مادة التاريخ الامم والملوك - ( ذكر الأحداث التي كانت في أيام بني آدم, من لدن ملك شيث بن آدم إلى أيام يرد)

ذكر الأحداث التي كانت في أيام بني آدم, من لدن ملك شيث بن آدم إلى أيام يرد

ذكر أن قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن أتاه إبليس فقال له إن هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال إن قينا نكح اخته أشوث بنت آدم فولدت له رجلا وامرأة خنوخ بن قين وعذب بنت قين فنكح خنوخ بن قين أخته عذب بنت قين فولدت له ثلاثة نفر وامرأة عيرد بن خنوخ ومحويل بن خنوخ وأنوشيل بن خنوخ وموليث بنت خنوخ فنكح أنوشيل بن خنوخ موليث ابنة خنوخ فولدت لأنوشيل رجا اسمه لامك فنكح لامك امرأتين اسم إحداهما عدي واسم الأخرى صلى فولدت له عدى تولين بن لامك فكان أول من سكن القباب واقتنى المال وتوبيش وكان أول من ضرب بالونج والصنج وولدت رجا اسمه توبلقين فكان أول من عمل النحاس والحديد وكان أولادهم جبابرة وفراعنة وكانوا قد أعطوا بسطة في الخلق كان الرجل فيما يزعمون يكون ثلاثين ذراعا قال ثم انقرض ولد قين ولم يتركوا عقبا إلا قليلا وذرية آدم كلهم جهلت أنسابهم وانقطع نسلهم إلا ما كان من شيث بن آدم فمنه كان النسل وأنساب الناس اليوم كلهم إليه دون أبيه آدم فهو أبو البشر إلا ما كان من أبيه وإخوته ممن لم يترك عقبا
قال ويقول أهل التوراة بل نكح قين أشوث فولدت له خنوخ فولد لخنوخ عيرد فولد عيرد محويل فولد محويل أنوشيل فولد أنوشيل لامك فنكح لامك عدى وصلى فولدتا له من سميت والله أعلم
فلم يذكر ابن إسحاق من أمر قابيل وعقبه إلا ما حكيت
وأما غيره من أهل العلم بالتوراة فإنه ذكر أن الذي اتخذ الملاهي من ولد قايين رجل يقال له توبال اتخذ في زمان مهلائيل بن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان والطنابير والمعازف فانهمك ولد قايين في اللهو وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من نسل شيث فهم منهم مائة رجل بالنزول إليهم وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم وبلغ ذلك يارد فوعظهم ونهاهم فأبوا إلا تماديا ونزلوا إلى ولد قايين فأعجبوا بما رأوا منهم فلما أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوة سبقت من آبائهم فلما أبطئوا بمواضعهم ظن من كان في نفسه زيغ ممن كان بالجبل أنهم أقاموا اعتباطا فتسللوا ينزلون عن الجبل ورأوا اللهو فأعجبهم ووافقوا

نساء من ولد قايين متسرعات إليهم وصرن معهم وانهمكوا في الطغيان وفشت الفاحشة وشرب الخمر
قال أبو جعفر وهذا القول غير بعيد من الحق وذلك أنه قول قد روي عن جماعة من سلف علماء أمة نبينا صلى الله عليه و سلم نحو منه وإن لم يكونوا بينوا زمان من حدث ذلك في ملكه سوى ذكرهم أن ذلك كان فيما بين آدم ونوح صلى الله عليهما وسلم
ذكر من روي ذلك عنه
حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا داود يعني ابن أبي الفرات قال حدثنا علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( 1 ) قال كانت فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في وصورة غلام فآجر نفسه منه وكان يخدمه واتخذ إبليس لعنه الله شيئا مثل الذي يزمر فيه الرعاء فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يسمعون إليه واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال قال وينزل الرجال لهن وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا عليهين فظهرت الفاحشة فيهن فهو قول الله عز و جل ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( 1 )
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن أبي غنية عن أبيه عن الحكم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى قال كان بين آدم ونوح ثمانمائة سنة وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان فكانت المرأة تريد الرجل على نفسها فأنزلت هذه الآية ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( 1 )
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا ببوذ
ورأى آدم فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد فأوصى ألا يناكح بنو شيث بني قابيل فجعل بنو شيث آدم في مغارة وجعلوا عليه حافظا لا يقربه أحد من بني قابيل وكان الذين يأتونه ويستغفر لهم من بني شيث فقال مائة من بني شيث صباح لو نظرنا إلى ما فعل بنو عمنا يعنون بني قابيل فهبطت المائة إلى نساء صباح من بني قابيل فاحتبس النساء الرجال ثم مكثوا ما شاء الله ثم قال مائة آخرون لو نظرنا ما فعل إخوتنا فهبطوا من الجبل إليهم فاحتبسهم النساء ثم هبط بنو شيث كلهم فجاءت المعصية وتناكحوا واختلطوا وكثر بنو قابيل حتى ملأوا الأرض وهم الذين غرقوا أيام نوح
وأما نسابو الفرس فقد ذكرت ما قالوا في مهلائيل بن قينان وأنه هو أوشهنج الذي ملك الأقاليم السبعة وبينت قول من خالفهم في ذلك نسابي العرب
فإن كان الأمر فيه كالذي قاله نسابو الفرس فإني حدثت عن هشام بن محمد بن السائب أنه هو أول

