لابي حفص المصمودي
يستشكل بعض الناس حديث:« خلق الله آدم على صورته ».
وقالوا كيف يكون لله صورة، أو مثال؟ أليس هذا من التشبيه المنهي عنه؟
ثم إن هذا الحديث ينكره العقل، ولا يثبته؛لذلك حمله بعض أهل العلم على التأويل خروجا من هذا الإشكال المتوهم، حتى قال بعضهم:إن الضمير في "صورته" عائد على آدم لا الذات الإلهية.
الجواب عن هذه الاستشكالات والطعون بعون الملك الوهاب:
إن مذهب أهل السنة والجماعة يقتضي أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات , من غير تحريف ولا تعطيل , ومن غير تكييف ولا تمثيل , بل يؤمنون بأن الله سبحانه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه , ولا يحرفون الكلم عن مواضعه , متبعين في ذلك كتاب كامل الله والسنة وما ورد عن سلف الأمة , ثم هم ينكرون على من حرَّف صفات الله أو مثَّل الله بخلقه , لأن ذلك تعدٍّ على النصوص وقول على الله بلا علم , إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , فكما أنه عز وجل لم يخبرنا عن كيفية ذاته , فكذلك لا نعلم كيفية صفاته , لكننا نثبتها كما يليق بجلاله وعظمته.
ولكن لا شك أنهم – أعني السلف – كانوا يفهمون معاني ما أنزل الله على رسوله من الصفات , وإلا لم يكن للأمر بتدبر القرآن فائدة ,
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه – على ما يليق الله – لما قالوا : الاستواء غير مجهول , والكيف غير معقول , ولما قالوا : أمرُّوها كما جاءت بلا كيف , فإن الاستواء حينئذٍ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم , وأيضاً : فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى , وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات , وأيضاً : فإن من ينفي الصفات الخبرية , أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول : بلا كيف , فمن قال : إن الله على العرش , لا يحتاج أن يقول : بلا كيف , كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا : بلا كيف , وأيضاً فقولهم : أمروُّها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه , فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ , فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد , أو أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة , و حينئذٍ فلا تكون قد أمرت كما جاءت و لا يقال حينئذ : بلا كيف , إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول.([1])
وحديث " خلق الله آدم على صورته " أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وغير واحد من أصحاب السنن والمسانيد من أئمة الإسلام وعلماء الحديث، واللفظ المتفق عليه عند الشيخين " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن"([2]).
ورواه الإمام مسلم من طريق آخر بلفظ: « إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته »([3])
والحديث عند غير الشيخين بطرق صحيحة مستقيمة، واكتفينا بهذين الطريقين لما للبخاري ومسلم من الجلالة والثقة بما لايجعلنا نتتبع طرق الحديث إن كان عندهما أو عند أحدهما.
والصُّورَةُ:صفةٌ ذاتيةٌ خبريةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالأحاديث الصحيحة.([4])على ما يليق به جل وعلا، فصورته صفة من صفاته، لا تشبه صفات المخلوقين، كما أنذاته لا تشبه ذواتهم.
والصورة؛ الشكل والهيئة والحقيقة والصفة.([5]) فكل موجود لابد أن يكونله صورة .
ولفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات ، التي قد يسمى المخلوق بها ، على وجهالتقييد ، وإذا أطلقت على الله اختصت به ، مثل العليم والقدير والرحيم والسميعوالبصير ، ومثل خلقه بيديه ، واستواءه على العرش ، ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام: وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به ،فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها، ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسهليس له صورة يكون عليها.
وقال: لم يكن بين السلف من القرون الثلاثةنزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عنعدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية فيالمائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى ، حتى نقل ذلك عنطائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم ، كأبي ثور وابن خزيمةوأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم ، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة.([6])
