عبارات عقدية فاسدة (1)


(مجلة «الإصلاح» العدد 2)

عمر الحاج مسعود

من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى وصفات جزائريةه توقيفية فلا يثبت منها إلا ما ذكر في الكتاب كامل والسنة، ولا مجال للعقل والاجتهاد في هذا، ومن أعظم التقول على الله تعالى تسميته ووصفه بما لم يثبت في الكتاب كامل والسنة، قال الله ـ عز وجل ـ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)﴾ [الأعراف]، وقال: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾ [الإسراء].

وأنبه في هذا البحث على عبارات في لغتنا العامية تجري على ألسنة بعض الناس تتضمن تسمية الله ـ عز وجل ـ ووصفه بما لا يليق بجلاله، وهي في الحقيقة من الإلحاد في أسماء الله وصفات جزائريةه لأنها غير ثابتة وإنما ورثها بعضهم عن بعض، أو لأنها تذكر في غير موضعها، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾ [الأعراف]، والإلحاد في أسمائه وصفات جزائريةه أنواع كثيرة منها: تسميته ووصفه بما لم يذكر في الكتاب كامل والسنة.

وقد جرت تلك العبارات مجرى الأمثال واستعملها الأطفال والنساء والرجال، وانتشرت انتشارا واسعا وفشت فشوا كبيرا، ولم ينج منها إلا من رزقه الله علما وفقها.

وأكثر مستعمليها مقاصدهم حسنة وإنما أتوا من جهلهم وتقليدهم أبناء زمانهم. من هذه العبارات:

1 ـ «لَمْلِيحْ رَبِّي»:


إذا مدحت شخصا وقلتَ: فلان مليح يستدرك عليك بعض الناس ويقول لك: «لَملِيح رَبي»، والمليح هو البهيج الحسن المنظر(1)، ويقصد الناس بقولهم: «فُلاَنْ مْلِيحْ»: أنه عاقل متخلق سمح سهل، والمليح ليس من أسمائه تعالى ولا صفاته، وإنما الله جميل، طيب، رفيق، قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ»(2)، وقال: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا» (3)، وقال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ»(4).
2 ـ «رَبِّي يْدَبَّرْ رَاسُو»:

وإذا أراد بعض الناس أن يقول: إن الله يفعل ما يريد ويخلق ما يشاء، قال: «ربي يْدَبَّرْ رَاسُو»، أو «رَبِّي عْلَى بَالُو» أو «رَبِّي حُرْ» ونحوها من الألفاظ.

وفي هذه العبارات عدة محظورات:

1 ـ نسبة الرأس إلى الله وهذا لا يثبت في الكتاب كامل ولا في السنة.

2 ـ يدبر: والتدبير في الأمر لغةً: النظر إلى ما تؤول إليه عاقبته والتفكر فيه(5)، أما في حق الله فهو القضاء والإنفاذ، قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: 3]، قال مجاهد: يقضيه وحده(6)، وقال السعدي: «ينفذ الأقدار في أوقاتها التي سبق بها علمه وجرى بها قلمه»(7) ولا معنى لقولهم هنا «يدبر راسو».

3 ـ نسبة البال إلى الله تعالى وهو غير ثابت، والبالُ لغةً: الخاطر(8).

4 ـ وصفه ـ عز وجل ـ بالحرّ وهذا لم يذكر في الكتاب كامل ولا في السنة.

إن العبارة الصحيحة المستقيمة أن تقول كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)﴾ [المائدة]،﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)﴾ [الحج]، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص]، ومكان «على بالو»، تقول: «العليم الأعلم»، ومكان «حر»، تقول: «القادر المقتدر المهيمن العزيز القيوم».

3 ـ «لَمْعَلَّمْ رَبِّي»:

وإذا قيل: «وِينْ لمَعَلَّمْ؟» كان الجواب عند بعض الناس: «لمَعَلَّمْ رَبِّي» يقصدون بذلك الحاكم المالك، ولكن لا يجوز تسميته بذلك لعدم ثبوته، والمعلم عند المتأخرين لقب لأرفع الدرجات في نظام الصناع(9)، فقول القائل: «وِينْ لمعَلَّم؟» أي المسؤول الأول عن الشركة أو المصنع صحيح لا حرج فيه، أما الله عز وجل فهو الربّ الحَكَم الملِك المالك.

4 ـ «يَد الله طْوِيلَة»:

يطلقون هذه العبارة ويريدون بها أن الله لا يعجزه شيء، ولا يفلت من أخذه أحد، وربما يريدون بها سعة رزقه وعظم عطائه، ولكن هذه الصفة غير ثابتة، فالصواب أن نقول كما قال الله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾ [الفجر]، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾ [البروج]، ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾ [هود]،﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾ [إبراهيم].

ووصف يديه بالبسط في قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[المائدة]، و«البسط»: سعة العطاء والكرم.

(يتبع ...)


--------------------------------------------------------------------------------

(1) «المعجم الوسيط» (2/883).

(2) رواه مسلم (91).

(3) رواه مسلم (1015).

(4) رواه مسلم (2593).

(5) «الصحاح» للجوهري (2/ 655).

(6) «تفسير الطبري» (7/ 84)، «تفسير السمعاني» (2/ 366) و(3/ 96).

(7) «تيسير الكريم الرحمن» (ص436).

(8) المعجم الوسيط (77/1).

(9) المعجم الوسيط (624/2).







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©