مناقشات علمية لشبهات من حرم المولدالنبوي

للشيخ غيث بن عبد الله الغالبي


بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاةوالسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد :فلا شك أن كل مسلم يفرح بعبادة الله تعالى ،وبكل ما يقرب إلى طاعته .

ومن ذلك ما يعرف بالعبادة في يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم . وقد كتب العلماء قديماً وحديثاً في فضل ذلك ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال الحافظ السيوطي "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصرأبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحدمن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة، وإلافلا.

قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت،وهو ماثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم؟ فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرالله تعالى، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمةأو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذاالنبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى أي يوم من السنة، وفيه ما فيه.فهذا ما يتعلق بأصل عمله.

وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصرفيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقةوإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة.وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحاً بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لابأس بإلحاقه به،وما كان حراما أو مكروهاً فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى. انتهى. [1]

وقال الإمام أبوشامةمانصه:ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌبمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على مامنّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين. اهـ.[2]

وأجازه الإمام ابن الحاج أيضاً مع نقده للمنكرات كالمعازف ونحوها .[3]إذا علمت ذلك فإن البعض شدد على الناس في هذه المسألة دون موجب لذلك واستدلوا بأدلة في غير موضعها وكنموذج مقترح لبيان اقوال هذاالمنهج.فقد أخترت رسالة تنشر في ذلك ويتداولها طلبة العلم معتمدين عليها في تبديعالمسلمين الذين يظهرون الاهتمام بيوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.ولما كان من المحتمل أن يكون كلامهم صواباً تأملت فيه طالباً للحق الذي لديهم ووقفت مع هذه الرسالة وقفات تأمل ونقاش ثم بحثت عن ماذكر عندهم من اعتراضات في الكتب والرسائل الأخرى لعلي أجد مسوغاً لتحريمهم للمولد النبوي ،وتبديعهم لمن يقيمه من العلماءوالعامة .وحتى لا أطيل فسأترك للقارىء الكريم فرصة التأمل في اعتراضاتهم والردعليها
.وقد جعلت هذه الرسالة بعنوان وقفات يسيرة مع فتوى الشيخ صالح الفوزان في مسألة الاحتفال بيوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.عسى أن يكون فيها فائدة لطالب الأخرة الساعي إلىتحصيل الحق والعمل به .دون مكابرة ولا مجازفة .عسى الله أن ينفع بذلك ويجعله خالص لوجهه الكريم. وإليكم هذا البيان الذي حاولت فيه استقصاء كلام المعارضين للمولدالنبوي ،وأسأل الله عزوجل أن ينفع بذلك.

قال الشيخ الفوزان :أولاً :أنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه .

الجواب : بل كان من سنته تعظيم يوم مولده صلى الله عليه وسلم كما في الحديث أنه سئل عن صوم يوم الأثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه)). أخرج مسلم في صحيحه (2/819) قال الإمام ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ وفي قول النبيrلما سئل عن صيام يوم الاثنين ؟قال: (ذاك يوم ولدت فيه وأنزلت علي فيه النبوة) إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمدrوبعثته وإرساله كما قال تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم). فإن النعمة على الأمة: بإرساله أعظم من النعمة عليهم بإيجاد السماء والأرض والشمس والقمر والرياح والليل والنهار،وإنزال المطر وإخراج النبات، وغير ذلك.فإن هذه النعم كلها قد عمت خلقا من بني آدم كفروا بالله وبرسله وبلقائه فبدلوا نعمة الله كفراً، فأما النعمة بإرسال محمدr فإن بها تمت مصالح الدنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله الذي رضيه لعباده، وكان قبوله سبب سعادتهم في دنياهم وآخرتهم.
فصيام يوم تجددت فيه هذه النعم من الله على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددهابالشكر.أنتهى كلامه[4] ويستفاد من تعليق الإمام ابن رجب على الحديث أن الهدف من الصيام هو شكر الله على النعمة .وأن مولد النبي صلى الله عليه وسلم نعمة عظيمة،تستحق الشكر لعظمتها. وبه يتبين للعاقل المنصف وجه الدلالة في الحديث على تخصيص يوم من الأسبوع يحتفى فيه بالمولد ،هو يوم الأثنين ،وهذا مستحب ،وهو بشهر مولده الصق ومعلوم أنه ولد في شهر ربيع الأول بالإجماع وإنما وقع الخلاف في مادة التاريخ ذلك فقيل في الثاني عشر من ربيع الأول وهو قول الجمهور وقيل في يوم التاسع منه وهذان القولان أشهر ماذكر ،والمهم هو تعظيم يوم الأثنين من كل أسبوع ،مهما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً لأنه مستحب.وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله. وإنما الغرض الرد على دعوى أن لم يكن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

