مــديــنــة طــبــنــة الأثرية ( بريكة حاليا ) :

1-المجال الجغرافي للمدينة :
تقع مدينة طبنة على بعد 4 كم جنوب شرق مدبنة بريكة ، وهي تنتمي إلى منطقة الحضنة ، حيث تقع على ارتفاع 460 م يحدها من الشمال وادي بريكةو جنوبا وادي بيطام ، لكن هذا الإمتداد الجغرافي لم يتسم بالثبات الدائم وهذا راجع إلى توالي و تعاقب الحضارات على مدى مادة التاريخ المدينة .
كانت الجهات الشرقية من بلاد الجزائر تسمى في الفترة القديمة بمقاطعة نوميديا و بها تقع مدينة توبوني ( طبنة ) الرومانية بين جبال الأوراس وشط الحضنة ، وقد اختلف الجغرافيون العرب في ضبط حدود الإقليم و المدن التابعة له ( إقليم الزاب ) فأشار اليعقوبي إلى مدنه وهي : بغاي ، تيجس ، ميلة ، بلزمة ، نقاوس ، سطيف ، مقرة ، أوربي ، طبنة والتي وصفها بمدينة الزاب العظمى ، وحسب هذه الشهادة فإن مصطلح إقليم الزاب كان يطلق على على مجال واسع يشمل تقريبا كامل مقاطعة قسنطينة ، بما فيها منطقة سهول الحضنة و مدنها الواقعة في سفوح الأطلس الجنوبية و منها طبنة المتواجدة على السفح الجنوبي لجبال الأوراس ( في العصرالوسيط المتأخر أصبح إقليم الزاب مقتصرا على منطقة بسكرة ) .
2- مناخ المنطقة :
مناخ المنطقة قار وهذا راجع إلى موقع المنطقة ، حيث يكون الجو باردا قليل الأمطار وحار جاف صيفا ، معدل تساقط الأمطار به يتراوح بين 200 و350 ملمتر سنويا .
تتعرض المنطقة إلى أنواع من الرايح عموما ، فالريح الشمالي الغربي ريح محمل بالأمطار ، أما الريح الشمالي الشرقي و الذي يعرف بالبحري فهو ريح بارد منعش صيفا ، والريح الشرقي فهو ريح جاف رغم أنه يحدث بعض الأعاصير والزوابع صيفا ، أما الريح الجنوبي و المسمى بالقبلي فهو ريح جاف حار يسبب بعض الأعاصير صيفا .
هذا المناخ هو الغالب على مدينة بريكة و منطقة الحضنة عموما .
3- أصل تسمية مدينة طبنة :
عرفت مدينة طبنة في العصور الوسطى باسم " توبوني Thbunae " و قد مثلت المدينة حينئذ منشأة عسكرية رومانية يعود بنائها إلى مطلع القرن الثاني ميلادي .
وورد اسم المدينة لأول مرة في النصوص القديمة عند بلينوس الأكبر PLINE LANCIEM في مؤلفه ( المادة التاريخ الطبيعي Histoire naturelle ) تحت اسم : Tuben oppidum ( لفظ oppidum باللاتينية هي صفة غالبا ما كانت تطلق على المواقع العمرانية المحصنة وتعني المدينة ) .
ووردت تسمية توبوني في المصادر المكتوبة تحت أشكال مختلفة نذكر من بينها : " Tubonis ، tubiniensis ، Tubunensos ، Tubunis ،thubunas ، غير أن التسمية الرائجة في مصادر ومراجع الفترة القديمة هي " Thubunae أو Tubunae " .
حافظت مدينة توبوني على هذه التسمية طيلة الفترة الممتدة من الإحتلال الروماني لنوميديا إلى ترايخ خروج البيزنطيين من بلاد المغرب إلا أنه حصل تحول جزئي للاسم القديم مع الحفاظ على التقارب اللفظي والصوتي بالمقارنة مع التسمية اللاتينية إثر الفتح العربي الإسلامي ، فطبنة هي الإسم المعرب للاسم السابق كما أنها تموضعت في نفس المجال أو على أنقاضها حيث تم بناء المدينة مادة اللغة العربية الإسلامية .
