بسم الله الرحمان الرحيم


قال سماحة الوالد ربيع بن هادي المدخلي في كتاب كامله النصيحة هي المسؤولية المشتركة في العمل الدعوي
أبرز مجالات النصيحة والأمانة أمران هما:

1- الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ووسائله كافة .
2-الدعوة إلى اجتماع الأمة على أساس عقيدة التوحيد ، وعلى أساس الكتاب كامل
والسنة ومنهج السلف الصالح من هذه الأمة ، والنهي عن الفرقة والتفرق ، والتكاتف بين الدعاة للقضاء على أسبابه .
·
أولاً :أما الدعوة إلى التوحيد بكل أنواعه ،فهي قاعدة الرسالات كلها ويجب أن تكون قاعدة الدعاة إلى الله من هذه الأمة في كل عصر من عصورها وكل جيل من أجيالها تأسياً بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وسيراً على مناهجهم الحكيم الذي كلفهم به مرسلهم رب العالمين حيث يقول ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله وجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] .
وقال تعالى محذراً لهم ولأممهم من الشرك : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) [ الزمر 65ـــ 66 ] .
ولنعط القوس باريها ليحدثنا عن أهمية التوحيد ومكانته في الإسلام والاحتفاء به في كتاب كامل الله القرآن الحكيم .
قال الإمام بن القيم ـــ رحمه الله تعالى ــ : " وأما التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ، ونزلت به كتبه ، فوراء ذلك كله .
وهو نوعان : توحيد في المعرفة والإثبات . وتوحيد في الطلب والقصد .
فالأول : وهو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه ، وصفات جزائريةه ، وأفعاله ، وعلوه فوق سماواته على عرشه ، وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده ، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه . وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح كما في أول سورة الحديد ، وسورة طه وآخر سورة الحشر ، وأول سورة تنزيل السجدة وأول سورة آل عمران ، وسورة الإخلاص بكمالها وغير ذلك .
النوع الثاني : مثل ما تضمنته سورة (قُل يا أيها الكافرون )[ سورة الكافرون : 1 ] ،وقوله : ( قل يأهل الكتاب كامل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم …. الآية ) [ آل عمران : 64 ] . وأول سورة ( تنزيل الكتاب كامل ) وآخرها ، وأول سورة ( يونس ) ووسطها وآخرها ، وأول سورة( الأعراف ) وآخرها ، وجملة سورة ( الأنعام ) وغالب سور القرآن ، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد بل نقول قولاً كلياً : إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد وشاهدة به ، داعية إليه فإن القرآن : إما خبر عن الله ، وأسمائه وصفات جزائريةه وأفعاله ، فهو التوحيد العلمي الخبري . وإما دعوة إلى عبادته وحده ، لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه ، فهو التوحيد الإرادي الطلبي .
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته .
وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا ، وما يكرمهم به في الآخرة ، فهو جزاء توحيده .
وإما خبر عن أهل الشرك ، وما فعل بهم في الدنيا من نكال ، وما يحل بهم في العقبى من العذاب ، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد . فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم . [ مدارج السالكين : 3 / 449 ـــ 450 ] .
ومع أهمية كل أنواع التوحيد وضرورة العناية بها تربية ودراسة وتوجيهاً . فإن أهمها وأولاها بالعناية وتكريس الجهود من الدعاة إلى الله جميعاً أفراداً وجماعات لذلك : التوحيد الذي يحاربه الشيطان أشد الحرب في كل الأحقاب و الأجيال من عهد نوح عليه السلام إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة . ذلكم التوحيد العظيم الذي يبذل الشيطان، وجنوده كل جهودهم ومكايدهم لصرف بني آدم عنه .
عن عياض بن حمار المجاشعي_ رضي الله عنه_ إن النبي صلى الله عليه و سلم خطب ذات يوم فقال في خطبته :[إن ربي عز وجل امرني إن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا كل مال نحلته عبادي حلال
وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم ان يشركوا بي مالم انزل به سلطانا] ]أخرجه مسلم في كتاب كامل الجنة حديث 63)[.
إن الدعوة إلى هذا التوحيد والى هدم ضده وهو الشرك بالله الذي لا يغفره الله، لهما موضع الصراع بين الانبياء وأممهم وبين خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم وأعداء الله المشركين وبين المصلحين من أئمة الإسلام وأهل البدع من القبوريين من شتى الطوائف الرافضية والصوفية الذين امتلأ كثير من بقاع العالم الإسلامي بمظاهر شركهم. من قبور وأعياد و احتفالات بل كثير من مساجد الله تضج من هذه القبور وما يدور حولها من فظائع الشرك بالله من هتافات واستغاثات، وذل وخضوع، وذبائح ونذور على مرأى ومسمع ورضى وتقرير من كثير من جماعات سياسية وصوفية تنتحل الدعوة إلى الله وتدعي هداية البشر إلى صراط الله.
إنني أذكر القراء بالمنهج السديد الذي سار عليه الرسل كلهم والأنبياء جميعهم وسادات المصلحين وأصدقهم في الدعوة إلى الله ومواجهة الواقع بصرامة وشجاعة دون تحايل ودون تهرب ولا مواربة.
هذا واضح بين في مثل قول الله تعالى:[ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين] [ النحل : 36 ] .ومثل قوله تعالى :[وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون] [ الأنبياء : 25 ] ،( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) [ الزمر : 65 ــــ 66 ] . والآيات في دعوات الرسل على التفصيل كثير لا يتسع المقام لسردها . أما دعوة خاتم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمعلومة لدى من له أدنى إلمام بدعوته وسريته صلى الله عليه وسلم فقد ظل ثلاثة عشر عاماً في العهد المكى يدعو إلى هذا التوحيد ولم تفرض رائع الصلاة أهم ركن بعد التوحيد إلا في السنة العاشرة وسائر التشريعات ومنها الأركان العظام إلا في العهد المدني بعد هجرته عليه الصلاة والسلام ولم يشرع الجهاد في العهد المدني إلا لإعلاء راية هذا التوحيد .