ــــــــــــــ
قال : الشيخ الفوزان :والاحتفال بالمولد محدث أحدثه الشيعة الفاطميون :

الجواب: ليس بصحيح أن أول من أحدثه الشيعة الفاطمية بل هو موجود من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ـ أي من حيث تعظيم اليوم الذي ولد فيه بعبادة ـ
لكن الذي أحيا ذلك بشكل مرتب منظم هوالملك المظفر وهو سني العقيدة فبدعة أهل السنة للمولد النبوي هي إحياء لتعظيم ذلك اليوم بترتيبها وتنظيمها لا في أصله لأن أصله مشروع كما في الحديث السابق. ولذا فحق لكل مسلم أن يقول نعم البدعة هذه .وكون الفاطمية سبقوا إلى إحياء هذه السنة ففيه نظر .! ولكن على فرض رائع ذلك فلا حرج ،لأننا إنما ننكر الباطل الذي يأتي به المبتدعة،وليس المرفوض هو الحق الذي وافقوا فيه السنة .

ــــــــــــــــــــــــــ
قول الشيخ ثانياً : في الاحتفال بذكرى المولد تشبه بالنصارى.

الجواب: لا شك أن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم محرم ،أما تعظيم الله ورسله عليهم الصلاة والسلام فليس خاص بهم، بل كل مصدق بالأنبياء لابد أن يعظمهم سواء كان يهودياً أو مسلماً،لكن لا يتشبه بالنصارى فيطرونه إلى درجة العبادة ،ولا يتشبه باليهود فيجفون الرسلـ عليهم السلام ـ حتى وصلوا إلى أحط الدركات بقتلهم وتكذيبهم .فلا تشبه بحال من الحالين.
فالنهي هو عن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم هذا هو المقصود.وهذا واضح لكل بصير بمعان الحديث . فليس تعظيم الرسل خاص بهم فهو مطلوب من الجميع بلا غلو ولا جفاء .وكما أننا لانرضى باتهام بعض الغلاةللسلفية بأنهم كاليهود في جفاء الأنبياء.فكذلك لانرضى باتهام أهل السنة بانهم كالنصارى في الغلو في الأنبياء.فالمزيادات والمغالطات لاتُرضي من طلبالحق.


قال الشيخ :[ ثالثاً : ....فهو كذلك وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي إلى دعائه والاستعانة به من دون الله ..]

الجواب :سبق الكلام أن المولد الذي فيه محرم يجب إنكار ذلك المحرم فقط، أما أصل العمل فلا ينكر فلا نمنع الناس من العمرة لأجل تبرج بعض النساء ،ولانمنع من دخول المساجد لأجل المعازف المستخدمة في الجولات في كل فرض رائع من الفروض رسمية ،بل الواجب أن ننكر المنكر فقط لا أن ننكر الحق.[5]

ــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ :[ وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده ، فقولوا عبد الله ورسوله ) أخرجه البخاري 4/142 رقم 3445، الفتح 6/551 ، أي لا تغلوا في مدحي وتعظيمي كما غلت النصارى في مدح المسيح وتعظيمه حتى عبدوه من دون الله ، وقد نهاهم الله عن ذلك بقوله : ( يا أهل الكتاب كامل لاتغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) النساء/171 ]

الجواب : وهذا صحيح فعبادة غير الله شرك أكبر سواء كان نبياً أو غيرنبي ،ونحن نتكلم عن مولد يعبد فيه الله وحده لا عن موالد النصارى ،ونتكلم عن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيماً مشروعاً لا أن نطريه كما أطرت النصارى عيسى إذعبدوه وجعلوه ثالث ثلاثة ،ومنهم من قال إنه ابن الله سبحانه وتعالى عن قولهم.
فلا غلو ولا جفاء .وأصبح إيراد الأدلة التي يسوقها المعترض في غيرمحلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ [ رابعاً : إن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن .. كل فرقة تحيي ذكرى موالد أئمتها.]

الجواب :
أولاً:يوم المولد يوم خصه الشرع بمزيد فضل كما تقدم فليس ببدعة.

