بسم الله الرحمان الرحيم


مفهوم الاختلاف الفقهي :
الخلاف لغة المضادة والتغير وهو ضد الوفاق ، والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله.
- الفرق بين الخلاف والاختلاف لغة.
ذهب جمهور العلماء الى عدم التفرقة بين الخلاف والاختلاف وذهب بعض المحققين الى التفريق بينهما وإن كان أصل المادة واحدا وهوخلف وأهم ما يختلفان فيه عند من يقول بذلك هو:
- أن الخلاف يحمل في موضوعه النزاع والشقاق والتباين الحقيقي.
- والاختلاف ما يحمل التغايراللفظي لا الحقيقي.
واصطلاحا يستعمل الاختلاف إما في :
- قول بني علي دليل يخالف غيره.
- أوأن يذهب كل عالم الى خلاف ما ذهب اليه الآخر.
والمشهورعند الفقهاء أن معنى الخلاف والاختلاف في الاصطلاح واحد.
- والاختلاف مضاف الى الفقه لانه مرتبط به .
- أما الفقه فمعلوم انه :
في اللغة هوالفهم واختلف العلماء حوله فذهب فريق الى أنه هومطلق الفهم وذهب المحققون الى أنه هو الفهم الدقيق العميق النافد الى جوهرالأشياء وحقيقتها وفي ذلك يقول تعالى " فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا " ويقول الرسول الكريم عليه السلام " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".
فلما جاء الاسلام غلب اسم الفقه على علم الدين عموما لسيادته وفضله على سائر أنواع العلم كما ذكر صاحب لسان العرب وهو عند أهل الصدر الأول العلم بالدين كله لافرق في ذلك بين المسائل الاعتقادية والمسائل الاخلاقية والفروع العملية والفقيه هو صاحب البصيرة في دينه الذي خلص الى معاني النصوص.
- وفي الاصطلاح هو كما عرفه العلماء :" العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من ادلتها التفصيلية".
- وموضوع الاختلاف الفقهي او الخلاف العالي او اختلاف الفقهاء هو الفقه المقارن بين مذاهب فقهاء الاسلام رحمهم الله والتماس اسباب اختلافهم
- أنواع الاختلاف :
ينقسم الاختلاف الى نوعين هما:
1- الاختلاف المقبول:
ويسمى كذلك الإختلاف المعقول أوالسائغ أو اختلاف التنوع وهوأن يختلف العلماء فيما يقبل الاختلاف من الظنيات أومالا نص فيه من الأمور الفقهية وتتباين آراؤهم استنادا الى الأدلة التي يرونها وتكون أسبابه ودواعيه سائغة تقتضيه ، وهذا النوع هو الذي تتحقق به الرحمة للناس ولهذا النوع من الاختلاف شروط أهمها :
- أن يكون هذا الاختلاف من الفقهاء الأكفاء .
- ان يكون القصد من هذا الاختلاف هو الوصول الى الحق .
- أن يبذل الفقيه في اجتهاده الذي خالف فيه غيره أقصى جهده في الوصول الى الحق .
2- الاختلاف المذموم :
ويسمى كذلك اختلاف التناقض والتضاد وهو الاختلاف الذي لايكون في محله كالذي يحصل في القطعيات والعقائد أوأثناء الحرب ،لأن الإختلاف في هذه المجالات لايجوز وبيان ذلك أن:
1- الأدلة القطعية الثبوت والدلالة ليس الحكم المبني عليها محلا للاختلاف إذ لا يجوز فيها الاجتهاد يقول الفقهاء "ينفذ قضاء القاضي إذا حكم في محل مجتهد فيه ولا ينفذ إذا خالف الكتاب كامل الكريم أو السنة المتواترة والمشهورة أو الإجماع"، أما الأدلة الظنية فيجوز الاختلاف فيها مع بقاء الألفة وأخوة الدين.
2- أصول الدين والعقائد لايجوز الاختلاف فيها على الراجح لارتباطها بالأدلة القطعية عند الجمهور ولأن الاختلاف فيها يؤدي الى وجود مؤمن وكافر يقول الحق جل وعلا " ولوشاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر".
3- الاختلاف اثناء الحروب لايجوز لأن ذلك يؤدي الى الفرقة والهزيمة يقول الحق جل وعلا " ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "
وكذلك يكون الإختلاف مذموما إذا كان نتيجة أمور أهمها :
- قلة العلم .
- الظلم والبغي .
- الظن واتباع الهوى .
- مخالفة النصوص الشرعية ومناهج العلماء المقررة شرعا في الاستنباط .
- شروط الاختلاف المشروع:
تتعلق شروط الاختلاف المقبول بأمرين هما:
- موضع الاختلاف (أو ما يسمى بمحل النزاع).
- المخالــف (أوالقائل بالخلاف).
فالشرط الأول: هو الذي يعبر عنه الأصوليون بالمجتهد فيه أي الموضع الذي يجوز فيه الاجتهاد وهي الظنيات من القضايا الفقهية فكما سبقت الإشارة إلى ذلك انه حيث يوجد الاجتهاد يوجد الخلاف ولا يكون في القطعيات والعقائد أوأثناء الحرب كما سبق معنا.
أما الشرط الثاني: وهو المخالف فشرطه الأهلية ، وهي تشمل العلم والدين والصلاح – المواصفات الذاتية والعلمية-.
أما الأهلية العلمية فتقتضي ممن أراد أن يجتهد أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط:
شروط الاجتهاد:
فصل علماء الأصول في شروط الاجتهاد واختلفوا في بعضها ومن أهم شروط الاجتهاد العلم باللغة مادة اللغة العربية والقرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس ومقاصد الالشريعة الاسلامية وحسن الفهم وصحة التقدير والإطلاع على الواقع .... قال الشاطبي رحمه الله " لا غنى للمجتهد في الالشريعة الاسلامية عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقف فيه إلا بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب".
ويقول رحمه الله " إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين أحدهما فهم مقاصد الالشريعة الاسلامية على كمالها والثاني التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها". فإن لم يكن المجتهد بهذه المرتبة كان كلامه متطاولا على دين الله وشرعه، يضلل فيه ولا يهدي.
- أما الأهلية ديانة وصلاحا: فقد صح عن التابعي الجليل محمد بن سيرين أنه كان يقول "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".
واشتهر عن الإمام مالك رضي الله عنه توقيه فيمن يأخذ عنه الحديث وانتقاؤه للرجال، لأنه كان يروي عنهم للتدين بحديثهم لا للاطلاع والنقد والجرح ، ولذلك كان لا يأخذ إلا عن موثوق بدينه كما شهد له الأئمة بذلك .
- موقف العلماء من الاختلاف:
وقف العلماء من الاختلاف الفقهي موقفين متباينين هما:
المذهب الأول :
وموقف أصحابه مؤيد للاختلاف يعتبره خاصية إيجابية لهذه الالشريعة الاسلامية ورحمة للناس وضرورة لايمكن الاستغناء عنه وهو مصدر قوة للفقه الاسلامي وهذا هو مذهب الجمهور .
- أدلة مشروعية الاختلاف الفقهي عند جمهور الفقهاء:
الأدلة الشرعية القاضية بجواز الاختلاف متعددة منها:
1- القرآن الكريم: ومن الأدلة الواردة في ذلك:
- قوله تعالى " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر" ووجه الاستدلال في الآية على شرعية الخلاف الفقهي أنها أوجبت رد الاختلاف في الفروع إلى الكتاب كامل والسنة وهذا إقرار بجواز وقوعه بين العلماء وجعل الاختلاف في الآية مشروطا برده إلى الكتاب كامل والسنة.
