الصحابي الجليل، الخليفةُ والملك القائد،صاحب الفتوحات الإسلامية،
والقائد المُحنَّك، وداهية زمانه: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه.

من هو مُعاوية؟
هو: معاوية بن أبي سفيان، واسم أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، يكنى أبا عبد الرحمن.
أمه: هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وأمها: صفية بنت أمية بن حارثة بن الأقوص بن سليم.
كان أبيض طويلاًن أبيض الرأس واللحية، أصابته لُقوةٌ (اللّقوة: داء يصيب الوجه) في آخر حياته.

قال أسلم مولى عمر: قَدِمَ علينا معاوية وهو أبيض الناس وأجملهم.
ولقد كان حليماً وقوراً، رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً.

قال المدائني: عن صالح بن كيسان قال: رأى بعض منفرسي العرب معاوية وهو صغير، فقال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند- أم معاوية- ثكِلْتُهُ إن كان لا يسود إلا قومه.

إسلامه
أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه يوم فتح مكة.
وروي عنه أنه قال: أسلمتُ يوم القضيَّة- أي: يوم عمرة القضاء-، وكتمت إسلامي خوفاً من أبي.

قال معاوية: لمّا كان يوم الحديبية وصدّت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، ودافعوه بالروحاء وكتبوا بينهم القضيَّة، وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة، فقالت: إيَّاك أن تخالف أباك، وأن تقطع أمراً دونه فيقطع عنك القوت، وكان أبي يومئذ غائباً في سوق حُباشة.



قال: فأسلمت وأخفيت إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدقٌ به، وأنا على ذلك أكتمه من أبي سفيان، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وأنا مسلم مصدق به، وعَلِمَ أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوماً: لكن أخوك خير منك، وهو على ديني، فقلت: لم آل نفسي خيراً.

قد جاءت في فصله أدلة من الكتاب كامل والسنة وهي تنقسم إلى قسمين :
1- أدلة عامة :وهي التي جاءت في فضائل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولا شك أن معاوية رضي الله عنه داخل في هذا الفضل .
لا شك أن معاوية رضي الله عنه يدخل في عموم الآيات التي وردت في فضائل الصحابة ، ولن أطيل في ذكر الآيات الواردة ، فمن ذلك :
1- قال تعالى : "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " [ الفتح : 29 ] ولو لم يكن في الصحابة إلا هذه الآية لكفتهم رضي الله عنهم .
2- وقال تعالى : "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى" [ الحديد : 10 ] .
وغير ذلك من الآيات التي وردت في مدح الصحابة عموما ومنهم معاوية رضي الله عنه ، وليس المقام مقام حصر.





أما الثناء على الصحابة ومنهم معاوية رضي الله عنه في السنة كثير جدا فمن ذلك :
1- عن أبي بردة ، عن أبيه قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ، قال : فجلسنا ؛ فخرج علينا فقال : ما زلتم هاهنا ؟ قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب ، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء ، قال : أحسنتم ، أو أصبتم ، قال : فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون . رواه مسلم (2531) .

2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .رواه البخاري (3673) ، ومسلم (2540) .


فما الذي يخرج معاوية رضي الله عنه من عموم هذه الأدلة ؟!
قال ابن القيم رحمه الله في « المنار المنيف » (93) : « فيما صح في مناقب الصحاب على العموم ومناقب قريش فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه » .

2- أدلة خاصة :
جاءت في فضل معاوية بخصوصه وإليك هذه الأدلة التي تدل على فضله رضي الله عنه وبعض آثار السلف رحمهم الله تعالى .




وقال الحافظ الذهبي في « تذكرة الحفاظ » (2/699) : « لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة » .

* عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان ، فكلماه بشيء لا أدري ما هو ؟فأغضباه ، فلعنهما ، وسبهما فلما خرجا قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان ، قال : وما ذاك ؟ قالت : قلت : لعنتهما وسببتهما ، قال : أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا . رواه مسلم (2600) .
وفي رواية : "أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة" .

وفي رواية : "فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته اجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" .

وفي رواية : "إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة " .

