الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم
وسائر الصحابة والتابعين إلى يوم الدين .
أما بعد :


أحببت أن أقدم لكم اليوم موضوع
" تحريم إعانة الحكام والأنظمة التي لا تطبق شرع الله "








تحريم إعانة الحكام والأنظمة التي لا تطبق شرع الله


لقد نص أهل على أن هؤلاء الحكام لا يجوز طاعة أوامرهم لأنها مخالفة للشرع بل حتى القانون الذي وضعوه بأنفسهم. وإن نصرة الحاكم وطاعته واجبة إذا حكم بالكتاب كامل والسنة وأقام الدين لله تعالى، أما إذا عطل الالشريعة الاسلامية وأشاع الفاحشة في الذين آمنوا وساس الرعية – قهراً - بالقوانين الوضعية فيجب الأخذ على يديه وإهانته واحتقاره وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء الأمة قديماً وحديثاً ما عدا علماء البلاط الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان ممن يُلبِسون على الأمة دينها ابتغاء حطام الحياة الدنيا، وقد فضحهم الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس وغيره من العلماء الصالحين الذين لا يخلو أيضاً منهم زمان ومكان بفضل الله وحمده.
ومن الأدلة التي تحرم إعانة مثل هؤلاء الحكام خصوصاً، وكل ظالم طاغية عموماً قوله تعالى "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: الآية2] وقال عليه الصلاة والسلام (من أعان صاحب باطل ليدحض بباطله حقاً برأت منه ذمة الله وذمة نبيه) [رواه الطبراني].
- قال عليه الصلاة والسلام (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)
[روا الترمذي وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح]
- قال عليه الصلاة والسلام (إنه ستكون بعدي أمراء من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد على الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد على الحوض) [رواه الترمذي والنسائي تحت الوعيد لمن أعان أميراً على الظلم].
- قال عليه الصلاة والسلام (يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك منكم ذلك فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً) [مجمع الزوائد].
- وقال عليه الصلاة والسلام (من أمركم من الولاة بمعصية فلا تطيعوه)
[رواه ابن ماجة]
والأحاديث في تحريم إعانة الظلمة على ظلمهم كثيرة فكيف إذا كان هذا الظالم هو ذلك الحاكم الغاشم الخارج عن الشريعة الاسلامية السماء المبدل لدين الله فلا شك أن نصره وإعانة أمثال هؤلاء من الموالاة المحرمة شرعاً والتي تصل بصاحبها إلى الكفر والعياذ بالله.
قال محمد بن عبد الوهاب "من نواقض الإسلام العشرة مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين مستدلاً بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"
[المائدة: الآية51]
قال ابن تيمية في مجموعة التوحيد 259: "قال تعالى "تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". [المائدة: الآية80-81] هذه الآيات بيان من الله سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله وبالنبي وما أنزل إليه يقتضي عدم ولاية الكفار فثبوت موالاتهم يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم".
فالدفاع عن الحكام والظلمة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله وإعانتهم بالمال والبدن والرأي كفر صريح لا خفاء فيه وهذه الموالاة أنواع ودرجات:
1- أن يوافقهم ظاهراً وباطناً فهذا كفر واضح صريح مخرج من الملة والعياذ بالله.
2- أن يوافقهم ويميل لهم بالباطن مع مخالفته لهم ظاهراً فهذا أيضاً كفر وهذا هو النفاق.
3- أن يخالفهم في الباطن ولكن يوافقهم ظاهراً وهو على ضربين:
أ- أن يفعل ذلك مكرهاً بالتعذيب والحبس لأنه في سلطانهم وهذا معذور بالإكراه.
ب- أن يفعل ذاك طمعاً في منصب أو جاه أو رياسة أو خوف وهذا كفر لأنه شرح مفصل بالكفر صدراً.
قال ابن تيمية مجموعة التوحيد 288 وقد سئل عن المعاون لأعداء الله فقال: "حكمه حكم المباشر وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وأحمد". وقال أيضاً "إنه لا يوجد مؤمن يواد من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم فمن واد كافراً فليس بمؤمن لأن مودة الله ومودة عدوه ضدان لا يجتمعان في قلب واحد".
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل)
[رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح]
قال محمد بن عتيق في كتاب كامله النجاة والفكاك "إنه ليس في كتاب كامل الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم –أي الولاء والبراء- بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده".
قال القرطبي في أحكام القرآن ص217/ ج6: في تفسير قوله تعالى "وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة: الآية51] "أي من يعاضدهم ويناصرهم منكم فحكمه كحكمهم في الكفر والجزاء وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة وهو الموالاة بين المسلمين والكافرين".
فهذا عمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغم من أنه نصر الرسول صلى الله عليه وسلم باليد والمال والسلاح وأبى أن يسلمه للكفرة وقال:

ولقد علمت بأن دين محمد منخير أديان البرية دينا


لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

رغم هذا كله قال الله تعالى "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" [التوبة: الآية113]. فمسألة الموالاة من عقائد المسلمين العظيمة التي حفظت على الأمة كيانها من الميوعة في المواقف والتردد جاء في صحيح مسلم أن أبا سفيان أتى – قبل إسلامه - على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا لا يغفر الله لك يا أخي). سبحان الله مجرد كلمة لا يجوز النطق بها في صالح كافر محارب لله والرسول وإلا فهي معصية يغضب الله منها، هذه هي العقيدة في صفائها وجمالها ورونقها وهكذا عاش المسلمون أعزة بها فمنذ اليوم الذي ضعفت هذه العقيدة وأصبح يخبو من القلوب رونقها يوماً بعد يوم سقطنا من عين الله تعالى وأصبحنا نُغضب المسلمين العابدين الصالحين في سبيل إرضاء الفاسقين المعطلين للدين ابتغاء متاع الحياة الدنيا بل هناك من أصبح يقتل المسلم الموحد إرضاء لقائد الفرقة أو طلباً للدنيا والمال، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ومن اكتسى برجل مسلم ثوباً فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برجل مسلم مقام سمعة فإن الله يقوم به مقام سمعة يوم القيامة) [رواه أحمد وأبو داود والحاكم وهو حديث صحيح] والحديث فيه وعيد شديد رهيب لمن يعيشون على حساب المسلمين ودمائهم فكم من إنسان يُرقى ويضاعف له المرتب أو الدرجة لأنه أحسن تعذيب المسلمين والتنكيل بهم كما رأينا رئيس الحكومة الفاسل الخاسر يدافع عن السايح لأنه أتقن فن تعذيب المسلمين والنيل منهم واتهامهم بالباطل إرضاء لأسياده الطواغيت. وعز عليه أن يُقال من منصبه لا لشيء إلا لأنه قديم في محاربة المسلمين !!! وهكذا الكثير من أصحاب الهمم السافلة الساقطة يتقدم لأسياده بالنيل من المسلمين وكلما كان أشد وأنكى كلما ضُعِفَ له في المكانة والله المستعان. في الوقت الذي نجد فيه أبا ذر الغفاري يكون بأسفل ثنية غزال "يتعرض عير قريش فيستولي عليها أو على بعضها فيقول لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ" وهكذا كان يصنع ثمامة بن آثال فرق كبير وبون شاسع بين عبيد الدنيا والشهوات وأصحاب العزائم الكبيرة والعقائد الصلبة.
يجب على المسلم الحق أن لا يكون ظهيراً لأهل الإجرام ولذلك قال بعض السلف من مشى مع ظالم فقد أجرم. قال الله تعالى للرسول الكريم "فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ" [القصص: الآية86] أي معيناً لهم ومن زلت به القدم وكان ظهيراً لهم وأراد أن يرجع إلى الصراط المستقيم فله أسوة فيما حكاه الله تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام قال تعالى "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ" [القصص: الآية16-17] إنها لجريمة عظيمة أن يقف المسلم مدافعاً على أهل الباطل والكفر والفسق ابتغاء متاع الحياة الدنيا والله يقول "وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً" [النساء: الآية105]. أي مدافعاً عنهم كما يفعله اليوم رجال الأمن من شرطة وجيش ودرك وكذا رجال القضاء بالرغم من أن الله تعالى نهى عن الدفاع والمخاصمة والمجادلة عن الخونة: قال تعالى: "وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً" [النساء: الآية107] ومن دافع عنهم في الحياة الدنيا ونصرهم على أصحاب الحق ينتقم الله منه في الدنيا والآخرة ولن تنفعه وكالته عنهم في الدنيا يوم يقوم الأشهاد "هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً" [النساء: الآية109] فلا يجوز البتة أن يخاصم مسلم على كافر أو فاسق أو مرتد إلا إذا علم أنه محق في مسألة من المسائل بعينها فيجادل عن تلك المسألة بذاتها من باب الإنصاف". انظر القرطبي أحكام القرآن 5/442.