من قطع الشجر وبنى البناء وأول من استخرج المعادن وفطن الناس لها وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد وبنى مدينتين كانتا أول ما بني على ظهر الأرض من المدائن وهما مدينة بابل التي بسواد الكوفة ومدينة السوس وكان ملكه أربعين سنة
وأما غيره فإنه قال هو أول من استنبط الحديد في ملكه فاتخذ منه الأدوات للصناعات وقدر المياه في مواضع المناقع وحض الناس على الحراثة والزراعة والحصاد واعتمال الأعمال وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش وبذبح البقر والغنم والأكل من لحومها وأن ملكه كان أربعين سنة وأنه بنى مدينة الري قالوا وهي أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرت التي كان يسكنها بدنباوند من طبرستان
وقالت الفرس إن أوشهنج هذا ولد ملكا وكان فاضلا محمودا في سيرته وسياسة رعيته وذكروا أنه أول من وضع الأحكام والحدود وكان ملقبا بذلك يدعى فيشداذ ومعناه بالفارسية أول من حكم بالعدل وذلك أن فاش معناه أول وأن داذ عدل وقضاء وذكروا أنه نزل الهند وتنقل في البلاد فلما استقام أمره واستوثق له الملك عقد على رأسه تاجا وخطب خطبة فقال في خطبته إنه ورث الملك عن جده جيومرت وإنه عذاب ونقمة على مردة الإنس والشياطين وذكروا أنه قهر إبليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وكتب عليهم كتاب كاملا في طرس أبيض أخذ عليهم في المواثيق ألا يعرضوا لأحد من الإنس وتوعدهم على ذلك وقتل مردتهم وجماعة من الغيلان فهربوا من خوفه إلى المفاوز والجبال والأودية وأنه ملك الأقاليم كلها وأنه كان بين موت جيومرت إلى مولد أوشهنج وملكه مائتا وثلاث وعشرون سنة
وذكروا أن إبليس وجنوده فرحوا بموت أوشهنج وذلك أنهم دخلوا بموته مساكن بني آدم ونزلوا إليهم من الجبال والأودية
ونرجع الآن إلى ذكر يرد وبعضهم يقول هو يارد فولد يرد لمهلائيل من خالته سمعن ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بعد ما مضى من عمر آدم أربعمائة وستون سنة فكان وصي أبيه وخليفته فيما كان والد مهلائيل أوصى إلى مهلائيل واستخلفه عليه بعد وفاته وكانت ولادة أمه إياه بعد ما مضى من عمر أبيه مهلائيل فيما ذكروا خمس وستون سنة فقام من بعد مهلك أبيه من وصية أجداده وآبائه بما كانوا يقومون به أيام حياتهم
ثم نكح يرد فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وهو ابن مائة سنة واثنتين وستين سنة بركنا ابنة الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له أخنوخ بن يرد وأخنوخ إدريس النبي وكان أول بني آدم أعطي النبوة فيما زعم ابن إسحاق وخط بالقلم فعاش يرد بعد ما ولد له أخنوخ ثمانمائة سنة وولد بنون وبنات فكان كل ما عاش يرد تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة ثم مات
وقال غيره من أهل التوراة ولد ليرد أخنوخ وهو إدريس فنبأه الله عز و جل وقد مضى من عمر آدم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة وأنزل عليه ثلاثون صحيفة وهو أول من خط بعد آدم وجاهد في سبيل الله وقطع الثياب وخاطها وأول من سبى من ولد قابيل فاسترق منهم وكان وصي والده يرد فيما كان آباؤه أوصوا به إليه وفيما أوصى به بعضهم بعضا وذلك كله من فعله في حياة آدم
قال وتوفي آدم عليه السلام بعد أن مضى من عمر أخنوخ ثلاثمائة سنة وثماني ستين تتمة تسعمائة