ثانياً:أن المطلوب من المسلم المسارعة في كل انواع الخير والتقرب إلى الله تعالى بالمحافظةعلى الطاعات الواجبة والمستحبة ،وأن يكون نشيطاً لذلك .ودعوى أنهم لاينشطون في الطاعات دعوى عريضة .ولكن رغم عموم الدعوى إلا ان التكاسل عن نوافل العبادة تقصيربلاشك ولابد أن يتزود المسلم ليوم الرحيل ولا أدعي أنه لايوجد في أهل السنة ولا في السلفية منهم أهل زهد وعبادة ،كما أنني لا أدعي أنه لايوجد التقصير والتكاسل ،ولكن نسأل الله أن يوفق الجميع لمايرضيه.

ثالثاً: إن أرادوا بالاحتفال بمشايخهم على أنه عبادات فهذا غلط ،وإن أرادوا أنها مجرد تذكير لهم بمحاسنهم ليتأسوا بهم في الخير فقط ،فلا شيء فيه وهو كأسبوع الشيخ محمدبن عبدالوهاب وكالاحتفال بذكرى الإمام عبدالله الخليفي في جامعة أم القرى ونحو ذلك من الذكريات.التي يحييها مشائخ السلفية.
أفنقول : حرام على بلابه الدوح : حلال للطير من كل جنس .
ـــــــــــــــــــــــ
قول الشيخ :[ويمكن حصرهذه الشبه فيما يلي :
1ـ دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم . ]


الجواب:هذه الدعوى دعوى صحيحة وليست بدعاً من القول ،وسبق أن ذكرت أن لتعظيم مولده صلى الله عليه وسلم أصل شرعي وأزيد هنا أنه فرحة من المسلمين بنعمة الله عليهم بمولد رسولهم صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )) (يونس : 58) و قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ولهذا قال تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واجب بلاريب في يوم المولد وفي غيره بلااستثناء.وعلى قدر تعظيمه التعظيم الشرعي يكون القرب من سنته .ومن حصّل ذلك فقد عظمت عليه نعمة الله، فما أحوجه إلى القيام بشكر هذه النعمة وسؤاله دوامها والثبات عليهاإلى الممات والموت عليها فبذلك تتم النعمة.فادعاء أن مزيد التعظيم في يوم المولدبدعة !هو مجرد تهويل لا ينفع .لأن من المعلوم أن التعظيم مستمر إن شاء الله تعالى . بيد أن هناك مواسم يظهر فيها مزيد اهتمام.
ولانكارة في ذلك .لأننا نرى التعظيم لله تعالى في كل حين غير أن هناك مواسم يظهر فيهامزيد اهتمام كرمضان ،والعشر وغيرها ،وعلى هذا فقس.
ــ
قول الشيخ:[2ـ الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان :

والجواب عن ذلك أن نقول : الحجةبما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، والثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن البدع عموماً ، وهذا منها ، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة وإن كثروا.]


الجواب :الناس لا يحتجون بعمل المسلمين على مشروعية العمل وإنما يحتجون بتجويز جمهور العلماء لهذا العمل ،وليس من باب البرهان للتشريع ،وإنما من باب لفت النظر إلى استنادهم لدليل ،لأن العوام تبع للعلماء ،فلمانظرنا للعلماء وأقوالهم قديماً وحديثاً كالحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي وابن الجزرى وكثير من علماء المذاهب الأربعة وغيرها علمنا أن لهم أدلة أقاموها على جوازالاحتفال بالمولد النبوي ،وعلمنا أنهم قيدوا ذلك بعدم وجود منكرات فيه ،وعلمنا أن لهم أدلة وحجج شرعية على جوازه،وبه علمنا سبب تواتر عمل المسلمين على ذلك في شتى بقاع الأرض على تفاوت بينهم من مولد ليس فيه إلا الخير فقط ،ومولد خلط عملاً صالحاًوعملاً منحرفاً عن الجادة .

ولذا فنحن نقول هو سنة لابدعة وقد سبق ذكر بعض الأدلة على ذلك فهو موافق للدليل لا مخالف، إنما البدعة كانت في إحيائه لا في أصله كما أن صلاة التراويح كانت البدعة في إحياءها جماعة لا في أصلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3[ـ يقولون : إن في إقامة المولد إحياءً لذكرى النبي صلى الله عليهوسلم .
والجواب عن ذلك أن نقول : إن ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم تتجدد معالمسلم ، ........ لا في يوم المولد فقط ....]


