لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم
لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم
ولكن من هم الموتى ؟
إنهم المحبون للدنيا الراغبون فيها
إننا لا نذهب إلى ذم الدنيا، فهي مزرعة الآخرة، ولكن ماذا حين تتحول هي إلى الغاية، وتصير هي المسيطرة على الإنسان، حينها تكون قد تحولت إلى غاية تغيّب الغاية، وتمتلك الوسيلة القلب، فيموت بسببها .. تلك هي الحكاية وهذا هو الفاصل في الأمر ..

يكشف لنا القرآن العظيم حقيقة الدنيا، إذا انشغل بها أهلها عن غاية خُلقوا لها، وبدلاً من أن يسلكوا طريق عَمارها ليحصلوا بذلك على رضا الله، انشغلوا بشهواتهم فيها عن طاعة الله فصارت كما وُصفت {وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ} آل عمران 185، {وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} 32 الأنعام، ويأتي القرآن بالمقارنة ليحدث التذكير، واليقظة إلى الحقيقة التي يغفل عنها الراغبون في متاع الدنيا {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} 60القصص، {وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 64العنكبوت، أي لهي الحقيقة، ولقد كثر في القرآن ذم الدنيا وأحوالها وأهلها على هذا المفهوم، ولكن لم يغفل القرآن عن ذكر حال أهل الإيمان في الدنيا {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} 184آل عمران، ولنتدبر أنهم مع صلاحهم فليس لهم في الدنيا إلا ثوابها، أما الآخرة لهم فيها حسن ثوابها، وهذا لتفضيل حقيقة ثواب الآخرة على الدنيا، وأهل الإيمان يطمعون دائماً في الخير في الدارين {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} الأعراف156، {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 201 آل عمران.
ولكن حب الدنيا يؤدي إلى الانغماس في ملذاتها، وهؤلاء يصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشرب قلبه حب الدنيا التاط منها بثلاث شقاء لا ينفد عناؤه وحرصًا لا يبلغ غناه وأمل لا يبلغ منتهاه فالدنيا طالبة ومطلوبة فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة حتى يأتيه الموت فيأخذها ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفى منها رزقه (الطبرانى ، وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود)
فالدنيا طالبة ومطلوبة، ((فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة حتى يدركه الموت فيأخذه، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه))، قال المنذري: رواه الطبراني بإسناد حسن.
وعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى)) قال المنذري: رواه أحمد ورجاله ثقات.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ ولكن أخشى عليكم التعمد)) قال المنذري: رواه أحمد ورواته محتج بهم.
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: ((جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله فقال: إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهر ة الدنيا وزينتها)) قال المنذري: رواه البخاري.
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان ضاريان فى حظيرة وثيقة يأكلان ويفترسان بأسرع فيها من حب الشرف وحب المال في دين المسلم (ابن عساكر عن ابن عمر) أخرجه ابن عساكر (48/460) .
لذلك من أراد النجاة من حب الدنيا، والذهاب في نزواتها فعليه بأمور منها:
- صحح عملك بالإخلاص، وصحح إخلاصك بالتبري في الحول والقوة.
- أجمل ذكرك، وأطب مطعمك.
- لا يجد حلاوة الآخرة من أحب أن يعرفه الناس
- قال بشر – رحمه الله – "وما أعرف رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح"
قال الحارث المحاسبي: "ولا تظهرن إلى أحد شكوى، ولا تأكل بدينك الدنيا، وخذ بحظك من العزلة، ولا تأخذه إلا حلالاً، وجانب الإسراف، واقنع في الدنيا بالكفاف".
يقول العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عن القاضي عياض عند ترجمة البهلول بن راشد القبرواني المالكي. قال بعضهم: دفع بهلول إلى بعض أصحابه دينارين ليشتري له بهما زيتاً يستعذبه له، فذكر للرجل أن عند نصراني زيتاً أعذب ما يوجد، فانطلق الرجل بالدينارين، فأخبر النصراني أنه يريد زيتاً عزماً للبهلول: فقال النصراني: نحن نتقرب إلى الله بالبهلول كما تتقربون أنت به إليه، وأعطاه بالدينارين من ذلك الزيت ما يعطي بأربعة دنانير من دنَّي الزيت، ثم أقبل إلى البهلول فأخبره الخبر، فقال له البهلول: قضيت حاجة فاقض لي أخرى، رد عليَّ الدينارين، فقال: ولم؟ قال: ذكرت قول الله تعالى {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} المجادلة، فخشيت أن آكل من زيت النصراني، فأجد له في قبري مودة، فأكون ممن حاد الله ورسوله على عرض من الدنيا يسير.
فالجلوس إلى محبي الدنيا بسبب ذلك يجعلك تتأثر بهم، وقد قيل: المرء على دين خليله، فاحذر، وعليك بحسن اختيار أصحابك.

بقلم فضيلة الشيخ :- عبد الخالق حسن الشريف

منقول





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©