فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ

السؤال: ما معنى قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سورة الزمر: آية 42]؟ وقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} [سورة الدخان: الآيات 10-13]؟

الإجابة: أما قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [سورة الزمر: آية 42]، فهذا من عجائب قدرة الله سبحانه وتعالى الدالة على وحدانيته، وعلى أنه المتصرف في ملكه بما يشاء، وأولى الأقوال في تفسير هذه الآية أنه ذكر سبحانه أنه {يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر: آية 43] يعني: عند انقضاء آجالها بأن يتوفاها بالموت، {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [سورة الزمر: آية 43] أي: ويقبض الأنفس التي لم تحن آجالها يقبضها ويتوفاها بالنوم، فذكر سبحانه وتعالى الوفاتين الكبرى وهي الموت، والوفاة الصغرى وهي النوم؛ لأن النوم وفاة كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} الآية [سورة الأنعام: آية 60]، والله ذكر في هذه الآية أنه يتوفى الأنفس بالموت ويتوفاها بالنوم، فالتي انتهت آجالها يتوفاها بالموت والانتقال من هذه الدنيا إلى دار الآخرة، والتي لم تتم آجالها ولها بقية من الحياة في الدنيا يتوفاها بالنوم، ثم يردها إلى أجسادها، ولهذا قال تعالى: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى} [سورة الزمر: آية 43] أي: التي توفيت بالنوم يرسلها إلى أجسادها فيستيقظ الإنسان ويقوم من نومه.
وقد جاء في تفسير الآية ما يوضح هذا، وهو أن الله سبحانه وتعالى يجمع أرواح الموتى وأرواح النائمين وتتلاقى وتتعارف وتختلط، ثم يمسك الله الأرواح التي قضى عليها بالموت في مكانها ويسمح للأخرى - أرواح النائمين - بالذهاب إلى أجسادها فيستيقظ صاحبها.
الثانية: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} [سورة الدخان: آية 10]:
لمَّا ذكر الله سبحانه وتعالى عن الكفار أنهم في شك يلعبون وأنهم لا تجدي فيهم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قال الله متوعدًا لهم: {فَارْتَقِبْ} يعني: فانتظر، {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة الدخان: الآيتين 10، 11] فهذه عقوبة لهؤلاء الكفرة الذين أعرضوا عن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، واستمروا في كفرهم، وقد اختلف المفسرون في هذا، فقيل: إن ذلك ما أصاب كفار قريش من المجاعة لما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه]، فأرسل الله عليهم المجاعة والقحط حتى صار الرجل ينظر إلى السماء فيرى كأن دونها دخان من شدة الجوع والجهد، إلى أن فرَّج الله عنهم، وهذا ما رجحه الإمام الشوكاني في "تفسيره".
وقيل: إن المراد بالدخان هنا هو دخان يكون في آخر الزمان، صح به الحديث أيضًا، وهو من علامات الساعة يملأ الأرض، ويمكث أربعين يومًا وهو من أشراط الساعة، فهو المراد في هذه الآية، وهذا ما رجحه ابن كثير.
والظاهر - والله أعلم - أنه لا تعارض بين القولين أن هذا حصل، وهذا سيحصل، وكلا الدخانين من آيات الله، وكلاهما عقوبة.
المفتي : صالح بن فوزان الفوزان





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©