مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا الحاضر
وطرق علاجها للشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله



المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :

العقيدة ، تعريفها وأهميتها:
فإن العقيدة يراد بها : ما يعتقده الإنسان بقلبه ويجزم به ، وينطق به بلسانه ويعلنه ، ويعمل بجوارحه بما تطلبه هذه العقيدة . والعقيدة من عقد الشيء ، إذا شده وأحكمه ، والمراد بها هنا عقيدة التوحيد ، التي هي أساس الإسلام ، وأساس الملة ، التي تُبنى عليها جميع الأعمال .
فهي الأساس الذي يقوم عليه الدين ، وتصح به الأعمال والأقوال ، وهي الركن الأول من أركان الإيمان ، والركن الأول من أركان الإسلام ، فأول ركن من أركان الإسلام : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله . وأول ركن من أركان الإيمان كذلك : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله . وهي أول ما يدعو إليه الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأتباعهم .
فكل رسول يقول لقومه - كما قال الله عز وجل - : ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 59]. وقال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [سورة الأنبياء : الآية 25] . فهي البداية ، وهي الأساس ، وهي المعتبرة في صحة الأعمال أو بطلانها . فإن كانت العقيدة صحيحة ، مبنية على كتاب كامل الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - صحت معها جميع الأعمال ، وذلك إذا كانت موافقة لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم .

العقيدة الصحيحة من شروط قبول الأعمال:
فإن العمل لا يقبل إلا بشرطين :
الشرط الأول الإخلاص لله عز وجل ، بألا يكون فيه شيء من الشرك ، وهذا معنى لا إله إلا الله .

الشرط الثاني أن يكون العمل موافقًا لسُّنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -ليس فيه بدعة ، ولا إحداث في الدين ، وهذا من معنى شهادة أن محمدًا رسول الله .
فهذه هي العقيدة ، وهذه أهميتها في دين الإسلام ، ولذلك كان أول ما دعا إليه رسول - صلى الله عليه وسلم - كإخوانه من النبيين في بداية بعثته في مكة هو : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله . وقال - صلى الله عليه وسلم - : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى » .

بداية دعوة النبي كانت إلى العقيدة الصحيحة:
فأمضى - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة سنة في مكة قبل الهجرة يدعو إلى توحيد الله ، وينهى عن الشرك ، ولَقِي في ذلك ما لقي كإخوانه من النبيين من الأذى ، وتحمل ذلك في سبيل الله عز وجل ، وتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك صحابته الكرام ، والتابعون لهم بإحسان ، ومن جاء بعدهم من أئمة الإسلام ، يعتنون بهذه العقيدة وتأصيلها ، وتعليمها للناس ، والدعوة إليها ، والذب عنها . وآثارهم في ذلك موجودة في مؤلفاتهم التي تقوم على هذا الأساس ، وهذا مما يدل على أهمية العقيدة ، وأنه يبدأ بها أولاً ، فإذا صحت اتجه إلى بقية الأعمال .
ولهذا لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم – معاذ بن جبل إلى اليمن قال له : « إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ . فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ » . فلم يطلب من معاذ أن يعلمهم بالصلاة والزكاة إلا بعد أن يجيبوا بشهادة : ألا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله . لأنه لا فائدة من الصلاة والزكاة وسائر الأعمال بدون تحقيق الشهادتين .
وهذا مما يدل على أهمية العقيدة ومكانتها في الإسلام ، وأنها يبدأ بها قبل كل أمر بالمعروف ، أو نهي عن المنكر ، وهي عبادة الله وحده ، لا شريك له ، وترك عبادة ما سواه . كما قال تعالى : ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [سورة النساء : الآية 36] . وقال تعالى : ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [سورة النحل : الآية 36] . والطاغوت هو عبادة غير الله سبحانه وتعالى ؛ لأن العبادة لا تصح إذا كان معها شرك ، ولا تصح إلا إذا كانت خالصة لله عز وجل .
أما الذي يعبد الله ويعبد معه غيره عبادته غير صحيحة ، كما في الحديث القدسي أن الله جل وعلا قال : « أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ » . وفي رواية : « فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ » . ولا يأتي الأمر بالتوحيد إلا ومعه النهي عن الشرك ؛ لأن التوحيد لا يتحقق إلا بتجنب الشرك ، فهما متلازمان . فلا يكفي أن يقول الإنسان : أنا أعبد الله ، أنا أصلي ، أنا أصوم ، أنا أحج ، أنا أتصدق ، ولا يمنع هذا أن أدعو الحسن والحسين وعبد القادر ، وأستغيث بالأموات . هذا لا يُقبل منه عمل ، ولا تصح منه حسنة واحدة ، حتى يخلص عبادته لله سبحانه وتعالى ، فلا يشرك بربه أحدًا .

