السـؤال:
هلِ التّحريفُ مرادِفٌ للتّعطيلِ أم بينهما تباينٌ؟ وجزاكمُ اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالتّعطيلُ يباين التّحريفَ ويخالفه مِنَ الوجهِ التّالي:
أنّ المرادَ بالتّعطيلِ: نفيُ دلالةِ نصوصِ الكتاب كاملِ والسّنّةِ على المقصودِ منهما: كتعطيلِ الكمالِ المقدَّسِ عنِ اللهِ تعالى أو نفيِ صفاتِه، أو تعطيلِ المصنوعِ عن صانعِه كدعوى قِدَمِ العالَمِ أوِ ادّعاءِ أنّ بعضَ الكائناتِ غيرُ مخلوقةٍ، أو تعطيلِ العبادةِ بالتّركِ أو صرفِها إلى غيرِ اللهِ تعالى، فالتّعطيلُ -إذن- هو نفيٌ للمعنى الحقِّ.
والمرادُ بالتّحريفِ: تغييرُ معاني الكتاب كاملِ والسّنّةِ بتأويلِهما إلى معانٍ أخرى تنتفي دلالتُهما عليها، سواء كان التّحريفُ في الآياتِ الشّرعيّةِ: في اللّفظِ كتبديلِ بني إسرائيلَ «حطّة» بـ«حنطة» في قولِه تعالى: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: 58]، أو في المعنى كتحريفِ معنى «استوى» في قولِه تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5] بـ«استولى»، أو تأويلِ معنى «اليدِ» في قولِه تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64] بالقوّةِ، ومنه تأويلُ «خاتَم» في قولِه تعالى: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40] بـ«الزّينةِ»، تفسيرًا لها على الوجهِ غيرِ الصّحيحِ.
ويدخل التّحريفُ -أيضًا- في الآياتِ الكونيّةِ: كمَنْ يؤوّل الملائكةَ بأنّها القُوى الرّوحيّةُ في الإنسانِ، والشّياطينَ بأنّها القُوى الشّرّيرةُ فيه، أو يفسّر «الطّيرَ» في قولِه تعالى: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ [الفيل: 3] بجراثيمِ الطاعونِ، ونحوِ ذلك. فالتّحريفُ -إذن- هو تفسيرُ النّصوصِ وصرفُها عن معناها الحقِّ إلى المعنى الباطلِ.
ومِنْ هنا يظهر أنّ بين التّعطيلِ والتّحريفِ عمومًا وخصوصًا مطلَقَيْنِ، فالتّعطيلُ أعَمُّ مُطلقًا مِنَ التّحريفِ، والتّحريفُ أخصُّ مطلقًا مِنَ التّعطيلِ، فكلُّ محرِّفٍ معطِّلٌ، وليس كلُّ معطِّلٍ محرِّفًا، فالتّحريفُ يدور وجودًا مع التّعطيلِ دون العكسِ.
وعليه، فمَنْ نفى المعنى الحقَّ وفسّر النّصَّ الشّرعيَّ بالمعنى الباطلِ فهو معطِّلٌ ومحرِّفٌ. ومَنْ نفى المعنى الحقَّ دون التّعرّضِ إلى تفسيرِ النّصِّ بالوجهِ غيرِ الصّحيحِ، أو فوّض معنى النّصِّ إلى اللهِ تعالى فهو معطِّلٌ ولا يُوصَفُ بأنّه محرِّفٌ.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 27 من ذي القعدة 1431ه
الموافق ل: 04 نـوفمـبـر 2014م





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©