تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية


من الانتساب إلى الأشاعرة والصوفية

فقد كنَّا في السنوات الأخيرة نسمع كلامًا يثير العجب من بعض المتطاولين، يتجنَّوْنَ به على الشيخ المرَبِّي الإمام عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- بالطعن والتبديع والإقصاء قصْدَ إخراجه من دائرة أهل السنَّة والجماعة والعقيدة السلفية، فها نحن اليوم نسمع ما هو أعجب من ذلك حيث يزعم بعضهم في مقالٍ نُشر في بعض المنتديات أنَّ الشيخ -رحمه الله- وإخوانَه أعضاء الجمعية كانوا على عقيدةٍ أشعريةٍ وأصولٍ صوفيةٍ.

وايمن اللهِ من يقرأ كلام علماء الجمعية أو شيئًا منه فقط مما يتعلَّق بمنهجهم وعقيدتهم من كتبهم ومقالاتهم -رحمهم الله- مباشرةً أو بواسطة ما كتبه بعض الباحثين ليعلمنَّ عِلْمَ اليقين زيف دعوى صاحب المقال وصدْقَ شعر أبي نوَّاسٍ عليه إذ قال:
قُلْ لِمَنْ يَدَّعِي سُلَيْمى سَفَاهًا * لَسْتَ مِنْهَا وَلاَ قُلاَمَةَ ظُفْرِ


إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ سُلَيْمَى كَوَاوٍ * أُلْحِقَتْ فِي الهِجَاءِ ظُلْمًا بِعَمْرِو
وقال:


الحَمْدُ للهِ هَذَا أَعْجَبُ العَجَبِ * الهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ صَارَ فِي العَرَبِ


إِذَا نَسَبْتَ عَدِيًّا فِي بَنِي ثُعَلٍ * فَقَدِّمِ الدَّالَ قَبْلَ العَيْنِ فِي النَّسَبِ



وهي عند السلفية المعاصرة من مذاهب أهل البدع والمُعطِّلة»، فبكلامه هذا يجلو لنا غرضه المشار إليه آنفًا ويتَّضحُ، كما قال الشاعر أبو الفتح كشاجم:



هذا هو نصُّ المقال كاملاً، وقد حاول فيه صاحبه توضيح المنهج العقدي لعلماء الجمعية من تراثها -بزعمه- والناظر فيه يجد بعد تحليله وتمحيصه أنه يدور على مسألتين اثنتين:
الأولى: تتعلَّق بالأشعرية وأنَّ عقيدة الشيخ ابن باديس -رحمه الله- كانت موافِقةً لعقيدة الأشاعرة، ولم يكن الشيخ ضدَّها، وهكذا الجمعية، بل كانت تدرِّس التوحيد على أصول هذه العقيدة.
الثانية: تتعلَّق بالتصوُّف وأنَّ الشيخ ابن باديس -رحمه الله- لم يحاربْه، بل كان يدرِّسه للأجيال.
وقد أشار صاحبنا في أوَّل مقاله إلى هاتين المسألتين في إشكاليةٍ طرحها وهو يريد حلَّها، حيث قال: «كثُر الحديث مؤخَّرًا حول منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين في العقيدة على وجه الخصوص، ومثله معه موقف رموز الجمعية من بعض القضايا التي كثُر فيها الجدال بين المؤيِّدين والمُثبتين لها من تراث الجمعية -من ناحيةٍ-، وبين المُعارضين لها والمستبعدين لأنْ تكون هذه الأمور مذهبًا للجمعية -من جهةٍ أخرى-، فهل كان ابن باديس: ضدَّ الأشاعرة!؛ حارب التصوُّف حلوه ومرَّه!].
ثم قام وحشد لتعزيز دعواه جملةً من الشبه تتلخَّص فيما يلي:
الأولى: أنَّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تقرِّر تدريس التوحيد وفق أصول الأشاعرة.
الثانية: أنَّ الشيخ حمَّاني الذي هو من تلاميذ ابن باديس -رحمه الله- ومرآة جمعية علماء المسلمين يُقرِّر في كلامٍ له أنَّ : أ- السلف قبلوا التأويل، ب- وقبلوا التفويض، ﺟ- الأشاعرة من أهل السنَّة والجماعة.
الثالثة: تلامذة الجمعية إلى اليوم يُدرِّسون طلبتهم العقيدة الأشعرية التي تلقَّوْها من شيوخهم كالفاضل آيت علجت.
الرابعة: ابن باديس أوَّل من طبع وحقَّق كتاب كامل «العواصم والقواصم» لابن العربي المالكي الأشعري، وقد أثنى على الكتاب كامل وعلى دحض صاحبه لعقائد الباطنية والعقائد الظاهرية، كالذين يحملون حديث النزول على ظاهره.
الخامسة: أنَّ الشيخ ابن باديس يتأوَّل في الأخبار الإضافية، ثم مثَّل بحديث أبي واقدٍ الليثي رضي الله عنه.
هذا مجمل ما جاء في المقال، ولقد سلكنا في الردِّ عليه مسلكين:
الأوَّل إجمالي: وتناولْنا فيه المسألتين اللَّتين عليهما بُني المقال، وهما: نسبة علماء الجمعية إلى الأشعرية والصوفية، وذلك بنقل ما هو صريح في نقضه من كلام علماء الجمعية مبتدئين بما يتعلَّق بالأشعرية، ومثنِّين بما يتعلَّق بالصوفية.
الثاني تفصيلي: وتناولْنا فيه الجواب عن الشبه التي أوردها واحدةً واحدةً.
وختمْنا البحث ببيان منهج أهل الأهواء في إرادة النيل من أهل السنَّة بتعييرهم ونبزهم بألقابٍ مشينةٍ.