- وقوله تعالى على لسان هارون عليه وعلى نبينا السلام" إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي"
ووجه دلالة الآية على مشروعية الخلاف أنها تحكي اختلاف موسى وهارون عليهما السلام في البت فيما صنعه قومهما،- فموسى ذهب إلى أن صلاح الاعتقاد هو المصلحة أما هارون فقد اجتهد في أن المصلحة تكمن في حفظ النفس والمال وإبعاد الفتنة- واختلاف اجتهادهما عليهما السلام من غير إنكار القرآن لأي واحد منهما.
2- السنة: ومن الأدلة الواردة فيها:
- ما رواه البخاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظه" فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلين العصر حتى نأتيها وقال بعضهم نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فلم يعنف واحدا منهم، وفي ذلك دلالة هامة على أصل من الأصول الشرعية الكبرى وهو تقرير مبدأ الخلاف في مسائل الفروع واعتبار كل من المتخالفين معذورا ومثابا. كما أن فيه تقريرا لمبدأ الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية .
3- اختلاف الصحابة: والمسائل التي اختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم كثيرة ولعل أهم خلاف وقع بينهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:
1- ماحصل بينهم حول الإمامة العظمى حيث اختلف الصحابة من المهاجرين والأنصار حول أحقية أحد الطرفين في تولي الخلافة، فقالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وخطب فيهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال الخباب بن المنذر الأنصاري رضي الله عنه، لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء.
2- مسألة قتال المرتدين ، فحينما سمعت بعض قبائل العرب بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ارتدت عن الإسلام وامتنعت من أداء الزكاة فعزم أبو بكر على قتالهم، إلا أن عمر رضي الله عنه عارضه بقوله: كيف تقتل جماعة تشهد أن لا إله إلا الله، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فذكره أبو بكر رضي الله عنه بآخر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله " إلا بحق الإسلام" ثم قال الصديق مقالته المشهورة والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، فشرح مفصل الله صدر عمر لذلك ووافقه على قتالهم.
4- اختلاف الفقهاء: لو لم يكن الاختلاف مشروعا منذ عهد الصحابة لما تناقله الفقهاء من بعدهم، جيلا بعد جيل، وصولا إلى عهد الأئمة الأعلام وإلى يومنا هذا، وكما أسلفنا أنه حيث يوجد الاجتهاد يقع الاختلاف ولعل هذا المادة التاريخ الحافل يكشف لنا عما بذله الفقهاء من اجتهادات كانت وراء بروز المذهبية الفقهيــة .
ومن أمثلة اختلاف الأئمة الفقهاء في الفروع:
- الاختلاف حول زكاة الحلي المستعمل:
- فالمنصوص في المذهب الحنفي أن عموم الحلي مستعملا أو معطلا ولو مكسرا فيه زكاة.
- أما المالكية فالمعطل عندهم من الحلي فيه الزكاة ولا زكاة في المستعمل.
- وينقل عن الشافعية أن المعطل فيه الزكاة وفي المستعمل قولان.
- وعند احمد المعطل من الحلي فيه الزكاة وفي المستعمل روايتان والعمل على عدم الزكاة.
وكما يقـع الاختلاف بيـن المذاهب الفقهية وهو ما يسمى بالخلاف العالي كذلك يختلف الفقهاء فـي نفـس المذهـب بل يكون الاختلاف في آراء الإمام الواحد كما حصل من الشافعي في القـديـم والجديد وهو ما يسمى بالخلاف داخل المذهب .
5- الكليات والثوابت الشرعية: كما أن اختلاف الفقهاء مشروع بنصوص الالشريعة الاسلامية فهو مشروع بأصولها ومن هذه الأصول:
- أن الحرج مرفوع .
- وأن التيسيـر أساس التكليـف
وقـد دل علـى ذلـك تتبـع النصـوص واستقـراؤهـا كقولـه تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج" وقوله تعالى " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا".
وإذا كان التيسيـر ورفـع الحـرج من أصـول الشريعـة وقواعـدها العامـة، فـإن الاختـلاف في الفروع داخل في ذلك ومشروع بمقتضاه، لأن الشارع لما أجاز للفقهاء أن يجتهدوا فيما هو غير منصوص لم يلزمهم بأن لا يختلفوا لأنه يعلم انهم عرضة للاختـلاف.
6- دليل العقـــل: تقررعند العلماء ان النصوص الشرعية متناهية في مقابل قضايا الناس في الحياة غير متناهية فكان لابد من إعمال الرأي والاجتهاد وهما يفضيان عقلا إلى الاختلاف نظرا لاختلاف طبائع البشر ومداركهم واختلاف طبيعة لغة النصوص الشرعية. قال الإمام الشاطبي " وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها"
المذهب الثاني :
وموقف أصحابه معارض يرى أن الاختلاف مذموم وأنه من فعل الناس ونتجت عنه أضرار كثيرة للمجتمع الاسلامي وأبرزعلماء هذا المذهب ابن حزم الظاهري.
- بعض أدلة عدم جواز الإختلاف الفقهي عند أصحاب هذا المذهب:
استدل الفريق القائل بعدم جواز الاختلاف الفقهي بأدلة تدور معظمها حول النصوص التي تنه عن النزاع والفرقة والاختلاف من أبرزها :
- قوله تعالى " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".
- وقوله جل وعلا " ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات".
- وقوله سبحانه " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".
ورد الجمهور على هذه الأدلة بأنها مرتبطة بالاختلاف المذموم لا بالاختلاف المقبول .
- ضرورة التزام المختلفين بأدب الاختلاف :
يجب أن يضبط الاختلاف بأدب بحيث لا يؤثر على علاقة المختلفين ولايفرق بينهم ، ويلاحظ أن الاختلاف الذي كان يؤدي الى الفرقة والعداوة والبغضاء بين المختلفين انما بدأ مع ظهورالتقليد والتعصب المذهبي والتأثر بالأحداث السياسية.
- نماذج لإلتزام الائمة الأعلام بأدب الاختلاف:
- قال أبوحنيفة رحمه الله " هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحدا عليه ولا نقول يجب على أحد قبوله بكراهية فمن كان عنده شئ أحسن منه فليأت به".
- قال مالك رحمه الله "انما أنابشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب كامل والسنة فخذوه وكل مالم يوافق الكتاب كامل والسنة فاتركوه ".
- قال الشافعي رحمه الله للصدفي بعد أن اختلف معه في مسألة فقهية" يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ".
- قام أحمد بن حنبل رحمه الله بعد أن ناظر علي بن المديني وارتفعت أصواتهما واخد بركابه مودعا له .
- يتبين مما سبق أن اختلاف الأئمة في كثير من الأمور الاجتهادية وكذا اختلاف الصحابة والتابعين من قبلهم رحمهم الله جميعا لم يكن ناجما عن هوى أو شهوة أو رغبة في الشقاق بل كان ناتجا عن الرغبة في الوصول الى الحق.
- ومما يجب التنبيه عليه أن مشروعية الاختلاف لا تسوغ استمراره وترك السعي لازالته بل المطلوب هو العمل بالراجح والصواب من أقوال العلماء والعمل على تقليل الخلاف بين المسلمين قدر الإمكان .
- الفوائد المرجوة من معرفة أسباب الاختلاف الفقهي:
يمكن تلخيص فوائد معرفة أسباب الاختلاف الفقهي فيما يلي:
- الاطلاع على أسس المذاهب وأصولها.
- معرفة مناهج العلماء في الاختلاف.
- التعود على طرق الاستنباط واستخراج الأحكام من مظانها.