4- المدينة على لسان المؤرخين :
اليعقوبي : من القيروان إلى بلاد الزاب عشر مراحل و مدينة الزاب العظمى طبنة و هي التي ينزلها الولاة و بها أخلاط من قريش و العرب والجند و العجم و الأفارقة و الروم و البربر ، والزاب بلد واسع فمنه مدينة قديمة يقال لها بغاية بها قبائل من الجند و من أهل خرسان من عجم البلد من بقايا الروم حولها قوم من البربر من هوارة .
ابن حوقل : ...... و لبغاي طريق يأخذ الآخذ على بلزمة إلى نقاوس إلى طبنة .... ومن طبنة إلى مقرة منزل فيه أيضا مرصد مرحلة .... ومن المسيلة إلى إفريقية طريق ثالث يأخذ من المسيلة إلى مقرة و منها إلى طبنة ومن طبنة إلى بسكرة مرحلتان .
الحميري : طبنة أعظم بلاد الزاب بينها و بين المسيلة مرحلتان و هي حسنة كثيرة المياه و البساتين و الزرع و القطن و الحنطة و الشعير و عليها سور تراب و لها أخلاط من الناس و بها صنائع و تجارات و لأهلها تصرف في ضروب من التجارات و التمر و سائر الفواكه بها كثيرة، وهي مدينة كبيرة لها حصن قديم عليه سور من حجر ضخم متقن البناء ، ولها أرباض واسعة و هي ما افتتح موسى بن نصير حين دخل إفريقية فبلغ سبيها عشرين ألف رأس ، وتشق طبنة جداول الماء العذب و لها بساتين فيها النخل و الثمار و لها نهر شيق غابتها ، وقد بنى صهريج كبير يقع فيه و تسقى منه جميع بساتينها و أراضيها ولم يكن من القيروان إلا سجلماسة أكبر منها ، ومنها أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني ، كانت له مرحلتان إلى المشرق و أخذ العلم عن جماعة من أهل مكة و مصر و القيروان ، وأخذ بالأندلس عن جماعة منهم القنازعي .
ابن حوقل : .... ومنها إلى مدينة طبنة مدينة قديمة و كانت عظيمة كبيرة البساتين و الزروع و القطن و الحنطة و الشعير ولها سور من طابية مرحلة و أهلها قبيلتان عرب و رقجانة و أكثر غلاتهم السقي و يزرعون الكتان و جميع الحبوب فيها غزيرة كثيرة و كانت وافية الماشية من البقر والغنم و سائر الكراع و النعم فحدث بينهم البغي و الحسد إلى أن أهلك الله بعضهم بعض و أتى على نعمهم فصاروا بعد سعة في الضيق و الذلة و الصغار و الشتات ، والقلة مشردين في البلاد مطرحين في كل جبل رواد و بقيتهم صالحة ، ومن طبنة إلى مقرة منزل فيه أيضا مرصد مرحلة .... ومن طبنة إلى بسكرة مرحلتان .
البكري : .... و تسير من نقاوس إلى مدينة طبنة و هي مدينة كبيرة سورها اليوم من بناء المنصور أبو الدوانيق و هي مما افتتح موسى بن نصير فبلغ سبيها عشرون ألفا و هرب ملكهم كسيلة و سورها مبني بالطوب و بها قصر و أرباض داخل القصر جامع و صهريج كبير يقع فيه نهرها و منها تسقى بساتينها و يقال الذي بناها أبو جعفر عمر بن حفص المهلبي المعروف بهزار مرد يسكنها العرب و العجم بينهم اختلاف و حرب وسكين حولهما بنو قزاح .