أوَّلاً الرد الإجمالي:
للجواب عن المسألتين المذكورتين آنفًا نترك القارئ مع علماء الجمعية ورئيسها -رحمهم الله أجمعين- ليُفصحوا بأنفسهم عن أصل عقيدتهم وتوجُّههم، وحقيقة انتسابهم وانتمائهم، ويجيبوا عن هذه الإشكالية التي طرحها صاحب المقال.
وَيَأْبَى الَّذِي فِي القَلْبِ إِلاَّ تَبَيُّنًا * وَكُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَنْضَحُ



(أ) المسألة الأولى: ما يتعلَّق بالأشعرية:
أمَّا ما يتعلَّق بالأشعرية، فدونك هذه النقول الصريحة في توضيح العقيدة السلفية: عقيدةِ أهل السنَّة ودعوتِهم، وانتسابِهم إليها وتبرُّئِهم من الأشعرية والطُّرُق الكلامية:
- جاء في أصول جمعية العلماء: «الأصل الخامس: سلوك السلف الصالح: "الصحابة والتابعين وأتباع التّابعين" تطبيقٌ صحيحٌ لهدي الإسلام، والأصل السادس: فهومُ السلف الصالح أصدقُ الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب كامل والسنَّة...»(٦).
ومنها أيضًا: «الأصل السابعَ عشرَ: ندعو إلى ما دعا إليه الإسلام وما بيَّنَّاه من الأحكام بالكتاب كامل والسنَّة وهدي السلف الصالح من الأئمَّة، مع الرحمة والإحسان دون عداوةٍ أو عدوانٍ... »(٧).
- وجاء في تقرير الجمعية لرسالة الشيخ مبارك الميلي المسمَّاة «الشرك ومظاهره» بقلم الكاتب العامِّ للجمعية الشيخ العربي التبسي -رحمه الله-: «فإنَّ الدعوة الإصلاحية التي يقوم بها دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي، وتقوم بها جمعية العلماء في القطر الجزائري خاصَّةً تتلخَّص في دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتاب كامل ربِّهم وسنَّة نبيِّهم، والسير على منهاج سلفهم الصالح في أخلاقهم وعباداتهم القولية والاعتقادية والعملية»(٨).