- إيجاد الحلول للنوازل والمستجدات الطارئة وتحقيق مواكبة الالشريعة الاسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان نتيجة الثروة الضخمة من الأقوال الفقهية التي تضمنتها الكتب الفقهية التي نحن في أمس الحاجة اليها لاسيما وأن الحياة قد تطورت بشكل سريع وتعقدت وظهرت مستجدات قد نجد لها حلولا في هذه الأقوال بحكم ما امتاز به الفقهاء المجتهدون وخاصة الأحناف الذين كانوا يفترضون النوازل – الفقه الافتراضي – قبل وقوعها .
- بيان ما للأحكام المتباينة من منزلة بالنسبة إلى الكتاب كامل والسنة وأيها أحق بالعمل، وهل الخلاف المروي فيها حقيقي منضبط للأصول والقواعد، فيكون مقبولا او أنه ليس كذلك فيكون مرفوضا .
- الترجيح بين الأقوال عند الإطلاع على أدلتها وسبب الإختلاف فيها وبهذا الإعتبار تكون معرفة الاختلاف ومواضعه ضرورية للمجتهد، قال الشاطبي رحمه الله " من لم يعرف مواضع الاختلاف لم يبلغ درجة الاجتهاد".
- نماذج لأسباب الاختلاف كما وردت عند بعض كبار العلماء إجمالا:
1- نموذج مقترح لأسباب الاختلاف الفقهي باعتبار رجوعه الى الفقهاء:
- ورد ذكر لأسباب الاختلاف في المذهب الحنفي بشكل غير مباشر وذلك في علاقتها بمن قالها من الفقهاء عند بعض العلماء من ذلك الدبوسي ت 430 ه في كتاب كامله تأسيس النظر وهو أول كتاب كامل في علم الخلاف حيث قسم كتاب كامله الى أقسام تعتبر هي أبرز أسباب الإختلاف وهي إجمالا :
1- خلاف أبي حنيفة مع صاحبه أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
2- خلاف أبي حنيفة وأبي يوسف مع محمد بن الحسن .
3- خلاف أبي حنيفة ومحمد مع أبي يوسف.
4- خلاف أبي يوسف مع محمد.
5- خلاف محمد بن الحسن والحسن بن زياد مع زفر.
6- خلاف أبي حنيفة مع الإمام مالك.
7- خلاف محمد والحسن بن زياد وزفر مع ابن أبي ليلى .
8- خلاف الحنفية مع الإمام الشافعي .
2- نماذج لأسباب الاختلاف الفقهي باعتبار رجوعه الى أسبابه المباشرة:
- ورد ذكر لأسباب الاختلاف بشكل مباشر عند العديد من العلماء من ذلك:
1- أهم أسباب الاختلاف كما وردت عند ابن السيد البطليوسي- ت521ه- في كتاب كامله التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين إجمالا هي:
1- الاشتراك الواقع في الألفاظ واحتمالها للتأويل .
2- دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز.
3- دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه .
4- دوران الدليل بين العموم والخصوص .
5 - اختلاف حول الرواية نتيجة علل ثمانية تقدح فيها وهي:
1 - فساد الاسناد .
2- نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ .
3- من جهة الاعراب .
4- من جهة التصحيف .
5- من جهة اسقاط شئ من الحديث لايتم المعنى الا به .
6- أن ينقل المحدث الحديث ويغفل السبب الموجب له .
7- أن يسمع المحدث بعض الحديث ويفوته سماع بعضه .
8- نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ .
6- الاختلاف الراجع الى جهات الاجتهاد والقياس .
7- الاختلاف الراجع الى دعوى النسخ وعدمه .
8- الاختلاف الراجع الى جهة الاباحة والتوسع .
9- أسباب تعود الى سلامة الدليل من المعارض.
- وهذه الأسباب ترجع الى أمورهي :
1- أسباب تعود الى ثبوت الدليل .
2- أسباب تعود الى دلالة الدليل .
3- أسباب تعود الى سلامة الدليل من المعارض .
4- أسباب تعود الى الاجتهاد عند عدم وجود الدليل .
2 - أسباب الاختلاف كما وردت عند ابن تيمية- ت728ه- في كتاب كامله رفع الملام عن الأئمة الأعلام إجمالا هي:
1-عدم بلوغ الحديث.
2- بلوغ الحديث مع عدم الثبوت.
3- الاعتقاد في ضعف الحديث أوعدمه .
4- الاختلاف في شروط قبول الحديث المروي عن طريق خبر الواحد .
5- نسيان الحديث بعد بلوغه .
6- عدم التوصل الى الدلالة المستفادة من الحديث.
7- الاعتقاد بأن الحديث ليست له دلالة .
8- الاعتقاد بأن دلالة الحديث معارضة بنص آخر مما يدل على أنها غير مرادة .
9- الاعتقاد بأن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه .
10-الاعتقاد بأن الحديث معارض بما يدل على تأويله .
- وهذه الأسباب ترجع الى أمورهي :
1- أسباب تعود الى ثبوت الدليل .
2- أسباب تعود الى دلالة الدليل .
3- أسباب تعود الى سلامة الدليل من المعارض.
3- أسباب اختلاف الصحابة والتابعين كما وردت عند ولي الله الدهلوي- ت1176ه- في كتاب كامله الانصاف في بيان أسباب الاختلاف إجمالا هي:
1- أن يسمع الصحابي حكما في قضية ولم يسمعه الآخر فيجتهد برأيه في ذلك وهذا على وجوه أربعة هي:
1- أن يقع اجتهاده موافقا للحديث.
2- أن تقع بينهما المناظرة ويظهر الحديث بالوجه الذي يقع به غالب الظن فيرجع عن اجتهاده الى الحديث.
3- أن يبلغه الحديث ولكن لا على الوجه الذي يقع به غالب الظن فلا يترك اجتهاده بل يطعن في صحة الحديث.
4- أن لايصل إليه الحديث أصلا.
2- أن يروى عن رسول الله عليه السلام فعل فيحمله البعض على القربة والبعض على الاباحة.
3- الاختلاف الناتج عن الوهم .
4- الاختلاف الناتج عن السهو والنسيان .
5- الاختلاف الناتج عن الضبط .
6- الاختلاف الناتج عن علة الحكم.
7- الاختلاف الناتج عن الجمع بين المختلفين.
- وهذه الأسباب ترجع الى أمورهي :
1- أسباب تعود الى ثبوت الدليل.
2- أسباب تعود الى تفاوت القدرات في الوصول الى دلالة الدليل.
3- أسباب تعود الى الاجتهاد .
- أبرز أسباب اختلاف الفقهاء تفصيلا:
بعدما توقفنا عند نماذج لأسباب الاختلاف الفقهي إجمالا كما وردت عند بعض العلماء نفصل القول في أبرز هذه الأسباب مع التمثيل لها.
1-الاختلاف الفكري وتفاوت المدارك بين الناس:
إن من الحقائق الثابتة أن الناس يختلفون في نمط تفكيرهم، وكثيرا ما يكون هذا الإختلاف لا لغموض الموضوع في ذاته بل لأسباب راجعة الى تفاوت مداركهم من ذلك :
- التفاوت في العقل والفهم والقدرة على تحصيل العلم .
- تفاوت المواهب والقدرات .
- التفاوت في الحصيلة العلمية .
- الاختلاف في الاتجاه العام للتفكير لأن اتجاه الناس في الحياة يجعل كل واحد منهم مختلفا عن الآخر وتكون آراؤه سائرة في اتجاه نمط تفكيره.
- تقليد السابقين ومحاكاتهم من غير أن ينظر المقلدون نظرة عقلية مجردة إلى ما يقلدونه.
