السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل كل من يقول: "لا إله إلا الله" على عقيدة صحيحة؟
نقول: لا، الذي يقول: "لا إله إلا الله" يكون على عقيدة صحيحة إذا كان المقصود بـ"لا إله إلا الله": لا معبود بحق إلا الله ، فالذي على هذه العقيدة هو على منهج الصحابة والتابعين ، على منهج السلف الصالح خير القرون ، لأن التوحيد المطلوب هو توحيد العبادة ، فالله تعالى يقول: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً ) (التوبة:31) فالمقصود بالتوحيد هنا هو توحيد العبادة ، لا معبود بحق إلا الله ، والمعبود هو الذي يُصدَّق في خبره وهو الذي يُطاع في أمره ، فالذي يقول " لا إله إلا الله" تنفعه إذا كان على هذا المعنى ، فيقول: يا رب ، أنا على استعداد إن أخبرتني صدَّقت ، وإن أمرتني نفذت ، قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (طه:14) ، وقال سبحانه وتعالى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء: 25)،وقال: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص: 88)، وقال تعالى : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (غافر: 65)، وقال تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (المزمل: 9)
ومما ورد في سنة رسول الله في بيان معنى لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه حديث بعث معاذ إلى اليمن برواياته المختلفة ، فقد قال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: " إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب كامل ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى" ، وفي رواية أخرى قال : "إنك تقدم على قوم أهل كتاب كامل فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله" ، فالتوحيد المقصود هو توحيد العبادة ، والذي جعلنا نعرف أن توحيد العبادة هو "لا إله إلا الله" الرواية الثالثة ، وفيها يقول : " إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب كامل ، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة ألا إله إلا الله" ، إذاً شهادة ألا إله إلا الله معناها: لا معبود بحق إلا الله ، أو توحيد العبادة لله .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا إله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزمك أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل" .
معنى "لا إله إلا الله" عند المتكلمين:
نحن نقول ذلك ، لأن هناك من فسَّر "لا إله إلا الله" بمعانٍ أخرى ، فالمتكلمون لما فسروا "لا إله إلا الله" فسروها بمعنى الخالقية وقالوا: "لا خالق إلا الله" ، فيقولون في كتبهم: الكلام على مباحث الألوهية ، وإذا نظرت إلى الألوهية التي يتكلمون عنها لا تجدهم يتكلمون عن توحيد العبادة ، وإنما يتكلمون عن إثبات وجود الخالق ، وأن الخالق يمتنع أن يكون إلهين، وأن هناك خالقاً واحداً للكون ، وكيفية إثبات سبع صفات وتعطيل الباقي ، وأن التوحيد معناه نفي الصفات لأن إثبات الصفات تشبيه...........إلى آخره، فهذه هي مباحث الألوهية ، فهل هذا هو معنى الألوهية؟
نقول: لا ، توحيد الألوهية معناه : لا معبود بحق إلا الله ، وأما إقرار الناس بوجود خالق للكون أمر فطري لا يحتاج إلى دليل، ولذلك روى البخاري من حديث أبي سفيان لما سأله هرقل ملك الروم عن النبي قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
وأما إثبات الخالقية لله تعالى فهو أمر فطري في النفوس ، حتى عند المشركين ، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزمر:38) فكانوا يؤمنون بأن الله هو الخالق المدبر، وكانوا يتخذون الآلهة الأخرى وسائط وشفعاء ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) (الزمر:3) ، وأما ساعة الشدة فلا يلجأون إلا إلى الله ، ولذلك لما دخل النبي مكة أمَّن الناس جميعاً إلا أربعة نفر وامرأتين ، وكان منهم عكرمة بن أبي جهل ، فهرب عكرمة وركب البحر ، فأصابت السفينة عاصفة شديدة، فقال أصحاب السفينة لركابها: "أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا " ، أي توجهوا إلى ربكم وحده ولا تشركوا به ، فلما سمع عكرمة هذا الكلام قال: "والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ، لا ينجني في البر غيره " ثم قال: "اللهم إن لك عليَّ عهداً ، إن أنت عافيتني مما أنا فيه ، أن آتي محمداً فلأجدنه عفواً كريماً" ، وبالفعل نجاه الله تعالى ، وجاء إلى النبي وأسلم ، وأصبح أحد المجاهدين الذين فتحوا الفتوحات .
فكانوا يشركون بالله وقت الرخاء ، ووقت الشدة يوحدون ، ولذلك فإن من وحَّد الله في العبادة أثبت أنه الخالق ، لكن من أثبت أن الله هو الخالق يمكن ألا يوحد الله في العبادة ، فتجد من يؤمن بأن الله هو الخالق الرازق ولكن إذا قيل له : قم إلى الصلاة ، يأبى ، فهو عنده توحيد ربوبية ، وليس عنده توحيد ألوهية ولا توحيد عبادة .
فالمفروض رسمية أن تستجيب الأمة لتوحيد العبادة ، وليس أن يُدرَّس للطلاب توحيد الألوهية على أن الله تعالى هو الخالق، فما من أحد إلا ويعلم أن الله هو الخالق ، قال تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (إبراهيم:10) ، وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت:61) ، حتى فرعون قال له موسى عليه السلام : (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) (الإسراء:102) ، وقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) (النمل: 14) ، فالناس تعرف بقلوبها أن هناك خالقاً للكون ، فإذا قلت: "لا إله إلا الله" بمعنى أنه لا خالق إلا الله ، فليس هذا هو المعنى السلفي.
فالسلف يقولون بأن "لا إله إلا الله " معناها : لا معبود بحق إلا الله ، والخلف يقولون بأن معناها: لا خالق إلا الله .
معنى "لا إله إلا الله" عند الصوفية:
وأما الصوفية فيقولون بأن معنى "لا إله إلا الله" : لا موجود إلا الله ، وهؤلاء هم غلاة الصوفية كابن عربي ، وأما عوام الصوفية فتراهم يأخذون من هنا ومن هناك ، وأما أوائل الصوفية فكانوا في العقيدة وفي باب الصفات على عقيدة الإمام أحمد بن حنبل ، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان يدافع عنهم .
الإمام القشيري (صاحب الرسالة القشيرية) حاول أن ينسب أوائل الصوفية إلى المذهب الأشعري ، وهؤلاء وقفوا مع الإمام أحمد ضد المعتزلة ، وكتبوا كلاماً رائعاً في نصرة المذهب السلفي ، فألف ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاب كامل "الاستقامة" في مجلدين ليرد على القشيري ، ويبين أن المشايخ (أي أوائل الصوفية ، فقد كانوا يسمون بالمشايخ) عقيدتهم عقيدة سلفية ، ونصرهم نصراً مؤزراً ، فصحيح أنه رحمه الله تعالى يُخالف الصوفية وحدثت إشكالات كثيرة بينه وبينهم ومناظرات ، لكن لم يمنعه ذلك أن يقول كلمة الحق في هؤلاء .
فأبو طالب المكي كان صوفياً ، وسهل بن عبد الله التستري كان صوفياً ، ونحن نذكر كلاماً لهم.
وكذلك أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي له كتاب كامل في العقيدة رائع ، وإن كان له ابتداعات في باب العبادات ، فنحن نقول: الحق يؤخذ والباطل يُرد ، وهذا هو منهج الوسطية ، فكان الصوفية الأوائل على منهج السلف الصالح .

