المجادلة بالحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله،
رضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
هذا المقطع في درس من دروس مفصلة العقيدة لعله يكون نافعا لأعضاء هذا المنتدى المبارك
المجادلة أولا:
هي النصيحة في الدين، أن تنصح لأحد فتبين له وجه الدليل، وتفهمه ما لم يفهمه إذا كنت فقيه
شروطها:
-أن يكون ذلك على مقتضى الكتاب كامل والسنة
-أن يكون ذلك بقصد حَسْن أن تقصد الحق قصد الحق
-أن تتجرد من الهوى ومن الرأي وتتمثل قاعدة الإمام الشافعي -رحمه الله- وهي قاعدة ذهبية عظيمة هي مقتضى الكتاب كامل والسنة يقول: "والله ما جادلت أحدا إلا تمنيت أن يجرى الله الحق على لسانه"
أقسم أنه تمنى أن يجري الله الحق على لسان خصمه لماذا؟ لأنه طالب حق يتمنى أن ينقذه الله من رأي خاطئ أو اجتهاد خاطئ.
هكذا يجب أن تكون المجادلة، تكون بالكتاب كامل والسنة بقصد الحق والتجرد من الهوى والتسليم والإذعان للدليل، إذا قال خصمك: قال الله عز وجل، وفهمت قول الله وعرفت أنه حجة في هذا الباب فتتوقف وتقول آمنا بالله، وإذا قال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاءك الدليل وأنه حجة، تقول: قوله -صلى الله عليه وسلم- في قلبي وبصري وسمعي لا أحيد عنه، تترسم ذلك قبل النقاش قبل المجادلة،
-عدم التعصب أيا كان، ألا تتعصب وألا تنتصر لنفسك، وألا تحرص على هزيمة خصمك
-لا تحرص على التشفي كما يفعل بعض المجادلين، وإذا رأيت من خصمك استعدادا لقبول الحق فشجعه على ذلك، لا تفرح عليه لا تشعره بأنك انتصرت فتنتفخ وتنتفش، فربما يؤدي ذلك إلى رده عن الحق وحجبه عن قبول الحق.

-فليتق الله المجادل وليلتزم أيضا أدب الحوار: يتكلم برفق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) والرفق يشمل: الرفق في العبارة، والرفق في التعامل، والرفق مع الخصم والرفق خلال عرض الحجة، الرفق أيضا بالصيغة والأسلوب، فلا يؤدِ بك الخصام إلى رفع الصوت أو اللجاجة أو التكرار لغير حاجة، وعليك بالحلم والتأدب

-أن يكون رائدك في المجادلة النصيحة، سواء للمسلم أو لغير المسلم، يكون رائدك النصيحة وهداية الآخرين، تكون حريص على الهداية
-ثم تاج ذلك كله أن تكون المجادلة بعلم وفقه، لا تجادل وأنت لا تعلم.
ومن هنا أنبه إلى ظاهرة خطيرة انتشرت خاصة عبر وسائل الإعلام والإنترنت، وهي أن كثيراً من شبابنا تأخذهم الغيرة للدفاع عن الدين إلى أن يجادلوا بغير علم، وأن يخاصموا المخالفين بغير حجة ولا فقه ولا عمق، فأحيانا بل كثيرا ما يقولون على الله بغير حق، وكثيرا ما يوقعون الحق في حرج، يقولون أشياء ليست حق، يظنون أنها حق؛ لأنهم ليس عندهم فقه في الدين يستفزهم الخصم، يقعون في المهاترات، هذا كله؛ لأنهم لم يدخلوا بعلم، ظناً منهم أنه لا بد أن يدافعوا عن الدين غيرة
ونقول لهم:
لا
فمن شرط الدفاع عن الدين أن تكون على علم وبصيرة والله عز وجل نهاك عن أن تتحدث بلا علم والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[الإسراء: 36]، أما أن يهلك بعض الناس أن يقعوا في شبهات وبدع فالله يتولاهم، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ[البقرة: 727]، وثق أن الله عز وجل سيسخر من أهل العلم و الفقه والعمق في العلم من يقوم بالحجة، لكنك يجب أن تصبر وأن تحلم وأن تهيأ نفسك.
ثم أخيراً في هذه القاعدة أقول:
يجب أن يكون المسلم متجرداً، لا عن الحق كما يفهم كثير مع الأسف من الكتاب كامل والباحثين الذين ظنوا أن التجرد تجرد عن الحق، لا، الذي يملك الحق وهو المسلم لا يجوز أن يتجرد على الحق، لكن يتجرد عن الهوى، وهذه مسألة مهمة جدا؛ لأن بعض الناس يظن معنى التجرد ألا يكون له عقيدة ولا رأي، لا هذا خطير قد يوقع في الردة، بل يجب أن تلزم عقيدتك ومسلمات دينك ويكون المحتكم هو الشرع في جميع أمورك فلا تتخلى عن دينك بدعوى التجرد، إنما المقصود بالتجرد التجرد من الهوى بالتزام ثوابت الحق ومسلماته، التجرد من الرأي المسبق، البحث عن الحق من خلال الدليل، ولا تبحث عن الدليل الذي يؤيد ما في نفسك، فتقع في التهلكة
الكثير ممن يجهلون هذه القاعدة تجده في نفسه شيء يميل إليه، عنده رأي يقلد جماعة أو حزب أو شيخ أو عالم يؤسس في نفسه هذا التقليد فيذهب ليستدله، هذا خطأ بل انحراف، بل يجب أن يكون رائدك البحث عن مواطن الحق في ثنايا الدليل، وأن تتجرد تجردا كاملا عن أي فكرة سابقة إلا الثوابت نتكلم الآن عن الاجتهاديات إلا الثوابت الثوابت لا نتجرد منها أما ما عدا ذلك فيجب أن يكون البحث عن الحق من خلال الدليل لا البحث عن الدليل الذي يؤيد الرأي فإن الإنسان يهلك في هذا، الله عز وجل يقول ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[ص: 26]، يضلك حتى ولو بحثت عن الدليل لأن الله عز وجل يقول ﴿فأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ[آل عمران:7 ]، وهو القرآن قد يكون كما هو هدى وعصمة لمن وفقهم الله عز وجل لمن واتبعوا السبيل الرشيد كذلك هو عمل وهلاك لمن أخذه على غير وجهه.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته م.ن.ق.و.ل





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©