- وقال الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- في بيان طريقة أهل السنَّة والجماعة في أسماء الله وصفات جزائريةه، وأنها قائمةٌ على ركنين هما الإثبات والتنزيه: «عقيدة الإثبات والتنزيه: نُثبت له تعالى ما أثبته لنفسه على لسان رسوله من ذاته وصفات جزائريةه وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، وننزِّهه في ذلك عن مماثلةِ أو مشابهةِ شيءٍ من مخلوقاته، ونُثبت الاستواء والنزول ونحوهما، ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيفٍ، وبأنَّ ظاهرها المتعارف في حقِّنا غير مرادٍ»، اﻫ(٩).
ونقل تلميذه الأستاذ محمَّد صالح رمضان -رحمه الله- في حاشية تحقيقه للعقائد الإسلامية كلامًا للشيخ -رحمه الله- قاله في الدرس حول هذه الفقرة، فقال الأستاذ -رحمه الله- حاكيًا: «روينا البيتين التاليين عن أستاذنا الإمام وقت الدرس، ولا ندريهما لمن؟ وهما:
فَنَحْنُ مَعْشَرَ فَرِيقِ السُّنَّهْ * السَّالِكِينَ فِي طَرِيقِ الجَنَّهْ

نَقُولُ بِالإِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهْ * مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ وَلاَ تَشْبِيهْ
وزاد عليهما معلِّقًا فقال: «المعطِّلون»: هم الذين ينفون الصفات الإلهية، و«المشبِّهون»: هم الذين يشبِّهونها بصفات المخلوقين، وكلاهما على ضلال، أمَّا «السنِّيُّون»: فهم الذين يُثبتونها له تعالى، وينزِّهونها عن التشبيه بالمخلوقات. و«التعطيل»: تعطيل اللفظ عن دلالة معناه الحقيقي أو الخروج به إلى معنى آخر، و«التشبيه»: تشبيه الله بمخلوقاته، فنحن نُثبت لله ما أثبته الله لنفسه من أقوالٍ أو أفعالٍ أو صفاتٍ، ولا نشبِّهه في شيءٍ من ذلك بالمخلوقات، ولا غرابةَ في إثبات شيءٍ مع عدم تكييفه، فالإنسان يُثبت أنَّ بين جَنْبَيْهِ نفسًا، لكن لا يستطيع تكييفها، كذلك نُثبت صفاتِ الله بلا كيفٍ».

وقال الشيخ -رحمه الله تعالى- مُشيدًا بكتاب كامل الله وأنه المعتمَد في إثبات المعتقد، ومحذِّرًا من الإعراض عنه وهجره والذهاب مع أدلَّة المتكلِّمين: «أدلَّة العقائد مبسوطةٌ كلُّها في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير، ... فحقٌّ على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامَّة لعقائدها الدينية، وأدلَّة تلك العقائد من القرآن العظيم، إذ يجب على كلِّ مكلَّفٍ أن يكون في كلِّ عقيدةٍ من عقائده الدينية على علمٍ، ولن يجد العامِّيُّ الأدلَّة لعقائده سهلةً قريبةً إلاَّ في كتاب كامل الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم العقائد للمسلمين إليه، أمَّا الإعراض عن أدلَّة القرآن والذهاب مع أدلَّة المتكلِّمين الصعبة ذات العبارة الاصطلاحيَّة؛ فإنه من الهجر لكتاب كامل الله، وتصعيب طريق العلم إلى عباده وهم في أشدِّ الحاجة إليه، وقد كان من نتيجة هذا ما نراه اليوم في عامَّة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه»(١٠).
وقال -رحمه الله-: «ونحن -معشر المسلمين- قد كان منَّا للقرآن العظيم هجرٌ كثيرٌ في الزمان الطويل، وإن كنَّا به مؤمنين. بسط القرآن عقائد الإيمان كلَّها بأدلَّتها العقلية القريبة القاطعة، فهجرناها وقلنا تلك أدلَّةٌ سمعيةٌ لا تحصِّل اليقينَ، وأخذْنا في الطرائق الكلامية المعقَّدة وإشكالاتها المتعدِّدة واصطلاحاتها المُحدَثة، ممَّا يصعِّب أمره على الطلبة فضلاً عن العامَّة»(١١).