الجواب:كلام صحيح فالإقتصار على اتباع سنته وتذكره في يوم المولد فقط خطأ وغواية ،والنهي عن تذكره يوم المولد خطأ وغواية، والصحيح أن يوم المولد مناسبةمادة التاريخية تلفت النظر إلى أمر معمول به لغرض صحيح وهو المحافظة على هذا العمل والإزدياد منه ،وإن كان من الناس من هو في غفلة فيذكر به فظهر فضل إقامة المولد وهومحطة للتربية على ربط نفوس الأجيال برسوله صلى الله عليه وسلم فهو محطة ذكرى للزيادة والتذكير لا لأجل الاقتصار على ذلك .
ــــــــــــــــــــ
قول الشيح: [والرسول صلى الله عليه وسلم غني عن هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره كمافي قوله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) الشرح مفصل/4 ، فلا يذكر الله عز وجل في أذان ولاإقامة ولا خطبة وإلا يذكر بعده الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك تعظيماً ومحبةوتجديداُ لذكراه وحثاً على اتباعه.]ا

لجواب : لا تعارض أصلاً بين هذا وذاك بل كلاهما خير لابد من المحافظة عليه ،ولا نكتفي بذلك فقط بل نعظمه عليه الصلاة والسلام بكل ماهو مشروع ،وإن تعظيمنا له لا يعني أنه فقير إليناصلى الله عليه وسلم ،وتعظيمنا لله لا يعني أنه غير غني عنا فلا شك أننا نحن الفقراءإلى الله وتعظيمنا له ولرسوله صلى الله عليه وسلم فضل منه علينا.وعمل الأعمال الصالحة في يوم المولد صورة من صور رفع ذكره صلى الله عليه وسلم،كما قال تعالى {ورفعنا لك ذكرك}.
ــــــــــــــــــــ
قول الشيخ:[ والله سبحانه وتعالى لم ينوه في القرآن بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما نوه ببعثته ، فقال : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) آل عمران/124 ، وقال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاًمنهم ) الجمعة/2 ]

الجواب : هذا كلام بعيد عن الصواب فإن كان القرآن لم ينوه بفضل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر الشيخـ هداه الله ـ فلا يعني ذلك عدم علو قدرها ورفعة شأنها فكل مسلم يعلم ذلك بلا ريب،فكيف والسنة مصرحة بفضل يوم مولده كما في الأحاديث السابقة ؟!وما السنة إلا وحي من الله ،بل كيف ومولده مولد أعظم مخلوق صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله من الزلات.
ـــــــــــــــــــــــــ
قوله ـ [وقديقولون: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم ، قصد به التقرب إلىالله ! والجواب عن ذلك أن نقول : البدعة لا تُقبل من أي أحد كان ، وحُسن القصد لايُسوغ العمل السيئ ، وموته عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.]

الجواب : أولاً :لماذا هذه المبالغات في الدعوى فمن الذي قال إنه معصوم؟!!

ثانياً:إنما كان ذلك رداً على دعوى أن أول من أحياها الشيعةالفاطمية فهذا هو المراد ولم يقل أحد أنه معصوم لكن نقول: أنه أحيا السنة ،فقدفعلذلك صاحب اربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمّر الجامع المظفري بسفح قاسيون.

قال ابن كثير في مادة التاريخه:كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً،وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه.

قال: وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلداً في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة.انتهى كلام ابن كثيرفتأمل.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5ـ قال الشيخ: [قولهم : إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم ! ويجاب عن ذلك بأن يقال : ليس في البدع شيء حسن ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أخرجه البخاري 3/167 رقم 2697 ، الفتح 5/355 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( فإن كل بدعة ضلالة ) أخرجه أحمد 4/126 ، والترمذي رقم 2676 ، فحكم على البدع كلها بأنهاضلالة ، وهذا يقول : ليس كل بدعة ضلالة ، بل هناك بدعة حسنة.]

الجواب:أولاً: لاريب أن كل بدعة ضلالة .لكن ليس فيما استند إلى الأدلة الشرعية بدعة ، وإنما البدعة ماخالف الكتاب كامل أو السنة أوالإجماع.فالمقصود بالبدعة الحسنة هي البدعة اللغوية وكل مالم يخالف أصول الالشريعة الاسلاميةومن أصول الالشريعة الاسلامية تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق بيان ذلك.ولذا قال عمر نعم البدعة هذه ،ونعم تستخدم لمدح ماهو حسن .
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الإمام الشافعي عن الشافعي قال:
المحدثات من الأمور ضربان:أحدهما: ما أحدث ممايخالف كتاب كاملاً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة.
والثاني: ماأحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.
وقال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات:البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله علبه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة.
فهؤلاء بعض من الأئمة الذين قسموا البدعة إلى حسنة وقبيحة ،ولا شك أن كل بدعة ضلالة هي القبيحة وهو ماخالف أصول الالشريعة الاسلامية ولم يقم عليه دليل من الشرع .
ثانياً:الاستدلال بالأحاديث السابقة تنزيل لها في غير محلها،لأن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم من الأصول العظيمة في الإسلام فالاستدلال بالأدلة على نفي التعظيم باطل ،وكذا الاستدلال بهاعلى نفي تخصيص يوم مولده بالتعظيم باطل بما سبق من أدلة تعظيم يوم مولده.

