السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمابعد فقد أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الداعين إلى الله من خلال بعض النقول لأهل العلم وبعض الدعاة إلى الله بما يجب على كل داع الإلتزام به حتى يكون لدعوته البركة و الثمار المرجوة لا سيما في زمن صارت السنة فيه وأصحابها غرباء وابتعد الناس عن الالتزام بهدي خير العباد في كثير من اعتقاداتهم وعباداتهم ومعاملاتهم.
********************
ممّا لاشكّ فيه أنّ للدعوة وسائل كثيرة وطرقًا متنوعة من الخطابة والتعليم والكتاب كاملة وغيرها، وقد يسّر الله تعالى في الوقت الحاضر وسائل مهمة، ومسالك عظيمة، لم تحصل من قبل، ومن أبرز هذه الوسائل المستجدة شبكة المعلومات الدولية أو الشبكة العنكبوتية -وهي ما يعرف بالإنترنت-، ولا شك أنّها وسيلة مفيدة، لها مزايا عديدة، لمن أحسن استغلالها، وأقلّ أمرها فأحسن استقلالها، فهي واسعة الوجود، لا تقيّد بقيود، ولا تقف أمامها الحدود، تتخطّى كلّ الحواجز، وتتعدّى كلّ المفاوز، فيسهل -عن طريقها- نشر رسالة الإسلام الصحيح بالدليل الصريح، وإصلاح ما علق به من الفساد والطلاح في مجال التوحيد والعبادة والمنهج والسلوك وغيرها، وقد أضحت اليوم من الضروري الاهتمام بها، وتسخيرها في خدمة الدعوة الصحيحة، لاسيما وقد اشتدّت حاجة الناس إلى فهم الإسلام فهما سليما من غير إفراط ولا تفريط، في ظلّ هذه الصحوة العلمية المباركة، وانتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا.
فالدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ من آكد الواجبات، وأفضل القربات، إذ هي وظيفة الأنبياء، ومهمّة ورثتهم من العلماء، وبها يثبت الإيمان وتحفظ الأديان ويبلّغ القرآن، وهي الطريق إلى إصلاح البلاد، وصلاح العباد في المعاش والمعاد، وذلك بإخراجهم من عبادة الخلق إلى عبادة الحقّ، ومن ظلمات الشرك والعصيان إلى نور التوحيد والإيمان.

وقد أمر الله تعالى بها في كتاب كامله فقال: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ [آل عمران: 104]، وأمر سبحانه نبيّه محمدا أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله، فقال: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: من الآية108]، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله صلى الله عليه وسلَّم، وهو على بصيرة، وهو من أتباعه.

وأخبر تعالى أنّ الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال وأعظمها نفعًا للعبد في الدنيا والآخرة فقال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾ [فصلت:33].

وقال النبي صلى الله عليه وسلَّم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» [متفق عليه]، وهذا يدلّ على فضل الدعوة وشرف أهلها، بحيث إذا اهتدى رجل واحد على يد داعية كان ذلك خيرًا له من حمر النعم –وهي خيارها وأشرفها عند أهلها- فما بالك لو اهتدى على يديه جمع من الناس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وأخبر صلى الله عليه وسلم أنّ من دعى إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه فقال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» [رواه مسلم ].

-موقع راية الإصلاح-
*****************************
قال الله تعالى:
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف(108)