وقال -رحمه الله-: «قلوبنا معرَّضةٌ لخطرات الوساوس بل للأوهام والشكوك، فالذي يُثبِّتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قومٌ مع تشكيكات الفلاسفة وفروض رسميةهم ومماحكات المتكلِّمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلا شكًّا وما ازدادت قلوبهم إلا مرضًا، حتَّى رجع كثيرٌ منهمفي أواخر أيَّامهم إلى عقائد القرآن وأدلَّة القرآن، فشُفُوا بعد ما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي»(١٢).
وقال -رحمه الله تعالى-: «اعلموا جعلكم الله من وعاة العلم، ورزقكم حلاوة الإدراك والفهم، وجمَّلكم بعزَّة الاتِّباع، وجنَّبكم ذلَّة الابتداع، أنَّ الواجب على كلِّ مسلمٍ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ أن يعتقدَ عقدًا يتشرَّبه قلبُه وتسكن له نفسُه وينشرح مفصل له صدرُه، ويلهج به لسانُه، وتنبني عليه أعمالُه، أنَّ دينَ الله تعالى من عقائد الإيمان وقواعد الإسلام وطرائق الإحسان إنما هو في القرآن والسنَّة الثابتة الصحيحة وعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وأنَّ كلَّ ما خرج عن هذه الأصول ولم يَحْظَ لديها بالقبول -قولاً كان أو عملاً أو عقدًا أو احتمالاً- فإنه باطلٌ من أصله مردودٌ على صاحبه، كائنًا مَن كان في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فاحفظوها واعملوا بها تهتدوا وترشدوا إن شاء الله تعالى»(١٣).
وقال -رحمه الله-: «القرآن هو كتاب كامل الإسلام، السنَّة القولية والفعلية -الصحيحة- تفسيرٌ وبيانٌ للقرآن، سلوك السلف الصالح -الصحابة والتابعين وأتباع التابعين- تطبيقٌ صحيحٌ لهدي الإسلام، فُهُومُ أئمَّة السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب كامل والسنَّة»، اﻫ(
١٤)
.


ويقول -رحمه الله- في مقام الثناء على الشيخ الطيِّب العقبي -رحمه الله-: «حيَّاك الله وأيَّدك يا سيف السنَّة وعَلَم الموحِّدين، وجزاك الله أحسن الجزاء عن نفسك وعن دينك وعن إخوانك السلفيِّين المصلحين»(١٥).

وقال الشيخ -رحمه الله-: «هذا هو التعليم الديني السنِّي السلفي، فأين منه تعليمنا نحن اليوم وقبل اليوم؟ بل منذ قرونٍ وقرونٍ؟ فقد حصلْنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة ونحن لم ندرس آيةً واحدةً من كتاب كامل الله ولم يكن عندنا أيُّ شوقٍ أو أدنى رغبةٍ في ذلك، ومِن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يومًا منزلةَ القرآن من تعلُّم الدين والتفقُّه فيه، ولا منزلة السنَّة النبوية من ذلك. هذا في جامع الزيتونة، فدَعْ عنك الحديثَ عن غيره ممَّا هو دونه بعديدِ مراحلَ. فالعلماء إلاَّ قليلٌ منهم أجانبُ أو كالأجانب من الكتاب كامل والسنَّة من العلم فهمًا والتفقُّه فيهما...»(١٦).


وقال -رحمه الله-: «لقد شعر المسلمون عمومًا بالبلايا والمحن التي لحقتْهم، وفي أوَّلها سيف الجَوْر المنصبّ على رؤوسهم، وأدرك المصلحون منهم أنَّ سبب ذلك هو مخالفتُهم عن أمر نبيِّهم -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم- فأخذتْ صيحاتُ الإصلاح ترتفع في جوانب العالَم الإسلامي في جميع جهات المعمورة تدعو الناس إلى معالجة أدوائهم بقطع سببها واجتثاث أصلها، وما ذلك إلاَّ بالرجوع إلى ما كان عليه محمَّدٌ عليه الصلاة والسلام وما مضت عليه القرون الثلاثة المشهود لها منه بالخير في الإسلام، قد حفظ الله علينا ذلك بما إن تمسَّكْنا به لن نضِلَّ أبدًا -كما في الحديث الصحيح- الكتاب كامل والسنَّة، وذلك هو الإسلام الصحيح الذي أنقذ الله به العالَم أوَّلاً، ولا نجاةَ للعالَم ممَّا هو فيه اليوم إلاَّ إذا أنقذه الله به ثانيًا»(١٧).