مسألةفقهية:

ما هو موقف المسلم أو الأمة إذا خرجت على الحاكم خارجة بالقوة؟.
لقد فصل العلماء قديماً الحديث في هذه المسألة وقد أحصيت نقول أهل العلم في هذه القضية في كتاب كامل [فتح الرحمن في بيان حكم الخروج على حكام الزمان] وملخص شامله: أنه إذا كان الإمام جائراً وخرج عليه عادل فلا تجوز مقاتلة العادل ويجب نصره والوقوف إلى جانبه حتى لا يخذل الحق أما إذا كان الإمام عادلاً مطبقاً لأحكام الله تعالى وخرج عليه جائر فيجب نصرة الإمام والمدافعة عليه ببذل المال والنفس والرأي نصرة للحق وإذا خرج فاسق على حاكم كافر معطل لشرع الله تعالى وجب نصر الفاسق على هذا المبدل والمعطل لشرع الله تعالى بناء على القاعدة الفقهية في درء أعظم المفسدتين بأدناهما كما خرج أهل القيروان مع أبي يزيد الخارجي على بني عبيد، وإذا كانوا كلهم فساقاً فإن تساووا في درجة الفسق اعتزلهم وإن كان بعضُهم أقل فسقاً وقف إلى جانب الأقل وإن كانوا كلهم مؤمنين فإن علم أن الحق مع أحدهم على الآخر وجبت نصرة صاحب الحق وإن جهل من هو صاحب الحق منهما اعتزلهما كما فعل الصحابة لأنه قتال فتنة فلا يقف لا مع هذا ولا مع هذا.
جاء في فتح القدير 4/411: "يجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا أن يُبدوا [أي الخارجون] ما يُجوّز لهم القتال كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم فيجب أن يعينونهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره".
قال النووي في شرح مفصل صحيح مسلم "وقال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء الإسلام: يجب نصر المحق في الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى "فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي" [الحجرات: الآية9]. وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما".
جاء في أحكام القرآن لابن العربي 4/174 والخرشي على مختصر خليل 8/60: "قال علماؤنا في رواية سحنون إنما يقاتل مع الإمام العدل سواء كان الأول أو الخارج عليه فإن لم يكونا عدلين فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين فادفع ذلك قال. .. وقد روى ابن القاسم عن مالك: إذا خرج على الإمام العدل خارج وجب الدفع عنه مثل عمر بن عبد العزيز فأما غيره فدعه ينتقم الله من ظالم بمثله، ثم ينتقم من كليهما قال تعالى "فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً" [الإسراء: الآية5]. قال مالك إذا بويع للإمام فقام عليه إخوانه قوتلوا إذا كان الأول عدلاً فأما هؤلاء فلا بيعة لهم إذا كان بويع لهم على الخوف".
تعليق: لم ير الإمام مالك تأييد الحاكم إلا إذا كان في مثل سيرة عمر بن عبد العزيز رغم أن خلفاء زمانه كانوا على درجة من العلم والفضل والتطبيق لحكم الله تعالى وفتح البلدان وإدخال الناس في دين الله تعالى فكيف لو رأى حكام زماننا هذا؟!!.
قال القرطبي في أحكام القرآن ج1/272: "لو خرج خارجي على إمام معروف بالعدالة وجب على الناس جهاده فإن كان الإمام فاسقاً والخارجي مظهراً للعدل لم ينبغ للناس أن يسرعوا إلى نصرة الخارجي حتى يتبين أمره فيما يظهر من العدل أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الأول وذلك أن كل من طلب مثل هذا الأمر وأظهر من نفسه الصلاح حتى إذا تمكن رجع إلى عادته من خلاف ما أظهر".
قال ابن تيمية في السياسة الشرعية: "إذا طلبهم – أي المحاربين - السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء حتى يقدر عليهم كلهم".
تعليق: فهؤلاء الحكام ما طلبوا بإقامة الحدود بل عطلوها والشعوب تطالب بإقامة شرع الله فمنعوها ولذلك ينبغي الوقوف مع هذه الشعوب في كسر مثل هؤلاء الحكام قدر المستطاع إذ كل الأمور مقيدة بها، وما لم تتخلص الشعوب من هؤلاء الحكام إما عن طريق العمل السياسي الهادف أو العمل الجهادي القومي فتستبقى هذه الشعوب في الذل والهوان والله المستعان.
قال القاضي عياض في المدارك 1/569، وذلك في ترجمة الحارث بن مسكين "إن المأمون انحدر لبعض بلاد عاربة [مصدر] وأحضر معه [أي الحارث] فلما فتحها سأل حارثاً عن مسألته الأولى فرد عليه جوابه بعينه قال فما تقول في خروجنا هذا؟ فقال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك أن الرشيد كتب إليه يسأله عن قتال أهل دهلك، فقال إن كانوا خرجوا عن ظلم السلطان فلا يحل قتالهم وإن كانوا إنما شقوا العصا فقتالهم حلال، فجاوبه المأمون بجواب قبيح سبّه فيه وسبّ مالكاُ وقال له ارحل عن مصر فقال يا أمير المؤمنين إلى الثغور قال الحق بمدينة السلام" هكذا كانت صلابة العلماء في الصدع بالحق والوقوف مع المظلوم ولو بالنصح والبيان الحق لا كما يفعله علماء السوء الذين يداهنون الحاكم ويتملقون إليه ويفرخون له الفتاوى الباطلة التي تزهق بها الأرواح البريئة، فليحذر المسلم أن يخذل الحق وينصر الظلمة الكفرة الفجرة ولا يجوز التعلل "بالخبزة" ونحو ذلك من العلل الواهية الكاذبة لتنفيذ أوامرهم الباطلة شرعاً بل وحتى قانوناً! فهذا أبو ذر