بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى .

ثم اما بعد
الرد الغالب على استدلال الاشاعرة بالاكثر والغالب:

من الشبه التي يكثر الاشاعرة الاستدلال بها ، بعد افلاسهم من الادلة النقلية و " العقلية " في مواجهة أهل السنة :

شبهة ؛ ان " الغالبية العظمى " من هذه الامة المحمدية يعتقدون بعقيدة الاشاعرة ، ولم يشذ عن ذلك إلا فئات قليلة خرقت " الإجماع " وشذت ! لذا فان عقيدة الاشاعرة هي العقيدة الصحيحة التي رضيتها الامة لنفسها ، واطبقت عليها جماهيرها - عالمها وعاميها ! -

وهذا تراهم يرددونه في كل مرة تصول فيها عليهم جيوش السنة ، وهي دعوى صلعاء ! سنحاول في هذا المقال ، تحطيمها وتكسيرها على رؤوسهم ، بعون الله :

والرد عليها من وجهين :

الوجه الأول : من المعلوم ان عقيدة الاشاعرة عقيدة فلسفية ، بعيدة عن الفطرة ، وعن روح الإسلام الحنيف ، صعبة الفهم ، متناقضة ، فأنى للعامي ان يعرفها ويفهما ويعتقدها !

ولنأخذ مثالين على ذلك ، فبالمثال يتضح المقال :

المثال الأول : عقيدتهم في علو الرب جل جلاله :


قال الذهبي رحمه الله : ( مقال متأخري المتكلمين ؛ ان الله تعالى ليس في السماء ، ولا على العرش ، ولا على السموات ، ولا على الأرض ، ولا داخل العالم ، ولا خارج العالم ، ولا هو بائن عن خلقه ، ولا متصل بهم . . . ليس في الأمكنة ، ولا خارجا منها ، ولا فوق عرشه ، ولا هو متصل بالخلق ، ولا بمنفصل عنهم ، ولا ذاته المقدسة متحيزة ، ولا بائنة من مخلوقاته ، ولا في الجهات ، ولا خارجا عن الجهات ، ولا ، ولا ! ) [مختصر العلو ص 146 و 287] .

ثم قال رحمه الله : ( فهذا شيء لا يعقل ان يفهم ، مع ما فيه من مخالفة للآيات والاخبار ، ففر بدينك ، وإياك وآراء المتكلمين ) ! [مختصر العلو ص 287].

والسؤال هو : كم من العوام في عالمنا الإسلامي اليوم يحسن هذا القول ! بل كم من عوام المسلمين قد سمع به ! وكم من الذين سمعوه فهموا هذه الفلسفة واعتقدوها ؟!

الجواب : بلا شك. . اقل من القليل !

بل ان عوام المسلمين يعتقدون ان الله في السماء - كما يعتقد اهل السنة - رغما عن انف الاشعري محرف الحقائق !

قال ابن عبد البر رحمه الله : ( ومن الحجة ايضا في انه عز وجل على العرش فوق السموات السبع ؛ ان الموحدين اجمعين – العرب والعجم – إذا كربهم امر ونزلت بهم شدة ، رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى ، وهذا اشعر واعرف عند الخاصة والعامة من ان يحتاج فيه إلى اكثر من حكايته ، لانه اضطرار لم يؤنبهم عليه احد ولا انكره عليهم مسلم ) [التمهيد 7/ 138].

ولو ادعى هذا الادعاء جهمي ، يقول ان ربه في كل مكان ، لكان اوفر حظا من الاشعري ، فكثير من عوام المسلمين إذا سألتهم " اين الله " قالوا : في كل مكان ! ، لكنك لا تجد فيهم من يقول " لا داخل العالم ولا خارجه . . . الخ من الضلال " !