- تفاوت المدارك بين الناس فمنهم من ينفذ إلى الحقيقة ومنهم من يحيط بجزء منها ويقف عنده.
- سيطرة الوهم على بعض الناس حتى يذهب بهم في متاهات فكرية مختلفة، والأوهام ليست قاصرة على العامة فقط بل قد تسيطرعلى العلماء فتغشي بصائرهم حتى لا يدركون حقائق الأشياء.
2- أسباب الاختلاف الراجعة إلى اللغة:
من الأسباب التي أدت إلى اختلاف الفقهاء دلالة الألفاظ اللغوية على الأحكام الشرعية فما استمد من القرآن والسنة ليس على وضع واحد في دلالته، ومن هنا وجد ماهو قطعي في دلالته والذي لم يكن بين الفقهاء خلاف فيما دل عليه من أحكام وما هو ظني في دلالته حيث اجتهد الفقهاء في التعرف على ما يدل عليه من أحكام واستعانوا في ذلك بما يعرفونه من قواعد اللغة مادة اللغة العربية وأساليبها، الا أن معرفتهم باللغة ودراستهم لها انتهت بهم إلى نتائج مختلفة.
وقد وقعت اختلافات حول قضايا اللغة أبرزها:
- الاختلاف فيما وضع له اللفظ المشترك من المعاني.
- الاختلاف في عموم دلالة الألفاظ وخصوصها .
- الاختلاف في دلالة اللفظ على معناه الحقيقي ومعناه المجازي في آن واحد.
- الاختلاف في بقاء اللفظ المطلق على إطلاقه إذا ورد مقيدا في نص آخر.
- الاختلاف فيما يدل عليه اللفظ من الطلب والنهي .
- الاختلاف فيما يفهم من أسلوب بعينه وفيما يدل عليه الكلام اقتضاء أو التزاما ونحو ذلك .
وليس من اليسير أن نستقرئ جميع ما اختلف فيه الفقهاء نتيجة اللغة مما أدى بهم إلى الإختلاف في الأحكام، لذلك نكتفي بذكرمثال لما أجملنا.
- المشترك: هو"اللفظ الموضوع للدلالة على معنيين أو معان مختلفة بأوضاع متعددة " كالعين فإنه وضع للباصرة ووضع للجارية وللحاضر من كل شيء وللذهب ولذات الشيء ولغير ذلك من المعاني.
- وحكم المشترك انه إذا دل دليل أو قرينة على أحد معانيه عمل بها .
- إختلف الفقهاء في المشترك حول قضايا من أهمها:
- وجوده أو عدمه في اللغة.
- إذا لم يمتنع الجمع بين معانيه فهل يحمل عليها أم لا.
- اختلاف الاصولين حول الأخذ بعموم المشترك.
والاشتراك قد يكون في الاسم أو الفعل أو الحرف وفي كلها يقع الاختلاف من أمثلة ذلك:
- في الاسم القرء في قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" اختلف العلماء في القرء بين الطهر والحيض.
- وفي الفعل كعسعس في قوله تعالى " والليل إذا عسعس" اختلف العلماء حول "عسعس" بين الإقبال والإدبار.
- وفي الحرف كالواو في قوله تعالى " والراسخون في العلم يقولون آمنا به" اختلف العلماء في الواو هل هي للعطف أم للاستئناف.
- الاختلاف الحاصل حول الأدلة الشرعية:
الأدلة جمع دليل وهو في اللغة: المرشد أو العلامة و يضاف إلى الالشريعة الاسلامية لأنه مرتبط بها. وفي الاصطلاح: هو ما يمكن بالنظر الصحيح فيه التوصل إلى حكم شرعي على سبيل القطع أو الظن.
وخالف بعض العلماء في كون ما يفيد القطع يسمى دليلا وما يفيد الظن يسمى أمارة.
- وتنقسم الأدلة باعتبار الاتفاق والاختلاف حولها إلى :
*- أدلة متفق عليها مثالها القرآن والسنة فلا يجوز ردها أو عدم الالتزام بها ، وهي متفق عليها جملة ومختلف في بعض جزئياتها.
*- أدلة مختلف حولها وتسمى بعضها عند الغزالي بالأدلة الموهومة مثالها الاستحسان الاستصحاب المصالح المرسلة وهي مختلف عليها جملة وتفصيلا.
1- الأدلة المتفق عليها وأبرز الاختلافات الحاصلة حولها:
1* الاختلاف الحاصل حول القرآن الكريم ومرده.
القرآن في الاصطلاح: هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم باللفظ العربي المتعبد بتلاوته المعجز بنظمه المتواثر في نقله الموجود بين دفتي المصحف الشريف.
لم يكن بيـن أحـد مـن المذاهـب المعتبرة أي خـلاف في وجوب العمل بالقرآن الكريم ولم يخرج عن هذا فرقة من الفرق الإسلامية من سنة ومعتزلة وشيعة وخوارج، إلا فريق من غلاة الروافض، وقد خرجوا بسبب خلافهم هذا من حظيرة الإسـلام.
وإنما الاختلاف حول القرآن الكريم وقع في أمور أبرزها :
- أوجه القراءات القرآنية .
- المتشابه الذي اختلف كثير من ذوي الافهام في تأويله.
- كما وقع في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة ظنية دلالة بعض نصوصه كالإشتراك في اللفظ أو تخصيص العام أو تقييد المطلق أو ورود نسخ عليه .
1- مثال للاختلاف حول القراءات القرآنية:
اختلاف القراءات القرآنية المتواثرة أو الشاذة كانت من الأسباب التي أدت بالأئمة إلى الاختلاف في فروع الالشريعة الاسلامية ، فأخذ فقيه من الفقهاء بقراءة من القراءات وبناء الحكم عليها يقابله أخذ غيره من الفقهاء بقراءة أخرى يغاير منطوقها منطوق تلك القراءة.
- مثال ذلك قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" اختلف العلماء حول لفظة "يطهرن"، فمن قرأها بالتخفيف حملها على معنى زوال الدم وهو مذهب الإمام أبي حنيفة .
- ومن أخذ بقراءة التشديد حملها على معنى التطهر أي الإغتسال، وهذا ما ذهب إليه جمهور المالكية والشافعية والحنابلة.
2- مثال للاختلاف حول المتشابه في القرآن الكريم:
المتشابه هو الملتبس أو المبهم وفي اصطلاح الأصوليين هو "اللفظ الذي خفي المراد منه بصيغته حيث لا ترجى معرفته في الدنيا لأحد من الناس عند بعض العلماء أو ترجى معرفته للراسخين في العلم عند آخرين".
يقول الله تعالى "هو الذي أنزل عليك الكتاب كامل منه آيات محكمات هن أم الكتاب كامل وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب"
بهذه الآية ثبت ورود المتشابه في القرآن ليختبر الله قوة الإيمان عند المؤمنين وقد كان وروده سببا في اختلاف العلماء في مواضع منه، إذ حاول كثير من ذوي الافهام تأويله والوصول إلى إدراك حقيقة معناه فاختلفوا في التأويل اختلافا واضحا.
ومن العلماء من جعل بينه وبين المتشابه حجابا، فما كانوا يؤولونه بل كانوا يتوقفون ويقولون" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة"
ومن أمثلة المتشابه الواردة في القرآن غسل الرجلين في الوضوء يقول الله تعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" . اختلف العلماء في فرض رائع الرجلين في الوضوء أهو المسح أو الغسل.
قرأ الجمهور بقراءة النصب في " وأرجلكم" فذهبوا إلى أن فرض رائع الرجلين الغسل دون المسح.
- واعتمد الامامية من الشيعة قراءة الجر فذهبوا إلى أن الفرض رائع مسح الرجلين.