قال تعالى : ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [سورة الجن : الآية 18] . وقال تعالى : ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [سورة غافر : الآية 14] . أي : مخلصين له الدعاء ، فلا تدعو الله ، وتدعو معه غيره ؛ من أصحاب القبور والأموات والغائبين ، وتستنجد بهم . تدعو هذا وهذا . هذا شرك أكبر ، يخرج من الملة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أو تعبد الله ، وتقول : لا إله إلا الله . ثم تذبح للقبور ، أو تنذر للأموات ، وغير ذلك ، فهذا تناقض ، وهذا لا يقبله الله سبحانه وتعالى ، كما سمعتم في الحديث السابق : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ... .

مظاهر ضعف العقيدة:
أما مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا فهي كثيرة ، وتجب معالجتها وإلا فسيكون لها آثار قبيحة على العقيدة ، وقد لا تبقى معها عقيدة إذا لم تعالج .
من مظاهر ضعف العقيدة :
المظهر الأول :
• التقليل من شأن العقيدة ؛ لأن بعض الناس - وقد يكونون من المتعلمين أو من الدعاة مع الأسف - لا يهتمون بالعقيدة ، ويقولون : العقيدة تُنفِّر ، لا تنفروا الناس ، لا تعلموهم العقيدة ، اتركوا كلاًّ على عقيدته ، ولكن ادعوهم إلى التآخي والتعاون ، وادعوهم إلى الاجتماع . وهذا تناقض ؛ لأنه لا يمكن التآخي ، ولا يمكن التعاون ، ولا يمكن الاجتماع إلا على عقيدة واحدة صحيحة سليمة ، وإلا فسيحصل الاختلاف ، وكل يؤيد ما هو عليه . فإن الناس لا يجمعهم إلا كلمة التوحيد ، وهي : لا إله إلا الله ، نطقًا واعتقادًا وعملاً . أما مجرد أن ينتسبوا إلى الإسلام وهم مختلفون في عقيدتهم فهذا لا يجدي شيئًا .

عقيدة المشركين في عهد النبي:
فالمشركون الذي بُعث إليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يعترفون بتوحيد الربوبية ، ويعتقدون أن الله هو الرب وحده ، وهو الخالق ، وهو الرازق ، وهو المحيي والمميت والمدبر . ولكنهم في العبادة لا يخلصون العبادة لله ، وإنما كلٌّ يعبد ما استحسنه ، فصاروا متفرقين في عباداتهم ، وإن كانوا يعترفون كلهم بتوحيد الربوبية ، لكنهم في العبادة والتألُّه متفرقون ، فمنهم من يعبد الشمس والقمر ، ومنهم من يعبد المسيح وعزيرًا ، ومنهم من يعبد الشجر والحجر ، ومنهم من يعبد ويعبد كذا وكذا ، كلٌّ له آلهة .

وكان من أثر ذلك أنهم متناحرون ومتفرقون ومتباغضون ومتعصبون ، كلٌّ يتعصب لآلهته . ولهذا قال يوسف عليه السلام كما أخبرنا رب العزة : ﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف : الآية 39 - 40]. فكانوا متفرقين متناحرين ، كلٌّ يتعصب لملته ونحلته وآلهته ، وإن كانوا يقولون : ربنا واحد . لكن معبوداتهم متفرقة .

فلما دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى التوحيد ، وإفراد الله بالعبادة ، واستجاب له مَن استجاب ، اجتمعوا وصاروا أخوة متحابين ، وصاروا أمة واحدة ، وصار سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وغيرهم من سادات المسلمين إخوةً لبني هاشم ، وهم أشرف العرب ، صاروا إخوة متحابين بكلمة التوحيد التي وحدتهم ، فإنهم ما اجتمعوا إلا بالإيمان ، كما قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال : الآية 62 - 63] . فبأي شيء ألَّف بينهم ؟ ألف بينهم بالعقيدة الصحيحة والتوحيد ، بكلمة : لا إله إلا الله . فهذا الذي ألف الله به بينهم ، ولا يؤلف المسلمين اليوم ، ويردهم إلى وحدتهم وقوتهم إلا ما ألف بين السابقين .

