أورد ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن ابن أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن جَهْم، عن إبراهيم قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله، إلا تحول لهم مما يحبون إلى ما يكرهون، ثم قال: إن مصداق ذلك في كتاب كامل الله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )
قال الطبري رحمه الله:
وقوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) يقول تعالى ذكره: (إن الله لا يغير ما بقوم) ، من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم=(حتى يغيروا ما بأنفسهم) من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض, < 16-383 > فَتَحلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره .

قال ابن السعدي في تفسيره رحمه الله:
( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ) من النعمة والإحسان ورغد العيش ( حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها.

وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة، ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا ) أي: عذابا وشدة وأمرا يكرهونه، فإن إرادته لا بد أن تنفذ فيهم.

( فـَ ) إنه ( لا مَرَدَّ لَهُ ) ولا أحد يمنعهم منه، ( وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) يتولى أمورهم فيجلب لهم المحبوب، ويدفع عنهم المكروه، فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله- في اضواء البيان:
قوله تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا .

والمعنى : أنه لا يسلب قوما نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ....الآية ، وقوله : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ 42 \ 30 ] .

وقد بين في هذه الآية أيضا : أنه إذا أراد قوما بسوء فلا مرد له ، وبين ذلك أيضا في مواضع أخر ، كقوله : ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ 6 \ 147 ] ، ونحوها من الآيات ، وقوله في هذه الآية الكريمة : حتى يغيروا ما بأنفسهم ، يصدق بأن يكون التغيير من بعضهم كما وقع يوم أحد بتغيير الرماة ما بأنفسهم فعمت البلية الجميع ، وقد سئل صلى الله عليه وسلم : &quot; أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث &quot; . والله تعالى أعلم .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

السؤال: ما تفسير قول الله تبارك وتعالى في سورة الرعد : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟

الجواب:

الحمد لله

&quot;الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر ، ومن شر إلى خير ، ومن رخاء إلى شدة ، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإذا كانوا في صلاح واستقامةَ وغَيّروا غَيَّر الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط ، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا ، قال سبحانه : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) .

وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ، ثم يؤخذون على غرة ، كما قال سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني آيسون من كل خير ، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته ، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد ، كما قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) والمعنى : أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت ، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة .

وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصٍ ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة ، ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى ، وقد جاء في الآية الأخرى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وقد يمهلون كما تقدم ، والعكس كذلك : إذا كانوا في سوء ومعاص ، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة ، غَيَّر تفرقهم إلى اجتماع ووئام ، وغَيَّر شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء ، وغَيَّر حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير&quot; انتهى .
&quot;مجموع فتاوى ابن باز&quot; (24/249-251) .





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©