وفي رواية : "إني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة " .



قال الإمام أحمد : معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل (انظر الالشريعة الاسلامية للآجري (5/2466) وشرح مفصل أصول اعتقاد أهل السنة (2785) اللالكائي , ومادة التاريخ بغداد (1/233) للخطيب البغدادي , ومادة التاريخ دمشق (59/208) لابن عساكر) .





وقد نقل الإمام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/427) قول ابن المطهر الرافضي عن أهل السنة « وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة من الوحي » ا.هـ قال الإمام ابن تيمية : « فهذا قول بلا حجة , فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة واحدة من الوحي , وإنما كان يكتب له الرسائل » ا.هـ.
وقال في (4/442) من منهاج السنة عن معاوية : « هو واحد من كتاب كامل الوحي » .
وفي كتاب كامل السنة للخلال (2/434) قال الإمام أحمد رحمه الله فيمن قال : لا أقول أن معاوية كاتب الوحي ولا أقول أنه خال المؤمنين , فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ ! هذا قول سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس . وسنده صحيح .

* ومن مناقبه أنه خال المؤمنين (انظر لمعة الاعتقاد (155) , ومنهاج السنة (4/369) , والبداية والنهاية (8/18) :
قال أبو يعلى في تنزيه خال المؤمنين ص (106) : « ويسمى إخوة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوال المؤمنين , ولسنا نريد بذلك أنهم أخوال في الحقيقة , كأخوال الأمهات من النسب , وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام , وهو التعظيم لهم » ا.هـ.
وروى الخلال في السنة (3/434) بسند صحيح قال أبو بكر المروذي : سمعت هارون بن عبدالله يقول لأبي عبدالله : « جاءني كتاب كامل من الرَّقة أن قوماً قالوا : لا تقول معاوية خال المؤمنين فغضب وقال : ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجفون حتى يتوبوا » .
وقال الإمام أحمد في السنة (2/433) : « أقول : معاوية خال المؤمنين , وابن عمر خال المؤمنين ؟ قال : نعم معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما , وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما » وسنده صحيح .

* ومن مناقبه أن عمر رضي الله عنه ولاه على الشام وأقره عثمان رضي الله عليه أيضا مدة خلافته كلها وحسبك بمن يوليه عمر وعثمان رضي الله عنهما على الشام نحوا من عشرين سنة فيضبطه ولا يعرف عنه عجز ولا خيانة (انظر تنزيه خال المؤمنين لأبي يعلى ص (106) .
قال الهيتمي في « تطهير الجنان » (20) :
« اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر ، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام لهو اكبر دليل على فضل معاوية واستحقاقه لهذه المنزلة .. فأي فضل بعد هذا ؟!
ومنها أن عمر رضي الله عنه مدحه وأثنى عليه ، وولاه دمشق الشام مدة خلافة عمر ، وكذلك عثمان رضي الله عنه وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية ومن الذين كان عمر يرضى به لهذه الولاية الواسعة المستمرة وإذا تأملت عزل عمر لسعد بن أبي وقاص الأفضل من معاوية بمراتب وإبقائه لمعاوية على عمله من غير عزل له علمت بذلك أن هذه ينبئ عن رفعة كبيرة لمعاوية وانه لم يكن ولا طرأ فيه قادح من قوادح الولاية وإلا لما ولاه عمر أو لعزله وكذا عثمان وقد شكا أهل الأقطار كثيراً من ولاتهم على عمر وعثمان فعزلا عنهم من شكوهم وإن جلت مراتبهم وأما معاوية فأقام في إمارته على دمشق الشام هذه المدة الطويلة ، فلم يشك أحد منه ، ولا اتهمه بجور ولا مظلمة ، فتأمل ذلك ليزداد اعتقادك أو لتسلم من الغباوة والعناد والبهتان » .
قال الذهبي في « السير » (3/132) : « حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم - وهو ثغر - فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله ؟ خيراً منه بكثير ، وأفضل وأصلح ، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه ، وسعة نفسه وقوة دهائه ، ورأيه وله هنات وأمور ، والله الموعد . وكان محبباً على رعيته ، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته ، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك » .







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©