محنة الإمام أحمد بن حنبل

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب كامل الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم .ينفون عن كتاب كامل الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقواعقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب كامل مخالفون للكتاب كامل مجمعون على مفارقة الكتاب كامل يقولون على الله وفي الله وفي كتاب كامل الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين......
(مقتبس من كلام الإمام أحمد بن حنبل ، الرد على الجهمية (1/6).)[/]
"

وبعد فهاهي القصة وبعض شخصياتها وابطالها الذين اسهموا في تشخيص أحداثهاووقائعها
الزمان :القرن الثالث الهجري
المكان:بغداد عاصمة الخلافة ومركز العلموالعلماء ومهوى أفئدة المحدثين والفقهاء.
الشخصيات:" الإمام احمد بن حنبل " إمام أهل السنة البطل الممتحَن" محمد بن نوح "رفيق الإمام وزميله في المحنة ". المأمون الخليفة الممتحِن. ابن أبي دؤاد "عالم السوء المبتدع"
أحداث القصة:
كان الخليفةالعباسي المأمون متأثرا بكتب فلاسفة اليونان حتى ترجم منها الكثير؛وقد تلوث فكره بما تتقيؤه هذه الكتب من العقائد المنحرفة؛وكان يريد أن يظهر القول: بأن القرآن مخلوق؛[والذي عليه المسلمون أن القرآن كلام الله غير مخلوق ومن اعتقد غير ذلك فإنه كافر، وذلك لأن الهدف من هذا القول الباطل نفي صفات الله عز وجل ونفي صفة الكلام لله-عز وجل-، والله سبحانه يوصف بأنه يتكلم كلاما يليق بجلاله]0
فلما كان عام مائتين وأربعة عشرللهجرة؛حمل المأمون الناس على الفتنة؛ وأظهر ذلك القول الباطل،وامتحن به أهل العلم؛فمنهم من خاف السيف وتأول بين يدي المامون ظاهرا مكرها؛ومنهم من ثبت على الحق ظاهرا وباطنا ولم يُجب الخليفة إلى ما دعا إليه...وكان ممن رد هذه المقالة الإمامأحمد بن حنبل-إمام أهل السنة والجماعة- ومحمد بن نوح رفيقه في المحنة الذي قال فيهالإمام احمد&quot;رأيت أحدا على حداثة سنه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح؛ وإني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير&quot; [الإمام أحمد] يساق إلى [المأمون] مقيدًا بالأغلال، وقد توعده وعيدًاشديدًا قبل أن يصل إليه و أقسم بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لئن لمتجبه ليقتلنك بذلك السيف، وهنا يأتي الصالحون، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجةففي السير: أن [أبا جعفر الأنباري] قال :ما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، وجئته، فسلمت عليه،وقلت: يا إمام أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد منالموت فاتق الله ولا تجبه،والإمام أحمد في سياق رحلته إلى [المأمون] يقول:وصلنا إلى رحبة، ورحلنا منها في جوف الليل،قال: فعرض لنا رجل،فقال: أيكم أحمد ابن حنبل؟فقيل: هذا،فقال: يا هذا ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة،ثم قال: أستودعك الله، ومضى.وأعرابي يعترضه، ويقول: يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم،إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يومالقيامة إن كنت تحب الله فاصبر؛ فوالله ما بينك وبين الجنة إلاّ أن تقتل،[/ويقول الإمام أحمد: ما سمعت كلمة مذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في <رحبة طو>،قال:يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا، وإن عشتعشت حميداً فقوَّى بها قلبيلما وصلا للمأمون جاء خادم للإمام احمد بن حنبل وهو يكفكف دموعه ويقول:&quot;عز علي يا أبا عبدالله أنْ جرد أمير المؤمنين سيفاً لم يجرده قط؛وبسط نطعا لم يبسطه قط...&quot;فبرك أحمد على ركبتيه ولحظ إلى السماء بعينه ثم قال:سيدي غر هذا الفاجر حلمك، حتى تجرأعلى أوليائك بالضرب والقتل ؛اللهم فإن يكنْ القرآنُ كلامك غير مخلوق فاكفنامؤنته؛فما مضى الثلث الأول من الليل إلا وقد جاء الصريخ: لقد مات أمير المؤمنين؛ وذلك في عام مائتين وثمانيةعشرثم تولى بعده المعتصم ؛وقداتخذله مستشارا مبتدعا يسمى أحمد بن أبي دؤاد؛فسمم أفكاره؛ولم يزل بتحريضه على أهلالسنةوهكذا يعذب [ الإمام أحمد] في سبيل عقيدته ,تُخلَع يداه، ويُجلد بالسياطَ الكثيرة، يختار الظالمون له عددًا من قساة القلوب، وغلاظ الأفئدة ليجلده كل واحدٍ منهم سوطيْن بكل ما أوتيَ من قوة، وهم يتعاقبون عليه، وهو ثابت كالطَّوْد الأشمِّ، لا يتراجع أبدًا، يغمى عليه من شدةالتعذيب ثم يفيق، فيعرض عليه الأمر فلا يتراجع، .قال أحمد: في اليوم الذي خرجت فيه للسياط ومدت يداي للعقابين إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائيويقول: تعرفني؟قلت: لا؛قال:أنا أبو الهيثم العيار، اللصُّ الطرار،مكتوب في ديوان أمير المؤمنين إني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا،فاصبر فأنت في طاعة الرحمن لأجل الدين.