ولهذا قال الإمام مالك - رحمه الله – " لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها " . فإذا كانوا يريدون جمع الأمة والتآخي والتعاون فعليهم بإصلاح العقيدة ، وبدون إصلاح العقيدة لا يمكن جمع الأمة ؛ لأنه جمعٌ بين المتضادات ، ولو حاول مَن حاول ، ولو عُقِدت المؤتمرات والندوات لجمع الكلمة ، فإنه لا يمكن إلا بإصلاح العقيدة ؛ عقيدة التوحيد .

يقول البحتري :
إِذَا مَا الْجُرْحُ رَمَّ عَلَى فَسَادٍ *** تَبَيَّنَ فِيهِ تَفْرِيطُ الطَّبِيبِ
فالجرح لا بد أن يعالج وينقى ويطهر ويرم على دواء نافع ، أما إذا رم على فساد فإنه إهمال من الطبيب . كذلك الذي يريد أن يجمع الأمة على غير التوحيد والعقيدة الصحيحة فهذا مهمل .
فبطلت بذلك مقولة إن العقيدة تنفر الناس ، والدعوة إلى التوحيد تنفر الناس ، وادعوا الناس إلى الاجتماع ، وادعوهم إلى الوقوف ضد العدو . فإن العدو يفرح بمثل هذا الكلام ؛ لأنه يعرف أن هذه الدعاوى لا جدوى منها . فيعد التقليل من شأن العقيدة من أعظم مظاهر ضعفها ، لأنه يوجد من يدعو إلى التقليل من شأن التوحيد ، ومن شأن العقيدة ، ويدعو إلى الالتفاف تحت مسمى الإسلام ، ومظلة الإسلام العامة . مع أنه لا يكون إسلام إلا بالعقيدة الصحيحة ، التي هي رأسه وأُسه ، فلا يكون الإسلام إسلامًا بدون العقيدة ، وإن سموه إسلامًا.

المظهر الثاني :
• كذلك من مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا الحاضر عدم اهتمام كثير من الدعاة بها ، فهناك دعاة يدعون إلى الإسلام ، لكن أي إسلام يدعون إليه ، فهم لا يدعون إلى العقيدة . فهم قد يدعون إلى الصلاة ، وإلى الصدق ، وإلى الأمانة ، وإلى الأعمال الطيبة . لكن العقيدة لا تخطر لهم على بال ، فكيف يكونون دعاة بهذه الصفة ؟ هؤلاء ليسوا دعاة إلى الإسلام بالمعنى الصحيح ؛ فالدعاة إلى الإسلام يهتمون بأساس الإسلام ومنبعه وقوته ؛ وهي العقيدة .

فلذلك لا تجد للدعوة إلى التوحيد في منهاجهم ذكرًا ولا اهتمامًا ، بل ربما كان أغلبهم لا يعرفون التوحيد المعرفة الصحيحة ؛ لأنهم لم يدرسوه ، ولم يتعلموه ، وهم يدعون إلى الإسلام ، فكيف يدعون إلى الإسلام وهم لا يعرفون أساسه ، ولا يعرفون أصله . فيجب على الدعاة - وفَّقهم الله - أن يهتموا بتعلُّم العقيدة أولاً ، فيتعلموها ويهتموا بها ويفهموها ، وينظروا في واقع الناس اليوم ، وما وقع فيه من الخلل في العقيدة ، ثم يقوموا بإصلاحه قبل كل شيء .

هذا هو الأخذ الصحيح ، والمنهج السليم للدعوة إلى الإسلام ، وإلا فإن جهود الدعاة إلى الإسلام والجماعات والجمعيات والمراكز ليس لها فائدة ، فما الفائدة والشرك ينتشر في الأمة الإسلامية الآن ، والأضرحة في كل مكان - إلا ما شاء الله - وعبادة غير الله تُعلن جهارًا نهارًا ؛ بالاستغاثة بالأموات ، والذبح لهم ، وربما للجن والشياطين . والدعاة ساكتون ، يتكلمون في كل شيء إلا هذا ، ولذلك لم تثمر دعوتهم .
بينما إذا قام عالم واحد محقق ، ودعا إلى التوحيد ، نفع الله به الأمة ، وهذا العالم ليس لديه أعوان أو أموال أو غير ذلك ، لكنه يدعو إلى التوحيد ، وإلى العقيدة السليمة ، يدعو إلى الله على بصيرة ، كما قال الله - جل وعلا - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف : الآية 108] .
فمعنى : ﴿ سُبَحَانَ اللهِ ﴾ أي : ينزه الله سبحانه عما لا يليق به . ومعنى : ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ أي : يتبرأ من المشركين . وهذه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى التوحيد ، التي أمره الله أن يعلنها للناس . ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعِنِي ﴾ أي : أن أتباع الرسول يدعون إلى الله على بصيرة ، أما الذي يدعو إلى الله على جهل ، أو على عدم اهتمام بالعقيدة ، فهذا ليس على بصيرة ، وإن كان عالمًا ، فإذا لم يهتم بالتوحيد فليس على بصيرة ، وهذا من مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا الحاضر أن كثيرا من الدعاة والجماعات والجمعيات لا تعيرها اهتمامًا ، فلا تعلُّمَ ولا تعليمَ ولا دعوةَ . وإنما يهتمون بمخططات يضعونها لأنفسهم ، ليست على أساس سليم . وكل هذا لا ينفع ، فتضيع الجهود سدى ويبقى الناس على ما هم عليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