الغفاري قال للعصابة التي شهدت احتضاره "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا منهم (ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين) وليس من أولئك النفر أحداً إلا وقد هلك في قرية أو جماعة والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها وإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار فقال أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي قال أنت تكفنني يا بني" نعم لم يكفنه إلا الأنصاري لأنه لم يعمل في شؤون الدولة ولم يكن مسؤولاً عندها هذا في زمانه والالشريعة الاسلامية مطبقة والفتوح قائمة وسوق العلم والأخلاق والفضائل رائجة فكيف لو حضر زماننا هذا الأنكد الذي أذل فيه حكام المسلمين شعوبهم وقهروهم وجعلوهم أكلة سائغة لأعداء الإسلام من كل ملة ونحلة فعجز المسلمون حتى عن الدفع عن أنفسهم فضلاً على إخوانهم في البلاد القريبة أو البعيدة والله المستعان.
وجاء في طبقات ابن سعد أنه لما قدم أبو موسى الأشعري من البصرة وكان عاملاً عليها فأقبل على أبي ذر يحتضنه ويقول "مرحباً بأخي فجعل أبو ذر يدفعه عن نفسه ويقول: إليك عني لست بأخيك إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل" انظر قال هذا لهذا الصحابي الجليل فكيف لو رأى قضاة هذا الزمن وشرطته وجيشه ودركه الذين يلغون في دماء الأبرياء؟!! تارة بحجة الإكراه وتارة بحجة الخبزة، وتارة بحجج واهية وتافهة لا قيمة لها أصلاً.
قال ابن تيمية في الإيمان 61: "وقال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعوانهم ولو أنه لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم وأعوانهم هم أزواجهم المذكورون في الآية يقصد قوله تعالى "احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ" [الصافات: الآية22].
قال الإمام البغوي "اختلف الناس فيما يأمر الولاة من العقوبات قال أبو حنيفة وأبو يوسف: ما أمر به الولاة من ذلك غيرهم يسعهم أن يفعلوه فيما كانت ولايته إليهم".
وقال محمد بن الحسن "لا يسع المأمور أن يفعله حتى يكون الذي يأمره عدلاً وحتى يشهد عدل سواه على أن على المأمور ذلك".
قال عمر بن هبيرة – وكان والياً على العراق - لعدة من الفقهاء منهم الحسن والشعبي إن أمير المؤمنين يكتب إلي في أمور أعمل بها فما تريان؟.
قال الشعبي "أنت مأمور والتبعية على أمرك" فقال للحسن ما تقول؟ قال قد قال هذا! قال قل: قال "اتق الله يا عمر فكأنك بملك قد أتاك فاستنزلك عن سريرك هذا فأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك فإياك أن تعرض لله بالمعاصي فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
ولذلك وجدنا العديد من العلماء رفضوا القضاء بالرغم من أن أحكام الالشريعة الاسلامية هي السائدة وإنما خاف الكثير منهم أن يظلم الخلق أو أن يكون في إعانة حاكم اغتصب السلطة ولم تعقد له بيعة شرعية، منهم:
- المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي: عرض عليه أمير المؤمنين الرشيد قضاء المدينة فامتنع وقال له لئن يخنقني الشيطان أحب إلي من أن ألي القضاء.
- ابن فروخ فقيه المغرب: وله قصة مشهورة مذكور في المدارك 1/343.
- الغازي بن قيس: وهو أول من أدخل موطأ مالك وقراءة نافع الأندلس عرض عليه القضاء فأبى.
- زياد بن عبد الرحمن شبطون: فقيه الأندلس راوده الأمير هشام على القضاء فأبى عليه وخرج هارباً بنفسه حتى قال عنه الوالي [ليت الناس كلهم كزياد حتى أكفي أهل الرغبة في الدنيا] وكان إذا بعث معاوية بن صالح القاضي شيئاً وكان أبا زوجته إلى داره لم يأكل شيئاً منه خوفاً من الحرام أو شبهة وكان زاهداً ناسكاً ورعاً.
أما قضاة اليوم – إلا ما رحم ربي - فيأكلون الحرام أكلاً لمّا ويجمعون السحت جمعاً جماً كل ذلك على ظهر الفقراء والمساكين والأبرياء وقل ما نجد منهم من حاكم مسؤولاً وهو في منصبه أو حقق معه وهؤلاء هم أعوان الظلمة حقاً يأكلون الحرام ويطعمونه أولادهم وأهلهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأختم هذه المسألة الفقهية بما قال الحافظ ابن حجر وابن حزم:
قال ابن حزم في المحلى 10/508: "وأما الجورة من غير قريش فلا يحل أن يقاتل مع أحد منهم لأنهم كلهم أهل منكر إلا أن يكون أحدهم أقل جوراً فيقاتل معه من هو أجور منه".
قال الحافظ في الفتح 12/286: "قسم خرجوا غضباً للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء هم أهل حق ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة في الحرّة والقراء الذين خرجوا على الحجاج" وقال "وأما من خرج عن طاعة إمام جائر أراد الغلبة على ماله أو نفسه أو أهله فهو معذور ولا يحل قتاله وله أن يدفع عن نفسه وماله وأهله بقدر طاقته".
وقد أورد على هذا القول ما يدل عليه فقال "قد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر عن علي وذكر الخوارج فقال "إن خالفوا إماماً عادلاً فقاتلوهم وإن خالفوا إماماً جائراً فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً".