وذهب ابن جرير الطبري إلى أن المتوضئ مخير بين الغسل والمسح.
2- الاختلاف الحاصل حول السنة ومرده:
السنة عند المحدثين: هي ما أضيف إلى النبي عليه السلام من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي وما أضيف إلى الصحابي أو التابعي وهو أوسع تعاريف السنة.
وجوب العمل بالسنة من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة وهذا ما أكدته آيات القرآن الكريم وقام عليه إجماع المسلمين، وليس يعني إجماع المسلمين على وجوب العمل بالسنة إجماعهم على وجوب العمل بكل حديث أثر كما أجمعوا على وجوب العمل بكل آية من القرآن بل المقصود من الأمر أن السنة إذا نظرنا إليها على أنها وحي أوحى الله به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأقره عليه لا تنزل عن الكتاب كامل مكانة من ناحية وجوب العمل بها عموما.
أهم ما وقع الاختلاف فيه حول السنة بين الفقهاء الاختلاف حول ثبوتها والحكم عليها وكذا المعنى الذي تضمنته وغيرها من الأسباب.
- أبرز أسباب اختلاف الفقهاء حول السنة :
1- الاختلاف الناتج عن عدم الاطلاع على النص:
لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على درجة واحدة من الاطلاع على سنته عليه السلام بل كانوا على درجات متفاوتة في ذلك ولا أدل على ذلك من أن الخلفاء الراشدين وهم من أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تفوتهم بعض المسائل مثال ذلك :
- توقف أبو بكر الصديق في ميراث الجدة لعدم اطلاعه على أي سنة في ذلك إلى أن شهد المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقضى أبو بكر رضي الله عنه بذلك ، ولم تكن هذه الظاهرة مقصورة على الصحابة فحسب بل انتشرت بين التابعين ومن تلاهم من الفقهاء المجتهدين.
- نقض المرأة شعرها عند الاغتسال فقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأمر النساء إذا اغتسلن من حيض أو نفاس أو جنابة أن ينقضن شعر رؤوسهن حتى يصل الماء إلى أصوله، ولم يكن قد بلغه سنة في ذلك ، فبلغ السيدة عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت يا عجبا لابن عمر وهو يأمر النساء أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن، لقد كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث افراغات.
2- الاختلاف الناتج عن الشك في ثبوت الحديث والوثوق به:
بلغنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم كانوا يتثبتون في قبول الحديث خشية أن يكون قد تسرب إلى الناقل وهم أو خطأ ، فإن ثبت عملوا به وإلا توقفوا وعملوا بما يترجح عندهم من أدلة أخرى ، فليس كل من يروي حديثا ثقة عند الناس معروف بالضبط والحفظ بل قد يكون مجهول الحال عندهم أو معروفا بسوء الحفظ ، أو بعدم الفهم والضبط أو بغير ذلك مما يورث في روايته ريبة أو شكا، كأن يكون الحديث مخالفا لحكم جاء في الكتاب كامل أو جاء به أثر مشهور وهذا إن حدث في زمن الصحابة، فإنه في زمن التابعين أكثر حدوثا وفيمن جاء بعدهم أكثر وقوعا ذلك لأن السنن انتشرت وقام بروايتها كثير من الناس .
- مثال ذلك: عمر رضي الله عنه حين أشكل عليه ميراث الجد سأل الناس: هل منكم من يعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد شيئا؟ فقال معقل بن يسار أعطاه السدس، قال عمر مع من ويلك؟ قال معقل: لا أدري، قال عمر لا دريت ولم يعمل بما روى معقل لذا كان في الجد خلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- كذلك كان من أسباب اختلاف الفقهاء حول السنة ما يلي:
* اختلافهم حول تخصيص القرآن الكريم بخبر الواحد.
* اختلافهم في وجوب العمل بما يستوجبه خبر الواحد إذا جاء غير مشتهر فيما تعم به البلوى ويكثر وقوعه فذهب الجمهور إلى العمل بموجبه وخالف في ذلك الحنفية.
* اختلافهم في الحديث الصحيح المعارض للحديث المشهور، فبعض العلماء يرى العمل به لان ذلك لا يقدح في قيمته ويرى بعضهم عدم العمل به باعتبار أن ذلك قادحا في صحته.
* الاختلاف حول العمل بخير الواحد إذا خالف القياس أو الأصول العامة المستنبطة من النصوص الشرعية المختلفة، ذهب فريق إلى وجوب العمل بالخبر في هذه الحالة لأنه لا اجتهاد مع وجود النص، ومن هؤلاء أهل الظاهر وخالفهم في ذلك آخرون إذ ذهبوا إلى تقديم القياس على خبر الواحد.
* الاختلاف حول ترك العمل بخبر الواحد في الصدر الأول فمن الفقهاء من عد ذلك علة قادحة في الخبر تمنع من وجوب العمل به ومنهم من يرى وجوب العمل به رغم ذلك.
* اختلاف الفقهاء في وجوب العمل بالحديث إذا عمل راويه بخلافه، فذهب إلى ترك العمل به الحنفية والمالكية، ومنهم من أوجب العمل بالحديث إن صح وإن عمل راويه بخلافه.
* اختلاف الفقهاء حول حجية الحديث الضعيف مما ترتب عنه خلاف شديد حول العمل به وانقسم العلماء في ذلك على مذاهب أبرزها:
- لا يعمل به مطلقا وهو مذهب البخاري ومسلم وابن حزم.
- يعمل به مطلقا إذا لم يكن في الباب مثله وهو مذهب ابن حنبل وداوود .
- يعمل به في فضائل الأعمال والمواعظ والقصص والترغيب والترهيب وهو مذهب الجمهور.
* اختلاف الفقهاء في العمل بالحديث المرسل حيث:
- اعتبره فريق من أقسام الضعيف .
- ذهب أبو حنيفة ومالك الى الأخذ بمرسل القرون الثلاثة الأولى.
- ذهب كثير من علماء أهل الظاهرالى عدم الأخد به .
- الاختلاف في فهم النصوص الشرعية:
قد يتفق الفقهاء على ثبوت النص لذيهم غير أنهم قد يختلفون في فهمه وتفسيره واستنباط الحكم تبعا لذلك الفهم، والاختلاف في فهم النص يشمل القرآن والسنة جميعا، وهذا الإختلاف في الفهم مرجعه إلى النص نفسه وطبيعة فهم المجتهد، فيذهب كل في تفسيره نحو ما يراه منسجما مع روح التشريع .
والاختلاف في الفهم مرجعه إلى أمورأهمها التعارض والترجيح:
1* الاختلاف في طرق الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض:
التعارض لغة: مصدر تعارض والتعارض هو المقابلة أو اعتراض كل واحد من الأمرين الآخر. واصطلاحا هو أن يقتضي أحد الدليلين حكما في واقعة خلاف ما يقتضيه الآخر فيها، وعرفه الاسنوى رحمه الله بقوله:
"التعارض بين الأمرين هو تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منها مقتضى صاحبه".
- وقع كثير من الخلاف بين الفقهاء بسبب ما يظهر من التعارض بين النصوص من ذلك:
1- التعارض الظاهر في القرآن ومن أمثلته :
عدة الحامل المتوفى عنها زوجها: يقول تعالى: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ” فالآية تدل بعمومها على أن عدة المتوفى عنها الحامل أربعة أشهر وجاء في الآية الأخرى " و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" والآية تدل بعمومها أن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل سواء كانت متوفى عنها أو مطلقة، وبسبب هذا التعارض في الآيتين اختلف العلماء في عدة المتوفى عنها إن كانت حاملا.
- فذهب الجمهور إلى أن عدتها وضع الحمل ولو بدون أربعة أشهر وعشرا.