المظهر الثالث :
• كذلك من مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا الحاضر عدم التركيز عليها في المناهج الدراسية ، فلا يهتمون بها في مناهجهم الدراسية ، فلا يجعلون لها الصدارة في الوقت ، ولا في الحصص ، ولا في الكتب المفيدة النافعة ، فالمناهج محشوة بموادَّ دنيوية وعلوم دنيوية ، أو أمور تنسب إلى الدين من حسن التعامل وحسن الجوار والصدق في المعاملات ، ... إلخ.
لكن نصيب العقيدة في المناهج الدراسية - إلا من رحم الله - نصيب ضعيف ، ونصيب الأسد لغيرها ، فهذا مما أخَّر المسلمين ، وأنشأ جيلاً جاهلاً بالعقيدة ، يتخرج من الدراسات العليا وهو لا يعرف العقيدة المعرفة اللائقة ، فكيف يرجى حينئذ أن تنتصر العقيدة وتنمو ، ولا وجود لها في المناهج ، وإن وجد لها ذكر فهو ضعيف ، لا يسمن ولا يغني من جوع ، لا يوجد لها تفصيل ولا بيان ، ولا تركيز عليها ، وإن وجد في المناهج حيز للعقيدة فغالب مَن يدرسونها لا يهتمون بها ، ولا يفهمون الطلاب ، وإنما همهم التحدث مع الطلاب ، ومدح الإسلام ، ومدح الدين ، لكن من غير اهتمام بالعقيدة ، ولا فهم لها ، ولا معرفة بها ، أو همهم أن ينجح الطالب وليس ضروريًّا أن يكون فاهمًا للعقيدة .

فاجتمع عدم التركيز عليها في تخطيط المناهج مع ضعف المدرسين ، أو عدم اهتمامهم بها ، وانشغالهم بالأفكار والأسئلة والثقافات المختلفة ، دون أن يهتموا بالعقيدة ، ويلقنوها للطلاب تلقينًا صحيحًا ، ويختبروهم فيها ، ويعلموهم الاهتمام بالعقيدة ، ويبينون لهم أهمية العقيدة . فقد قلَّ هذا في مجتمعات المسلمين .
وفي بلادنا - ولله الحمد – التوحيد والعقيدة لهما نصيب كبير في المناهج ، ولكن نرجو الله أن يهيئ لها معلمين ورجالاً مخلصين ، فيفهموا العقيدة ، ويعلموها الطلاب . فليس المقصود أن نوجد الكتب والحصص اللازمة لتدريس العقيدة – وهذا أمر طيب - ولكن المقصود وجود المدرس ، الذي يُفهم الطلاب العقيدة ، ويوضحها لهم .
المظهر الرابع :
• كذلك من مظاهر ضعف العقيدة التأثر بما يبثه اعداء الإسلام وأعداء التوحيد ؛ من تهوين للعقيدة ، واتهامٍ لأهلها بالتشدد ، وبالتكفير، وأن العقيدة من منابع التطرف ، وأهل التوحيد أهل تطرف وغلوٍّ . يقولون هذا في الفضائيات ، وفي الكتاب كاملات ، وفي الصحف والمجلات ، فيتأثر بهم مَن يسمع هذا الكلام ، فيزهد في العقيدة ، أو لا يحب الكلام فيها لئلاَّ يُتهم بأنه متطرف ، وأنه مغالٍ ، وأنه تكفيري ، إلى غير ذلك من التهم .

فيا عباد الله ، هذا أمر لا يجوز ، فالعقيدة لا مساومة عليها ، مهما قال القائلون ، ومهما أثار الأعداء من الشُّبه بدعوى الإنسانية ومحبة البشرية ، وعدم كراهية الناس للآخر . ثم نجد من يتأثر بهذه الأفكار الخبيثة ، من ضعاف الإدراك ، فيزهد في العقيدة .





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©