إِلَى الغَافِلِينَ عَنْ شَعْبَان !


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَمْرَ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ ، وَاِغْتِنَامِ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ، وَمُبَادَرَةِ الْفُرَصِ قَبْلَ الْفَوَاتِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفى الْمُخْتَارُ ، حَذَّرَ مِنَ الرُّكونِ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ ، وَأَمْرَ بِالْاِسْتِعْدَادِ لِدَارِ الْقَرَارِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آله وَأَصْحَابِهِ الْبَرَرَةِ الْأَطْهَارِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ .
اِتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللَّهِ وَاِحْمَدُوهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى أَنْ مَدَّ فِي أَعْمَارِكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيكُمْ حَتَّى أَظَلَّكُمْ شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكَ ، وَاِسْأَلُوهُ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمْ فِيه وَأَنْ يُبَلِّغَكُمْ رَمَضانَ .
مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ تَفَضَّلَ عَلَيهَا بِكَثِيرٍ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ ، لِتَنْتَقِلَ الْأُمَّةُ الْمَيْمُونَةُ مِنْ مَوْسِمِ طَاعَةٍ إِلَى مَوْسِمٍ آخَرَ ، فَمَا تَخْرُجُ مِنْ عِبَادَةٍ إلّا وَتَدْخُلُ فِي عِبَادَةٍ أُخْرَى ، وَهَكَذَا حَتَّى يَظَلَّ الْمُسْلِمُ دَائِمًا سَائِرًا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، إِلَى أَنْ يَلْقَى اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ فَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اِسْتَعْمَلَهُ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيه) اللَّهُمَّ اِسْتَعْمِلْنَا يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ .
يَقُولُ اِبْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ قَوْلًا حَسَنًا بَدِيعًا فِي هَذَا الْمَعْنَى ، يَقُولُ : إِنَّ اللهَ سُبْحَانَه وَتَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِكَرَمِهِ أَنَّ مَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيه ، وَمِنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بُعِثَ عَلَيهِ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُحْيِينَا عَلَى طَاعَتِهِ ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ وَالْإيمَانِ ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ الْمُوَحَّدِينَ ، تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّه وَلِي ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيه .
حُقَّ لَنَا أَنْ نَطْمَعَ - عِبَادَ اللَّهِ - فَرَحْمَةُ اللهِ وَاسِعَةٌ ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَحَقُّ بِنَا أَوَلًا أَنْ نَخَافَ ، فَلَقَدْ صَحَّ عندَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ ( يَقُولُ اللهُ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ قَالَ يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ) . فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مَا زِلْتَ طَامِعًا يَا تارِكَ الصَّلاَةِ ؟ هَلْ مَا زِلْتَ طَامِعًا يَا مُقَطِّعَ الْأَرْحَامِ وَالصِّلَاتِ ؟ هَلْ تَطْمَعُ يا مُنْتَهِكَ الْأَعْرَاضِ وَالْحُرُمَاتِ وَيا مُدْمِنَ الشَّهَوَاتِ ؟ هَلْ مَا زِلْتِ طَامِعَةً يا صَاحِبَةَ النَّمَصِ وَالتَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ وَالسُّفُولِ وَ الْخَرْجَاتِ ؟!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَةُ لَقَدْ دَخَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ إِنْ كُنْتُم لَا تَعْلَمُونَ ...
شَهْرُ التَّوْبَةِ وَالصِّيَامِ وَالْقُرْآنِ وَرَفْعِ الْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَالْاِسْتِعْدَادِ لِرَمَضانَ ! رَوَى النسائيُ عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ . قَالَ « ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ) .
أخي فمتى تستعد لرمضان ؟ ومتى تتوب من معصيتك؟ وتستيقظ من رقادك وغفلتك؟!!
إِلَى مَتَى هَذَا الْجَفَاءُ وَالْبُعْدُ عَنِ اللهِ ؟ لَقَدْ فَطَمَ كُلُّ رَضِيعٍ وَشَابَ مِنْ حولِكَ كُلُّ شَبَابٍ ، أَمَا آنَ لِذَلِكَ الرَّأْسِ أَنْ يَرْكَعَ ؟ أَمَا آنَ لِذَلِكَ الْوَجْهِ أَنْ يَسْجُدَ ؟ أَمَا آنَ لِذَلِكَ الْقَلْبِ أَنْ يَخْشَعَ ؟! فَهَلْ مِنْ أوْبَةٍ ؟ وَهَلْ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ وَهَلْ مِنْ قُرْبَةٍ ؟ فَمَتَى تَعْقِلْ وَتَضَعُ نَفْسَكَ عَلَى الطَّرِيقِ الصَّوَابِ ؟
النَّاسُ تُسَارِعُ فِي أَوْقَاتِ الْغَفَلَاتِ إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا الْأرْضُ وَالسّمواتُ وَأَنْتَ مَا زِلْتَ تُسَارِعُ إِلَى الشَّهَوَاتِ ! وَتُصِرُّ عَلَى تَرْكِ الصَّلاَةِ ! أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تُعْتِقَ تِلْكَ الرّوحِ ؟ لِماذا تُعَذِّبُ تِلْكَ النَّفْسَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ وَتَحْرِمَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ؟ فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ .
مَاذَا قَالَ اللهُ عَنْ رُسُلِهِ ؟ قَالَ : (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) - النساء 165 - لَا حُجَّةَ لَكَ وَلَا مَهْرَبَ وَقَدْ بَلَّغَكَ رَسُولُ اللهِ وَصَايَاهُ وَأَوامِرَهُ ، فَإِمَّا أَنْ تُنْقِذَ نَفْسَكَ أَوْ تَهْلِكْ .
وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَعِيهَا جَيِّدًا وَتَفْهَمَهَا ، أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ صَلاَتِكَ وَعَنْ صِلَاتِكَ وَلَكِنْ أَنْتَ مَنْ يَحْتَاجُهَا .
وَلَا تَكْذِبْ عَلَى اللهِ وَلَا تَجْحَدْ فَضْلَهُ عَلَيْكَ وَتَقُولُ مَا هَدَانِي اللهُ !. لَقَدْ هَدَاكَ اللّهُ وَلَكِنَّكَ اِخْتَرْتَ طَرِيقَ الْغَيِّ ، كَمَا قَالَ اللهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) - الاعراف 146 - ، فَالْكَثِيرُ يَقُولُ لَكَ إِذَا دَعَوْتَهُ إِلَى الْحَقِّ(رَبِّي يَهْدِينَا) أَوْ (لَمَّا يَهْدِينِي رَبِّي) . اِعْلَمْ يا أَخِي أَنَّ رَبَّكَ قَدْ هَدَاكَ وَهَدَاكَ وَلَكِنَّكَ تَأْبَى ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ أَبَى» ، قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» ، وَإِنَّ اللهَ قَالَ عَنْ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ مِثْلَكَ (فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) – فصلت 17 - . فَأَنْتَ اِخْتَرْتَ وَاِسْتَحْبَبْتَ الْعَمى وَالتَّمَرُّدَ وَالْعِصْيَانَ وَالنَّوْمَ وَالْكَسَلَ ، ثُمَّ تُلْقِي اللَّوْمَ عَلَى الآخرين ، وَتَجْحَدُ فَضْلَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ! فَيَا وَيْلَكَ مِنْ يَوْمٍ تَرْجِعُ فِيه إِلَى رَبِّكَ حافِيًا عَارِيًا لَا شَفِيعَ لَكَ وَلَا صديقٌ حَمِيمٌ وَلَا يَنْفَعُكَ أَبٌ وَلَا أُمٌّ وَلَا بَنُونَ ، تَقِفُ أَمَامَ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ وَالْعَزِيزِ الْقَهَّارِ وَحِيدًا فَرِيدًا ، لَا تَرَى إلّا عَمَلَكَ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ ، وَلَا تَرَى إلّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِكَ ، فَلَا يَنْفَعُكَ حِينَهَا صُرَاخٌ وَلَا عَوِيلٌ ، وَلَا نَدَمٌ وَلَا اِسْتِغاثَةٌ ، (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) – سبأ 42 - يُقَالُ لِأَقْوَامٍ يَوْمَهَا (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ). - الاحقاف 20 - .
مِنْ أَسْهَلِ الْأُمُورِ - يا عِبَادَ اللَّهِ - وَأَيْسَرِهَا ، إِطْلاقُ الْعَنَانِ لِلْنَّفْسِ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ ، تَظْلِمُ وَتَتَعَدَّى وَتَكْذِبُ وَتَخُونُ وَتَفْعَلُ الْمُنْكِرَاتِ وَتَلِجُ الشَّهَوَاتِ لِأَنَّه أَمْرٌ مُحَبَّبٌ لِلْنَفْسِ ، وَلَكِنَّ تَوْطِئَةَ النَّفْسِ لِقَبُولِ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالثّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ ، ذَلِكَ هُوَ عَزْمُ الْأُمُورِ. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ النَّفْسِ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) – الشمس 9 -10 -
فَهَلْ جَلَسْنَا يَوْمًا نُحَاسِبُ هَذِهِ النَّفْسَ كَمْ قَدَّمَتْ وَقَرَّبَتْ مِنْ طَاعَاتٍ ؟ وَكَمْ هِي فِي تَفْرِيطٍ وَغَفَلَاتٍ ؟ مَا فَعَلْنَا هَذَا ، إِذْ لَوْ فَعَلْنَا لِتَغَيَّرَ الْحالُ .