دفع شبهة الإكراه:

وهذه الشبهة أكثر من أن يتعلل بها رجال الشرطة والدرك والجيش والقضاة فيقولون نعم أنتم على حق وهذا النظام لم يظلمكم أنتم فقط بل هو ظالم للأمة منذ 1962 ويصرح بعضهم أن الظلم موجود حتى في هذه المراكز من قبل كبار المسؤولين وإنما يخفف عنا عندما يريدون منا تصفية جماعة معينة أو معارضة سياسية قوية فعندها يحدث شيء من التساهل والتوسعة علينا لا حباً فينا وإنما من أجل مصلحة ظرفية. ولكن ما العمل نحن مكرهون على هذا العمل ونخاف على أنفسنا منهم إن عصينا لهم أمراً فهم مجرمون حقاً – إلا ما رحم ربي وقليل ما هم - هكذا يقولون أو هكذا يتعللون! ونحن نريد أن نوضح الأمور في هذا المجال عساكم أن تقلعوا عن إعانة الظلمة والله الهادي إلى سواء السبيل.
لا شك أن مساندة أي حاكم أو نظام ظالم لا يتحاكم إلى الشريعة الاسلامية السماء كبيرة من الكبائر وقد تخرج بصاحبها عن الملة – كما سبق بيانه - وعندما قص الله علينا طغيان فرعون وكيف أغرقه الله وشمل ذلك [أي الغرق] جنوده الذين كانوا يساندونه على الباطل وكانوا آلة طيعة في يد هذا الطاغية، قال تعالى "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ" [القصص: الآية8] وقال أيضاً "وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" [القصص: الآية39-40] فأشرك الله تعالى قوم فرعون اللعين وجنوده في الخطيئة والظلم والإثم لسكوتهم ورضاهم به ونصرهم له فالهدف من مهمة رجال الأمن والدرك والجنود هو خدمة مقاصد الالشريعة الاسلامية الإسلامية والمحافظة على قيم المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس تعذيب المسلمين وسجنهم وتخريب البلاد تحت غطاء قانوني تصنعه الطغمة الحاكمة ثم يذهب خيرة شباب الأمة ضحية لذلك، قال عبد الله بن عباس "ولولا دفع الله العدو... بجنود المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخربوا البلاد والمساجد".
وقال علي بن أبي طالب لنوف البكالي "يا نوف لا تكونن شاعراً ولا عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا عشاراً".
لا يجوز قتل الأبرياء بحجة الإكراه:
لا يجوز مطلقاً قتل الأبرياء المدافعين عن دينهم وحقهم الشرعي تحت حجة أننا مكرهون وهذا محل إجماع بين أهل العلم .
قال القرطبي 10/183 أحكام القرآن: "أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره ويصبر على البلاد الذي نزل به ولا يحل له أن يفدس نفسه بغيره ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة".