وقال ابن قتيبة رحمه الله : ( الصورة ليست بأعجب مناليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشةمن هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع ، ولا نقول في شيء منه بكيفيةولا حد.([7])
فالصورة يعبر بها ويراد الصفة، فهذه صورة هذا الأمر؛ أي صفته، فيكون المعنى خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة.([8])
وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات الأخرى ، فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي وجب إثباتهاوالإيمان بها. وأنَّ الصورة هنا بمعنى الصفة؛ لأنَّ الصورة في اللغة تطلق على الصفة.
كما جاء في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة - الألنجوج عود الطيب - وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء »([9])
يعني على صفة القمر من الوضاءة والنور والضياء، فقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم على صورته»؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن أ؛ يعني على صفة الرحمن، فخص الله آدم من بين المخلوقات بأنَّ جعله مَجْمَع الصفات، وفيه من صفات الله الشيء الكثير؛ يعني فيه من أصل الصفة على التقرير من أنَّ وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجهاً، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وموصوف بالقوة والقدرة والكلام والحكمة، وموصوف ـ بصفة الغضب والرضا والضحك إلى غير ذلك مما جاء في الصفات؛ فإذن هذا الحديث ليس فيه غرابة كما قال العلامة ابن قتيبة رحمه الله قال (وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه([10]).
وعلى هذا جمهور أهل السنة بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية – وهو ممن انتصر لهذا القول وأطال الكلام جدا على هذا الحديث([11]) – قال: لم يكن بين السلف من القرون الثلاثةنزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عنعدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك. ([12])
وممن أشار إلى هذا القول أيضا إسحاق بن راهويه، والإمام أحمد، فعن إسحاق بن منصور الكوسج قال: قلت لأحمد: " لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته" أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح .
وقال ابن راهويه: "صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع، أو ضعيف الرأي"([13])
وممن قال بهذا القول أيضا؛ أبو بكر الآجري، فقد عقد بابا بعنوان : " الإيمان بأن الله عزوجل خلق آدم على صورته بلا كيف" ([14]).
ثم ساق هذا الحديث بطرق متعددة، ثم قال: هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها، ولا يقال فيها : كيف ؟ ولم ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق ، وترك النظر ، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين([15])
وأيضا قال بهذا القول ابن قتيبة، أبو يعلى الفراء، وأبو إسماعيل الهروي،فقد عقد بابا بعنوان:" إثبات الصورة لله عز وجل" في كتاب كامل " الأربعين في دلائل التوحيد".
وكذا قوام السنة إسماعيل التيمي الأصبهاني، والشيخ عبد الله أبو بطين، وعبد العزيز بن باز، والشيخ محمد صالح العثيمين، عليهم رحمة الله.([16]).
واستدل أهل السنة – أصحاب هذا القول- بما يلي:
أولا: ظاهر النصوص السابقة والتي فيها قوله (صلى الله عليه وسلم): " خلق الله آدم عى صورته"، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، وذلك بإرجاع الضمير إلى الله تعالى.([17])
قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث – في سرد لأقوال الأئمة في تأويل هذا الحديث – ومنها ( أن المراد أن الله خلق آدم على صورة الوجه , قال : وهذا لا فائدة فيه , والناس يعلمون أن الله تبارك وتعالى خلق آدم على خلق ولده , وجهه على وجوههم , وزاد قوم في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام مر برجل يضرب وجه رجل آخر , فقال ( لا تضربه , فإن الله تعالى خلق آدم عليه الصلاة والسلام على صورته ) أي صورة المضروب , وفي هذا القول من الخلل ما في الأول )([18]) .
وقال الإمام أحمد عند هذا الحديث:" وإذا ثبتت صحته فغير ممتنع الأخذ بظاهره ، من غير تفسير ولا تأويل"([19]).
قال القاضي أبويعلىتعقيبا على هذا الكلام: فقد صرح في القول: بالأخذ بظاهره ، والكلام فيه في فصلين:
أحدهما: جواز إطلاق تسمية الصورة عليه سبحانه....
الثاني: إطلاق القول بأن الله خلق آدم على صورته، وأن الهاء راجعة إلى الرحمن([20])