محمد بن يوسف : قصر طبنة مبني بالصخر عليه باب حديد و لمدينة طبنة من الأبواب باب خاقن مبني بالحجر عليه باب حديد و هو سري و باب الفتح غربي باب حديد أيضا و بينهما سماط يشق المدينة و من الباب و باب تهوذا قبلي عليه باب حديد وهو سري أيضا و الباب الجديد حديد أيضا ، وباب كتامة جوفي و خارج المدينة بإزاء باب الفتح ، سور مضروب على فحص فسيح يكون مقدار ثلثي مدينة طبنة بناه عمر بن حفص و يشق سكك المدينة جداول الماء و مقبرتها شبر فيها و بغرب المقبرة غدير يعرف بغدير فرغان و هو يجري في مصلى العيد و ليس من القيروان إلأ سلجماسة مدينة أكبر منها و اسم نهرها بيطام و إذا حمل سقى جميع بساتينها و فحوصها و يقول أهلها "بيطام بيت الطعام " لجودة زرعها و إذا كانت الحرب بين العرب و المولودين استمد العرب بعرب مدينة تهودا وسطيف ، واستمد المولدون بأهل بسكرة وما والاها .
المقدسي : .... والزاب مدينتها المسيلة ولها مقرة ، طبنة ، بسكرة ، باديس ، تهوذا ، طولقا ، جميلا، بنطيوس ، أدنة ، أشير .
أبو الفداء : قال ابن سعيد ... المحمدية و منها إلى طبنة أربعة وعشرون فرسخا وطبنة مدينة عظيمة كثيرة المياه و البساتين و الأهل والزروع و أكثر زرعهم مسقى و أكثر غلاتهم القطن .
الإدريسي : .... وبين بجاية وطبنة سبع مراحل .... ومن المسيلة إلى طبنة مرحلتان و طبنة مدينة الزاب و هي مدينة حسنة كثيرة المياه و البساتين و الزرع و القطن والحنطة و الشعير و عليها سور من تراب وأهلها أخلاط بها صنائع و تجارات و أموال و لأهلها منصرفة في ضروب من التجارات و الثمر بها و كذلك سائر الفواكه .... ومن مقرة إلى طبنة مرحلة و بين طبنة ومدينة بجاية ستة مراحل ، وكذلك من طبنة إلى بغاي " باغاي" أربع مراحل ومن طبنة شرقا إلى دار ملول مرحلة كبيرة ... ومن طبنة إلى مدينة نقاوس مرحلتان ......
ابن خلدون :وبلاد الحضنة حيث كانت طبنة مابين الزاب والتل .... وقال أيضا : سكان طبنة معروفون بالشهامة والشجاعة ونصر الضعيف والقليل من الغلظة في التصرف ، ينطقون الغين قاف "
5- طبنة قبل دخول الإسلام :
أ – طبنة في فترة ماقبل المادة التاريخ :
إن المصادر في دراسة مادة التاريخ طبنة خلال فترة ماقبل المادة التاريخ هي نتيجة اكتشافت اهتدى إليها بعض الباحثين أمثال Grange و أهم هذه الإكتشافات تمثلت في قطعة من الحجارة المنحوتة عثر عليها داخل أحد الكهوف بجبل عمار الواقع على مسافة 20 كم جنوب شرق مدينة طبنة .
وهذا مايمكننا من الإستدلال إلى عراقة المنطقة ، حيث عرف الإنسان القديم في العصر الحجري النقش و صقل الحجارة .
ب- طبنة في العصر النوميدي :
امتدت مقاطعة نوميديا المجحاورة لقطاجة من نهر الملوية غربا إلى طرابلس شرقا ، وتحدها بذلك المقاطعة القرطاجية من جهة الشرق التي ستصبح منذ 146 ق.م ، ولاية رومانية ، وكانت نوميديا في العهد القرطاجي مقسمة إلى شطرين ، شرقي (ماسيليا بقيادة ماسينيسا ) و غربي ( ميسيليا بقيادة الملك سيفاكس ) ، لكن ماسينيسا وحد كل بلاد نوميديا في ما بعد لتصبح تحت سيطرته .