ــــــــــــــــــــــــ
قول الشيخ:[قال الحافظ ابن رجب في شرح مفصل الأربعين : ( فقوله صلى الله عليه وسلم : " كل بدعة ضلالة " من جوامع الكلم ، لا يخرج عنه شيء ، وهو أصل عظيم من أصول الدين ، وهوشبيه بقوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه البخاري 3/167 رقم 2697 ، الفتح 5/355 ، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه ، وسواء في ذلك مسائلا لاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة ) انتهي جامع العلوم والحكم ، ص 233 ]

الجواب : هذا القول درة من درر الإمام ابن رجب لو تأملناه بلا مغالطات فقوله: (فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه )أقول صدق ابن رجب ـ رحمه الله ـولذا فالمولد من الدين وأصله العام تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصله الخاص تعظيم يوم الأثنين بولادته فيه ، والقياس على فعل الرسول صلى الله عليه سلم بتعظيم عاشوراء بجامع شكر الله على منته بإرسال الرسول أفضل خلقه صلى الله عليه وسلم .
ولله در الحافظ ابن رجب الحنبلي حيث قال في هذا المعنى في كتاب كامله لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (ص114) : فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده ، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم ، كما قال تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) (آل عمران:164) فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل ، وهو من باب مقابلةالنعم في أوقات تجددها بالشكر" انتهى كلام ابن رجب فتأمل.!
ــــــــــــــــــــــــــ
قول الشيخ :[وليس لهولاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاةالتراويح : ( نعمت البدعة هذه ) صحيح البخاري 2/252 رقم 2014 معلقاً ، الفتح 4/294

وقالوا أيضاً : أنها أُحدثت أشياء لم يستنكرها السلف ، مثل : جمع القرآن في كتاب كامل واحد ، وكتاب كاملة الحديث وتدوينه . والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع فليست محدثة .
وقول عمر : ( نعمت البدعة ) يريد : البدعة اللغوية لاالشرعية ، فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه ، إذا قيل : إنه بدعة ، فهو بدعة لغةلا شرعاً ، لأن البدعة شرعاً ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه.]


الجواب:أولاً: الاستدلال بكلام عمر رضي الله عنه استدلال في مكانه وقد بينت ذلك فيما سبق .
ثانياً:لا مشاحة في الاصطلاح فسمها بدعة لغوية ولا علينا أن سمينا المولد بدعة لغوية على المعنى الذي ذكرته ،فالعبرة بالمعاني لا بالألفاظ ،لأننا نقول: أن لها أصلاً في الشرع قد بينت بالأحاديث السابقة فلا حاجة للتكرار ويصبح كلام الشيخ في غير مكانه .

واما كونها حجتهم الوحيدة فليس بصحيح ،بل لهم حجج عديدة .

فمن حججهم :

الحجة الأولى :النص الشرعي على تعظيم يوم الأثنين بأسباب منها كونه يوم مولده.

الحجة الثانية:شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي من أجل النعم كما عظم الشرع يوم عاشوراء لأن فيه نجاة موسى وقد ذكر ذلك الإمام ابن حجر.
الحجة الثالثة :أن الأصل هو الإكثار من الطاعات والخير المقرب إلى الله تعالى مادام أنه لايخالف الشرع وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ،وقراءة سيرته،والصلاة والسلام عليه ،وذكر الله تعالى ،والصدقة ،وإطعام الطعام كل ذلك من الخير و لادليل على استثناء يوم مولده من الطاعات المطلقة .فلاوجه للإنكار.

الحجةالرابعة :أن فيه تذكير بأيام الله تعالى العظيمة
لأن الأيام المشهورة على قسمين:
القسم الأول:ايام عذاب :تذكر بقدرة الله تعالى على تعذيب العصاة .