وقال الذهبي رحمه الله في السير في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة – وهو ممن لجأ إلى التأويل في حديث الصورة - : ( وكتاب كامله في التوحيد مجلد كبير , وقد تأول في ذلك حديث الصورة , فليعذر من تأول بعض الصفات , وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا , وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله , ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه , وبدعناه , لقل من يسلم من الأئمة معنا , رحم الله الجميع بمنه وكرمه )([21]) .
وقال الطبراني في كتاب كامل السنة : حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي : إن رجلاً قال : خلق الله آدم على صورته , أي صورة الرجل , فقال : كذب , هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا )([22]) .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ثلاثة عشر وجهاً لإبطال القول بعود الضمير على غير الله، وتسعة أوجه لإبطال القول بعود الضمير على آدم. نذكر من مجموعهما مايلي :
منها : أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير , فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته في غاية البعد , لا سيما وقوله ( وإذا قاتل أحدكم .. وإذا ضرب أحدكم ) عام في كل مضروب , والله خلق آدم على صورهم جميعهم , فلا معنى لإفراد الضمير , وكذلك قوله ( لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ) عام في كل مخاطب , والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم .
ومنها : أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم , لم يخلق آدم على صورهم , فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه : خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده , لا يقال : إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود , كما يقال : خلق الخلق على غير مثال أو نسيج هذا على منوال هذا .
ومنها : أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته لم يحتج إلى لفظ خلق على كذا , فإذ هذه العبارة إنما تستعمل فيما فطر على مثال غيره , بل يقال إن وجهه يشبه وجه آدم , أو فإن صورته تشبه صورة آدم .
ومنها : أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم لنهى أيضاً عن الشتم والتقبيح وسائر الأعضاء , لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك ... إلخ ما ذكره([23]) .
ومنها : أنه إذا قيل : إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة آدم , أولا تقبحوا الوجه , ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ,فإن الله خلق آدم على صورة آدم , كان هذا من أفسد الكلام , فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلاً , فإن كون آدم مخلوقاً على صورة آدم , فأي تفسير فسر به فليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنية , ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها , وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرق الحديث المروي ( إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه ) مفرداً , وروي قوله ( إن الله خلق آدم على صورته ) مفرداً , أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمنع فيه , وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا بناسب هذا الحكم .
ومنها: أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم , فلو كان مانعاً من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعاً من ضرب سائر الوجوه وتقبيح سائر الصور , وهذا معلوم الفساد في العقل والدين , وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام , وإضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدر إلا عن جهل عظيم أو نفاق شديد , إذ لا خلاف في علمه وحكمته وحسن كلامه وبيانه .
ومنها: أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه , وهذا من أعظم التناقض , وذلك أنهم تأولوا الحديث على أن آدم لم يخلق من نطفة وعلقة ومضغة , وعلى أنه لم يتكون في مدة طويلة بواسطة العناصر , بَنوه قد خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة , وخلقوا في مدة عناصر الأرض , فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خلق على ذلك الوجه , وهذه العلة منتفية في بينه , فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بنيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها أن آدم هو الذي خلق على صورة دونهم , إذ هم لم يخلقوا كما خلق آدم على صورهم التي هم عليها بل نقلوا من نطفة إلى علقة إلى مضغة .. إلخ([24]) .
الدليل الثاني: ما جاء من طريق الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر بلفظ:" لا تقبحوا الوجه , فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن" ([25])
وهذا نص صريح في أن اللهتعالى خلق آدم على صورته. وهذا النص لا يحتمل التأويل، ومن تأوله فقدأبعد النجعة وتكلف غاية التكلف.([26])
ولأهمية هذا الحديث في هذا الباب وكونه فيصلا وقاطعا للنزاع في هذه المسألة، فقد أثار نقاشا واسعا، خاصة بين بعض العلماء المعاصرين.([27])
وخلاصة القول أن هذا الحديث – حديث ابن عمر – صححه جمع من أهل العلم، كإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والحاكم، وابن تيمية، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم. وذكروا شواهد تعضدده وتقويه، وإن ضعفه آخرون، كابن خزيمة، والمازري، وتبعهم في ذلك الألباني. فالقول بصحته أقرب والعلل التي ذكرها المضعفون الجواب عنها متيسر.
الدليل الثالث:حديث أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ) . قلنا لا قال ( فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ) . ثم قال ( ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب كامل ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال لليهود ما كنتم تعبدون ؟ قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون ؟ قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون ؟ فيقولون نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم....الحديث"([28]).
ومن هنا نخلص إلى أن الله خلق آدم على صورته عز وجل من غيركيفية معلومة لنا، ولا يلزم من ذلك المماثلة، وأنَّ الصورة هنا بمعنى الصفة؛ لأنَّ الصورة في اللغة تطلق على الصفة كما ذكرنا، فقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم على صورته»؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن؛ يعني على صفة الرحمن، فخص الله آدم من بين المخلوقات بأنَّ جعله مَجْمَع الصفات، وفيه من صفات الله الشيء الكثير؛ يعني فيه من أصل الصفة على التقرير من أنَّ وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجهاً، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وموصوف بالقوة والقدرة والكلام والحكمة، وموصوف بصفة الغضب والرضا والضحك إلى غير ذلك مما جاء في الصفات؛ فإذن هذا الحديث ليس فيه غرابة،وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه، ولفظة (على صورته) تقتضي الاشتراك والمطابقة في أصل الصفة؛ لكن لا تقتضي المماثلة في الصفة، فيكون المعنى خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة.
وكما قال ابن قتيبة: والصورة ليست بأعجب مناليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشةمن هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع ، ولا نقول في شيء منه بكيفيةولا حد.([29])