بعد ذلك تدخل الرومان ووفاة ماسينيسا سنة أولى48 ق.م و أخذ يوغرطة الحكم لكن الرومان قتلوه وأصبحت ولاية رومانية ، وقسمت روما البلاد إلى 3 مقاطعات : شرقية ووسطى وغربية ، وعلى الأرجع أن طبنة كانت تقع في نوميديا الغربية .
ج – طبنة خلال العهد الروماني :
على إثر وقعة طيبوس سنة الرابعة6 م ، استولى الرومان على نوميديا الشرقية و أطلقوا عليها تسمية إفريقيا الجديد ، وبعد إدماجها لإفريقيا القديمة ( المقاطعة القرطاجية سابقا ) توحدت الولايتين و أصبحتا تحت اسم : إفريقيا البروقنصلية .
و قد مثلت بلاد نوميديا جزء من مجانس إفريقيا البروقنصلية إلى غاية قيام الامبراطور الروماني " سيبتيموس سيو يروس " في نهاية القرن الثاني للميلاد بإحداث ولاية منفصلة و هي ولاية نوميديا ، إذ جعل من غرب ولاية إفريقيا البروقنصلية ولاية جديدة امتدت إلى الوادي الكبير ، مثلت طبنة أحد مدن هذه الولاية و عاصمتها مدينة سيرتا ( قسنطينة حاليا ) كما أسندت مهام تسيير الولاية إلى مفوض عسكري يجمع بين السلطة المدنية و العسكرية تحت وصاية الإمبراطور .
لكن الرومان باستولائهم على مدن وسهول نوميديا لم يستطيعوا دخول المناطق الجبلية الذي يمر شمال الأوراس ، وهذا ما أكثر من ثورات البربر على الرومان ، مما جعلهم يقيمون حاميات عسكرية جنوب الجبال لمراقبة المنطقة ، فاستقر الجنود الرومان بمدينة طبنة ، وهذا قبل قدوم الفيلق الثالث الأغسطسي بمنطقة الأوراس الذي استقر سنة أولى22 م بمدينة لمباز ( تازولت حاليا ) في عهد الامبراطور هدريانوس ( 117-138 م) ، وهنا تجدر الإشارة أنه في عهد الإمبراطور كومودوس ( 180-192م) تم فتح طريق استراتيجية تخترق جبال الأوراس لتصل مدينة توبوني ( طبنة ) بلمباز عبر caceus ( وادي القنطرة ) ، هذا الطريق هو إحدى طرق منظومة الليماس الروماني الذي يمتد على مسافة 70 كم بين منطقة التريبوليتان شرقا ومنطقة الحضنة غربا .
خلال العهد الإمبراطوري الأسفل تولى القائد بونيفاس الإشراف على هذا القطاع العسكري سنة الرابعة17 م ، واتخذ مدينة طبنة مقر إقامته إذ جعل منها قاعدة لمراقبة تحركات قبائل الأوراس التي كانت دائما في حالة ثورة و قد نجح إلى حد بعيد إلى إيقاف هذا التمرد ، ويذكر القديس أوغسطين أثناء زيارته إلى طبنة النجاحات التي أحرز عليها القائد بونيفاس قبل أن يصبح الوالي على كامل مقاطعة إفريقية بداية من سنة الرابعة22 م و أهله في ما بعد ليصبح كونت إفريقيا أي ممثل الامبراطور الروماني بهذه المقاطعة .
خلاصة القول : أن طبنة قد مثلت منذ مادة التاريخ بنائها منشأة عسكرية بالأساس يرجع تأسيسها إلى عهد الإمبراطور الروماني ترايانوس ( 98-117 م ) حيث تلقت المدينة عددا من المستوطنين الرومان ينتمون إلى قبيلة papiria وهي نفس القبيلة التي ينتمي إليها الإمبراطور ترايانوس ، ومن المحتمل أنهم استعملوا في بنائها الحجارة المجلوبة من مقطع الحجر بجبل متليلي الواقع على مسافة 5كم شرق المدينة .
