قلوبنا وحميد أخلاقنا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين من يهود ونصارى وشيوعيين وأعوانهم. اللهم أعز قادتنا وولاة أمورنا وأرزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم بفعل الخير إذا نسوا، وتعينهم على فعل أفي إذا اذكروا واحم أوطاننا وعامة أوطان المسلمين من كل شر. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسم فاردد كيده غصة في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وانصر اللهم المجاهدين عن دينك في كل زمان ومكان.



واذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وصلوا على رسوله يثبكم. وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.



من كتاب كامل من المنبر خطب وتوجيهات




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©