الشيخ محمد بن عبد الوهاب

عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه

بقــــلم
العلامة الشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي آل بن علي
(قاضي المحكمة الشرعية بقطر)

قدم له وصححه سماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز




عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجميع النجديين :

عقيدته ، كعقيدة السلف الصالح ، على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والتابعون ، والأئمة المهتدون : كأبي حنيفة ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، وابن مالك ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، وسائر أهل السنن وأمثالهم ممن تبعهم من أهل الفقه والأثر كالأشعري ، وابن خزيمة ، وتقي الدين بن تيمية ، وابن القيم ، والذهبي رحمهم الله .

يعتقد أن الله واحد أحد ، فرد صمد ، لا شريك له ولا مثيل ، ولا وزير له ، ولا مشير . لم يتخذ صاحبة ولا ولد . عالم بكل شيء ما كان وما يكون ، وما لم يكن ، لو كان كيف يكون قادر على كل شيء ، لا يعجزه شيء ، بل هو الفعال لما يريد ، ويثبت جميع صفات الله العليا ، وأسماءه الحسني ، كما نطق الكتاب كامل ، وجاءت به السنة الصحيحة من صفة العلم والسمع والبصر والقدرة والأرادة ، والكلام والاستواء على العرش ، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا ، وسائر الصفات الذاتية والفعلية والخبرية .

يؤمن بها ، ويُمرُّها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .

توحيد العبادة والربوبية :

يعتقد بأن الله هو الحي القادر الخالق ، الرازق ، المحيي ، المميت .
يؤمن بأن يفرد ربنا بالعبادة ، ولا يشرك به أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل .
ويبرأ من عبادة ما سواه كائناً ما كان ، وهذا هو الحكمة :التي خلق الله لأجلها الجن والإنس وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب.

ويبرأ من عبادة الأحجار والأشجار والصالحين الأخيار .
ويبرأ من عابديها ، ويقيم الحجج العقلية والنقلية على أنها شرك وضلال ، وكفر بالله ذي الجلال ، كقوله تعالى حكاية عن قول الرسل لأقوامهم
: { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهً غيره}.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

وكقوله[color="rgb(0, 100, 0)"] {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } .[/color]

الإيمان بالرسل والأنبياء والملائكة والكتب واليوم الآخر :

يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله ، لا يفرق بين أحد منهم ، ويعتقد أن محمداً أفضلهم ، أرسله الله بالآيات الباهرة ، والمعجزات الظاهرة ، وكرمه بطهارة الأعراق ، وحباه محاسن الأخلاق ، فمن اتبعه صار من المفلحين ، ومن عصاه صار من الأشقياء الخاسرين .

ويؤمن باليوم الآخر ، وبالبعث بعد الموت ، وحساب الله للعباد ، وبالميزان والصراط ، والجنة والنار ، كما ستأتي عقيدته بنصها .
مسائل القدر والجبر والإرجاء والإمامة :
يؤمن بالقدر خيره وشره ، ويبرأ مما قالته القدرية النفاة ، والمجبرة المرجئة ويوالي جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين ويكف عما شجر بينهم . ويعتقد بأفضلية أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم على رضي الله عنهم .

عقيدته في العلماء :

يوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم ، من أهل الحديث والفقه والتفسير ، وأهل الزهد والعبادة ، ولاسيما الأئمة الأربعة ، ويرى فضلهم وإمامتهم ، وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة ، ويقصر عنها المتطاول ، ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد إلا بدليل تقوم به الحجة من الكتاب كامل والسنة ، خلافاً لغلاة المقلدين .
وعلى هذا القول أجمعت الأئمة الأربعة وغيرهم ، كما حكاه ابن عبد البر رحمه الله .
نقول من رسائله وعقائده :

وها أنا أنقل لك – أيها القارئ الكريم – بعض ما كتبه الشيخ من رسائله التي ذكر فيها عقيدته وما هو عليه .
فمن تلك الرسائل ، ما كتبه لأهل القصيم .
قال رحمه الله بعد البسملة :

أشهد الله ومن حضرني من الملائكة ، وأُشهدكم أني أعتقد ما أعتقده أهل السنة والجماعة ،من الإيمان بالله وملائكته ،وكتبه ، ورسله، والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر ، خيره وشره .
ومن الإيمان بالله ، الإيمان بما وصف به نفسه في كتاب كامله ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .
فلا أنفى عنه ، ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ولا أمثل صفاته بصفات خلقه ، لأن تعالى لا سمي له ولا كفء ، ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه ، فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قليلاً ، وأحسن حديثاً .

فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه النافون ، من أهل التحريف والتعطيل . فقال تعالى { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
فالفرقة الناجية ، وسط في باب أفعاله تعالى ، بين القدرية والجبرية .
وهم وسط في باب وعيد الله ، بين المرجئة والوعيدية .