[1] )مجموع الفتاوى، أبو العباس ابن تيمية، مرجع سابق، (5/41)

[2] ) صحيح البخاري (بشرح مفصل فتح الباري ) كتاب كامل الاستئذان، باب بدء السلام، (11/ 5)، رقم (6227)، صحيح مسلم (بشرح مفصل النووي ) كتاب كامل الجنة وصفة (جزائرية) نعيمها وأهلها، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير.(9/ 3952) رقم (7030)

[3] ) صحيح مسلم (بشرح مفصل النووي) كتاب كامل البر والصلة والآدب ، باب النهى عن ضرب الوجه.(9/ 3735)/ رقم(6532).

[4] ) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب كامل والسنة، علوي بن عبد القادر السَّقَّاف، دار الهجرة – الثقبة، ط2، 1422هـ - 2001م، ص137.

[5] ) انظر: تاج العروس من جواهر القاموس ، أبو الفيض مرتضى الزَّبيدي، مادة: صور

[6] ) أنظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية،ابن تيمية‘ القسم الخامس والسادس والسابع، تحقيق: عبد العزيز اليحيى، ومحمد البريدي، في رسالة علمية بجامعة الإمام محمد بن سعود، ولم يطبع بعد(2/ 396)، نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، سليمان الدبيخي، مرجع سابق،122

[7] ) تأويل مختلف الحديث، أبو محمد ابن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ، 1985م. ص206

[8] ) دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد : أبي بكر الحصني الدمشقي: المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة، تحقيق : محمد زاهد بن الحسن الكوثري، ص12.

[9] ) صحيح البخاري ( بشرح مفصل الفتح) كتاب كامل الأنبياء، باب خلق آدم وذريته (6/ 417) رقم(3326)، صحيح مسلم (بشرح مفصل النووي) كتاب كامل الجنة وصفة (جزائرية) نعيمها وأهلها ، باب فى صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا(9/ 3947)، رقم(7018)

[10] ) انظر: شرح مفصل العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، محمد صالح العثيمين، دار ابن الجوزي – السعودية،ط3، 1416هـ (1/109)

[11] ) في كتاب كامله الذي يرد فيه على الرازي:" بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، وقد طبع منه أجزاء والبقية مازالت مخطوطة، وقد لخص كلام ابن تيمية الشيخ حمود التويجري في كتاب كامله:" عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن"مطبوع بدار اللواء للنشر والتوزيع- السعودية،الطبعة الثانية ، 1409هـ / 1989م.

[12] ) بيان تلبيس الجهمية، ابن تيمية، القسم السادس (2/ 396) نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، سليمان الدبيخي، مرجع سابق، ص 122.

[13] )الإبانة عن الشريعة الاسلامية الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، أبو عبدالله ابن بطة، مرجع سابق، (3/ 266).


[14] ) الالشريعة الاسلامية، أبو بكر الآجري، مرجع سابق، (2/ 106).

[15] ) المرجع السابق، (2/ 107)

[16] ) أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، سليمان الدبيخي ، مرجع سابق، ص 125.

[17] ) مسألة عود الضمير على الله تعالى ، أو على آدم عليه السلام طال فيها النزاع وقال بعود الضمير على آدم جماعة هروبا من إثبات صفة الصورة لله عز وجل.

[18] ) تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، مرجع سابق، (ص 205 ) .

[19] ) إبطال التأويلات لأخبار الصفات، للقاضي أبي يعلى الفراء، مرجع سابق،(1/79).

[20] ) المرجع السابق، (1/ 79- 80)

[21] ) سير أعلام النبلاء، الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ، 1990م، ( 14/374 - 376) .

[22] ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، شمس الدين الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة – بيروت، ( 1/603 ) .

[23] ) أنظر: عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، حمود بن عبد الله التويجري، دار اللواء، السعودية، ط2، 1409هـ، 1989م، ص64 وما بعدها .

[24] ) أنظر: عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، حمود بن عبد الله التويجري، مرجع سابق، ص69 وما بعدها.

[25] ) صحيح، أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة،(1/ 268) رقم( 498 ) , وابن أبي عاصم في السنة ( 417 ) , وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد وإثبات صفات الرب جل وعلا ( 1 / 85 ) , وأخرجه الآجري في كتاب كامل الالشريعة الاسلامية ( 2/ 107 ) و الدارقطني في الصفات(1/ 37)، رقم ( 45 , 48 ) , و البيهقي في الأسماء والصفات، (2/ 64)، رقم ( 640 ) كلهم من طريق جرير عن الأعمش به .

[26] ) عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، حمود بن عبد الله التويجري، مرجع سابق، ص40.

[27] ) أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، سليمان الدبيخي ، مرجع سابق، ص127.

[28] ) صحيح البخاري( بشرح مفصل فتح الباري) كتاب كامل التوحيد، باب قول الله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة }(13/ 431) رقم (7439)،صحيح مسلم (بشرح مفصل النووي) كتاب كامل الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية.(2/ 652) رقم (447) واللفظ للبخاري

[29] ) تأويل مختلف الحديث، أبو محمد ابن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ، 1985م. ص





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©