الآثار الإيمانية لصفات الله وأسمائه الحسنى
أولاً: أهمية موضوع صفات الله وأسمائه الحسنى وفائدة طرحه:

1- أن الإيمان بالأسماء والصفات جزء من الإيمان بالله -عز وجل-، فبدون ذلك لا يعد الإنسان مؤمناً بالله تعالى.
2- معرفة الله تعالى هو أول ما يجب على المسلم في دينه، وهذه المعرفة لا تتم على الوجه الأكمل إلا بمعرفة أسماء الله وصفات جزائريةه وأفعاله تعالى في خلقه.
3- أن تعطيل أهل البدع لأسماء الله تعالى وصفات جزائريةه وتأويلها كان له أثر في الغفلة عن معانيها العظيمة وتعبد الله بها.
4- أن فهم معاني الأسماء والصفات عاصم من الانحراف.

ثانياً: موقف المسلم من الآيات والأحاديث الواردة في الأسماء والصفات:
موقف المسلم من الآيات والأحاديث الواردة في الأسماء والصفات التسليم والاستسلام لله تعالى في ذلك؛ لأن (قدم الإسلام لا تثبت إلا على ظهر التسليم والاستسلام) وذلك باتباع ثلاثة أسس:
1- إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- {..قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ..} [البقرة:140]، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى} [النَّجم:3].
2- تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث في صفاته {..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشُّورى:11].
3- عدم محاولة إدراك حقيقة صفاته كما أننا لم ندرك حقيقة ذاته قال تعالى: {..وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]، {..هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65].

ثالثاً: هل أسماء الله تعالى محصورة؟
أسماء الله -تبارك وتعالى- ليست محصورة بعدد معين لحديث: ((اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ...)) وفيه: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتاب كاملك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ...)) الحديث [أحمد: (1/391) (3712) عن عبدالله بن مسعود].
وأما حديث: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)) [رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]. فهذا يدل على أن الثواب -دخول الجنة- مقيد بإحصاء « تسعة وتسعين اسماً » فقط. وفي رواية: ((لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة))، والمقصود بالحفظ هو: العمل بها ومراعاتها على الدوام وتطبيقها في واقع الحياة.

رابعاً: آثار الأسماء والصفات الإلهية في النفس البشرية والكون:
الأسماء والصفات الإلهية لها آثار عظيمة وجليلة ومتعددة ولكن نذكر بعضاً منها:
1- صفة الوحدانية: في ذاته وصفات جزائريةه وأفعاله وأن الجميع في قبضته وتحت قهره.
ويلزم من ذلك: استشعار الإنسان المسئولية الملقاة على عاتقه من العبودية والتكليف؛ لأنه يشعر بأن الله هو الخالق الواحد، فهو الآمر والناهي والرقيب والحسيب، فيدخل في ذلك: توحيده في ربوبيته وفي ألوهيته وفي الحكم في هذا الكون: {..أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [الأعراف:54].
2- الحكمة والتدبير لهذا الكون والرحمة:
فخلقه سبحانه لهذا الكون وما فيه له من الحكم أمر عظيم قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ(116)} [المؤمنون]، فحكمته تعالى تأبى أن يخلق الخلق عبثاً ويتركهم سدىً ويسلمهم للفوضى، فيكون الناس لا أمر ولا نهي ولا تدبير ولا تعليم ولا توجيه، هذا لا يكون؛ لأنه تعالى هو "الحكيم"، بل خلقهم لعبادته وأنزل عليهم الكتب وأرسل إليهم الرسل وعرفهم بربهم وأمرهم بعبادته، وسخر لهم ما في الأرض جميعاً، وجعل لهم العقول المفكرة وهداهم النجدين، وهذا كله دليل على رحمته؛ لأنه "الرحمن الرحيم" ورحمته وسعت كل شيء حتى الكفار، فالمؤمنون من باب أولى.

ومن رحمته تعالى أن أرسل إلينا رسولاً يتحدث بلساننا ليس بجني ولا ملك؛ لكيلا يستوحشوا منه، ووصفه بأنه رءوف رحيم.
الله سبحانه هو المدبر لهذا الكون المتصرف فيه لا يحدث شيء إلا بإذنه؛ لأنه سبحانه هو "الملك" والمالك لهذا الكون: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرَّحمن:33]، فكل أفعاله سبحانه من إحياء وإماتة وإعطاء ومنع وإعزاز وإذلال ورفع وخفض وغيرها كلها ناتجة عن حكمة ورحمة منه -سبحانه وتعالى-.

