هذه قصة نقلتها أخت عن حال أخ بعد الانتكاسة والبعد عن الالتزام -عافانا الله وهدانا وثبتنا على الصراط المستقيم -

لا أخفيكم سراً أيها القراء وأنا أبوح بسري لكم وما عهدتموني أكتم عليكم خلجات قلبي وما يكنه الفؤاد، والحديث إذا عري عن المصداقية لا يساوي الحبر الذي كُتب به، والحديث إن كان مصطنعا متكلفاً كان سامجاً بارداً ثقيلاً لا يجد له منفذاً إلى القلب ولا ترى له طعماً ولا يُشتهى سماعه، والقاعدة المطردة عندي في التعامل مع الأحباب أمثالكم:"من شروط الألفة ترك الكلفة" .

أنا - وبصراحة - ممن بعد عن الجادة وتنكب الدرب ورجع القهقرى وترك الالتزام وحاد عن الطريق وابتعد عن أجواء الصالحين فضاع في بيداء الدنيا لهثاً وراء المادة وراكضاً وراء سراب خادع اسمه تأمين المستقبل وتوفير لقمة العيش وغد مشرق للعائلة وأخذ الدنيا غلاباً كما قال شوقي، فما عاد لي في المناشط الخيرية والدعوية سهم ولا نصيب وقد كنت من أركانها، لقد ابتعدت كثيراً عن دور تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية والمكتبات الدعوية ومراكز الدعوة والمخيمات التوعوية ومجالس الصالحين، قاتل الله الدنيا دخلت في جو العمل والتجارة مع الزواج والعيال ومطالب الأسرة فكسر بي في أودية الدنيا قال بعض السلف: من تزوج فكأنما ركب سفينة فإذا وُلد له كُسر به - بل أنا الذي أردت أن أدفن نفسي في هذا الجو المقيت الذي أبعدني عن كل خير، فجميع الصالحين من ذوي الأشغال والعيال فلماذا لم يحيدوا مثلي؟- شُغلتُ بالدنيا وغلبني الهوى وأسرني الطمع وقيدني الجشع فإذا أنا بعالم غريب فلا الأصحاب كما عهدت، ولا الحديث عاد كما كان، ولا الروحات والغدوات لتلك الأماكن الطيبة بقيت ، لا أخفيكم اشتقت لحمل السواك والمصحف في جيب ، وعلبة الطيب من مسك تارة تهديها وتارة تٌهدى إليك، واشتقت إلى تبادل الأشرطة وحضور مجالس العلماء والدعاة، افتقدت رسائل الجوال للتذكير بصيام أو درس أو مجلس ذكر أو تبرع لجهة خيرية أو عيادة مريض أو مساعة منكوب أو أي خير، تألمت لما تأملت في حالي، فلا مجالس طيبة ولا صحبة صالحة ولا كلمة حسنة أسمعها، أي حياة هذه لا طعم فيها ولا روح لها ؟!