القسم الثاني:ايام نعيم تذكر بفضل الله تعالى على عباده المؤمنين ،وتذكر بسير الصالحين ،وترسخ السنة الحسنة ويوم المولد من هذا النوع . قال الله تعالى((وذكرهم بأيام الله)) وقال عزوجل (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِالرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )(120) هود)

وهذا هو من المقاصدالكثيرة الحسنة في احياء المولد.
ـــــــــــــــــــــــــ
قول الشيخ :[والتراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تُفرض رائع عليهم ، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ، إلى أنجمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلف إمام واحد كما كانوا خلف النبي صلى الله عليهوسلم ، وليس هذا بدعة في الدين. ]

الجواب : نقول ليست بدعة في الدين ولكن إحياؤها بدعة كما قال عمر رضي الله عنه لأننا نقول: إن كان الاجتماع لها سنةفلماذا هجر أبو بكر في زمانه وعمر في صدر من خلافته تلك السنة ـرضي الله عنهما ـ أي (سنة الاجتماع على إمام واحد)؟!
فإما أن يكون إحياؤها بدليل جديد أو بالدليل السابق ،وهو عين ما نقوله في المولد أنه مجرد إحياء له على الأصل السابق ،فالبدعة هي إحياؤه بالوصف المرتب المنظم وليست البدعة في أصله فأصله مشروع كما سبق .

قال الشيخ:[ويقال أيضاً : لماذا تأخر القيام بهذا الشكر على زعمكم فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر ، فهل كان من أحدث بدعةالمولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله عز وجل ؟ ]

الجواب: أجيب بإجابتين:

أما الأولى: لماذا ترك الصحابة في عهد أبي بكر رضي الله عنه وصدراً من خلافة الفاروق صلاة التراويح جماعة ؟!

فما كان جواب على هذاالإيراد فهو جوابنا على تلك الإيرادات .
الإجابة الثانية :أذكركم بقول ابن القيم في هذا المعنى فإنَّه قد اعتُرض عليه في مسألة القراءة للأموات فقال في كتاب كامل الروح ما نصه: والقائل: إنَّ أحداً من السلف لم يفعل ذلك، قائل ما لا علم له به،فإنَّ هذه شهادة على نفي ما لم يعلمه، وما يدريه أن السلف كانوايفعلون ذلك ولايشهدون من حضرهم عليه. اهـ



أخيراً أقول: كل ماورد من قولهم أن المولد بدعة فالمعنى بدعة في إحيائه لا في أصله.وكل ما بقي فهو مجرد تكرار قد سبق الرد عليه .وبه ينتهى التعليق على كلام الشيخالفوزان.

شبهات أخرى

الشبهة الأولى :[هل كل يوم فضيل أتى الخبرُ ينصُ عليه يُسن الاحتفال فيه؟]
الجواب:نعم يسن ذلك والاحتفال فيه يكون بماورد فيه أو من جنسه فمثلاً يوم عرفة يكون بالوقوف والدعاء والاستغفار ونحو ذلك .

ومعلوم لدى كل عاقل احتفاء المسلمون بيوم عرفة ،والعشر الأواخر وعشر ذي الحجة ،ويوم عاشوراء وغيرها من الأيام الفاضلة .وهي تشترك مع يوم المولد النبوي الشريف في التعظيم ،واستحباب احيائها بما شرع الله فيها، وبالسرور العظيم الذي ينتاب كل مؤمن بها ،ولذا فهو يعمل في تحصيل الثواب المترتب على ذلك .

إلا أن المولد النبوي الذي نقصده هو ما شمل على التالي :
1ـ تعظيمه يومه بالصيام من باب التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وسائر العبادات المشروعة الأخرى لما في ذلك من شكر الكريم عزوجل .

2ـ مزيد التذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليومـ وتنبه لقولي مزيد ذلك ـ لأن الأصل أننا نذكره في جميع الأيام وإنما يوم مولده يفرح كل مؤمن ويخزي كل كافر معاند ((قل بفضل ونعمته فبذلك فليفرحوا هو خير ممايجمعون )).

3ـ أن من فوائد تخصيص يوم مولده بالاحتفال هو ربط أذهان الأجيال المسلمة صغيرها وكبيرها بيوم من الأيام العظيمة في مادة التاريخهاوالله عز وجل يقول ((وذكرهم بأيام الله)) (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَوَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )(120) هود) ولا شك أن تذكيرهم بنجاة موسى عليه السلام كيوم عاشوراء، وأيام إبراهيم في بناءالبيت وغير ذلك لبيان واضح لما نحن فيه من ربط الأجيال بالقدوة الصالحة ،ولا شك أنذلك عمل تربوي سليم حتى لا تغفل الأجيال المسلمة عن مادة التاريخها العظيم .فأقل ما يفعله و ذكر شيء من سيرته وأحاديثه الثابتة صلى الله عليه وسلم .ومن أشرف على تربيةالشباب يعرف فائدة ذلك جيداً.لأن ربط الأجيال بالمناسبات له دور عظيم في ترسيخ الاعتقاد وربط الأذهان بذكرى معينة تفيدهم في رسم قدوات لحاضرهم ومستقلبهم.