- ومن الفقهاء من قال تعتد بأبعد الأجلين جمعا بين الآيتين وأن العمل بالنصين أولى من القول بالنسخ أو التخصيص ومتى أمكن الجمع فلا تعارض.
2- التعارض الظاهر بين الكتاب كامل والسنة ومن أمثلته:
قوله تعالى في عقوبة الزانية والزاني " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"
وقوله صلى الله عليه وسلم "خذوا عنى خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام.
فالآية دلت على الجلد ولم تذكر النفي والحديثان ورد فيهما النفي.
- فذهب جمهور العلماء إلى أن البكر يجمع له بين الجلد والنفي عملا بالآية والحديثين.
- أما الحنفية فقد حكموا بالمعارضة فلم يعملوا بالحديث واقتصروا على ظاهر القرآن.
3- التعارض الظاهر بين نصوص الأحاديث ومثاله:
قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب".
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم.
فحديث ابن عباس معارض للحديث الأول مما نشأ عنه اختلاف الفقهاء في نكاح المحرم.
- فمن الفقهاء من ذهب إلى ترجيح حديث ابن عباس باعتباره ناسخا للحديث الأول.
- ومن الفقهاء من رجح الحديث الأول.
- ومنهم من ذهب إلى الجمع بين الحديثين والراجح في المسألة والله أعلم عدم جواز نكاح المحرم .
2 * الاختلاف في طرق الترجيح بين النصوص:
الترجيح لغة هوالتغليب والتمييل ومنه رجح الميزان إذا مال. وفي الاصطلاح هو "تقديم المجتهد أحد الدليلين المتعارضين لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر".
ومثال الاختلاف في الترجيح استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا".
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : " ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبرا القبلة مستقبل الشام".
فذهب العلماء في هذين الحديثين ثلاثة مذاهب:
- ذهب بعض الفقهاء ومنهم النخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد إلى عدم جواز استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط.
- وقال آخرون يجوز ذلك مطلقا وهو مذهب داوود الظاهري.
- وقال غيرهم يجوز في المدن والمباني ولا يجوز في الفضاء والصحراء وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية.
وباب الجمع والترجيح باب دقيق يتجلى فيه تفاوت الأفهام إذ قد يهتدي فيه المجتهد إلى ما لم يلحظه غيره.
2- الاختلاف عند عدم وجود نص في المسألة:
من أسباب الاختلاف البارزة بين الفقهاء ألا يوجد نص في المسألة، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي وهناك بعض المسائل التي لم يرد فيها حكم لا من الكتاب كامل ولا من السنة ، لأن النصوص محدودة والمسائل كثيرة ومتجددة ومن أمثلة ذلك:
- قتل الجماعة بالواحد، ففي زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حدث أن إمرأة في صنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها، فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا، وقالت له إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فلما امتنعت منه طاوعها واجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوا الغلام ولما كشف أمرهم واعترفوا بذنبهم أمر عمر بقتلهم جميعا وقال والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم جميعا".
- ووافق عمر في هذا الحكم المغيرة بن شعبة وابن عباس وبه قال سعيد ابن المسيب من التابعين وهو مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي.
- وخالف في ذلك ابن الزبير إذ قضى بالدية وهو قول ابن سيرين وربيعة الرأي وداوود وهو مذهب أحمد.
وسبب هذا الخلاف عدم ورود نص عن رسول الله صلى اله عليه وسلم، فحكموا الرأي المستند إلى روح التشريع .
3- الاختلاف الحاصل حول الإجماع ومرده:
الإجماع لغة العزم أما في اصطلاح الأصوليين فقد عرف بتعاريف عديدة منها ما عرفه به صاحب إرشاد الفحول وهو " اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على أمر من الأمور".
- وقد وقعت اختلافات حول قضايا في موضوع الاجماع أبرزها:
- خلاف النظام المعتزلي والامامية من الشيعة وبعض الخوارج للجمهور في حجية الإجماع حيث ذهبوا إلى أن الإجماع ليس بحجة.
- الاختلاف حول الإجمـاع السكـوتي وهو" أن يقـول بعـض المجتهديـن قـولا ويعلـم بـه الباقون ويسكتوا عنه مع عدم وجود قرائن تدل على أن السكوت عن غير رضا" واختلف في الإجماع السكوتي على أقوال منهـــا:
- انه ليس بإجماع وليس بحجة وهذا ما ذهب إليه الشافعي وبعض الحنفية وداوود الظاهري.
- وذهب آخرون إلى أنه ليس بإجماع لكنه حجة.
- واعتبره آخرون إجماعا وحجة إذا انقضى عصر الساكتين وهذا ما ذهب إليه أبو علي الجبائي.
- الاختلاف حول إمكانية وقوع الإجماع .
- الاختلاف حول إمكانية العلم بالإجماع .
- الاختلاف حول إمكانية نقل الإجماع.
- الاختلاف حول إجماع أهل المدينة وهو " اتفاق مجتهدي المدينة المنورة الذي اشتهر عنهم وجرى عليه عملهم في عصر من العصور على أمر من الأمور" اختلف حوله العلماء:
- فالمالكية يقولون أنه حجة .
- وخالفهم الجمهور من الأصوليين والفقهاء حيث قالوا أنه ليس بحجة.
4- الاختلاف حول القياس ومرده:
القياس في اللغة: التقدير والمساواة يقال قست النعل بالنعل إذا قدرته فساواه. واصطلاحا تعددت تعاريفه لاختلاف التصور حول مفهومه، ومن ذلك قولهم“ تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلة متحدة لا تعرف بمجرد اللغة“ والقياس ضرب من الاجتهاد استعمله المجتهدون لإثبات أحكام الوقائع الجديدة.
وقد وقعت اختلافات حول قضايا في موضوع القياس أبرزها:
- الاختلاف حول القياس هل يعتبر دليلا من أدلة الأحكام التي يحتج بها أم لا.
- أقره الجمهور.
- أنكره الظاهرية وبعض الشيعة الامامية .
- يروى عن الإمام الأوزاعي أنه كان يكره القياس والأخذ بالرأي.
وترتب على الاختلاف في حجية القياس واعتباره أصلا من أصول الالشريعة الاسلامية أمور كثيرة أثبت الجمهور لها أحكاما بالقياس ونفاها منكروه.
- الاختلاف حول شروط أركان القياس وما ينبغي أن يتوفر فيها، فبعض العلماء يشترط شروطا لا يشترطها آخرون.
- الاختلاف في استنباط العلة والطرق الموصلة لها.
- الاختلاف في الواقعة هل يجري فيها القياس أم لا وإن كانوا في الأصل يقولون بالقياس.
- الاختلاف حول المجالات التي يجري فيها القياس ومن أمثلته:
- الحدود والكفارات حيث ذهب جمهور العلماء إلى أن القياس يجري فيها كما يجري في غيرها من الأحكام الشرعية إذا وجدت شروط القياس فيها أما الفقهاء الأحناف فقالوا بعدم جواز القياس فيها كما لا يجوز القياس عندهم في العقائد والعبادات.
- الأدلة المختلف فيها:
ومن أهم هذه الأدلة التي وقع حولها الاختلاف:
1- الاستحسان: الاستحسان لغة: من الحسن وهو عد الشيء واعتقاده حسنا . أما في اصطلاح الأصوليين فقد عرف بتعاريف متعددة منها، "العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر لوجه أقوى يقتضي هذا العدول".
وقد وقعت اختلافات حول قضايا في موضوع الاستحسان أبرزها:
- تباعد القول بين العلماء في حجية الاستحسان بين قائل بأنه تسعة أعشار العلم وقائل من إستحسن فقد شرع .
