بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه و من والاه .
أما بعد :

الاشاعرة يحاولون نسبة العلماء إليهم , و لهم في هذا امور معروفة بل حتى جرى نسبة بعض السلفيين الى عقيدتهم و هو حي !!!

قال الإمام العلامة جمال الدين يوسف بن حسن عبد الهادي الشهير بابن المبرد - ت 909 هـ و هو من هو في شدته على الاشاعرة و الرد عليهم و التبرؤ من عقيدتهم - في كتاب كامله كشف الغطا عن محض الخطأ:


((وكنت مرة عند رجل من أكابر الحنفية، فدخل رجل آخر من الحنفية، فمدحني، وقال: الشيخ رجل مليح أشعري الاعتقاد. فقال له ذلك الرجل: لأي شيء قلت أشعري العقيدة ؟ فقال: لأن الاعتقاد الصحيح ينسب إلى الأشعري.

فالله الله !! فوالله قد كذب علي، وأنا بريء من قوله، لا أكون عليه إلا أن يزول عقلي، أو يذهب ديني!!!))عن ثمار المقاصد ص25 والتمهيد ص30 كلاهما لابن عبد الهادي.


فهل كان ابن كثير رحمه الله أشعريا كما يدعي أهل الكلام أم أنه كان على المنهج القويم القائم على الأثر ...
و هل قرر ابن كثير رحمه الله قط في كتبه ما يقرره الأشاعرة في عقائدهم المطولة والمختصرة من أن الله ليس فوق العرش ولا تحته ولا فوق السموات ولا داخل العالم ولا خارجه لا متصل ولا منفصل ، لا يقرب منه شيء ولا ترفع إليه الأيدي ولا تتوجه له القلوب بالعلو كما فطرها الله عز وجل ، وأن القرآن العربي مخلوق -عند التعليم فقط!- ولا يكلم ولا يتكلم ولا نادى ولا ينادي بل ولا يقوم به فعل البتة بل ما يضاف إليه جل وعلا من ذلك فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه !! ، وأن صفاته سبعة أو ثمانية والبقية تتأول أو تفوض نصوصها !! ، وأن الله قد يفعل لا لحكمة ، وأنه يجوز أن يفعل كل مقدور لا ينزهونه عن شيء منه ، فلو قدر رجلان "أحدهما مؤمن عالم عادل وصالح مصلح ، والآخر مشرك كافر وجاهل ظالم وكاذب مفسد ، ثم قدر أن ذلك المؤمن عوقب في الدنيا والآخرة ، فأذل في الدنيا وقهر وأهلك ثم جعل في الآخرة في قعر جهنم خالداً مخلداً أبد الآبدين معذباً في النار وذلك الكافر الظالم أكرم في الدنيا والآخرة وجعل في الفردوس الأعلى أبد الآبدين!!!" كان هذا غاية العدل والرحمة عندهم!! ، وأن ذات العبد محل لفعل الله فحسب فليس العبد هو الفاعل حقيقة ولا لقدرته تأثير في فعله بل هو مجرد محل !! ، وان الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته!! الخ الخ وهذا كله من اعتقاداتهم المعروفة التي عليها جمهورهم والتي هي أمور مشهورة في المذهب فليست هي هفوة من أحدهم كهفوة الجويني في علم الله !! أو هفوة الغزالي في قدرة الله !! أو هفوة الرازي في إرادة الله !!ونحو هذا ، ، والقاصمة بدعة الرازي أن الأدلة اللفظية--الكتاب كامل والسنة-- لا تفيد اليقين إلا بشروط يستحيل تحققها!!! والتي تابعها عليه الكثير منهم ، الخ الخ من هذه العقائد المخالفة صريح الكتاب كامل والسنة وتنبذها الفطر السليمة بالمرة .