قال ابن كثير رحمه الله:
يقول [ الله ] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي .
وقوله : ( وسبحان الله ) أي : وأنزه الله وأجله وأعظمه وأقدسه ، عن أن يكون له شريك أو نظير ، أو عديل أو نديد ، أو ولد أو والد أو صاحبة ، أو وزير أو مشير ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ، ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : 44 ]
**********************
قال ابن السعدي رحمه الله:
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ ) للناس ( هَذِهِ سَبِيلِي ) أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، ( أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ) أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه.
ومع هذا فأنا ( عَلَى بَصِيرَةٍ ) من ديني، أي: على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية. ( وَ ) كذلك ( مَنِ اتَّبَعَنِي ) يدعو إلى الله كما أدعو على بصيرة من أمره. ( وَسُبْحَانَ اللَّهِ ) عما نسب إليه مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله.
( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) في جميع أموري، بل أعبد الله مخلصا له الدين.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
فعلى الدعاة إلى الله وهم العلماء أن يبسطوا للناس هذا الأمر وأن يشرح مفصلوه وأن يوضحوه أينما كانوا مشافهة؛ في خطب الجمعة وفي الدروس مفصلة ، وفي المواعظ العامة ، وفي المناسبات التي تحصل بينهم ، يبينون للناس هذه الأمور ويوضحونها للناس ، وينتهزون الفرص في كل مناسبة؛ لأن الضرورة تدعو إلى ذلك والحاجة الشديدة تدعو إلى ذلك لقلة العلم والعلماء وكثرة الحاجة والضرورة إلى البيان ، وهكذا يكون التعليم والتوجيه من طريق المكاتبات ، ومن طريق المؤلفات ، ومن طريق الإذاعة ووسائل الإعلام ، ومن طريق المكالمات الهاتفية ، لا يتأخر العالم عن أي طريق يبلغ فيه العلم تارة بالكتب ، وتارة بالخطب في الجمع وفي الأعياد وغيرها ، وتارة بتأليف الرسائل التي تنفع الناس.
فالواجب أن يكون وقت العالم معمورا بالدعوة والخير وأن لا يشغله شاغل عن دعوة الناس وتعريفهم بدين الله ، أن تكون أوقاته معمورة بطاعة الله ، والدعوة إلى سبيله والصبر على ذلك كما صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[23] فمن أراد من أهل العلم أن يكون من أتباعه على الحقيقة فعليه بالدعوة إلى الله على بصيرة حتى يكون من أتباعه على الحقيقة ينفع الناس وينفع نفسه ثم له بذلك مثل أجورهم ولو كانوا ملايين ، هذه نعمة عظيمة وفائدة كبيرة ، لك يا عبد الله الداعي إلى الله لك مثل أجور من هداه على يديك . لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم : ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) وهذا أمر عظيم من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله ، دعوت كافرا فأسلم يكون لك مثل أجره ، دعوت مبتدعا فترك البدعة يكون لك مثل أجره ، دعوت إنسانا يتعامل بالربا فأطاعك يكون لك مثل أجره ، دعوت إنسانا يتعاطى المسكر فأجابك يكون لك مثل أجره ، دعوت إنسانا عاقا لوالديه فأطاعك وبر والديه يكون لك مثل أجره ، دعوت إنسانا يغتاب الناس فترك الغيبة يكون لك مثل أجره ، وهكذا . .
-موقع ابن باز-
******************************************
قال الشيخ الصالح محمد بن صالح:
وتـأمـل أيها الداعية لله قول الله تعالى: {عَلَى بَصِيرَةٍ } أي على بصيرة في ثلاثة أمور:

الأول: على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالماً بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظنه واجباً، وهو في شرع الله غير واجب فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شيء يظنه محرماً، وهو في دين الله غير محرم فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم.

الثاني: على بصيرة في حال الدعوة ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلّم، معاذاً إلى اليمن قال له: «إنك ستأتي قوماً أهل كتاب كامل» (1). ليعرف حالهم ويستعد لهم. فلابد أن تعلم حال هذا المدعو ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله، لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال وكان عليك لقوة جدله صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق بكل حال فإن الرسول صلى الله عليه وسلّم، قال: «إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع» (2) فهذا يدل على أن المخاصم وإن كان مبطلاً قد يكون ألحن بحجته من آخر فيُقضى بحسب ما تكلم به هذا المخاصم فلابد أن تكون عالماً بحال المدعو.

الثالث: على بصيرة في كيفية الدعوة قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ }. (النحل: 125).

* وبعض الناس قد يجد المنكر فيهجم عليه، ولا يفكر في العواقب الناتجة عن ذلك لا بالنسبة له وحده، ولكن بالنسبة له ولنظرائه من الدعاة إلى الحق، لذا يجب على الداعية قبل أن يتحرك أن ينظر إلى النتائج ويقيس، قد يكون في تلك الساعة ما يطفي لهيب غيرته فيما صنع، لكن سيخمد هذا الفعل نار غيرته وغيرة غيره في المستقبل، قد يكون في المستقبل القريب دون البعيد؛ لهذا أحث أخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني، والأمر وإن تأخر قليلاً لكن العاقبة حميدة بمشيئة الله تعالى.

وإذا كان هذا أعني تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب كامل الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، هو مدلول النصوص الشرعية فإنه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات، لأنك كيف تدعو إلى الله ـ عز وجل ـ وأنت لا تعلم الطريق الموصل إليه، لا تعلم شريعته كيف يصح أن تكون داعية؟!
فإذا لم يكن الإنسان ذا علم فإن الأولى به أن يتعلم أولاً، ثم يدعو ثانياً.

قد يقول قائل: هل قولك هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني ولو آية». (3)
فالجواب: لا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلّم، يقول: «بلغوا عني» إذاً فلابد أن يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هذا هو ما نريده، ولسنا عندما نقول إن الداعية محتاج إلى العلم لسنا نقول إنه لابد أن يبلغ شوطاً بعيداً في العلم، ولكننا نقول لا يدعو إلا بما يعلم فقط ولا يتكلم بما لا يعلم.

----------------------------
1- أخرجة البخاري كتاب كامل الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد إلى الفقراء حيث كانوا (1496) ومسلم كتاب كامل الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (31) (19)
2- رواه البخاري كتاب كامل الشهادات باب من أقام البينة بعد اليمين (2680) كتاب كامل الحيل باب (6967) كتاب كامل الأحكام باب موعظة الإمام للحضرم (7169) ومسلم كتاب كامل باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن (1713)
3- أخرجه البخاري كتاب كامل احاديث الانبياء باب ما ذكر عن بني اسرائيل (3461)
[/center][/size]





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©