أَيُّهَا الْأَخُ الْحَبيبُ ، هَذِهِ الدُّنْيا لَيْسَتْ دَارَ رَاحَةٍ وَلَا دَارَ أمَانٍ أَبَدًا ، لَا تَطِيبُ لِأحَدٍ وَلَا تَدُومُ لَا لِمَنْ جَمَعَ وَلَا لِمَنْ حُرِمَ ، وَإِنَّمَا الرَّاحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، فَتَزَوَّدْ فِيهَا مِنَ الْباقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَاصْبِرْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ ، فَمَهْمَا لَقِيتَ فِيهَا مِنْ آلاَمٍ وَجِرَاحٍ وَمِنْ مَشَقَّةٍ فِي الطَّاعَةِ ، فَسَيَزُولُ ذَلِكَ التَّعَبُ كُلَّه وَسَيَذْهَبُ ذَلِكَ الْحُزْنُ مَعَ أَوَّلِ سَكْرَةٍ وَخُرُوجٍ لِلْرُّوحِ إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحانٍ وَرَبٍّ راضٍ غيرِ غَضْبَانٍ، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) - فاطر 34 -.
فَلَا تَكُونُوا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ مِمَّنْ وَرِثُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ ، وَوَرِثُوا الاِسْلَامَ إِسْمًا بَلَا رَسْمٍ ، وَلَقَبٍ بَلَا عَمَلٍ ، وَعَادَاتٍ لَا عِبَادَاتٍ ...
مَا أَحْوَجَنَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ نُصَفِّي نُفُوسَنَا حَتَّى تَصْفُوَ لَنَا ، كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ الثِّقَاتِ الْأثْبَاتِ الْعَابِدِينَ الصَّالِحِينَ ، دَخَلَ عَلَيه أَصْحَابُهُ يُهَنِّئُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ سَيَمُرُّ عَلَيْكَ ، فَبَكَى وَقَالَ : أَيْنَ أَنْتُمْ إِذَا أُخِذَ بِيَدِي وَقَدَمِيِ وَطُرِحْتُ فِي النَّارِ ؟ إِنِّي مُقْبِلٌ عَلَى رَبِّي إِنْ رَحِمَنِي أَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ وَإِنْ حَاسَبَنِي بِعَدْلِهِ أَدْخَلَنِي النَّارَ ، عُودُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَاِسْتَغْفِرُوهُ.
فَمَا أَحْوَجَنَا إِلَى أَنْ نُصْلِحَ النَّفْسَ وَنُهَيِّئَهَا لِقَبُولِ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَنُعِدَّهَا لِشَهْرِ رَمَضانَ ، حَتَّى يَكُونَ شَهْرَ عَبَادَةٍ وَخُشُوعٍ وَعِتْقٍ مِنَ النِّيرَانِ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ البلخي : شَهْرُ رَجَبَ شَهْرُ الزَّرْعِ ، وَشَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرُ سَقْيِ الزَّرْعِ ، وَشَهْرُ رَمَضانَ شَهْرُ حَصَادِ الزَّرْعِ .
فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ اِغْتِنَامُ هَذِهِ الْأيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَالْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ ، بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، مِنْ تَوْبَةٍ وَصِيَامٍ وَصَدَقَةٍ وَإِحْسَانٍ وَإِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَقِرَاءةِ قُرْآنٍ ، وَأَنْ يَضَعَ فِي مِيزَانِ أَعْمَالِهِ الْيَوْمَ ، مَا يَسُرُّهُ أَنْ يَرَاهُ فِيه غَدًا ، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيدًا) – آل عمران 30 - .
اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لِأحَدٍ مِنَّا فِي هَذَا الْجَمْعِ الْمُبَارَكِ ذَنْبًا إلّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إلّا فَرَّجْتَهُ وَلَا دَيْنًا إلّا قَضَيْتَهُ وَلَا تَدَعْ لَنَا مَرِيضًا إلّا شَافَيْتَهُ وَلَا مَيِّتًا لَنَا إلّا رَحِمْتَهُ وَلَا غَائِبًا إِلَّا رَدَدْتَهُ وَلَا أَسِيرًا إلّا فَكَكْتَهُ وَلَا عَاصِيًّا إلّا هَدَيْتَهُ وَلَا حَاجَةً هِي لَكَ رِضًا وَلَنَا فِيهَا صَلاَحٌ إلّا قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ اُكْتُبْ النّجاحَ وَالتَّوْفِيقَ لِأَوْلاَدِنَا وَأَوْلاَدِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا ، يا رَبُّ وَاُسْتُرْ نِساءَنَا وَاِحْفَظْ وَاِفْتَحْ عَلَى بناتِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَاُسْتُرْهُمْ بِسِتْرِكَ وَاكْلَأْهُمْ بِعِنَايَتِكَ وَبِرِعايَتِكَ وَاحْرُصْهُمْ بِعَيْنِكَ وَرَبِّهِمْ لَنَا يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ .

وكتب الفقير إلى الله أحمد بوجلة في بوم الجمعة الخامس من شهر شعبان 1434


منقول :






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©