بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على خير خلقه الذين اصطفى, وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى.
يقول المولى عز وجل: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا ))
ويقول المصطفى صلى الله عليه وعلىآله وسلم: (( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )).
أما بعد........
يقول العلامة الإمام بن القيم الجوزية :
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس ، إلا كما يجتمع الماء والنار والضبُّ والحوت .
فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبِل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبِل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عُشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح ؛ سهل عليك الإخلاص .
فإذا قلت وما الذي يُسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح .
قلت : أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمُك يقيناً أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه ، لا يملكها غيره ، ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه .
وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمُك أنه ليس أحدٌ ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده ، كما قال ذلك الأعرابيّ للنبي صلى الله عليه وسلم : إن مدحي زين وذمي شين . فقال : (( ذلك الله عز وجل )) .
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشينك ذمه ، وارغب في مدح من كلُّ الزين في مدحه وكل الشين في ذمه .
ولن تقدر على ذلك إلى بالصبر واليقين ؛ فمتى فقد الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب .
قال تعالى : ((فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون )) سورة الروم الآية (60) .
وقال تعالى (( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون )) السجدة الآية (26) .
(( الفوائد )) : ص (219-220) .


*********************************
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أروع هذا الشيخ الجليل الامام المدرس المفتي المألف رحمه الله وجزاه الله عنا خير الجزاء ما تركه من درر نفيسة وقيمة
سأتطرق لها بإذن الله تعالى...رحمه الله واكرم الله مثواه وجزاه الله عنا خير الجزاء ..
انه
محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُّرعيثم الدمشقي الحنبلي الشهير بشمس الدين، أبو عبد الله وابن قيم الجوزية من عائلة دمشقية عرفت بالعلم والالتزام بالدين واشتهر خصوصاً بابن قيم الجوزية وقيم الجوزية هو والده فقد كان قيماً على المدرسة الجوزية بدمشق مدة من الزمن، وأشتهر بذلك اللقب ذريته وحفدتهم من بعد ذلك، وقد شاركه بعض أهل العلم بهذه التسمية وتقع هذه المدرسة بالبزورية المسمى قديما سوق القمح أو سوق البزورية (أحد اسواق دمشق)، وبقي منها الآن بقية ثم صارت محكمة إلى سنة 1372هـ، 1952م.
درره النفيسة والقيمة ننشرها بسلسلة ان شاء الله أرجو الافادة والاستفادة من اخواني واخواتي الكرام ان شاء الله ولا تنسوني بصالح دعواتكم ...اختكم في الله ...أم منير...


وفصل وتربة صورة للصدق مع الله وجهاد من خرج عن دينه


وامره في قالب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم وأنه يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق وأنه يصير غرضا لسهام الطاعنين وأمثال ذلك من الشبه التي تقيمها النفس السحارة والخيالات التي تخيلها وترية حقيقة الجهاد في صورة تقتل فيها النفس وتنكح المرأة ويصير الأولاد يتامى ويقسم المال وتربة حقيقة الزكاة والصدقة في صورة مفارقة المال ونقصه وخلو اليد منه واحتياجه إلى الناس ومساواته للفقير وعوده لمنزلته وتربه حقيقة إثبات صفات الكمال لله في صورة التشبيه والتمثيل فينفر من التصديق بها وينفر غيره وتريه ! حقيقة التعطيل والإلحاد فيها في صورة التنزيه والتعظيم
وأعجب من ذلك أنها تضاهى ما يحبه الله ورسوله من الصفات والأخلاق والأفعال بما يغضه منها وتلبس على العبد أحد الأمرين بالآخر ولا يخلص من هذا إلا أرباب البصائر فإن الأفعال تصدر عن الإرادات وتظهر على الأركان من النفسين الأمارة والمطمئنة فيتباين الفعلان في البطلان ويشتبهان في الظاهر ولذلك أمثلة كثيرة منها...

المداراة والمداهنة

فالأول من المطمئنة



والثاني من الأمارة


وخشوع الإيمان وخشوع النفاق وشرف النفس والتيه والحمية والجفاء والتواضع والمهانة والقوة في أمر الله والعلو في الأرض والحمية لله والغضب له والحمية للنفس والغضب لها والجود والسرف والمهابة والكبر والصيانة والنكير والشجاعة والجرأة والحزم والجبن والاقتصاد والشح والاحتراز وسوء الظن والفراسة والظن والنصيحة والغيبة والهدية والرشوة والصبر والقسوة والعفو والذل وسلامة القلب والبله والغفلة والثقة والغرة والرجاء والتمني والتحدث بنعم الله والفخر بها وفرح القلب وفرح النفس