المثال الثاني : عقيدة الاشاعر في القرآن :

قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ( وعندهم - أي عند الاشاعرة - أن هذه السور والآيات ليست بقرآن ، وإنما عبارة عنه وحكاية ، وأنها مخلوقة ، وأن القرآن معنى في نفس الباري ، وهو شيء واحد لا يتجزأ ولا يتبعَّض ولا يتعاد ، ولا هو شيء ينزل ولا يتلى ولا يسمع ولا يكتب ، وأنه ليس في المصاحف إلا الورق والمداد ، واختلفوا في هذه السور التي هي القرآن ، فزعم بعضهم أنها عبارةُ حبريل عليه السلام ، هو الذي ألفها بإلهام الله تعالى له ذلك ، وزعم آخرون منهم أن الله تعالى خلقها في اللوح المحفوظ ، فأخذها جبريل منه. . . ) [مناظرة في القرآن ص 31 - 33]

ونسأل مرة أخرى : كم من عوام المسلمين يعتقد ان القرآن " عبارة عن كلام الله " وليس كلام الله ؟! وكم منهم يعتقد ان القرآن هو قول جبريل لا قول الله سبحانه ؟!

لا اظن ان عامي يسمع بهذا إلا وكفر قائله !

ناهيك عن عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته - التي لو سمعها العامة لاستحلوا دمهم ! - ، وعقيدتهم في القدر - التي هم انفسهم عجزوا عن فهمها وشرح مفصلها -

اذن ادعاء الاشاعرة ؛ ان غالبية الامة على دينهم افتراء وكذب ، كما وضحنا بما لا يدع مجالا للشك ! لا يقوله إلا مكابر يحاول ان يغطي ضوء الشمس بغربال !

الوجه الثاني : اننا لو سلمنا - جدلا - ان عامة الامة - اي غالبية الامة - على دين الاشاعرة ، فليس في هذا دليل على صحة عقيدتهم !

لان الله عز وجل اخبرنا في مواضع عديدة من كتاب كاملة ان اهل الحق قلة ، وان اهل الباطل كثرة .

قال سبحانه : { وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله } ، وقال سبحانه : { وكثير منهم فاسقون } ، وقال سبحانه : { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } ، وقال سبحانه : { ومـا أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنيـن } .

وقال صلى الله عليه وسلم : (( ‏بدأ الإسلام ‏‏غريبا ‏، ‏وسيعود كما بدأ غريبا ،‏ ‏فطوبى ‏للغرباء )) [1] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( يقول الله [2] ؛ يا آدم. . . أخرج بعث النهار ، فيقول ؛ وما بعث النار ؟! فيقول ؛ من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون ! )) [3] .

وقد نظم ابن القيم هذا المعنى ، فقال [4] :

يا سلعة الرحمن ليس ينالها * في الألف الا واحد لا اثنان

وهذا الذي فهمه ائمة الإسلام من هذه النصوص : ان اهل الحق قلة ، وان اهل الباطل كثرة ، ولا يستدل بقلة اهل الحق على بطلان مذهبهم ، ولا بكثر ة اهل الباطل على صحة مذهبهم .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( ان جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة ، إنما الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك ) [اصول اعتقاد اهل السنة للالكائي ص 160].

وقال ابن حزم رحمه الله : ( وإذا خالف واحد من العلماء جماعة ، فلا عبرة في الكثرة ، لان الله تعالى يقول - وقد ذكر أهل الفضل - { وقليل ما هم } ) [النبذ ص 77].

وقال عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى { وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله } : ( ودلت الآية على انه لا يستدل على الحق بكثرة أهله ، ولا يدل قلة السالكين - لأمر من الأمور - ان يكون غير الحق ، بل الواقع بخلاف ذلك ، فان أهل الحق هم الاقلون عددا ، الاعظمون عند الله قدرا واجرا ) [تيسير الكريم المنان 2/463] .

اذن لا مجال لمثل هذا الاستدلال الذي استدل به الاشاعرة ، لا واقــــعــــا ولا شـــــرعــــــا !!

وفي الختام : نسأل الله ان يرفع راية السنة والتوحيد وان يخسف بالاشاعرة وبدينهم ، وان يريح منهم العباد والبلاد ، والشجر والدواب [5] .

والحمد لله
وصلى الله على رسوله وسلم

الجمعة 5 / 5 / 1424 هـ
وكتبه : العراقي

-----------------------------------------
[1] رواه مسلم .
[2] يوم القيامة .
[3] متفق عليه .
[4] في الكافية الشافية .
[5] يقول صلى الله عليه وسلم : ( والعبد الفاجر ؛ يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ) ، يعني إذا مات .

منقول






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©