- فالمالكية والحنفية أخذوا بالاستحسان كدليل شرعي وأكثروا منه .
- الحنابلة أخذوا به ولكن ليس على إطلاقه.
- أما الشافعية وعلى رأسهم إمامهم الشافعي فالمشهور عنهم أنهم لا يقولون به بل شددوا النكير على من إعتبره حجة في إستنباط الأحكام.
وأما القائلون بالاستحسان فقد وقع بينهم خلاف حول معناه وما ترتب عنه من آثار من أهمها:
- كون الاستحسان هل هو أخذ بمصلحة جزئية تخالف مقتضى القواعد القياسية أم لا؟
- الاختلاف حول القول بالاستحسان هل يكون بالدليل أم بدونه ؟
- الاختلاف الناشئ بسبب الاختلاف في النظر والاستدلال وقوة الشبه والتحقيق في المعارضة والترجيح بين الأقيسة والأدلة وإستثناء مسألة من أصل عام.
ومن أمثلته : ما قيل في استحسان الوصية لشخص بجزء شائع في التركة قبله الموصى له بعد الوفاة ، إختلف العلماء في ذلك :
- ذهب البعض الى أنه يكون شريكا للورثة .
- ذهب البعض الى أنه يكون غريما .
2- المصالح المرسلة:
المصالح المرسلة عرفها العلماء بقولهم" استنباط حكم في نازلة لانص فيها ولا إجماع بناء على مصلحة لادليل من الشارع على إثباتها ولا على إلغائها".
- أهم الاختلافات الحاصلة حول المصالح المرسلة هي:
اختلاف مواقف المذاهب في الأخذ بالمصالح المرسل، فلم يذهب إلى القول بها كدليل شرعي مستقل إلا الإمام مالك رحمه الله.
والمتتبع لفقه الأئمة الثلاثة واجتهاداتهم في مراجعها يرى أنهم لا يعتبرون المصالح المرسلة أصلا مستقلا بل يعتبرونها ضمن دليل الاستحسان أو العرف والقياس.
- والقائلون باعتبار المصالح المرسلة إختلفوا في بعض جزئياتها أبرزها:
- اختلافهم حول اشتراط ملاءمتها لتصرفات الشرع وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين.
الاختلاف حول القول بأن المصلحة ضرورة قطعية كلية وهي لا يوجد لها دليل شرعي حيث ذهب الجمهور إلى القول أن المصالح المرسلة ظن تختلف فيه الأنظار كالمسائل الاجتهادية الأخرى .
ومثال ذلك: قتل الجماعة بالواحد فقد اختلف العلماء فيه فقال به مالك والشافعي وغيرهم للمصلحة والحنفية الذين لا يعتبرون المصالح يقولون فيه بالاستحسان، ولم يقل به البعض حيث اعتبروا أن قتل الجماعة بالواحد عدوان وحيف.
3- الاستصحاب:
لغة من الصحبة وهي الملازمة، فكل شيء لازم لشئ آخر فقد استصحبه. أما في إصطلاح الأصوليين فقد عرف بتعاريف عديدة منها :
" الاستصحاب عبارة عن التمسك بدليل عقلي أو شرعي وليس راجعا إلى عدم العلم بالدليل بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير أو مع ظن انتفاء المغير عند بذل الجهد في البحث والطلب".
- أهم الإختلافات الحاصلة حول الاستصحاب هي:
اختلافهم في حجية هذا الدليل على مذاهب:
- حيث ذهب الأكثرون من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه حجة صالحة لإبقاء الأمر على ما كان عليه سواء كان الثابت به نفيا أصليا أو حكما شرعيا أي أنه حجة في النفي والإثبات.
- وذهب كثير من الحنفية وبعض أصحاب الشافعي وجماعة من المتكلمين إلى أنه ليس بحجة أصلا لا لإثبات أمر لم يكن ولا لبقاء ما كان على ما كان.
- إخلافهم حول أقسام الاستصحاب وبعض القضايا المرتبطة بها.
4- العرف:
العرف في أصل اللغة بمعنى المعرفة ثم استعمل بمعنى الشيء المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول. وهو في اصطلاح الأصوليين "ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول".
والمتتبع لكتب المذاهب في الفروع يستطيع أن يتبين بسهولة كثرة المسائل التي بنيت على مقتضى العرف ، مما يؤكد أن الفقهاء جميعهم قد إعتبروا العرف دليلا شرعيا مستقلا.
إلا أنهم اختلفوا فيما يعتد به من العرف أهو العرف مطلقا سواء كان عاما أو خاصا؟ أم هو العرف العام دون الخاص؟
ومن أمثلة اشتراط بعض الفقهاء الكفاءة بين الزوجين بحسب ما راعاه العرف.
5- مذهــب الصحابـــي:
مذهب الصحابي هو" ما نقل إلينا وثبت لدينا عن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتوى أو قضاء في حادثة شرعية لم يرد فيها نص من كتاب كامل أو سنة ولم يحصل عليها إجماع".
- أهم الاختلافات الحاصلة حول مذهب الصحابي هي:
- اختلافهم حول حجيته على أقوال أهمها:
- أنه ليس بحجة مطلقا وهو مذهب جمهور الأشاعرة والمعتزلة والشيعة والشافعي في قول وهو الراجح لذى الشافعية وأحمد في رواية عنه وهو ما ذهب إليه ابن حزم.
- أنه حجة شرعية مقدمة على القياس وبه قال أئمة الحنفية ونقل عن مالك والشافعي في قول قديم له وأحمد في رواية أخرى له و هي الراجحة في مذهبه، وذهبت بعض الكتب المتأخرة إلى أنه مذهب جمهور العلماء.
- أنه حجة إذا خالف القياس وهو مذهب بعض الحنفية.
- أنه حجة إذا انضم إليه القياس وهو ظاهر مذهب الشافعي الجديد.
وحصل بين من أخذ بقول الصحابي كدليل شرعي خلاف في بعض الجزئيات منها:
- هل يمكن إعتبار بعض الصحابة حجة على بعض؟
- هل يكون لمذهب الصحابي قوة النص؟
- إذا تعددت أقوال الصحابة فبأيها يؤخذ ؟
ويمثل للخلاف في هذا الباب بقتل الجماعة بالواحد الذي قال به عمر رضي الله عنه فمن يرى أن قول الصحابي حجة يستند لفعل عمر ومن لا يراه حجة يستند إلى دليل آخر في إيجاب القصاص.
6- شرع من قبلنا:
والمراد به " ما نقل إلينا من أحكام الشرائع التي كلف بها من قبلنا على أنها شرع الله عز وجل لهم وما بينه لهم رسلهم عليهم وعلى نبينا السلام".
- أهم الاختلافات الحاصلة حول شرع من قبلنا هي:
اختلافهم في شرع من قبلنا إذا تبث بطريق صحيح هل نحن مطالبون به وهل هو حجة علينا؟.
- ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه شرع لنا وأنه حجة يلزمنا العمل به.
- أما الشافعية فقالوا أنه ليس شرعا لنا ولا يعتبر حجة.
- وعن أحمد روايتان إحداهما أنه شرع لنا يجب العمل به والثانية أنه ليس شرعا لنا.
ومن الخلاف الحاصل بين من قال بشرع من قبلنا كذلك :
- اذا لم يقم الدليل على أننا مطالبون به أو غير مطالبين هل نأخذ به أم لا ؟ ومثل له بعض الأصوليين بما جاء في قوله تعالى " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص".
