قولُ شيخُ الإسلام الحافظُ البيهقيُّ رحمه الله
:"وفي الجملَةِ يجبُ أن يُعلَم أن استواءَ الله سبحانَه وتعالى ليسَ باستواءِ اعتدالٍ عن اعوجاج، ولا استقرارٍ في مكان، ولا مماسةٍ لشَىءٍ مِن خَلقِه، لكنّه مُستَوٍ على عَرشِه كما أَخبَر بلا كيفٍ بلا أَين ، وأن إتْيانَه ليس بإتيانٍ مِن مكانٍ إلى مكَانٍ، وأنّ مجِيئَه ليسَ بحَركةٍ ،وأنّ نزُولَه ليس بنُقلَةٍ ، وأنّ نَفْسَه ليسَ بجسم ،وأنّ وجْهَه ليسَ بصُورةٍ ، وأنّ يدَه ليسَت بجارِحة ، وأنّ عَينَه ليسَت بحدَقة ، وإنّما هذِه أوصافٌ جاءَ بها التّوقيفُ فقُلنا بها ونفَينا عنها التّكيِيف،فقد قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ(11)}.وقال:{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أحَدٌ.(4)}وقال:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}(65)."
قَالَ الْحَافِظُ الْفَقيهُ أَحْمَدُ بنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ ت458 في كِتَابِهِ الأسْمَاءُ والصِّفاتُ ما نَصُّهُ "اسْتَدَلَّ بَعْضُ أصْحَابِنَا بِنَفي الْمَكَانِ عَنِ اللهِ تعالى بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىءٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَىءٌ ولا دُونَهُ شَىءٌ لَمْ يَكُنْ في مَكَانٍ" اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليهِ السَّلامُ عنِ اللهِ تعالى "الظَّاهِر" الَّذي كُلُّ شَىْءٍ يَدُلُّ على وُجُودِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ "البَاطِنُ" الَّذي احْتَجَبَ عَنِ الأَوْهَامِ فلا تُدْرِكُهُ.
وَقَالَ في كِتَابِهِ الاعْتِقادُ مَا نَصُّهُ: "قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ، لا العَرْشُ ولا الْمَاءُ ولا غَيْرهما وَكُلُّ ذَلِكَ أَغْيَارٌ" اهـ. فَإِنْ قيلَ مَا الْحِكْمَةُ مِنْ خَلْقِ الْعَرْشِ فَالْجَوابُ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ كَمَا قَالَ الإمامُ عَلِيّ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ في كَتَابِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَقِ. فَإِنْ قِيلَ كُلُّ شَىْءٌ مِنَ الْخَلْقِ دَلِيلٌ عَلى قُدْرَةِ الله فَلِمَ خُصَّ العَرْشُ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ أَكْبَرُ جِسْمٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ حَيْثُ الْحَجْمُ وَهُوَ قَاهِرُهُ وَقَاهِرُ مَا دُونَهُ، أَلا تَرَى أَنَّ اللهَ قَالَ "وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعِظِيم" خَصَّ الْعَرْشَ بِالذِّكْرِ في الآيَةِ مَعَ أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ.
قَالَ الصَّحَابِيُّ الجليلُ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ ت40هـ "كَانَ اللهُ وَلا مَكَان وَهُوَ الآنَ على مَا عَلَيْهِ كَان" اهـ أي مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ. رَوَاهُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيّ في الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ.

-قَالَ الإمَامُ الْمُجْتَهِدُ أَبُو حَنيفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتٍ الْكُوفِيُّ ت150 هـ في كِتَابِهِ الْفِقْهُ الأَبْسَطُ "كَانَ اللهُ تَعالى وَلا مَكَان قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَكَانَ اللهُ تعالى وَلَمْ يَكن أَيْنٌ وَلا خَلْقٌ وَلا شَىْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ" اهـ.

-نَقَلَ الْحَافِظُ الزَّبِيدِيُّ في كِتَابِهِ اتْحَافُ السَّادَةِ الْمُتَّقينَ عَنِ الإمَامِ الْمُجْتَهِدِ الشَّافِعي ت 204 هـ "إِنَّهُ تعالى كَانَ وَلا مَكَانَ فَخَلَقَ الْمَكَانَ وَهُوَ على صِفَةِ الأَزَلِيَّةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْمَكَانَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغْييرُ في ذَاتِهِ وَلا التَّبْديلُ في صِفَاتِهِ" اهـ.
-قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينُ بنُ عَبْدِ السَّلام ت 660 هـ في كِتَابِهِ مُلْحَةُ الاعْتِقَادِ عَنِ الله تعالى "لَيْسَ بِجِسْمٍ مُصَوَّرٍ وَلا جَوْهَرٍ مَحْدُودٍ مُقَدَّرٍ وَلا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَلا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ وَلا تَكْتَنِفُهُ الأرَضَونَ وَلا السَّموَاتُ كَانَ قَبْلَ أَنْ كَوَّنَ الأَكْوَانَ وَدَبَّرَ الزَّمَانَ وهُوَ الآنَ على مَا عَلَيْهِ كَانَ" اهـ.
-قال الإمامُ أبو حنيفةَ رضي اللَّه عنه في الوصيَّة : نُقِرُّ بأنَّ اللَّهَ تعالى اسْتَوَى على العَرشِ مِن غيرِ أنْ يكونَ له حاجةٌ واستِقرارٌ عليه، وهو حافظُ العرشِ وغيرِ العرشِ مِن غيرِ احْتِياجٍ ولو كان محتاجاً لمَاَ قدر على إيجادِ العالم وتدبيرِه كالمخلوقين ولو كان مُحْتاجاًلِلجلوسِ والاستقرار فقَبْلَ خلقِ العرشِ أين كان اللَّه ؟ تعالى عَنْ ذلك عُلُوّاً كَبيرّاً.
-بو جعْفَرٍ الطّحَاوِيّ فِي كتاب كاملِهِ الذي سَمّاهُ عقيدَةَ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ على أسلوبِ أبي حنيفةَ وصاحبيهِ: ((ومَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعنًى مِن معاني البشر فقد كَفَر)) ومعانِي البشرِ هي صفاتُهُم: الحركَةُ والسُّكونُ واللّونُ والانفعالُ والتعَبُ والتألُّمُ والتلذُّذُ والشمُّ والذوقُ وطروءُ الزيادَةِ والنقصَانِ والتحوّلُ مِنْ صِفَةٍ إلى صِفَة وما أشبَهَ ذلك مِنْ صِفَاتِ الجسمِ فالله منزهٌ عَنْ ذلك. وفي هذا بيانُ أنَّ مَنْ اعتقدَ في اللهِ الجِسْمِيَّةَ أو صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الجسميةِ كافِرٌ وهذا مُعتَقَدُ كلِّ الأئمةِ مِنَ السَّلَفِ والخلَف، وأبو حنيفةَ وصاحباهُ مُحمَّدُ بنُ الحسنِ وأبو يوسُفَ القاضي كلٌّ مِنَ الأئمةِ الْمُجتَهِدينَ.
-منقول





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©