قال الحسن البصري: "التقية جائزة للمسلم إلى يوم القيامة ولا تقية في القتل" لأن المكره إكراها ملجئاً لا يجوز له أن يحمل على أخيه السلاح فيقتله من أجل سلامة نفسه هو فالإكراه إنما يجوز معه التلفظ بكلمة الكفر أما أن يحارب أهل الإسلام المدافعين عنه المطالبين بتحكيم شريعته بقوله وفعله ويناصر أعداء الإسلام من أجل أنه يشق عليه فراق أهله وأولاده فإن هذا الصنيع الشنيع من الكبائر والعظائم ما لم تكن كفراً فإن الإكراه مهما كان مصدره لا يبيح للمسلم حمل السلاح على أخيه بحجة الإكراه.
قال جميل محمد بن مبارك في نظرية الضرورة 329: "الضرر لا يزال بمثله فليس لأحد أن يدفع ضرورة عن نفسه بإلحاق مثلها بغيره، وهذه أمثلة منها:
- إكراه المسلم على قتال المسلمين مع أهل الشرك لا يبيح له ذلك، فلا يجوز للجندي المسلم أن ينضم – مكرهاً - إلى صفوف المشركين لقتال المسلمين لأنه بمنزلة ما لو أكره بالقتال على قتل مسلم، فإن أكره على مجرد تكثير سواد جنود العدو مع إعفائه من مباشرة القتال فليس له ذلك أيضاً إلا إذا كان الإكراه بالقتل وعلم يقيناً أن ذلك لا يسبب هزيمة في صفوف المسلمين، وفي هذا يقول السرخسي "وإن قالوا لهم قاتلوا معنا المسلمين وإلا قتلناكم لم يسعهم القتال مع المسلمين لأن ذلك حرام على المسلمين بعينه فلا يجوز الإقدام عليه بسبب التهديد بالقتل كما لو قال له: اقتل هذا المسلم وإلا قتلتك، فإن هددوهم ليقفوا معهم في صفهم ولا يقاتلوا المسلمين رجوت أن يكونوا في سعة لأنهم الآن لا يصنعون بالمسلمين هم لكثرة سواد المشركين في أعينهم فهو بمنزلة ما لو أكره على إتلاف مال المسلمين بوعيد متلف فإن كانوا لا يخافون المشركين على أنفسهم فليس لهم أن يقفوا معهم في صف وإن أمروهم بذلك لأنه فيه إرهاب المسلمين وإلقاء الرعب والفشل فيهم وبدون تحقق الضرورة لا يسع المسلم الإقدام على شيء منه".
فالضرورة غير معتبرة هنا لعدم توفر هذا الضابط ولذلك قال وبدون تحقق الضرورة لا يسع المسلم الإقدام على شيء منه وإلا فإن سجنهم وضربهم وإساءة معاملتهم كل ذلك ضرورة لكنها لما أفضت إلى ضرورة أكبر منها لم يلتفت إليها ولم يسمح بإزالتها ومثل هذا ما إذا نشب قتال بين دولتين مسلمتين وليست أحداها باغية فلا يجوز للجندي المسلم في إحداها أن يقاتل جندياً مسلماً من الأخرى ولو أكره على ذلك فإن علم جنود إحدى الدولتين أن جنود الأخرى مكرهون على القتال فلا يجوز لأولئك قتالهم إلا إذا شهروا عليهم السلاح أو كانوا مختلطين مع جنود مختارين أو لم يعلموا هل هم مختارون أم مكرهون".
وقال أيضاً في ص168 "كما لا يجوز قتل المسلم بالإكراه في الحالات الفردية كذلك لا يجوز في الحالات الجماعية فلا يجوز لجنود مسلمين قتال جنود مسلمين بلا وجه حق ولا تأويل صحيح ولا أثر للإكراه في ذلك أبداً ولو كان الإكراه بالقتل، وأولى من هذا إكراه فرد واحد على فعل ما يؤدي إلى قتل جماعة من المسلمين كأن يكره الجندي بالقتل على أن يدل العدو على ما يضر بجماعة المسلمين إذ ليس له أن يفدي نفسه بنفوس المسلمين".