الشبهة الثانية :[ أن يوم الثاني عشر من ربيع الذي يعظمه من يحتفل بالمولد لا يكون دائماً في كل سنة يومالاثنين .]

الجواب على هذه الشبهة :أما كونه مخالف فليس بصحيح لأن يوم الثاني عشر ويوم الاثنين يشتركان في كونهما يوم مولده صلى الله عليه وسلم فالأول بالحديث الوارد في ذلك والثاني بالاجتهاد في تحديد المادة التاريخ ومعلوم الاختلاف في تعيين اليوم ولكن أقوى الأقوال عن مولده تتراوح بين الثامن إلى يوم الثاني عشر من ربيع الأول ،فإذا كان ذلك كذلك فلا حرج أن يحتفل الناس في أي يوم اثنين من شهر ربيع الأول في الأسبوع الثاني منه . مع أن المقصود أوسع من سطحيةالاعتراض الوارد وقد ذكرت الحكم العظيمة من إحياء يوم مولده صلى الله عليه وسلم فراجعها.

الشبهة الثالثة : [لماذا تجعلون الاحتفال بالمولد بدلاً عن الصيام الوارد؟]

الجواب: أن هذا السؤال فيه تعنت وكبر لأن الكبر ((هو بطرالحق وغمط الناس ))
فمعلوم أن الصيام نوع من أنواع العبادات التي تستحب في يوم المولد فمن الذي نهى عنه حتى يورد مثل هذا الإيراد التلبيسي ؟!! بل صيام الاثنين مستحب بلا ريب.
لأنه يوم مولده صلى الله عليه وسلم وفيه ترفع الأعمال وقد حوى فضائل جمة .
وحيث فهمنا الاحتفال الذي يقصده السني من تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم بما شرع الله تعالى من صيام منصوص عليه ،أو نوافل مطلقة كإطعام الطعام ونحوه من تسبيح وتكبيروتهليل ، وذكر وتعليم لسيرته صلى الله عليه وسلم علم العاقل أن كل محرم للمولد فإنه مغال بشرط أن يخلو المولد عن المحرمات، والمكروهات، كما ذكرت سابقاً.

الشبهة الرابعة:[أن تخصيص ذلك اليوم بمزيد عبادة يعتبر بدعة في الدين ،وكل بدعة ضلالة.]

الجواب:أولاً:المخصص ليوم ميلاده بمزيد فضل هو النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق.
وكذا بالقياس على تخصيص يوم عاشوراء بعبادة شكراً لله تعالى على نجاة موسى فكذا يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بجامع شكرا لله على هذه النعمة.

ثانياً:أن الأصل هو أن يعمل الطاعات في كل وقت لا يستثنى من ذلك إلا ما منع الله عن نوع من العبادة فيه.
وذلك بأدلة كثيرة منها قول الله تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره}
ولذافالأصل أن المسلم يصلي النوافل المطلقة في جميع الأوقات إلا ما منع الشرع من الصلاةفيه وهي أوقات معروفة بأوقات النهي.
والأصل أن جواز الصيام في أي يوم من الأيام إلا ما نهى الشرع عنه سواء نهي تحريم كيوم العيد أو نهي كراهة كإفراد الجمعة .والأصل إطعام الطعام في جميع الأوقات إلا ما منع الشرع منه كإطعام الصائم في نهار رمضان فإنه لايجوز .والأصل الصدقة في جميع الأوقات ..إلخ.إذن فلا وجه لمنع الناس من زيادات الطاعات المشروعة إلا بنهي خاص يخصص عموم النصوص الدالة على التقرب إلى الله تعالى .وعليه فلا وجه لنهي الناس عن ذكر الله يوم المولد ،ولاوجه لنهيهم عن صيام التطوع ،ولا وجه لنهيهم عن أي طاعة،إلا مانهى الشرع عنه بخصوصه .
ومن نهى الناس عن عبادة الله في وقت من الأوقات بأي نوع من العبادة فعليه الدليل .