قال تعالى : ( وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) [ البقرة : 193 ] . قال ابن جرير : حتي لا يكون شرك بالله وحتي لا يعبد دونه أحد وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة و الأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان . قال قتادة : حتي لا يكون شرك ، وساق أسانيده بهذا التفسير إلى قتادة ومجاهد والسدي وابن عباس والربيع .
ومن السنة ما رواه أبو هريرة وجابر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم {أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}. [حديث أبي هريرة في مسلم الإيمان حديث 35 وحديث جابر رواه البخاري في الجهاد حديث 102 ومسلم في الإيمان حديث 33 ] وما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إ له إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) أخرجه البخاري في الإيمان حديث (25) ، ومسلم في الإيمان حديث(36).
ولا أريد التطويل بسرد الأحاديث في هذا المعنى إلا أني أريد أن أؤكد شمول الرسالات لكل خير وتحذيرها من كل شر وأشملها وأوسعها و أعمقها رسالة محمد صلى الله عليه و سلم.
ومع هذا الشمول والسعة فإن الترتيب والبدء فالأهم واضح كل الوضوح في الرسالات جميعاً، وفي دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما المحنا إلى ذلك فيما سلف ، ومما يؤكد قصد الترتيب توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه بقوله : [ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب كامل ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ـــ ووفي رواية إلى أن يوحدوا الله ــ وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب[ [ أخرجه البخاري في المغازي؛ حديث ( 4347) ومسلم في الإيمان ؛ حديث ( 29 ، 30 ) .
وحديث بريدة بن الحصيب والنعمان بن مقرن رضي الله تعالى عنهما قالا : [ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا بعث أميراً علي سرية أو جيش أوصاه بتقوي الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيراً ...] [ أخرجه مسلم في الجهاد ؛ حديث ( 1731 ) . وأبو داود في الجهاد حديث ( 1612 ) والترمذي في السير حديث ( 1617 ) ، وابن ماجة في الجهاد حديث ( 2858 ) ، وفيه أمره بدعوتهم إلى ثلاث خصال ومنها دعوتهم إلى الإسلام فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فالقتال . فالترتيب واضح وقاعدة مستمرة في سيرته ووصاياه للدعاة وأمراء الجيوش والسرايا .
ودعوات المجددين المصلحين سارت على هذا المنهج العظيم الحكيم كدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلاميذه ، ودعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتلاميذه ، ودعوة الصنعاني والشوكاني . ودعوة علماء السنة والحديث في الهند وباكستان ومصر والشام وغيرها . ولم يخرج عن هذا المنهج إلا من جهله وغلب عليه اتجاه آخر إما سياسي وإما صوفي وإما هما معاً .
فالواجب على وراث الأنبياء حقاً التزام هذا المنهج ، ولا يجوز لهم مخالفته شرعاً ولا عقلاً للأمور الآتية :
أولاً : أنه هو المنهج الذي ارتضاه الله لجميع الأنبياء فساروا عليه في دعوات أممهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم . فالخروج عنه منابذة لأمر شرعه الله ونفذه رسله وفيه استدراك على الله وعلى رسله وكتبه وطعن في علم الله وحكمته من حيث لا يشعرون .
ثانياً : أن الأنبياء التزموه وطبقوه مما يدل دلالة واضحة أنه ليس من ميادين الاجتهاد .
ثالثاً: أن الله قد أوجب على رسولنا الكريم الذي فُرِضَ علينا اتباعه أن يقتدي بهم ، ويسلك منهجهم فقال بعد أن ذكر ثمانية عشر رسولاً . ( أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده ) [ سورة الأنعام : 90 ] وقد اقتدى صلى الله عليه وسلم بهم في البدء بالتوحيد وأكد ذلك حق التاكيد وباهتمام شديد .
رابعاً: ولما كانت دعوتهم في أكمل صورها تتجلى في دعوة خليل الله إبراهيم أبي الأنبياء وقدوتهم زاد الله الأمر تأكيداً فأمر نبينا محمداً صلي الله عليه وسلم باتباع منهجه فقال : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ) [ سورة النحل : 123 ] . والأمر باتباعه يشمل الأخذ بملته التي هي التوحيد ومحاربة الشرك ، ويشمل سلوك منهجه في البدء بالدعوة إلى التوحيد .
و زاد الله تعالى الأمر تأكيداً أيضاً فأمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم –باتباع ملة هذا النبي الحنيف ،فقال تعالى قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً و ما كان من المشركين) ]آل عمران 95[.
إذاً فالأمة الإسلامية مأمورة باتباع ملته ، فكما لا يجوز مخالفة ملته لا يجوز مخالفة منهجه في البدء بالدعوة إلى التوحيد وهدم الشرك ورسائله ومظاهره .
خامساً : قال الله تعالى في محكم كتاب كامله الكريم : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذ لك خيُر وأحسن تأويلاً ) [ سورة النساء : 59 ] . فإذا رجعنا إلى القرآن وجدنا أن رسل الله جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم أول ما يبدؤون بالدعوة إليه هو التوحيد وأول شيء ينهون عنه ويحذرون منه هو الشرك . ووجدنا أن الله قد أمرنا باتباعهم وسلوك منهجهم وإذا رجعنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا أن دعوته قد بدأت بالتوحيد ومحاربة الشرك ثم انتهت بذلك . بل قد حارب كل مظاهر الشرك ووسائله وأسبابه .
·




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©