إنك وأنت تتبع مسار التأريخ الغربي للعلوم تصاب بالذهول لما تشهده من فجوة عميقة أراد لها المؤرخ
الغر بي أن تكون هاوية بين جرفين ؛
فأنت تلاحظ تسلسلا طبيعيا في ذكر أهم الأحداث و التطورات العلمية التي شهدتها الأمم الغابرة من مجوس ومسيحيين وغيرهم من الأمم مع حرص كبير على ذكر الشعوب والأفراد الذين ساهموا بقليل أو بكثير في تلك التطورات . ثم إن وصلت حلقات التسلسل التأريخي إلى القرون الأولى بعد الميلاد يتوقف السرد المنطقي لتأريخ العلوم فجأة .ولا تكاد تقع عينك على حدث علمي بارزا بين أكوام الإنتاجات البشرية من شعر وآداب وفلسفات وكأن الأرض فقدت علماءها وأصبحت الشعوب تعيش فترة سكون مذهل وظلام دامس جراء توقف العقل البشري عن التفكير العلمي وركون الإنسان في السبات سارحا خياله في لجة الأساطير.
وبنفس النمطية التي أطمس بها التأريخ الدنيا وأغرقها في أغوار الجهل ، وبنفس عنصر المفاجأة في اخفاء التطور العلمي الذي قادته الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ، ينبلج صبح أوربا على نهضة أخرق صداها طبلة النائمين وهتك دويها غفوة الهائمين فزينت ليل سمائها بنجوم وكواكب أضاءت للشعوب دروبها واهتدت الهوام بنورها ؛ فما بقي على أديم الأرض دابٌّ إلا وارتشف من عسلها واغتسل في أنهارها
... وهكذا يزعمون !...
ونحن إذ نقر لعلماء الغرب بما قدموه للإنسان عامة وللرجل الغربي خاصة من خير نقله من عيش نكد إلى راحة ورغد فإننا نصاب بالغثيان
من الوسيلة السَّفلة التي يتعاطاها مؤرخو الغرب للحادث العلمي ، وينتابنا القلق لما وصل إليه الحقد في نفوس هؤلاء . وما يحز في أنفسنا إلا أنهم أكلوا الغلة وسبوا الملة ! ! !... ‌
ونحن إذ نعيب على مؤرخيهم هذا السَّفه المُطعَّم بالنكران للجميل ،فإننا نعاتب أنفسنا على هذا التيه المدجج بالخمول؛ ففي الوقت الذي يجدر بنا أن نصقل كواهلنا ونزيح ما رسب عليها من غبار القرون ثم ننتأ من بين القبور برؤوسنا كما تنتأ أزهار الزنبق شافطين من جذورنا تراث الآباء فنحوله في أكمامنا نفحات عطر تهتدي لأريجها الأمم فتتفتق نواصيها عسلا ترياقا وتنبجس من عقولها عينا سلسبيلا ، في الوقت الذي أحرى بنا أن نفعل هذا كله ؛ لا زالت شرذمة من أذناب الحقد ممن تسربلوا بأثوابنا ورتعوا في مزابل الإديولوجيات الغربية وكرعوا من مستنقعاتها النتنة يتقيئون في مجالس انبعاثنا وحلقات صحوتنا خلاصة ما هضمته معداتهم المتعفنة بجراثيم البغض المعشش في أحشاء أسيادهم من يوم "حطين".
ولا زالت هذه الشرذمة الزنيمة ثقافيا تعقل اعقابنا كلما عزمنا النهوض وتلوي أعناقنا كلما رغبنا الشموخ تلمز أجدادنا بالجهل والظلامية وتنعت أسلافنا بالحمق والشهوانية ؛ و تُهمٌ كهذه حاجة نفوسهم منها أن تخرص في أعماقنا صرخات الميلاد وتطفيء في أرواحنا شعلة الهدى فنضحى بلا مناراة وقد احتنكنا شيطانهم الأكبر حيث ما نولي وجوهنا نؤم كعبتهم المهترئة نسبح بحمد غربهم لما أغدق علينا من نعم الإباحية وأشبع نفوسنا من دسم المجون وحرر رقابنا من عبادة الرحمان
...هكذا يرغبون ...
ولكننا عائدون ومن الحين بادئون وبين اليوم والغد آتون وعلى الدنيا سائدون مهما مكر الماكرون ...





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©