3- ومن آثار الأسماء والصفات عبودية القلب:
لأنها ثمرة معرفة أسماء الله وصفات جزائريةه مثل: (الخالق.. الرازق.. الضار.. النافع.. المحيي.. المميت...).
فتثمر: التوكل على الله والاعتماد عليه، وحفظ الجوارح وخطرات القلب وضبط هواجسه؛ حتى لا يفكر إلا في مرضاته، فيحب في الله ويحسن الظن بالله به يسمع وبه يبصر، فيرجو رحمته ويخاف عقابه، كل ذلك يورث العبودية الظاهرة والباطنة.

4- ومن آثارها عبودية التوبة والإنابة:
وهي من آثار: ( الغفار.. التواب.. العفو.. الغفور ... )
- فالغفار والغفور: هو الذي يغفر الذنوب أي يسترها.
- العفو: الذي يعفو ويصفح عن الهفوات.
- التواب: الذي يقبل التوبة عن عباده ويفرح بها.
- فبينما العبد يأتمر بأوامر ربه وينتهي عن نواهيه إذ يقع في زلة ولمم، فيبادر إلى عبودية التوبة والاعتراف بالذنب والإقرار بذلك والندم والبكاء على ما جنى، فيطلب العفو والغفران متبرئاً من حوله وقوته معترفاً بخطاياه وأنه عاجز ضعيف، فيأتيه العفو من العفو والمغفرة من الغفار.
كما فعل ذلك ذو النون -يونس- عليه السلام حين قال: {..فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] ففرج كربه.

وكان يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني)) [الترمذي: (5/534) (3513)، ابن ماجه: (2/1265) (3850) عن عائشة] وفي مسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)).

5- من آثار أسماء الله تعالى وصفات جزائريةه مراقبة الله تعالى في السر والعلن:
وهذه آثار هذه الأسماء ( القادر.. القاهر.. الملك.. الجبار.. المتكبر.. العزيز.. المهيمن.. الخالق.. العليم.. الرقيب.. الحفيظ.. السميع.. البصير.. الخبير.. الشهيد.. الحسيب ... إلخ ).
- فكل تلك الأسماء تثير في النفس الإحساس بعظمة الله واستحقاقه للطاعة، وتثير فيها معاني العلم ومراقبة الله تعالى، وأنه تعالى عليم بكل شيء، فلا بد من محاسبة النفس {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ..} [آل عمران:29].
وقال تعالى: {..وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:235]، وقال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ..} [النساء:108].
ويثمر ذلك: ألا يقدم الإنسان على أي عمل إلا إذا كان يرضي الله تعالى.

6- من آثار الأسماء الله وصفات جزائريةه: طمأنينة القلب في العمل بالأحكام الشرعية وطمأنينة الإنسان إلى أن الله تعالى هو {..أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ} [هود:45]، وهو العدل.. الحكيم.. القدير.. الجبار.. المنتقم..).
وينتج ذلك: أن يعدل الإنسان في حكمه، وألا يخشى المظلوم من عدم إنصافه والجور فإن الله سينصفه.
وفي الحديث: ((وإياك ودعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) [البخاري: (2/864) (2316)، (1/50) (19)].
وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصِّلت:46]، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].

ونتيجة ذلك أيضاً: أن يعمل الإنسان بأحكام الله بكل طمأنينة؛ لأنه يعلم بأنه حكم الله هو العدل بعينه وفيه من الحكم العظيمة ما لا يعلمها إلا هو.

- وأخيراً: هذه آثار يسيرة آثرنا أن نذكرها و إلا فآثار أسماء الله تعالى وصفات جزائريةه كثيرة، وفي نهاية المطاف لا بد من هذه الكلمة:

اعلم -أخي الكريم- أن أكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، فلا يحجبه التعبد باسم (القدير) عن التعبد باسم (الحليم) و (الرحيم)، أو يحجبه التعبد باسم (المعطي) عن التعبد باسم (المانع)، أو (الرحيم ، العفو ...) عن (المنتقم ، الجبار ...) .
الشيخ/ خالد بن عبد الرحمن الصادقي




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©