- وقال الشيخ البشير الإبراهيمي -رحمه الله- في تقديمه لكتاب كامل «العقائد الإسلامية» للشيخ ابن باديس متحدِّثًا عن العقيدة التي نشأ وشبَّ عليها صاحبه ورفيقه: «والإمام رضي الله عنه كان منذ طلبه للعلم بتونس قبل ذلك -وهو في مقتبل الشباب- ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشائخه من تربية تلامذتهم على طريقة المتكلِّمين في العقائد الإسلامية، ويتمنَّى يوم يُخرجهم على الطريقة القرآنيَّة السلفيَّة في العقائد يوم يصبح معلِّمًا، وقد بلَّغه الله أمنيَّته، فأخرج للأمَّة الجزائريَّة أجيالاً على هذه الطريقة السلفية، قاموا بحمل الأمانة من بعده، ووراءهم أجيالٌ أخرى من العوامِّ الذين سعدوا بحضور دروس مفصلةه ومجالسه العلمية»(١٨).
وقال -رحمه الله-: «وهذه دروس مفصلةٌ من دروس مفصلةه، ينشرها اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب كامل والسنَّة الأستاذ محمَّد الصالح رمضان أحد طلاَّبه، فجاءت عقيدةً مُثلى يتعلَّمها الطالب، فيأتي منه مسلمٌ سلفيٌّ موحِّدٌ لربِّه بدلائل القرآن، كأحسنِ ما يكون المسلم السلفي، ويستدلُّ على ما يعتقد في ربِّه بآيةٍ من كلام ربِّه»(١٩).

وقال -رحمه الله- أيضا: «وهذا درسٌ من دروس مفصلةه ينشرها اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب كامل والسنَّة تلميذُه الصالح كاسمه: محمَّد الصالح رمضان، فجاءت عقيدةً مُثلى يتعلَّمها الطالب، فيأتي منه مسلمٌ سلفيٌّ موحِّدٌ لربِّه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدلُّ على ما يعتقد في ربِّه بآيةٍ من كلام ربِّه، لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى: أمَّا برهان وجوده تعالى فحدوث العالَم(٢٠).

وفي المقدِّمة ذاتها بعد أن تكلَّم الشيخ -رحمه الله- عن حال علماء السلف في رجوعهم إلى القرآن وتحاكُمهم إليه في كلِّ شؤونهم، تحدَّث عن السبب الذي جعل الخلف يقلُّ فيهم ما كان في أسلافهم، فقال -رحمه الله-: «فلمَّا تفرَّقتِ المذاهب الفقهيَّة ونشأ علم الكلام، وتفرَّقت مَنازِعُه بين الأشاعرة والمعتزلة، وطما علمُ الجدل، وتفرَّق المسلمون شِيَعًا حتَّى أصبح كلُّ رأيٍ في علم الكلام أو الفقه يتحزَّب له جماعةٌ، فيُصبح مذهبًا فقهيًّا أو كلاميًّا يلتفُّ حوله جماعةٌ ويجادلون، فضَعُفَ سلطانُ القرآن على النفوس، وأصبح العلماءُ لا يلتزمون في الاستدلال بآياته، ولا يتنازعون الأحكام منها إلاَّ قليلاً، فعلماءُ الكلام صاروا يستدلُّون بالعقل، والفقهاء أصبحوا يستدلُّون بكلام أئمَّتهم أو قدماء أتباعهم! ومن هنا نشأ علم الكلام وعلم الفقه، وعلى هذه الطريقة أُلِّفَتِ المؤلَّفات التي لا تُحصى في العلمين، وانتشرت في الأمَّة وطارت كلَّ مَطارٍ»(٢١).