فهل قال ابن كثير قط بهذه الأباطيل؟؟؟

وهل رأيته يوماً في تفسيره أو غيره من المصنفات قد احتج بالجوهر والعرض والجسم والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين التي يسمونها قواطع عقلية وهي هلاوس بدعية لا أكثر ولا أقل؟

وهل قرأت له يوماً أن العقل يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال وكفر تنفيها القواطع العقلية-يقصدون الهلاوس-؟

هل رأيته في مصنفاته أعرض عن توحيد الألوهية والعبادة وأنفق الصفحات في نقل الإشكالات الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم والذي يعلمه عامة الناس بضرورة الفطرة ؟؟

وقد ذكر في كتبه كثيراً من كتب السنة والعقيدة السلفية ، فهل قال أنها كتب وثنية وتجسيم؟ أم أثنى عليها وعلى عقيدة مصنفيها؟

وقد وقع في عصره أعظم المنازعات بين أهل السنة والأشعرية فما كان موقفه آنذاك؟ ومع من كان مع الأشعرية أم أهل السنة.؟

هذه الأسئلة إن أجبنا عليها بإنصاف عرفنا أن دعوى أشعرية ابن كثير دعوى باطلة وغير صحيحة ألبته.

فهذا الحافظ الأثري من أبعد الناس عن كلامياتهم وخبطهم وخرابيطهم وله حرص كبير على تقرير توحيد الألوهية وفي تفسيره لا يكاد يترك فرصة إلا ويذكر بتوحيد الألوهية فتراه يقول في تفسير فوله تعالى:

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} .
((يقول تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو؛ لأن المشركين -الذين يعبدون معه غيره -معترفون أنه المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده، ومقدر آجالهم..، فذكر أنه المستبدُّ بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".))

وقال في تفسير قوله: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }:

((هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا.))إلخ وقال في موضع آخر: ((يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الإلهية)).

ويقول: ((يقرر تعالى وحدانيته، واستقلاله بالخلق والتصرف والملك، ليرشد إلى أنه الذي لا إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له؛ ولهذا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره، المعترفين له بالربوبية، وأنه لا شريك له فيها، ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية، فعبدوا غيره معه، مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئًا، ولا يملكون شيئًا، ولا يستبدّون بشيء، بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3]))

وليس الأمر مقتصراً على تفسيره بل تجده حتى في تأريخه يذكر هذا الأمر العظيم الذي هو أصل الأصول وغاية المأمول قال في البداية والنهاية-عن طريق الشاملة- : ((وتقدم في الحديث: " نحن معشر الانبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتى " والمعنى أن شرائعهم وإن اختلفت في الفروع، ونسخ بعضها بعضا حتى انتهى الجميع إلى ما شرع الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إلا أن كل نبي بعثه الله فإنما دينه الاسلام، وهو التوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [ الانبياء: 25 ] وقال تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) [ الزخرف: 45 ] وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) الآية [ النحل: 36 ]...والمقصود أن الشرائع وإن تنوعت في أوقاتها إلا أن الجميع آمرة بعبادة الله وحده، لا شريك له وهو دين الاسلام الذي شرعه الله لجميع الانبياء، ..فدين الاسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الإخلاص له وحده دون ما سواه))إلخ

وكيف لا يكون كذلك وهو رحمه الله صاحب تلخيص كتاب كامل الاستغاثة لشيخه ابن تيميه ينظر مقدمة الاستغاثة ص85-90 ، فالحاصل أنك لا تجد في تفسيره أو غيره أنه قد احتج بالجوهر والعرض والجسم والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين ولا قال بأن العقل يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال وكفر ولا أنفق الصفحات في نقل الإشكالات الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم وأهمل الألوهية بل على النقيض كما نقلنا ، ولم نجده قد قال بأباطيلهم المشهورة التي ذكرناها آنفاً كقولهم لا داخل ولا خارج والكلام نفسي والقرآن العربي مخلوق إلخ.

أما موقفه من كتب السنة والسلف فتبين سلفيته بوضوح :وتأمل-على سبيل المثال- قوله في ترجمة ابن أبي عاصم حين قال: ((أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب كامل السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف))

كتاب كامل السنة هذا الذي هو عند الأشاعرة كتاب كامل حشو وتجسيم ووثنية والذي أثبت فيه هذا الإمام السلفي العلو والصفات بما يصنفه الأشعري المبتدع في خانة"التجسيم!"

