http://www.mahaja.com/*******.php?20...A7%D8%AB%D8%A9

بلاد الحرمين وخطر أعدائها الثلاثة

للعلامة عبد المحسن العباد.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فمعلوم لدى الخاص والعام أن بلاد الحرمين هي معقل الإسلام ومأرز الإيمان ومهوى
أفئدة المسلمين، يتجهون إلى الكعبة فيها من كل مكان مصلين، ويفدون إليها حاجين ومعتمرين وزائرين، وقد جعل الله ولاية هذه البلاد في الأزمنة الأخيرة في أسرة كريمة، أسس هذه الدولة السعودية في أوائل القرن الرابع عشر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود رحمه الله وهي امتداد للدولة السعودية التي أسسها في منتصف القرن الثاني عشر الإمام محمد بن سعود رحمه الله
بتأييد وتسديد من الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكان من أهم أسباب وجودها وبقائها التزامها بالشريعة الاسلامية الإسلام وتطبيقها لأحكامها، ولهذا مكن الله لها في هذه البلاد؛ كما قال الله عز وجل: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((احفظ الله يحفظك)) وهو حديث صحيح رواه الترمذي وغيره،
وقد جمع شتات هذه البلاد الواسعة المترامية الأطراف ووحدها تحت اسم المملكة مادة اللغة العربية السعودية بتوفيق من الله الملك عبد العزيز رحمه الله، وكل مسلم في هذه البلاد غيور على دينه ناصح لبلاده يحرص على أن تبقى سالمة من الوقوع في أي عمل يعود عليها وعلى أهلها بالضرر، وأن تبقى ثابتة على الأسس التي قامت عليها.
وقد ابتليت هذه البلاد بأعداء ثلاثة يسعون إلى إضعافها وتدميرها، وآخر الأعداء الثلاثة من كان قديماً في عدائه جديداً في اعتدائه وهم
الحوثيون الذين تسللوا قبل أشهر إلى جنوب هذه البلاد فأحدثوا الرعب في القرى الحدودية وقتَّلوا من قتَّلوا من الجنود وغيرهم مما اضطر الدولة إلى إخلاء تلك القرى من سكانها وإيوائهم في أماكن لا يصل إليها ضرر هؤلاء المجرمين، وقد تصدت لهم القوات المسلحة المدافعة عن هذه البلاد فردوهم على أدبارهم مدحورين، رحم الله من مات منهم ووفق من عاش لكل خير ولما فيه عز البلاد وسلامتها من كل شر.
وقبل هذا العدو العدو الذي ظهر شره بعد فتنة العراق، وهم بعض الشباب الذين تلوثت أفكارهم وفسدت عقولهم فاتجهوا إلى التقتيل والتدمير بدعوى أن ذلك من الجهاد في سبيل الله وهو في الحقيقة جهاد في سبيل الشيطان، وقد تصدى لهم رجال الأمن الساهرون على حفظ أمن هذه البلاد فأحبطوا مخططاتهم وقبضوا على من قبضوا عليه منهم،وقد كتبت في نصحهم وبيان سوء فعالهم وإجرامهم رسالتين إحداهما بعنوان: ((بأيِّ عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً؟! وَيحَكم أفيقوا يا شباب!!)) طبعت في عام 1424هـ، والثانية بعنوان: ((بذل النصح والتذكير لبقايا المفتونين بالتكفير والتفجير)) طبعت في عام 1427هـ، وطبعتا معاً ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/255ــ279) طبعت في عام 1428هـ.
وهذان العدوان قتلة أنفس، أما العدو الثالث فهو أقدمها وأسوأها وأشدها خطراً على هذه البلاد وهم قتلة الأخلاق، الذين يعملون جاهدين على أن تنحرف هذه البلاد عن الأسس التي قامت عليها، وهم
أهل الشهوات الذين يريدون أن تميل هذه البلاد ميلاً عظيماً، وهم أعداء لهذه البلاد حكومةً وشعباً في أثواب أصدقاء، إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم، وهم الأعداء على الحقيقة الذين يجب الحذر منهم كما قال الله عز وجل عن أمثالهم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)، يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، وإذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض قالوا: إنما نحن مصلحون!! وهم على الحقيقة يفسدون ولا يصلحون، وهم دعاة إلى النار، يصدق عليهم وصف أهل الشر الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بقولة: ((دعاة على أبواب جهنم؛ من أجابهم إليها قذفوه فيها))، ووصفهم بقوله: ((هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)) رواه البخاري (7084) ومسلم (4784)، وقد قال الله عز جل: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَوقد جاء العدو الأول والثاني نتيجة وثمرة لإفساد هذا العدو الثالث الذي يدعو بأفعاله وأقواله إلى كفر النعم الذي يترتب عليه حلول النقم؛ كما قال الله عز وجل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، وقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وقال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، وقال: (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وقال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، وهم يدعون إلى المعايب التي يترتب عليها وقوع المصائب؛ كما قال الله عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ

وقال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (4/127): ((فما يصيب الأمة أو الأفراد من فتن أو صد عن سبيل الله أو أوبئة أو حروب أو غير ذلك من أنواع البلاء فأسبابه ما كسبه العباد من أنواع المخالفات لشرع الله؛ كما قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وقد بين الله جل وعلا ما حصل لبعض الأمم السابقة من العذاب والهلاك بسبب مخالفتهم لأمره ليتبيَّنه العاقل ويأخذ من ذلك عظة وعبرة))، وهؤلاء القتلة للأخلاق يسعون إلى وأد الفضائل وانتشار الرذائل تقليدا للغرب يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويحقدون على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وينتهزون أي مناسبة للنيل منها، ويسعون إلى سفور النساء واختلاطهن بالرجال في العمل والدراسة ومختلف المجالات لتكون المرأة في بلاد الحرمين مماثلة للمرأة في بلاد الغرب، ويسعون إلى اختفاء مظهر الصلاح بإنكارهم على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوتها إلى صلاة الجماعة؛ بدعوى أن في المسألة خلافاً! مع وجود الأدلة الكثيرة على وجوبها، وقد ذكرت تسعة منها في رسالة: ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم أسباب قيام الدولة السعودية وبقائها))، وقد طبعت في عام 1430هـ، ومن أوضحها وصف النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن صلاة الجماعة بالمنافقين وأن الصحابة رضي الله عنهم يعتبرون التخلف عنها علامة للمنافقين، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) رواه البخاري (657) ومسلم (1428) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: ((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا، فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا، فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا، فقال: إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلوات على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) الحديث، رواه أحمد (21265) والدارمي (1273) وأبو داود (554) بإسناد حسن، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((مَن سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف)) رواه مسلم (1488)، وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن)) رواه الحاكم في المستدرك (1/211) وقال: ((صحيح على شرطهما)) ووافقه الذهبي، ومعنى قوله: ((أسأنا به الظن)) أي: اتهمناه بالنفاق، كما بيَّن ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في كلامه المتقدم،ويسعون إلى تأييد كل ما من شأنه التوسع في الابتعاث للدراسات الجامعية في بلاد الغرب ليكثر سوادهم وليكثر انفلات الشباب والشابات في هذه البلاد مع أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله قام بتأسيس الجامعات في مناطق المملكة كلها، فكان اللائق بل المتعين الحرص على الدراسة في البلاد والاستغناء بها عن الابتعاث الذي فيه إخراج الدارسين من بلاد النور والهدى إلى بلاد الظلمات والشبهات والشهوات، ولا ينكر أن يكون في المبتعثين من يعود سالماً من أمراض الشبهات والشهوات لكن ذلك نادر والنادر لا حكم له، وقد كتبت في بيان ضرر وخطر هذا العدو القاتل للأخلاق رسالة: ((العدل في الشريعة الاسلامية الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة)) طبعت في عام 1426هـ، ورسالة: ((لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة مادة اللغة العربية السعودية؟)) طبعت في عام 1428هـ، ورسالة: ((وجوب تغطية المرأة وجهها وتحريم اختلاطها بغير محارمها)) طبعت في عام 1430هـ، وكتبت في ذلك أكثر من عشر كلمات أولها بعنوان: ((دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيراً في بلاد الحرمين)) نشرت في 18/2/1430هـ، وآخرها بعنوان: ((دعاة التغريب ومصطلحهم ((التعددية)) و((الأحادية)) لانتقاء ما يوافق أهواءهم)) نشرت بمادة التاريخ 24/2/1431هـ، وقد رفعت الأفاعي رؤوسها وكشرت الذئاب عن أنيابها فصار لهؤلاء القتلة مع الأسف شأن تهتم الصحف المحلية كلها أو جلها لاسيما الوطن وعكاظ بالتنويه بهم ونشر أفكارهم وأضرارهم، واشتمل الموقع المسمى (الشبكة الليبرالية السعودية) على كثير من هذيانهم.
وأسأل الله عز وجل أن يحفظ هذه البلاد حكومةً وشعباً من كل سوء وأن يوفقها لكل خير، وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهيئ لولاة أمرها البطانة الصالحة ويصرف عنها بطانة السوء، وأسأله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
8/3/1431هـ. عبد المحسن بن حمد العباد البدر






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©