فكان الإمام أحمد دائما يقول: رحم الله أبا الهيثم ، غفر الله لأبي الهيثم؛عفا الله عن أبيالهيثم؛ولا زالوا به يعذبون ولكن أنى لهم مع امام جبل همام انتصر بإيمانه وبناء نفسه، وبتوفيق الله قبل هذا وذاك، وكان انتصاره دليلاً على الإخلاص والعزم والقوة. لقد خرج الإمام من المحنة خروج السيف من الجلاء، والبدر من الظلماء، أُدخل في الكِير، فخرج ذهبًا أحمر، وتواطأت القلوب على محبته، حتى أصبح حبه شعارًا لأهل السنة. فأين الذين عارضوه؟ وأين الذين عذَّبوه؟وأين الذين نالوا منه؟ ذهبوا إلى ما قدموا.وبقي حيًّا بذكره *** والذكر للإنسان عمرثانٍ
العاقبة:وفي عام مائتين واثنين وثلاثين تولى المتوكل رحمه الله، فنصر الله به الدين؛ وأقام به السنة؛ وأظهر عقيدة السلف أهل السنةودعا إليها؛ بعد ابتلاء أهلهاوفتنتهم وامتحان شاملهم على عهد ثلاثة من الخلفاء قبلهوَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّأَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) لما أهينَ الإمامُ أحمد عليه رحمةُ اللهِ من قبل أبن أبي دؤاد، رفع يديه إلى من ينصر المظلوم وقال:
(اللهم إنه ظلمني ومالي من ناصرٍ إلا أنت،اللهم أحبسهُ في جلده وعذِبه).
فما ماتَ هذاحتى أصابه الفالج فيبست نصف جسمه وبقي نصف جسمه حي.دخلوا عليه وهو يخورُ كما يخور الثور ويقول:
أصابتني دعوةُ الإمامِ أحمد، مالي وللإمامِ أحمد، مالي وللإمامِ أحمد. ثم يقول واللهِ لو وقعَ ذبابُ على نصفِ جسمي لكأنَ جبال الدنيا وضعت عليه، أما النصف الآخر فلو قرضَ بالمقاريض ما أحسستُ به.هذه احداث محنة الإمام احمد بن حنبل مع فتنة القول بخلق القرآن يستفيد منها طالب العلم والسالك إلى مجموعة من الدروس مفصلة والعبرفالإمام احمد بن حنبل كما تقول الكاتبة د. هيفاء السنعوسي(لا أعرف لماذا لايغادر احمد بن حنبل ذاكرتي كرجل مهم وبارز في المادة التاريخ الاسلامي، فهو يقف بشموخ فيالصفحات الاولى في مادة التاريخ ابطال المحن, وقد صبر على الاذى فانتصر للحق، وسحق الباطل،تمنحنا قصة هذا العالم الجليل بمواقفها كلها دروس مفصلةا عظيمة لا يمكن ان تنسى، وتحقن مشاعرنا بالجلد والثبات على القيمة والمبدأ، وتضاعف في نفوسنا الجانب الايماني لذا،فهو يدخل في باب القصص العظيمة التي تشفي اوجاعنا النفسية.اعرض هذا العالم الزاهد عن ملذات الحياة، وانصرف عن متعها الى علوم الدين, آثر الترحال في الصحاري الحارة بين الشام والعراق والحجاز واليمن، حاملامتاعه على ظهره في سبيل تحصيل العلم, نجده وبعد ان صار اماما في الحديث والفقه معا،يلقى اشد الوان العذاب لوقوفه الى جانب كلمة الحق, ومن منا يواجه محنة تقل عن هذه بكثير؟!كان رأيه في مسألة (خلق القرآن) مختلفا عن آراء عصره, فقد قال بثبات (القرآن كلام الله) وأصر على رأيه، ولكنه دفع ثمنا غاليا، فقد وضعوه في السجن وتعرض للجلدبوحشية، الا ان خفقة الايمان في قلبه لم تتوقف، فقد كانت زاده في محنته تقوي روحه،وتمنحه صبرا عظيما لذا، فلا عجب ان تكون قصته درسا من الدروس مفصلة الكبيرة التي نتعلم منها الكثير في رحلتنا الحياتية التي قد تعترضها الصعاب والمحن.لم يستطع المخالفون لرأيه ان يحتملوا ثباته، فالقوا به في السجن مكبلا بالاغلال حتى يحسم الخليفة امره, مات المأمون وجاءمن بعده المعتصم الذي امر باحضاره، فجاؤوا به مثقلاً بكهولته وبما يحمل ويجر من قيود وأغلال ليناقشه العلماء في حضرة الخليفة, وكلما اسقط حججهم وفند براهينهم اعادوه الى السجن من جديد، وتكرر هذا المشهد المؤلم مرات ومرات فما كان من المعتصم الا ان أمر بتعذيبه، فانهالوا عليه بالسياط، وكلما غاب عن الوعي افاقوه ليسألوه ان كان قد عدل عن رأيه، وكلما تمسك برأيه اشتد التعذيب، حتى شارف على الموت، كان -رحمه الله- منهوك القوى، يعتصره الم التعذيب، الا انه حافظـ على صلاته وصيامه كان في عالم لا يدركه الاخرون، انه عالم البصيرة واليقين والتقوى والايمان، وباع ابن حنبل الدنيا واشترى الاخرة، فهل نتعلم هذا الدرس العظيم؟)