وقال فيه على سبيل المثال ((باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه)) ج1/342 وقال في1/352: ((وأخبار النزول دالة على أنه في السماء دون الأرض))

وقال ج1/358 : ((باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك))

وتأمل حمده لله رب العالمين على أن وقع له سماع مصنفي الإمام حافظ المشرق عدو الجهمية والمعطلة المريسية عثمان بن سعيد الدارمي –النقض والرد-كما ذكر ذلك في ترجمته في طبقات الشافعية حين ذكر قول شيخه الذهبي: ((وللدارمي كتاب كامل في الرد على الجهمية سمعناه وكتاب كامل في الرد على بشر المريسي سمعناه ، قلت-القائل ابن كثير-: ووقع لي سماعهما أيضاً ولله الحمد والمنة)) فتأمل لو وقع لأشعري سماعهما هل سيقول ما قاله ابن كثير أم سيقع مصعوقاً من طحن الدارمي لمذهبه ؟؟

وتأمل قوله في بدء ترجمة الإمام أنه ((محدث هراة أحد الحفاظ والأعلام ..)) ونقل الكثير في الثناء عليه وعلى موقفه من المبتدعة هذا مع وقوفه على الكتاب كاملين وما فيهما مما يسمونه المعطلة تجسيم وحلول حوادث إلخ.

وهو -كشيخه الذهبي- كثيراً ما ينتهز الفرصة في تراجمه للأئمة فيُذكر بعقيدة المترجم له السلفية أو ينقل كلامه أو يبين توبة الأشعري أو حيرته ينظر ذلك على سبيل المثال في ترجمة شيخ الإسلام الصابوني الشافعي طبقاته ج1/352 وترجمة شيخ الشافعية في العراق محمد بن أحمد الترمذي ج 1/176وترجمة مجدد القرن الثالث أحد عظماء الشافعية الإمام ابن سريج ج1/185 ، وترجمة الحافظ ابن العطار الهمذاني -في البداية والنهاية- صاحب "فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد" -وفيها إثبات العلو وذم الكلام- وقال عنه أنه (صحيح الاعتقاد) وينظر ترجمة الكرجي الحافظ حيث قال: ((وله مصنفات كثيرة منها الفصول في أعتقاد الائمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة)) وغير هؤلاء كثير ، وفي الجهة الأخرى ينظر ترجمة الجويني ج2/49-50 والرازي ج2/258-260 والغزالي في ج2/99 من الطبقات وقال فيها: ((ولما كان الغزالي رحمه الله قد أوغل في علم الكلام –وفي نسخة علوم كثيرة-وصنف في كثير منها واشتهرت ، فصار من نظر في شيء منها يعتقد أنه كان يقول بذلك ، وإنما قاله –والله أعلم- أثراً لا معتقداً ، وقد رجع عن ذلك كله في آخر عمره إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والاشتغال بصحيح البخاري..وقد كثر القيل والقال في مصنفاته والاستدراك عليها..ثم نقل من رد عليه))إلخ

وقوله أنه كان يصنف ولا يعتقد بما يصنفه قول بعيد وفيه نظر شديد ولكن رجوعه الذي ذكره بعد هذا هو الذي نعتقده في أمر الغزالي رحمه الله ولا يرتضيه الخصم.

وكذا ينقل ذم السلف لعلم الكلام ولا يتأوله كما فعل هذا من فعله من الأشعرية قال في ترجمة الشافعي من البداية والنهاية-من خلال الشاملة-:

((قال-يعني الشافعي-: لو علم الناس ما في الكلام من الاهواء لفروا منه كما يفرون من الاسد.
وقال: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويطاف بهم في القبائل وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب كامل والسنة وأقبل على الكلام.
وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول: عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا.
وقال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جزاهم الله خيرا، حفظوا لنا الاصل، فلهم علينا الفضل.
ومن شعره في هذا المعنى قوله: كل العلوم سوى القرآن مشغلة * إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال: حدثنا * وما سوى ذاك وسواس الشياطين وكان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر.
وقد روى عن الربيع وغير واحد من رؤوس أصحابه ما يدل على أنه كان يمر بآيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف، على طريق السلف.))