ثالثاً:اما حديث كل بدعة ضلالة ؟فالمقصود بالبدعة مالا أصل له في الدين .ولذا قال في الحديث الأخر ((من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد )) فقوله (في امرنا) أي في دينه وشرعه وقوله (فهو رد )أي مردود غير مقبول .فالصوم والصلاة،والصدقة ،والذكر ،والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلها مشروعة ،ولذا فهي من أمره وشرعة .وكذلك الفرح والابتهاج بيوم مولده لاشك أنه من دلائل المحبة.

الشبهة الخامسة:[أن يوم الاثنين ولد فيه ومات فيه فلاوجه لتخصيصه بالفرح؟]

قد أجاب على هذه الشبهة الإمام السيوطي رحمه الله حيث قال: "أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والالشريعة الاسلامية حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح عقيقةولا بغيره. بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعدالالشريعة الاسلامية على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن بوفاته.[6]

الخلاصة مماسبق:
1ـ أن إحياء يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بالطاعات مماجاءت به الالشريعة الاسلامية السمحة والأدلة على ذلك مبسوطة في الرد.

2ـ أن أفضل عبادة تختص بمولده صلى الله عليه وسلم هي الصيام . وليس المقصود هو حصر التقرب إلى الله بالصيام وتحريم غيره من النوافل المطلقة ،وإنما المقصود هو تعظيم يوم مولد خير الأنام بسائر الطاعات المطلقة المتيسرة للمسلم .من صدقة أو علم أو ذكر أو غيرها،لأن المقصود واحد وهو شكرالمنعم جل جلاله.

3ـ أنه يحرم حضور الموالد التي فيها محرمات إلا بقصد إنكارها وتغييرها وإلا فيعتزلها.

4ـ أن فعل الملك المظفر هو إحياء للسنة وليس بدعة أصلاً لورود الشرع به فهو من باب (نعم البدعة هذه ) أي كفعل عمر رضي الله عنه.

5ـ أن ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم محطة للتزود بالخير وليس معناه أن لا يعظم إلا فيه،بل هو زيادة في الطاعات والخير من باب التربية والتعويد والاستنان بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم .

6ـ أن ولادته كانت يوم الاثنين من ربيع الأول .ثم اختلف العلماء في أي يوم كان من الشهر على قولين:

الأول: أنه لايحدد بيوم معين وإنما نقول يوم الاثنين من شهر ربيع الأول وكفى.[7]

الثاني: انه محدد بيوم معين واختلفوا في تعيينه والجمهور على أنه في الثاني عشر ومنهم من قال في التاسع .
فعلى القول الأول :يصح اختيار أي يوم اثنين من شهر ربيع الأول والأقرب في الاسبوع الثاني .ولعل الأخذ بذلك أفضل لأن فيه سعة .وأوجه من جهة تحري الاثنين والله أعلم.

7ـ وعلى ما سبق فلا داعي لافتعال الخلافات الناتجة عن أسباب وهمية ليس لها نصيب من النص والأثر ،ولاصحيح النظر ..والله تعالى يقول{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ولاشك أن هذا مطلب عظيم وأمرنا فقال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} ولا شك أن التعاون على الخير مطلب عظيم وتعظيم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بالطاعات مما حث عليه الشرع الكريم كما بينت بأعلاه .مع إنكار أي منكر يكون ،سواء كان المنكر في مجلس المولد أو غيره من المجالس .ومع اعتقاد أن ذلك ليس من الأعياد الشرعية بل هو كيوم عاشوراء ويوم عرفة ونحوها من الأيام التي تعود على الأمة .

ونسأل الله أن يحيينا ويميتنا على السنة البيضاء .
والحمد لله وكفى وسلام على سيدنا النبي المصطفى وعلى آله وصحبه .
كتبه:غيث بن عبد الله الغالبي
----------------------------------------

[1]كتاب كامل "الحاوي للفتاوي" تحت عنوان (حسن المقصد في عمل المولد) ص 1/196ط دار الكتب العلميةط1408هـ.

[2]قال في كتاب كامله (الباعث على إنكار البدع والحوادث/ص23)

[3]نقل كلامه عن كتاب كامله المدخل الإمام السيوطي في الحاوي للفتاوي 1/194

[4]لطائف المعارف ص114ط دار الكتب ضبط سعيد اللحام وابراهيم رمضان

[5]بينت مسألة الاستغاثة في كتاب كامل كامل علقت فيها على كلام الشيخ محمدبن عبدالوهاب بعنوان [وقفات وإيضاحات مع كشف الشبهات] فليراجع للفائدة وهو متوفرعلى شبكة النت.

[6]الحاوي للفتاوي ص193. طبعة دار الكتبالعلمية

[7]كما ذكر الإمام ابن رجب في لطائف العارفص111






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©