أنظر :
1مناقب الامام أحمد لابن الجوزي
2محنة الا مام أحمدللمقدسي ابن قدامة
3 أختصاص القران بعوده الي الرحمن الرحيم للمقدسي المعرفبالضياء
4حكاية المناظرة في القران مع أهل البدع للمقدسي ابن قدامة
5جزءفيهذكر اعتقاد السلف في الحروف والصوات للنووى
6رسالة في أن القران غير مخلوقلإيراهيم الحربي
7رسالة إمام أهل السنة والجماعة أحمد ابن حنبل إلى الخليفةالمتوكل مسألة القران
8البرهان في بيان القران لابن قدامة
9الرد على من يقولألم حرف لينفي الألف واللام والميم عن كلام الله لابن منده
10الحيدهللكناني
11جزء في الاصو ل أصول الدين مسألة القرآن لأبي الوفاء ابن عقيلالحنبلي
12مجموع فتاوى ابن تيميه الجزء 12
13الردعلى من يقول القرآن مخلوقأحمد النجاد
14تنبيه الإخوان على الأخطاء في مسألة خلق القرآن حمودالتويجري
15العقيدة السلفية في كلام رب البرية عبدالله الجديع
16مسألةخلقالقرآن وموقف علماء القيروان منها أ.د.فهد الروميهذا مأعرفه من كتب مستقلة





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©