وتأمل هذا الكلام الأخير جيداً خصوصاً قوله (( ولا تحريف)) ولم يقل ((ولا تأويل)) تعرف مقدار متابعته لما قرره شيخه شيخ الإسلام ابن تيميه في هذا ،فقوله ((ولا تعطيل ولاتحريف)) يعني ما قرره شيخه أنها لا تفوض ولا تحرف عن معانيه اللائقة بالله تعالى.

وله كلام جيد في بيان إفلاس الجهمية المؤولة ، قال من البداية والنهاية-عبر الشاملة-:

والجهمية تستدل على الاستواء على العرش بأنه الاستيلاء ببيت الاخطل: قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق وليس فيه دليل، فإن هذا استدلال باطل من وجوه كثيرة، وقد كان الاخطل نصرانيا

ثم قال في موضع آخر:
((وكان الاخطل من نصارى العرب المتنصرة، قبحه الله وأبعد مثواه، وهو الذي أنشد بشر بن مروان قصيدته التي يقول فيها: قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء على العرش بمعني الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا.
فإنه إنما يقال استوى على الشئ إذ كان ذلك الشئ عاصيا عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء بشر على العراق، واستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعا عليه نفسا واحدا، حتى يقال استولى عليه، أو معنى الاستواء الاستيلاء، ولا تجد أضعف من حجج الجهمية، حتى أداهم الافلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح وليس فيه حجة والله أعلم.))

وكثير من الأشعرية –كالجويني ومن وافقه وهم عامة المتأخرين- هم من يحتج بهذا البيت لتقرير التأويل ، فتأمل وصف المحتج بهذا البيت-مطلقاً فهو لم يقيد- بالجهمية مع معرفته بأن عامة أشعرية عصره على هذا.

ثم تأمل موقفه من ما حصل بين أهل السنة والأشعرية في عصره -أعني بين ابن تيميه وخصومه-تعرف مع أي جماعة هو، أنظر قوله :

((وبحثوا في "الحموية" وناقشوه في أماكن منها ، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير)) أسكت من؟ أسكت الأشعرية.

ويقول عن مناظرة شيخ الإسلام لهم في الواسطية: ((وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية" ..وحضر الشيخ صفي الدين الهندي ، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيرا ، لكن ساقيته لاطمت بحرا!!)) والبحر هو البحر السني السلفي

وقوله: ((وفي ليلة عيد الفطر أحضر الامير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء فالقضاة الشافعي والمالكي والحنفي، والفقهاء الباجي والجزري والنمراوي، وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس، فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطا بذلك، منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة وأرسلوا إليه ليحضر ليتكلموا معه في ذلك، فامتنع من الحضور وصمم، وتكررت الرسل إليه ست مرات، فصمم على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا، فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين.))

وقوله: ((ثم اجتمعوا يوم الاحد بمرسوم السلطان جميع النهار، ولم يحضر أحد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير، أكثر من كل يوم، منهم الفقيه نجم الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي، وفخر الدين ابن بنت أبي سعد، وعز الدين النمراوي، وشمس الدين بن عدنان وجماعة من الفقهاء وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار، بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره، لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والأدلة، وأن أحدا من الحاضرين لا يطيقه، فقبل عذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير، وبات الشيخ عند نائب السلطنة وجاء الامير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق، فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه، وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه.))