فغلاة الصوفية يقولون: لا موجود إلا الله ، ما معنى هذا؟

يقولون بأن العالم الذي نعيش فيه هو الله ، ويضربون مثالاً لذلك ، وهو مَثَل المرآة ، فالشخص إذا وقف أمام المرآة يعرف نفسه أكثر ، ويرى أوصافاً في نفسه لم يكن يراها إلا من خلال المرآة ، فغلاة الصوفية يقولون: هذه المخلوقات هي المرآة ، وربنا يرى نفسه ومتجلٍ في هذه الكثرة التي تظهر في المرآة، فإن أراد أن يرى نفسه جباراً منتقماً يظهر في صورة فرعون ، وإن أراد أن يرى نفسه رحيماً يتجلى في صورة محمد ، وإن أراد أن يرى نفسه جميلاً يتجلى في صورة المرأة، فيقولون: المرأة هي أكمل تجلي لله ، لأن فيها الجمال كله(تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً).
فيقولون بأن الله هو السماء بما فيها من شمس وقمر ونجوم، وهو السحاب الذي نراه بين السماء والأرض عند الصفاء والغيوم لا فرق بين الأنداد والأضداد، ولا فرق بين الرب والعباد، فالعابد عندهم هو المعبود والذاكر هو المذكور، كما يقول ابن عربي: "ما في الوجود مثل ، ما في الوجود ضد ، فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفس"
فالله عندهم يظهر في صورة شخص منتقم ، في صورة عالم ، في صورة بوذي ، في صورة صنم..........ويقولون بأن هذه صور وتجليات يظهر فيها الحق .
ولذلك يقول ابن عربي:
لقد كنت قبل اليوم أُنكر صاحبي إذا لم يكن دينه إلى ديني دان
لقد صار قلبي اليوم قابلاً كل شرعةٍ فمرعىً لغزلان ، ودير لرهبان
وبيت لأوثان ، وكعبة طائفٍ وألواح توراة ، ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنَّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
فصحح ابن عربي دين اليهود ودين النصارى ودين البوذيين ودين المجوس ..........، ولذلك هذا الرجل يحبه أعداء الإسلام ، ولذلك وقفوا بجانب المستشرقين لما طبعوا كتب الصوفية حتى يوزعونها مجاناً على العالم الإسلامي.
وكان يقول أيضا:
فإنا أعبدٌ حقا وإن الله مولانا وإنا عينه فاعلم إذا ما قلت إنسانا
أي أن الإنسان هو الله، وهو المعبود بحق ،لأن الله تعالى تجلى فيه
فلا تحجب بإنسان فقد أعطاك برهانا فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
فكن حقاً: أي إلهاً ، وكن خلقاً: أي الصورة التي تجلى فيها.
فهذا هدم للدين تحت مسمى " لا إله إلا الله".والعياذ بالله ..
الدكتور محمود عبد الرازق الرضوانىحفظه الله


يتبع






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©