وارتقت طبنة في عهد الإمبراطور " سبتيموس سيو يروس ( 193-211م) إلى رتبة : مونيكبيوم ، وشهدت المدينة في هذه الفترة نهضة عمرانية كبيرة ( في عهد سيو ريوس ) ، وتركزت المسيحية بالمدينة منذ سنة الثانية50 م حيث كان هناك مركز للأسقفية ، كما كانت المدينة ممثلة في المجتمع الديني بقرطاجة سنة الثانية58 م و سنة الرابعة11 م من طرف الأسقف الكاثوليكي كريسكونيوس و الأسقف الدوناتي بروتسيوس .
واحتفظت طبنة ببعض آثار الرومان بعد الإجتياح الوندالي بسور المدينة الذي بلغت أبعاده : 760 على 640 متر .
د- طبنة في العهد الوندالي :
اجتاحت الإمبراطورية الرومانية بعد موت القسطنطين الأكبر موجة من الاضطرابات السياسية و الخلافت الدينية و كان يحكم بلاد المغرب القائد بونيفاس لكن الإمبراطورة عزلته بعد وشاية ، وأمام شعوره بالخطر استنجد بالوندال ،مقابل التنازل عن كل ممتلكاته لهم بغرب المملكة الرومانية ، فعبر الوندال البحر لنجدته سنة الرابعة29 م بقيادة جنسريق و كان عددهم 80 ألف جندي و اكتسح الوندال السواحل و أقاموا حاميات عسكرية و لم يستطيعوا مد نفوذهم داخل المملكة كلها ، مما جعل البربر يشعرون باستقلالية و هاجموا المناطق الرومانية ، وتضررت طبنة بعد إغارة البربر عليها .
ولم تستعد المدينة كامل حيويتها حتى دخول البيزنطيين بلاد المغرب سنة 533 م و أعادالبيزنطيون التحصينات الرومانية القديمة و أسسوا الحامية البيزنطية بطبنة سنة 540 م .
و – طبنة خلال العهد البيزنطي :
في سنة 533 م دخل البيزنطيون بلاد المغرب و كان أول امبراطور بيزنطي هو جوستينيانوس الأول ، وسعى البيزنطيون إلى استرجاع الحدود الرومانية و إعادة وحدة الإمبراطوية القديمة .
و تدل بقايا هذه التحصينات البيزنطية على أن الخط الأول كان يبدا عند مدينة بجاية و ينتهي عند قفصة مرورا بسطيف وطبنة ثم يدور حول جبال الأوراس ليصل إلى تاموقادي في طريقه إلى تبسة ، أما الخط الثاني فكان يبدأ عند قرطاجة و ينتهي عند مدينة قسنطينة .
ومثلت طبنة أحد النقاط الهامة و الأساسية للسيطرة العسكرية في المنطقة الجنوبية الغربية لإفريقيا ، لذلك يمكن اعتبار فترة حكم البيزنطيين فترة حكم عسكري .
6- طبنة خلال الحكم الإسلامي :
أ – طبنة خلال فترة حكم الولاة :
لعبت طبنة دورا بارزا خلال هذه الفترة و ذلك انطلاقا من موقعها الاستراتيجي و القيادي الذي احتلته المدينة في إقليم الزاب لاسيما على إثر نشاط حركات الخوارج ببلاد المغرب ، فعند نجاح الخوارج منذ مطلع القرن الثاني الهجري في التسلل بين صفوف البربر و أخذوا في نشر تعاليمهم المنادية أساسا بالمساواة بين العرب و البربر ، وأثاروا ثورات على حكم بني أمية في بلاد المغرب و كانت أول حرب هي "وقعة الأشراف 122 ه-740م " أول هزيمة للعرب ضد البربر ، ثم بعد انتفاض إفريقيا لهذه الهزيمة وقعت معركة ثانية بين العرب بقيادة والي إفريقية كلثوم بن عياض و البربر بقيادة خالدين حميد الزناتي ووقعت المعركة بواد سبو ( نهر على مدينة فاس ) وهزم الوالي كلثوم و قتل عدد كبير من الأعيان والقادة العرب في المعركة .