وهم وسط في باب الإيمان والدين ، بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية .
وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج .
وأعتقد أن القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة ، وأنزله على عبده ورسوله وأمنيه على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده . نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وأومن بأن الله فعال لما يريد ، ولا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يخرج عن مشيئته وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ، ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما خُط له في اللوح المسطور .
وأعتقد بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت .
وأومن بفتنة القبر ونعيمه ، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيقوم الناس لرب العالمين ، حفاة ، عراة ، غرلا ، وتدنو منهم الشمس ، وتنصب الموازين ، وتوزن به أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ **وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}.

وتنشر الدواوين ، فآخذ كتاب كامله بيمينه ، وآخذ كتاب كامله بشماله .
وأومن بحوض نبينا محمد صلى اله عليه وسلم بعرصة القيامة ،ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة ، لم يظمأ بعدها أبداً .
وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم ، يمر به الناس على قدر أعمالهم وأومن بشفاعة النبي صلى اله عليه وسلم ، وأنه أول شافع ، وأول مشفع .

ولا ينكر شفاعة النبي إلا أهل البدع والضلال .
ولكنها لا يكون إلا من بعد الإذن والرضا ، كما قال الله تعالى { وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}وقال {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} وقال تعالى{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} .
وهو لا يرضي إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله .

وأما المشركون ، فليس لهم في الشفاعة نصيب كما قال تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .
وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما – اليوم – موجودتان وأنهما لا يفنيان .
وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة ، كما يرون القمر ليلة البدر ، لا يضامون في رؤيته .
وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ، ويشهد بنبوته .
وأفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضي ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة – أهل بيعة الرضوان – ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم .
وأتولى أصحاب رسول الله ، وأذكر محاسنهم ، وأستغفر لهم ، وأكف عن مساوئهم ، وأسكت عما شجر بينهم .
وأعتقد فضلهم ، عملاً بقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }.

وأترضى عن أمهات المؤمنين ، المطهرات من كل سوء .
وأفر بكرامات الأولياء ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئاً ، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار ، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن ، وأخاف على المسيء .
ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنبه ، ولا أخرجه من دائرة الإسلام .
وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام ، براً كان أو فاجراً ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة .
والجهاد ماض ، منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال ،لا يبطله جور جائز ، ولا عدل عادل .
وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين ، برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله .
ومن ولي الخلافة ، واجتمع عليه الناس ، ورضوا به ، أو غلبهم بسيفه ، حتى صار خليفة ، وجبت طاعته ، وحرم الخروج عليه .

وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم ، حتى يتوبوا ، وأحكم عليهم بالظاهر ، وأكل سرائرهم إلى الله .
وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة .
وأعتقد أن الإيمان ، قول باللسان ، وعمل بالأركان ، واعتقاد بالجنان ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
وأرى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، على ما توجبه الالشريعة الاسلامية المحمدية الطاهرة .
فهذه عقيدة وجيزة ، حررتها وأنا مشتغل البال ، لتطلعوا على ما عندي ، والله على ما نقول وكيل .


(( ومن رسالته إلى السويدي من علماء العراق ، جواباً لما سأله عما يقول الناس فيه )) .


قال بعد البسملة :


من محمد بن عبد الوهاب إلى الأخ في الله عبد الرحمن بن عبد الله .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أما بعد ، فقد وصل إلى كتاب كاملك وسر الخاطر ، جعلك الله من أئمة المتقين ، ومن الدعاة إلى دين سيد المرسلين ، وأُخبرك أني – ولله الحمد – متبع لست مبتدعاً .
عقيدتي وديني ،الذي أدين الله به:هو مذهب أهل السنة والجماعة،الذي عليه أئمة المسلمين،مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة.
ولكني بينت للناس إخلاص الدين لله ، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم ، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به ، من الذبح ، والنذر ، والتوكل ، والسجود ، وغير ذلك ، مما هو حق الله ، الذي لا يشركه فيه أحد لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل . وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم ، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة .
وبينت لهم أن أول من أدخل الشرك في هذه الأمة ، هم الرافضة الذين يدعون علياً وغيره ، ويطلبون منهم قضاء الحاجات ، وتفرج الكربات .
وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة . فأنكر هذا بعض الرؤساء ، لكونه خالف عادات نشأوا عليها ، وألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وغير ذلك من فرائض الله ، ونهيتهم عن الربا ، وشرب المسكر ، وأنواع المسكرات .
فلم يمكن الرؤساء ، القدح في هذا وعيبه ، لكونه مستحسناً عند العوام ، فجعلوا قدحهم وعداوتهم ، فيما أمرت به من التوحيد ، ونهيت عن الشرك ولبسوا على العوام ، أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس ، ونسبوا إلينا أنواع المفتريات ، فكبرت الفتنة ، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله .
فمنها إشاعة البهتان كما ذكرتم أني أكفر جميع الناس ، إلا من اتبعني،وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة .
فيا عجباً ، كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟وهل يقول هذا مسلم ؟! إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا عن مختل العقل.
والحاصل أن ما ذكر عني – غير دعوة الناس إلى التوحيد ، والنهي عن الشرك – فكله من البهتان .. ا هـ باختصار .






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©