- ومن فروع هذه المسألة لذى الأصوليين ما لو حلف شخص ليضربن شخصا مائة خشبة فهل يبر بضربة بعثكال فيه مائة؟
وسبب ذلك أن الله تعالى قال لأيوب عليه السلام : " وخذ بيدك ضعثا فاضرب به ولا تحنث".
- فمن قال أن شرع من قبلنا شرع لنا قال يبر بقسمه
- ومن قال إنه ليس شرعا لنا قال لا يبر.
4- الاختلاف في القواعد الشرعية:
وردت القواعد في اللغة بمعاني عدة منها:
أساطين البناء وأعمدته وأسسه ومن هذا قوله تعالى " فأتى الله بنيانهم من القواعد". أما في الاصطلاح العام فقد عرفها العلماء بتعاريف كثيرة منها ما ذكره الجرجاني بأنها قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها.
وتنقسم القواعد الشرعية المستثمرة إلى قواعد أصولية وقواعد فقهية.
- الاختلاف حول هذه القواعد حصل نتيجة أمرين هما:
- الأخذ بهذه القواعد أو عدم الأخذ بها.
- وعند الأخذ بها حصل الإختلاف حول ما يترتب عنها ويندرج تحتها من قضايا فقهية.
1- القواعد الأصولية: وهي كما عرفها المريني في كتاب كامله القواعد الأصولية وتطبيقاتها الفقهية عند ابن قدامة في كتاب كامله المغني " حكم كلي تنبني عليه الفروع الفقهية مصوغ صياغة عامة" فهي بذلك طرق الإستنباط أوالمناهج والمعايير التي يعتمد عليها في إستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
- ومن أمثلتها: اختلف علماءالأصول في الأمر المطلق هل يقتضي الوجوب أم يقتضي الندب أم يقتضي غيرهما على مذاهب كثيرة منها:
- أنه يفيد الوجوب ، أنه يفيد الندب ، أنه يفيد الإباحة ، أنه مشترك بين الوجوب والندب ، أنه مشترك بين الوجوب والندب والإباحة.
والمذهب الأول هو الذي عليه جمهور العلماء والمحققين ويحتجون لذلك بأن تارك المأمور به عاص كما أن فاعله مطيع ، قال الله تعالى " أفعصيت أمري" وقال " لا يعصون الله ما أمرهم" وينبني على اختلاف الأصوليين في هذه القاعدة الأصولية اختلافهم في فروعها.
2- القواعد الفقهية:
- اصطلاحا عرفها الفقهاء بقولهم :
"هي حكم كلي مستند إلى دليل شرعي مصوغ صياغة تجريدية محكمة منطبق على جزئياته على سبيل الاطراد أو الأغلبية" (انظر نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء ).
- مثال الاختلاف الحاصل حول القاعدة الفقهية: "الرخص لا تناط بالمعاصي".
ومعنى هذه القاعدة الفقهية أن رخص الشرع لا يستحقها إلا المطيعون من المكلفين، أي الذين استوجبوها بأسباب لا تنافى الطاعة وقد إختلف الفقهاء في هذه القاعدة:
- فمنهم من يقرها ويعتبرها.
- ومنهم من لا يعتبرهــا.
وسبب هذا الاختلاف في أصل هذه القاعدة هو الاشتراك اللغوي وذلك أن الله تعالى يقول" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" وقوله تعالى " غير باغ ولا عاد" يحتمل أن يكون المراد به:
-غير باغ ولا عاد في سفره.
-غير باغ ولا عاد في تناوله لأكل محرم.
هذه هي أبرز أسباب اختلاف الفقهاء وأمثلتها كما وردت في مظانها. ( انظر موقع الموسوعة الشاملة الإصدارالأخير )
والحمد لله رب العالمين
====================
- فهرس الموضوعات:
- مفهوم الخلاف والاختلاف وأنواع الاختلاف وشروط الاختلاف المشروع.
- مواقف العلماء من الاختلاف الفقهي وأدلة مشروعيته .
- الفوائد المرجوة من معرفة أسباب الاختلاف .
- أسباب الاختلاف الفقهي كما وردت عند الدبوسي وابن السيد البطليوسي وابن تيمية وولي الله الدهلوي رحمهم الله
- ضرورة التزام المختلفين بأدب الاختلاف .
- أبرز أسباب الاختلاف الفقهي.
– أبرز أسباب الاختلاف الراجعة الى تفاوت العقول والمدارك بين الناس.
- أبرز أسباب الاختلاف الراجعة الى اللغة.
- أبرز أسباب الاختلاف الراجعة الى الأدلة الشرعية.
- أبرز أسباب الاختلاف الراجعة الى الادلة المتفق عليها.
- أبرز أسباب الاختلاف الراجعة الى الأدلة المختلف فيها.
- أبرز أسباب الاختلاف الراجعة الى القواعد الشرعية.
- المصادر والمراجع:
- اختلاف العلماء للمروزي .
- اختلاف الفقهاء للطبري .
- رحمة الأمة في اختلاف الأئمة لمحمد بن عبد الرحمان الدمشقي .
- الاشراف على مذاهب العلماء لابراهيم ابن المنذر.
- طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة الأسلاف لمحمد بن عبدالحميد الأسمندي .
- الانصاف في التنبيه على الأسباب التي اوجبت الاختلاف بين المسلمين في ارائهم للبطليوسي.
- رفع الملام عن الائمة الاعلام لابن تيمية.
- الانصاف في اسباب الاختلاف للدهلوي.
- أسباب اختلاف الفقهاء لعلي الخفيف.
- الأصول العامة في الفقه المقارن لتقي الحكيم.
- مادة التاريخ المذاهب الاسلامية لابي زهرة.
- محاضرات في الفقه المقارن لمحمد سعيد رمضان البوطي.
- بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله لمحمد فتحي الدريني.
- اسباب اختلاف المحدثين لخلدون الاحدب.
- اثر الاختلاف في القواعد الاصولية في اختلاف الفقهاء لمصطفى سعيد الخن.
- آثارإختلاف الفقهاء في الالشريعة الاسلامية لأحمد بن محمد الأنصاري.
- دراسات في الإختلافات العلمية للبيانوني.
- أدب الاختلاف في الاسلام لطه جابر فياض العلواني.
- نظرية التقعيد الفقهي واثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكي.
- القواعد الأصولية وتطبيقاتها الفقهية عند ابن قدامة في كتاب كامله المغني للجيلالي المريني.
- الموسوعة الفقهية الكويتية.
- لائحة الأقراص المدمجة:
- مكتبة التفسير شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان.
- مكتبة التفسير وعلوم القرآن إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المكتبة الألفية للسنة النبوية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة الأجزاء الحديثة إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المحدث تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا " مدرسة" واشنطن أمريكا.
- مكتبة الفقه وأصوله إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفقه وأصوله موسوعة علماء الإسلام الدكتور يوسف القرضاوي المركز الهندسي للأبحاث التطبيقية RDI .
- موسوعة الفقه الإسلامي وأصوله إعداد قسم البرمجة دار الفكر دمشق سوريا.
- مكتبة الفقه الإسلامي شركة العريس للكمبيوتر بيروت. لبنان.
- الموسوعة الميسرة في الفقه وعلومه إنتاج برمجيات ضاد. المملكة مادة اللغة العربية السعودية.
- مؤلفات شيـخ الإسلام بن تيمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية عبد اللطيف للمعلومات.
- مؤلفات العالم الرباني ابن قيم الجوزية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة شيـخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- العلوم الإسلامية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- موسوعة طالب العلم الشرعي إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الإسلامية المعاصرة Microteam Software
- مكتبة المعاجم والغريب والمصطلحات إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- جامع معاجم اللغة شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان

منقول





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©