كان لهذه الهزيمة أثر كبير في انتفاضة البربر في بلاد المغرب والأندلس فقام والي إفريقية بالخروج لمحاربة القائد البربري عكاشة النفزاوي فالتقوا في صفر سنة أولى24ه-742م ووقعت عدة معارك انهزم فيها البربري عكاشة فهرب إلى مدينة طبنة .
وتفطن من بعد ولاة إفريقية على مدينة طبنة فعمدوا إلى تحصينها و إقامة أسوار عليها لتصبح بمثابة النقطة الدفاعية و الدرع الواقي لإقليم الزاب ، و في هذا الإطار تحول الحصن البيزنطي إلى حامية عسكرية للجند العربي و أصبحت المدينة نقطة تمركز هام للسلطة في غرب إفريقية ، وتصاعدت ثورات الخوارج فكانت فتنة قبلية في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور و ذلك سنة أولى40ه – 757 م و هيئت هذه الثورة لسقوط القيروان في أيدي الخوارج الصفرية ثم الإباضية فيما بعد و بالتالي أصبحت إفريقية تحت سيطرة الخوارج ، إزاء هذا الوضع أرسل الخليفة المنصور جيشا قدر ب40 ألف جندي جعل في قيادته محمد بن الأشعث بصحبنه الأغلب بن سالم التميمي و كان هذا الأخير أحد القادة البارزين للجيش ، فكانت الهزيمة للإباضية و تمكن الأشعث من دخول القيروان و تمت إعادة بسط النفوذ العباسي على المنطقة سنة أولى44ه-761م.
بعد ذلك أقر الوالي الأشعث بتعيين العمال على أقاليم إفريقية و قد إختص بلاد الزاب على حدود بلاد الخوارج بأكفأ قادته و هو الأغلب بن سالم التميمي ، واتخد الأغلب من طبنة مقرا له إلى مادة التاريخ خروج ابن الأشعث من القيروان في 148ه .
ب- طبنة خلال العهد الأغلبي :
بقي ذكر هذه المرحلة من مادة التاريخ مدينة طبنة قليلا ، كان الخطر الأساسي الذي هدد الأغالبة منذ بداية تولي إبراهيم بن الأغلب هو ثورات الجند و غيرهم و أول هذه الثورات هي ثورة خريش سنة أولى86ه-802 م و هو أول تمرد للجيش على الحكم و جمع خريش جنده و سار إليه قائد جيش الأغالبة " عمران بن مجالد " في جيش كبير و تم اللقاء في سبخة تونس انتهى بهزيمة الثوار و إقرار الأمور في المدينة كما وجدت في عهده اضطرابات حادة في جهة طرابلس سنة أولى89ه-850م ، لكن إرسال قائد الجند الأغلبي إلى هنالك هدأ الأهوال في هذه المنطقة الواقعة أقصى شرق الإمارة .
الشيء المؤكد أن طبنة اكتسبت المكانة العظيمة في حياة ابراهيم ابن الأغلب مؤسس الدولة الأغلبية فهي المكان الذي آواه و قواه إلى مراتب الولاية فأعاد لها الجميل و عين على ولايتها أعز أصحابه وهو حمزة بن السبال ( المعروف بالحرون ) أحد رؤساء القادة و شجعان الأخبار ، كما أن طبنة مثلت القاعدة الخلفية و الأهم بالنسبة للوالي الجديد القديم إبراهيم ابن الأغلب إذ كان في فترة حكمه الصراع و الدسائس مع ابن العكي ، فيجعل من طبنة ملاذه و ينظم أموره ثم يعيد الكرة إلى القيروان التي بقي فيها واليا مدة شهرين ثم جاءه كتاب كامل الرشيد الذي زوره ابن العكي .
وتفوي إبراهيم ابن الأغلب سنة أولى96 ه .
