قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل(3/347):
فإن قيل : إنما لم يعارض سلف المؤمنين والكفار المتقدمون لهذه النصوص لأنهم كانوا قوما عربا فصحاء يفهمون ما أريد بها ولم يكونا يفهمون منها إثبات أن ذاته نفسه فوق العرش ولا ما يشبه ذلك من الأمر المستلزمة للتجسيم فلما لم يفهموا منها ما فهمه المتأخرون من هذا الإثبات لم يكن المفهوم منها عندهم معارضا لشيء من الأدلة العقلية وأما المتأخرون فلما صاروا يستدلون بها على الإثبات المستلزم للتجسيم صار من يريد أن يرد عليهم يعارضهم بالأدلة العقلية النافية
فهذا خلاصة ما يمكن أن يقوله من يعظم الرسول والسلف من النفاة
فيقال : هذا باطل من وجوه متعددة :
الوجه الأول
أن يقال : فعلى هذا التقدير لا يكون المفهوم الظاهر من هذه النصوص إثبات العلو على العالم والصفات ولا يجوز أن يقال : ظواهر هذه النصوص غير مراد ولا أن قد تعارضت الدلائل النقلية والعقلية فإنه إذا قدر أنها لا تدل على الإثبات : لا دلالة قطعية ولا ظاهرة بطل أن يكون في ظاهرها ما يفهم منه إثبات
ومن المعلوم أن هذا خلاف قول الطوائف كلها من المثبتة والنفاة حتى من الفلاسفة القائلين بقدم العالم وإنكار معاد الأبدان فإنهم معترفون بما اعترف به سائر الخلق من أن الظاهر المفهوم منها هو إثبات الصفات
ولكن هؤلاء المتفلسفة يقولون : إن الرسول لم يرد بيان العلم والإخبار بالأمر على وجهه وإنما أراد التخييل وإن تضمن ذلك التدليس وإظهار خلاف ما يبطن والكذب للمصلحة وهذا قول الملاحدة الباطنية
وفساد هذا المعلوم من وجوه اكثر مما يعلم به فساد قول الجهمية والمعتزلة ولهذا كان هؤلاء عند المسلمين ملاحدة زنادقة





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©