وقال -رحمه الله- وهو يصوِّر لنا كيف كان التدريس في العقيدة، وأنَّ الناس لا يزالون في المغرب مقلِّدين لطريقة الأشعري إلى أنْ جاء الشيخ ابن باديس -رحمه الله- فأحيا طريقة السلف: «وأمَّا مغربنا هذا مع الأندلس، فلم يتَّسع فيه علم الكلام إلى هذا الحدِّ، وإن كانوا يدرسونه على هذه الطريقة ويقلِّدونه، ويدينون باتِّباع رأي الأشعري، ولم يؤلِّفوا فيه كتاب كاملًا ذا بالٍ إلاَّ الإمام محمَّد بن يوسف السنوسي التلمساني، فإنه ألَّف فيه على طريقة المشارقة عدَّة كتبٍ شاعتْ وانتشرتْ في الشرق والغرب، وقُرِّرَتْ في أكبر المعاهد الإسلامية كالأزهر، حتَّى جاءتْ دروس مفصلة الإمام ابن باديس، فأحيا بها طريق السلف في دروس مفصلةه، ومنها هذه الدروس مفصلة، وأكملتْها جمعية العلماء، فمن مبادئها التي عملتْ لها بالفعل لزومُ الرجوع إلى القرآن في كلِّ شيءٍ، لا سيَّما ما يتعلَّق بتوحيد الله، فإنَّ الطريقة المثلى هي الاستدلال على وجود الله وصفات جزائريةه وما يرجع إلى الغيبيَّات لا يكون إلاَّ بالقرآن، لأنَّ المؤمن إذا استند في توحيد الله وإثبات ما ثبت له، ونفي ما انتفى عنه، لا يكون إلاَّ بآيةٍ قرآنيّةٍ مُحكمةٍ، فالمؤمن إذا سوَّلتْ له نفسُه المخالفة في شأنٍ من أمور الآخرة، أو من صفات الله، فإنها لا تُسوِّل له مخالفة القرآن»(٢٢).
وقال -رحمه الله- في حفل ختمِ الشيخ عبد الحميد بن باديس لتفسير القرآن الكريم: «هذا هو اليوم الذي يختم فيه إمامٌ سلفيٌّ تفسيرَ كتاب كامل الله تفسيرًا سلفيًّا ليرجع المسلمون إلى فهمه فهمًا سلفيًّا»(٢٣).


وقال -رحمه الله- في مقالٍ آخرَ: «وأراد الله فحقَّق للأستاذ أمنيَّته مِن ختمِ التفسير، وللأمَّة رجاءَها في تسجيل هذه المفخرة للجزائر، ولأنصار السلفيةغرضَهم من تثبيت أركانهم بمدارسة كتاب كامل الله كاملاً»(
٢٤)
.



وقال -رحمه الله- عن الشيخ محمَّد نصيف -رحمه الله-: «أيُّها الإخوان إذا لم يُنصفِ الحجازُ شيخَه ومخلِّدَ مجده ورافعَ رايته أستاذَنا الشيخَ نصيفًا؛ فإنَّ العالَمَ الإسلاميَّ كلَّه يُنصفه، فكلُّنا ألسنةٌ شاهدةٌ بأنه مجموعةُ فضائلَ نَعدُّ منها ولا نعدِّدها، وأنه مجمعٌ يلتقي عنده علماءُ الإسلام وقادتُه وزعماؤُه فيَرِدُون ظِماءً ويصدرون رِواءً، وإنَّني أقولها بصيحةٍ صريحةٍ، وأؤدِّيها شهادةً للحقِّ والمادة التاريخ بأنه محيي السنَّة في الحجاز من يوم كان علماؤه -ومنهم أشياخنا- متهوِّرين في الضلالة، وأنه صنع للسلفيَّة وإحياء آثارها ما تعجز عنه الجمعيَّات بل والحكومات، وأنه أنفق عمره وماله في نصرها ونشرها، في هدوء المخلصين وسكون الحكماء، وسيسجِّل المادة التاريخ العادل آثاره في عقول المسلمين، وسيشكر له اللهُ غزوَه للبدع بجيوش السنن المتمثِّلة في كتبها وعلوم أئمَّتها، وجمعيةُ العلماء نفسُها مَدينةٌ له، فإنَّ الكتب السلفية لم تصلْنا إلاَّ عن يده»(
٢٥)
.