*حصار المدينة وسقوطها :
بعد سقوط مدينة سطيف تبعتها هزيمة جيش قسنطينة وطبنة على يد جيش الداعي الشيعي أبو عبد الله ، فتراجع بعض الجيش إلى بغاي و النصف الآخر بقيادة شيب بن شداد إلى مدينة طبنة ، واتخد حاجبة لمدينة طبنة بقيادة حسن بن أحمد بن نافذ المعروف بأبي المقارع عاملا عليها ، لكن حاصرها الداعي وأسقطها ودخل سكان طبنة في طوعه .
7- الأعمال التنقيبية للمدينة الأثرية :
*تحريات تكسي من 15 أفريل إلى 15 ديسمبر 1848 :
تعرض تكسي في مقاله إلى موقع طبنة الاستراتيجي و المحجرة التي ساهمت في تزويد المدينة بمواد البناء و يرجع تأسيس المدينة إلى عهد جوستنيان ، وعثر فيها على مطاحن رومانية كاملة الأجزاء يقدر عددها بحوالي 100 مطحنة .
*أعمال " بايان " :
أولها في فيفري 1857 وعثرت الفرقة الإيطالية على نقش كتاب كاملي باللغة اللاتينية بالقرب من سد قديم نقش عليه " tubonis" ويرجع عدد سكان المدينة مابين 25-30 ألف نسمة ، وهذا التقدير حسب امتدادا آثارها .
أما في سنة أولى864 فأنجز أعمالا خاصة بقنوات المياه التي تجلب الماء من وادي بريكة والآخر من وادي بيطام .
*أعمال" فيل" 1868 :
أجرى تحريات على مدينة طبنة الأثرية وذكر أنها تشهد على وجود مدينة كبيرة قسم منها يرتفع عن باقي المدينة بحوالي 6 م .
*أعمال مسكري 1877 :
و أكد فيها أن طبنة تحوي ثلاث مدن متتابعة : المدينة الرومانية والبيزنطية والإسلامية .
*أعمال دهيل 1892-1893 :
وأكد فيها على أن الطريق الرابط بين بلزمة مرورا بنقاوس حتى طبنة يقع بامتداد واد بريكة و أنه بنيت قلعة بيزنطية على الضفة اليسرى من وادي بريكة على مسافة 4 كم من مدينة بريكة .
*أعمال بلانشي 1899 :
يؤكد في دراسته على أن طبنة مدينة بربرية .
*أعمال قرنج 1901 :
وهي آخر و أهم الدراسات التي أنجزت حول مدينة طبنة و اهتم قرنج في حفره على الأعمال الهيدروليكية ، وحفريات حول طبنة الرومانية و البيزنطية ووجد حمام روماني بالمدينة إضافة إلى المدينة الإسلامية و أكد على وجود طرق أخرى تربط طبنة بالمدن المجاورة منها لمبيز وبسكرة .
8- علماء مدينة طبنة :
نذكر منهم باختصار : محمد بن الحسين الطبني ، زيادة الله بن الطبني ، عبد الملك الطبني .
المصادر والمراجع :
هذا بحث خاص بالطالب جعيل أسامة الطيب من عدة مراجع لكن وأهم مرجع هو : رسالة تخرج ليسانس من جامعة الحاج لخضر باتنة ، قسم المادة التاريخ بعنوان : طبنة عبر العصور – دراسة مادة التاريخية أثرية حضرية - ،تحت إشراف الأستاذ عولمي الربيع للسنة الجامعية 2014-2014.

وضع هذا الموضوع بغية التعريف بمدينتنا الأثرية التي تعاني في صمت هذه الأيام و من دون أي تدخل كان ، هذا الموضوع وضع في يد الباحث نظرا لغياب المواضيع مقترحة و رسمية الخاصة بمدينة طبنة ، أشكر كل من ساهم في البحث ، وأرجو أن أكون وضعت ولو نافذة صغيرة للتعريف بتراثنا الكبير والذي لم يستغل !!!!!!
التوقيع : جعيل أسامة الطيب .





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©