((..وكتبوا في حقه-أي الآملي- محاضر بأشياء قادحة في الدين فرسم بصرفه عنهم وعومل بنظير ما كان يعامل به الناس ، ومن جملة ذلك: قيامه على شيخ الإسلام ابن تيميه ، وافتراؤه عليه الكذب مع جهله وقله ورعه ، فعجل الله له هذا الجزاء على يد أصحابه وأصدقائه جزاءً وفاقا))


فتبين من هذا كله-وقد تركت الكثير- بطلان دعوى أنه أشعري وأنه من أشعريتهم براء !! فإما أن تكون العبارة لا تصح أو تكون على وجه المزاح كما ذكر أحد الأخوة ، وإما أن يقال:

في الوجه الثالث: أنه قد تبين أنه ليس على مذهب الأشعرية الذي استقر عليه القوم فيجوز أن يكون قد نسب نفسه للأشعرية على اعتبار ما ورد في الإبانة وقد ذكر شيخه شيخ الإسلام أن من قال بما في الإبانة ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهو من أهل السنة (1) ، وابن كثير قد نقل في طبقاته أن الأشعري مر بثلاثة أحوال معتزلي ثم كلابي ثم سلفي وقال: ((الحال الثانية إثبات الصفات العقلية السبعة ..وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك والحال الثالثة إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف ، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً)) وهذه الإبانة هي التي ينقل منها شيوخه ابن تيميه والذهبي والتي يقول القوم أنها مدسوسة عليه وأن بها حشو وتجسيم واضح!!

الوجه الرابع: أن القوم أنفسهم اعترفوا بنفي نسبته للأشعرية ووصفوا معتقده بالفساد وأنه على طريقة واحدة هو وابن تيميه، فكيف يكونوا -هو وهم- جميعاً أشاعرة !!؟ ولو كان ابن كثير معهم لما قالوا هذا فيه فالحمد لله الذي أنطقهم بالحق ، ، وفي مقدمة "الإشارة في علم الكلام" للرازي تحقيق بعض أتباع سعيد فودة وبإشرافه هو وبتقديم علي جمعه مفتي مصر الأشعري فيه ص 32: ((ابن كثير والذهبي كانا على طريقة ابن تيميه في العقائد وإن كان ابن كثير أقل من الذهبي والذهبي أقل من شيخه ، إلا أنهم يجمعهم طريقة واحدة في العقائد)) ، وأذكر أنني قرأت للكوثري-وسأبحث عن لفظه وموضعه إن شاء الله- أن ابن تيميه أفسد معتقد ابن كثير فابن كثير فاسد المعتقد عنده.


أما أن المبتدعة يزعمون أن الذهبي وابن تيمية ! إلخ على مذهبهم بسبب كلمة مبتورة هناك او هناك ، فيقال: ينبغي أن تعلم أخي أن معرفة منهج أحد الأئمة في العقيدة يتطلب النظر في منهجه -من عامة كتبه- في مصدر التلقي وموقفه من تعارض العقل والنقل وخبر الآحاد في العقيدة على سبيل المثال، وموقفه من توحيد العبادة وكذا الأسماء والصفات خصوصاً المسائل الكبار كالعلو وكلام الله و الصفات الخبرية وكذلك عقيدته في الإيمان وعقيدة في القدر وأفعال العباد وغير ذلك ، فليس الأمر مجرد كلمة تقتص عن سياقها وحسب! ، ثم أهل السنة لا معصوم عندهم غير الأنبياء والرسل عليهم السلام ، ولو غلط إمام سني في مسألة علمية أو عملية فلا يتابعوه عليها ولا يسوغوا الوقوع في الخطأ لمجرد أن ذاك الإمام قد زل فيها فالعبرة عندهم بالدليل ، وهم كذلك لا يبدعوه لأجلها ، ، فالأمر كما يعبر أحد المشايخ بأن مذهب أهل السنة كالنهر الجاري والعلماء كالشجر المنتصب فيه ولو انكسر من أحدها غصن –وهي الزلة- فلا يتوقف النهر عن الجريان بل يبقى جار كما هو والغصن ما يلبث أن يتنحى.

هذا و الله أعلم وبالله التوفيق.




من كلام الأخ فيصل ..
بتصرف




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©