كيف يعمل المكره:

المكره: يتصرف حسب الحالات التالية:
1- أن ينحاز إلى أصحاب الحق ويعمل معهم ظاهراً أو باطناً ويبذل كل ما في وسعه لنصرة الحق بالمال والنفس، والرأي الحكيم، والدعوة والتذكير بالله ورفع المعنويات وإيواء المجاهدين.
2- إذا عجز عن ذلك وكان له سلاح فعليه أن يفسد سلاحه أو يضرب في غير الهدف.
قال ابن تيمية 28/539: "إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وعليه أن يصبر حتى يقتل مظلوماً فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام".
3- إذا لم يستطع الانضمام إلى صفوف المسلمين فعليه المكر بالأعداء كما فعل نعيم بن سعود حيث أوقع الفرقة بين الأحزاب كما هو معروف في كتب السيرة ولو اقتضى ذلك إلى موافقتهم في الهدي الظاهري كحلق اللحية ونحوها.
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم 176 "إن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع لهم المخالفة فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع لهم ذلك ولو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهري لما عليه في ذلك من الضرر بل يستحل للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهري إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.
فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية ففيها شرعت المخالفة وإذا ظهرت الموافقة والمخالفة لهم باختلاف الزمان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا".
4- فإن كان في حالة عجز تام فلا يجوز له قتل المسلمين ولو أكره بل إذا صبر واحتسب ومات مات شهيداً.
قال الإمام الشافعي في الأم ج4/ ص215 موضحاً حالات الجندي المقاتل وما قاله أهل العلم في المكره:
1- ليس على المأمور عقل ولا قود ويستحب أن يكفى.
2- إن علم أنه يقتل بظلم كان عليه والإمام القود وكانا كقاتلين معاً.
3- لا قود على المأمور إذا ادعى أنه أمر بقتله وهو يرى أنه يقتل بحق.
4- إذا علم أنه مظلوم وأكرهه الإمام فيه قولان منها – عليه القود ليس عليه أن يقتل الإنسان ظلماً إلى أن قال... : ومن قُتل [أي الجندي] بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد".
قال وهبة الزحيلي في كتاب كامله الضرورة ص92: "وإن أكره شخص على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه وسعه أن يفعل ذلك لأن مال الغير يستباح للضرورة كما في حال المخمصة ولصاحب المال أن يضمّن الآمر لأن المستكره آلة للمكرِه فيما يصبح آلة له والإتلاف من هذا القبيل، ولكن لو صبر المستكره على القتل ولم يتلف المال لا يأثم وكان شهيداً".
أما القتل تحت غطاء الخوف على النفس أو الخبزة والعمل فلا وجه له.
قال القاضي عياض في المدارك 2/719: "سئل أبو محمد بن الكراني عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أويقتل؟ قال يختار القتل ولا يعذر أحد بهذا إلا من كان أول دخولهم البلد فيسأل إن أمرهم وأما بعد فقد وجب القرار فلا يعذر أحد بالخوف بعد إقامته لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز وإنما أقام من هذا من العلماء والمتعبدين على المباينة لهم لئلا يخلو بالمسلمين عدوهم فيفتنوهم عن دينهم".
قال محمد بن عبد الوهاب في مجموعة التوحيد 200: "نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وأخبر أنه من تولاهم من المؤمنين فهو منهم ولم يفرق الله تبارك وتعالى بين الخائف وغيره بل أخبر أن الذين في قلوبهم مرض يفعلون ذلك خوفاً من الدوائر وهكذا حال المرتدين خافوا من الدوائر من عدم الإيمان بوعد الله الصادق بالنصر لأهل التوحيد فبادروا وسارعوا إلى الشرك خوفاً من أن تصيبهم الدائرة.... إن موالاة الكفار موجبة لسخط الله والخلود في العذاب بمجردها وإن كان الإنسان خائفاً".
فليحذر رجال الأمن من معارضة هؤلاء وليحذر رجال القضاء أيضاً من مغبة إعانة الظلمة.
قال ابن حزم في المحلى 13/139: "من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها".
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/530: "وكل من قفز إليهم [يعني التتار] من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم وفيه من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام وإن كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين فكيف من صار مع أعداء الإسلام قاتلاً للمسلمين".
وقال أيضاً ص534: "فمن قفز عنهم إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار فإن التتار فيهم المكره وغير المكره وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي" وقال أيضاً ص535 "ومن أخرجوه معهم مكرهاً فإنه يبعث على نيته ونحن علينا أن نقاتل العسكر جميعهم إذ لا يتميز المكره من غيره". وانظر ص537 فقد أبدع في التفصيل رحمه الله ولذلك اتفق الأئمة على أن الكفار لو تترسوا بالمسلمين وخيف على المسلمين من الهزيمة فإنه يجوز أن نرميهم ونقصد الكفار.
قال الإمام الغزالي في المستصفى ج1/313: "فإن قيل فالكف عن المسلم الذي لم يذنب مقصود وفي هذه مخالفة المقصود قلنا هذا مقصود وقد اضطررنا إلى مخالفة أحد المقصودين".