- وقال الشيخ مبارك الميلي -رحمه الله- مبيِّنًا أنَّ العقيدة السلفية هي الأصل في أهل المغرب، وإنما دخلتْهم الأشعرية بسبب ابن تومرت: «وكان أهل المغرب سلفيِّين حتَّى رحل ابن تومرت إلى الشرق وعزم على إحداث انقلابٍ بالمغرب سياسيٍّ علميٍّ دينيٍّ، فأخذ بطريقة الأشعري ونصرها، وسمَّى المرابطين السلفيِّين مجسِّمين، ثمَّ انقلابه على يد عبد المؤمن، فتمَّ انتصار الأشاعرة بالمغرب، واحتجبت السلفية بسقوط دولة صنهاجة، فلم ينصرْها بعدهم إلاَّ أفرادٌ قليلون من أهل العلم في أزمنةٍ مختلفةٍ، ولشيخ قسنطينة في القرن الثاني عشر عبد القادر الراشدي أبياتٌ في الانتصار للسلفيّين طَالِعها:
خَبِّرَا عَنِّيَ المُؤَوِّلَ أَنِّي * كَافِرٌ بِالَّذِي قَضَتْهُ العُقُولُ»(٢٦).
وقال -رحمه الله-: «فنحن بالعقيدة السلفيَّة قائلون، ولِما مات عليه الأشعري موافقون»(٢٧).



- ويُخبر الشيخ أبو يعلى الزواوي -رحمه الله- بكلامٍ واضحٍ جليٍّ لا غبارَ عليه يفهمه العامُّ والخاصُّ، أنه وإخوانَه على العقيدة السلفية، وأنهم متبرِّئون من الأشعرية وغيرها من المذاهب الكلامية فيقول: «أمَّا أنا ومن على شاكلتي من إخواني الكثيرين فلا الشريعة الاسلاميةَ لنا ولا دينَ ولا ديوانَ إلا الكتاب كامل والسنَّة وما عليه محمَّدٌ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأصحابُه وعقيدةُ السلف الصالح، فلا اعتزالَ ولا ماتريديَّ ولا أشعريَّ، وذلك أنَّ الأشاعرة تفرَّقوا واختلفوا، أيِ المتقدِّمون منهم والمتأخِّرون، ووقعوا في ارتباكٍ من التأويل والحيرة في مسائلَ يطول شرح مفصلها»(٢٨).
وقال -رحمه الله تعالى- منتسبًا إلى السلفية ومتبرِّئا من سواها: «فالجواب عنه أنِّي أعلنتُ عن نفسي أنِّي سلفيٌّ، وأعلنتُ أنِّي تبرَّأتُ ممَّا يخالف الكتاب كامل والسنَّة، ورجعتُ عن كلِّ قولةٍ قلتُها لم يقُلْها السلف الصالح»(٢٩).
وقال -رحمه الله- عن الشيخ ابن باديس: «لمَّا كنتُ كثير الكتاب كاملة في جريدة «الشهاب الثاقب»، وعرفتُ بظهر الغيب الأستاذَ الشيخ عبد الحميد بن باديس المشرف على «الشهاب» أنه قطب دائرتنا السلفية»(٣٠).



- قال الشيخ العربي التبسي -رحمه الله-: «أمَّا السلفيُّون الذين نجَّاهم الله مما كِدْتُم لهم فهُم قومٌ ما أَتَوْا بجديدٍ وأحدثوا تحريفًا، ولا زعموا لأنفسهم شيئًا ممَّا زعمه شيخكم، وإنما هم قومٌ أمروا بالمعروف ونَهَوْا عن المنكر في حدود الكتاب كامل والسنَّة، وما نقمتم منهم إلاَّ أن آمنوا بالله وكفروا بكم»(٣١).




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©