لحيتي تقلصت حتى صارت البشرة ظاهرة للعيان وعليها شعيرات خفيفة ادعي أنها لحية، ثيابي لامست الكعبين وبعضها جاوزها، صرت لا أتمعر ولا أتضايق حين أسمع الموسيقى في المذياع أو على شاشة التلفاز بحجة سماع أو مشاهدة الأخبار أو البرامج الوثائقية حتى صار أمراً مألوفاً لدي، لم أعد أكترث لمناظر النساء ولم أعد أغضب لمرأى شقراء مارونية في أي قناة ولم أعد أتألم لإلحاد وفسق وعهر في بعض البرامج بحجة أنه مشهد عابر ، لا أدري متى آخر مرة قرأت فيها القرآن، وربما قرأته ولكن لم أعد كما كنت تستوقفني الآيات وتؤثر في بل أسرح فلا أنتبه إلا وأنا أقرأ بلساني فقط وقلبي شارد في أودية الدنيا، أما الصف الأول فلم أشهده منذ مدة ، قسى قلبي فلا يهزني شيء كم رأيت حادثاً أمامي فلا يحركني، وقد كنت أتأثر لأدنى موقف وأقل كلمة، أشاهد الصالحين وهم مزدحمون في سيارة يمضون لعلهم إلى محاضرة أو مخيم أو رحلة فتأكلني الحسرة أود أن أوقفهم فأقفز بينهم وأقول خذوني معكم لا تتركوني، كم يأثر فيّ وأنا أقف في الإشارة فيقف بجانبي شاب على سيماه الصلاح وهو يستمع لمحاضرة أو ينصت لقرآن، ترى على وجهه آثار الخشية وجلال العلم ووقار ، أكاد أترجل من سيارتي وأجلس بجواره ليأخذني حيث شاء ، آه كم أحن لتلك الدروس مفصلة التي كنت أحضرها بعد الفجر، كم أشتاق للرحلات الجميلة وقد كنت ممن يعد لها وينسقها بل ويتولى قيادتها، ما أجملها من أيام كانت رحيق حياتي وأنس نفسي وعطر أيامي، هنا أخ يذّكر وآخر يعظ وثالث يُهدي ورابع يعاتب وخامس يبتسم، كم اشتقت لصيام الاثنين والخميس وأيام البيض والإفطار مع الإخوة، لست أنسى ذلك الأخ الذي تعاهدني في بداية للاستقامة لإيقاظي لصلاة الفجر لله دره لم تفتر عزيمته كان يتصل بي فأضع الهاتف بجوار رأسي وإذا رددت عليه قال : الصلاة خير من النوم ولا يزيد ويغلق السماعة، أذكر لما سافرت إلى جدة في بداية الاستقامة كيف أهديت لي الأشرطة والكتيبات والرسائل والمطويات، لا أنسى أول محاضرة لي حضرتها في حياتي وهي للشيخ عمر العيد، وأما ثاني محاضرة فكانت للشيخ حماد الرسي، لا أنسى كتاب كاملة الفوائد ودفتر الفوائد في الجيب، أذكر تلك الدروس مفصلة في رياض الصالحين، وكتاب كامل صحيح الجامع للألباني حين قرأه علينا أخ حبيب اسمه عبد الرزاق من اليمن كان يدرس في جامعة الإيمان وكنت أحسب الألباني وقتها في عهد السلف، لا أنسى نشاط الأربعاء والخميس في المدرسة، لا أنسى بعض الإخوة ممن أحببانهم في الله وكانت بيننا وشائج حب في الله صادقة، رحم الله من مات وثبت الله من بقي، حتى أذكار الصباح والمساء التي أحفظها وقد كدت أنساها فقد حفظتها من بطاقة أذكار وزعها علينا بعض الإخوة في أحد الرحلات، واشوقاه لأيام المركز الصيفي وللمسابقات والبرامج والنشاط الرياضي لي في كل زاوية ذكرى وفي كل مكان فيه موقف إما مضحك وإما مبكٍ وإما مؤثر ، ولا أنسى أول شريط فرغته وهو شريط للشيخ إبراهيم الدويش ( الشباب ألم وأمل) ولا أنسى أول كتيب لخصته وهو ( سهم إبليس وقوسه) للشيخ عبد الملك القاسم، أذكر كيف كنت حريصاً على كتيبات القاسم -وفقه الله- خاصة مجموعة (الزمن القادم)، وأذكر حرصي على الصلاة خلف الشيخ الحواشي في الجامع الكبير بخميس مشيط، ولا أنسى زيارات المشايخ ولقاءات أهل العلم، أين الاعتكاف وليالي رمضان ، كان عالمي الذي كنت فيه أحسست أنني في جنة ونعيم عظيم، كنت كطائر حالم يطير في روضة غناء وبستان عامر، هذه الذكريات هي قوت قلب وإكسير فؤادي ، وشجى روحي ، وهي بستاني ومتزهي .

لعنة الله على كل علماني بغيض ولبرالي مستهزئ قذر خبيث الطوية وغضب الله على كل من يعادي أولئك الرجال ويناصب البغض والعداء، لتلك الثلة الطاهرة من شباب الأمة، فقطع الله دابرهم وأباد خضرائهم، وشلت يمين تكتب لتسخر منهم، وشاه وجه يمثل ليستهزأ بهم، وقطع الله لسانا تتكلم بثلبهم والقدح فيهم، ورضي الله عن تلك الوجوه الوضيئة البهية، والأنفس الطيبة الخيرة الأبية، وهذه قبلة على جبين كل شاب ملتزم مستقيم ثابت في زمن الانتكاسة والضياع وانقلاب المفاهيم، كبح جماح شهواته في زمن الشهوات ، وترك الانغماس في الملذات في زمن الضياع، إلى أولئك الأخيار لكم الله فاصبروا يا شباب الحق.. وُفقتم.. وسُددتم.. وثُبتم.. وأُعنتم .. يا ذخرنا يا فخرنا يا عزنا يا مجدنا .


أحبكم يا شباب الحق محتسباً ولن يضيع ربي أجر محتسب


ولم تزل نخلة الإسلام باسقة مليئة بعذوق التمر والرطب

فإلى كل من يفكر في الانتكاسة يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، إلى كل من مل طريق الاستقامة كما يزعم، إلى من يخطط للرجوع للقهقرى، حنانيك.. اتئد.. مهلا.. ورفقاً رفقاً ..أرجوك انتظر.. أرجوك اعتظ بي .. أرجوك لا تخرج من روضتك إلى بيداء مهلكة .. أرجوك عد فإذا خرج فصعب أن تعود ..

أخوكم أسير الهوى



ولا تنسوني ووالديَّ ومن كانوا سببا في هدايتي بعد الله جل في علاه من صالح دعائكم





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©