قال وهبة الزحيلي في الضرورة 165: "إذا صال الأعداء المحاربون على المسلمين متترسين بأسارى مسلمين فإنه يجوز حينئذ قتل المسلم وغيره حفظا لجماعة المسلمين ودحراً للعدو وإنقاذاً للبلاد من تسلط الأعداء وإيذائهم".
قال جميل محمد بن المبارك في كتاب كامله عن الضرورة ص42: "فالالشريعة الاسلامية ناظرة إلى هذا كله حين لم تبح جريمة القتل تحت أي ظرف باستثناء قتل الترس الذي يتحدث عنه الفقهاء في هذا المجال فقد أبيح لأن فيه مراعاة لضرورين اثنين في مقابلة ضروري واحد فالضروريان هما حفظ نفوس الأمة كلها والثاني حفظ الدين فلو لم يقتل الترس لاستئصلت الأمة –والترس منها ولضاع الدين".
ومن الأصناف التي تشدّ من عضد الأنظمة الكافرة المخابرات السرية والجوسسة على المسلمين والفتك بهم وإذاقتهم من العذاب ألواناً وأشكالاً، وهؤلاء أهل حظوة عند النظام خاصة لأنهم اليد المخربة للبلاد سراً وباطناً والعصا القامعة علناً وظاهراً. وما أكثر الجواسيس في بلاد الإسلام ولا يتقنون هذه العملية إلا على الشعوب الإسلامية وخاصة الحركات الإسلامية القوية والأحزاب المعارضة الصلبة أما التجسس على أعداء الإسلام فلا يحسنون منه لا نقيراً ولا قطميرا وأصبحوا الآن في الدول مادة اللغة العربية والبلاد الإسلامية هم السلطة الأولى ذات الامتياز الذي ليس فوقه امتياز، باستطاعتهم تبديل نظام بنظام ووجوه بأخرى بأسرع ما يمكن وهم متواجدون في كل مكان وخاصة في مراكز القرار والأجهزة الفاعلة.
أما الجواسيس [والبياعين] الذين يتظاهرون بالصلاح والتقوى وإذا خلوا بشياطينهم قالوا إنا معكم فأكثر من أن يحصروا فهم يندسون في صفوف المسلمين ويتسقطون أخبارهم للإضرار بهم، وهذا الصنف وجد حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أمثال داعس، وسعد بن حنيف، وزيد بن الصلت، ورافع بن حريملة يتخذون المساجد أماكن مراكز لهم، ولما علم المسلمون بهم وكشفوهم أخذوهم ونفذوا فيهم الحكم وقد بين الإمام القرطبي أن حكم من يتجسس على المسلمين للكفار وأعداء الله هو القتل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في معاوية بن المغيرة بن أبي العاص حيث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر أن يتعقباه ويقتلاه فوجداه على بُعد ثمانية أميال من المدينة فقتلاه رمياُ بالنبل وكما فعل عمر بدرباس الجاسوس، انظر "غزوة أحد" محمد أحمد باشميل 279 و"اليهودية" د./ أحمد شلبي ص322.
وعندما كشف حاطب بن بلتعة سر المسلمين للأعداء لا إعانة لهم ونكاية في الإسلام – معاذ الله - وإنما لغرض دنيوي مع عدم إضمار نية الكفر والردة عن الإسلام كتب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثل هذا الفعل يعتبر من كبائر الذنوب ولقد استثني حاطب من إنفاذ حكم الجاسوس لاعتبارات خاصة مثل كونه من أهل بدر وسلامة قصده ولذلك أعفى عنه وهو الذي قال فيه عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أضرب عنقه فقد نافق ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم منعه مذكراً إياه أنه من أهل بدر، أما ما يدل على أنه سليم القصد وإنما أدركته لحظة الضعف البشري فباح بالسر ما جاء في نص رسالته "أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم وأنجز له موعده فيكم فإن الله وليه وناصره".
قال بعض المفسرين إن قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" [الأنفال: الآية27] نزلت في قوم كانوا يسمعون الشيء من النبي فيلقونه إلى المشركين ويفشونه، وقيل نزلت في أبي لبابة حين أشار إلى بني قريظة بعدم النزول على حكم سعد بن معاذ وقال لا تفعلوا فإنه الذبح وأشار إلى حلقه، فمجرد إشارة اعتبرت خيانة فكيف بمن يقدم المعلومات عن إخوانه الذين يجاهدون في سبيل الله تعالى ثم من أجل تخليص الشعب من جلاديه.
جاء في البداية والنهاية لابن كثير ج5/ 413: "في غزوة تبوك حيث بلغه أن أناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليهم نفراً من أصحابه فيهم طلحة بن عبيد الله وأمرهم أن يحرقوا هذا البيت على من فيه نظراً لموقفهم المعادي من الإسلام ورسول الإسلام".
وأخيراً نرجو من الله تعالى أن يهدي من فتح قلبه لحقائق الإيمان من مصالح الأمن والشرطة والدرك والجيش والمخابرات ورجال القضاء إلى عدم التورط في قمع أبناء الشعب لأنه من حق أي شعب في العالم أن يقاوم ويجاهد ويناضل عن حقه الذي اغتصب منه بالقوة، وهذا الحق كفلته الالشريعة الاسلامية والشرائع الأخرى بل كفلته القوانين الوضعية والمواثيق الدولية، ثم لصالح من يقاتلون ويعذبون ويسجنون؟ لا شك أن هذا الصنيع لا يفيد إلا أعداء الإسلام في الداخل والخارج ويمكّن للطغمة العسكرية المتعفنة التي أفسدت البلاد منذ 1962 وقتلت ضحايا تفوق الحصر.





وصلواعلى خيرالآنام
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين



وفي الأخير أسأل الله أن ينفعني وإياكم بها
لا تنسوني ووالداي من خالص دعائكم


والدال على الخير كفاعله








©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©