ورقة القلب والجزع والموجدة والحقد والمنافسة والحسد وحب الرياسة وحب الإمامة والدعوة إلى الله والحب لله والحب مع الله والتوكل والعجز والاحتياط الوسوسة وإلهام الملك وإلهام الشيطان والأناة والتسويف والاقتصاد والتقصير والاجتهاد والغلو والنصيحة والتأنيب والمبادرة والعجلة والإخبار بالحال عند الحاجة والشكوى
فالشيء الواحد تكون صورته واحدة وهو منقسم إلى محمود ومذموم كالفرح والحزن والأسف والغضب والغيرة والخيلاء والطمع والتجمل والخشوع والحسد والغبطة والجرأة




*************************************



والتحسر والحرص والتنافس وإظهار النعمة والحلف والمسكنة والصمت والزهد والورع والتخلي والعزلة والأنفة والحمية والغيبة وفي الحديث أن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يكرهه فالغيرة فالتي يحبها الله الغيرة في ربية والتى يكرهها الغيرة في غير ربية وإن من الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يكرهه فالتى يحب الخيلاء في الحرب وفي الصحيح أيضا لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا وسلطة على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها وفي الصحيح أيضا أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطى على العنف وفيه أيضا من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير فالرفق شيء والتواني والكسل شيء فإن التواني يتثاقل عن مصلحته بعد إمكانها فيتقاعد عنها والرفيق يتلطف في تحصيلها بحسب الإمكان مع المطاوعة وكذلك المداراة صفة مدح والمداهنة صفة ذم والفرق بينهما أن المدارى يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل والمداهن يتلطف به ليقره على باطله ويتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق وقد ضرب لذلك مثل مطابق وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطبيب المداوي الرفيق فتعرف حالها ثم أخذ في تليينها حتى إذا نضجت أخذ في بطها برفق وسهولة حتى أخرج ما فيها ثم وضع على مكانها من الدواء والمرهم ما يمنع فساده ويقطع مادته ثم تابع عليها بالمراهم التي تنبت اللحم ثم يذر عليها بعد نبات اللحم ما ينشف رطوبتها ثم يشد عليها الرباط ولم يزل يتابع ذلك حتى صلحت والمداهن قال لصاحبها لا بأس عليك منها وهذه لا شيء فاسترها عن العيوب بخرقة ثم اله عنها فلا تزال مدتها تقوى وتستحكم حتى عظم فسادها وهذا المثل أيضا مطابق كل المطابقة لحال النفس الأمارة مع المطمئنة فتأمله فإذا كانت هذه حال قرحة
بقدر الحمصة فكيف بسقم هاج من نفس أمارة بالسوء هي معدن الشهوات ومأوى كل فسق وقد قارنها شيطان في غاية المكر والخداع يعدها ويمنيها ويسحرها بجميع أنواع السحر حتى يخيل إليها النافع ضارا والضار نافعا والحسن قبيحا والقبيح جميلا وهذا لعمرو الله من أعظم أنواع السحر ولهذا يقول سبحانه فأنى تسحرون والذي نسبوا إليه الرسل من كونهم مسحورين هو الذي أصابهم بعينه وهم أهله لا رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كما أنهم نسبوهم إلى الضلال والفساد في الأرض والجنون والسفه وما استعاذت الأنبياء والرسل وأمراء الأمم بالاستعاذة من شر النفس الأمارة وصاحبها وقرينها الشيطان إلا لأنهما أصل كل شر وقاعدته ومنبعه وهما متساعدان عليه متعاونان
رضيعي لبان ثدى أم تقاسما ... بأسحم داج عوض لا ننفرق
قال الله تعالى فإذا قرأت القرآن فأستعذ بالله من الشيطان الرجيم وقال وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فأستعذ بالله إنه سميع عليم وقال وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وقال تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد فهذا استعاذة من شر النفس وقال قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس فهذا استعاذة من قرينها وصاحبها وبئس القرين والصاحب فأمر الله سبحانه نبيه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هذين الخلقين العظيم شأنهما في الشر والفساد والقلب بين هذين العدوين لا يزال شرهما يطرقه وينتابه وأول ما يدب فيه السقم من النفس الأمارة من الشهوة وما يتبعها من الحب والحرص والطلب والغضب ويتبعه من الكبر والحسد والظلم والتسلط فيعلم الطبيب الغاش الخائن بمرضه فيعوده ويصف له أنواع السموم والمؤذيات ويخيل إليه بسحره أن شفاءه فيها ويتفق ضعف القلب بالمرض وقوة النفس الأمارة والشيطان وتتابع إمدادهما وأنه نقد حاضر ولذة عاجلة والداعي إليه يدعو من كل ناحية والهوى ينفذ والشهوة تهون والتأسي بالأكثر والتشبه بهم والرضا بأن يصيبه ما أصابهم فكيف يستجيب مع هذه القواطع وأضعافها لداعي الإيمان ومنادي الجنة إلا من أمده الله بإمداد التوفيق وأيده برحمته وتولي حفظه وحمايته وفتح بصيرة قلبه فرأى سرعة انقطاع الدنيا وزوالها وتقلبها بأهلها وفعلها بهم وأنها في الحياة الدائمة كغمس إصبع في البحر بالنسبة إليه .......************
****************
يتبع ان شاء الله





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©