وثلاثين سنة التي ذكرنا أنها عمر آدم قال ودعا أخنوخ قومه ووعظهم وأمرهم بطاعة الله عز و جل ومعصية الشيطان وألا يلابسوا ولد قابيل فلم يقبلوا منه وكانت العصابة بعد العصابة من ولد شيث تنزل إلى ولد قابين
قال وفي التوراة إن الله تبارك وتعالى رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة مضت من عمره وبعد خمسمائة سنة وسبع وعشرين سنة مضت من عمر أبيه فعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة واثنتين وستين سنة وكان عمر يارد تسعمائة واثنتين وستين سنة وولد أخنوخ وقد مضت من عمر يارد مائة واثنتان وستون سنة
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال اخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال في زمان يرد عملت الأصنام ورجع من رجع عن الإسلام
وقد حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب قال حدثني عمي قال حدثني الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا ذر أربعة يعني من الرسل سريانيون آدم وشيث ونوح وأخنوخ وهو أول من خط بالقلم وأنزل الله تعالى على أخنوخ ثلاثين صحيفة
وقد زعم بعضهم أن الله بعث إدريس إلى جميع أهل الأرض في زمانه وجمع له علم الماضين وأن الله عز و جل زاده مع ذلك ثلاثين صحيفة قال فذلك قول الله عز و جل إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ( 1 )
وقال يعني بالصحف الأولى الصحف التي أنزلت على ابن آدم هبة الله وإدريس عليهما السلام
وقال بعضهم ملك بيوراسب في عهد إدريس وقد كان وقع إليه كلام من كلام آدم صلوات الله عليه فاتخذه في ذلك الزمان سحرا وكان بيوراسب يعمل به وكان إذا أراد شيئا من جميع مملكته أو أعجبته دابة أو امرأة نفخ بقصية كانت له من ذهب وكان يجيء إليه كل شيء يريده فمن ثم تنفخ اليهود في الشبورات
وأما الفرس فإنهم قالوا ملك بعد موت أوشهنج طهمورث بن ويونجهان بن خبانداذ بن خيايذار بن أوشهنج
وقد اختلف في نسب طهمورث إلى أوشهنج فنسبه بعضهم النسبة الذي ذكرت وقال بعض نسابه الفرس هو طهمورث بن أيونكهان بن أنكهد بن أسكهد بن أوشهنج
وقل هشام بن محمد الكلبي فيما حدثت عنه ذكر أهل العلم أن اول ملوك بابل طهمورث قال وبلغنا والله أعلم أن الله أعطاه من القوة ما خضع له إبليس وشياطينه وأنه كان مطيعا لله وكان ملكه أربعين سنة
وأما الفرس فإنها تزعم أن طهمورث ملك الأقاليم كلها وعقد على رأسه تاجا وقال يوم ملك نحن دافعون بعون الله عن خليقته المردة الفسدة وكان محمودا في ملكه حدبا على رعيته وأنه ابتنى سابور من

فارس ونزلها وتنقل في البلدان وأنه وثب بإبليس حتى ركبه فطاف عليه في أداني الأرض وأقاصيها وأفزعه ومردة أصحابه حتى تطايروا وتفرقوا وأنه أول من اتخذ الصوف والشعر للباس والفرش وأول من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشي وحراستها من السباع والجوارح للصيد وكتب بالفارسية وأن بيوراسب ظهر في أول سنة من ملكه ودعا إلى ملة الصابئين
ثم رجعنا إلى ذكر أخنوخ وهو إدريس عليه السلام
ثم نكح فيما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أخنوخ بن يرد هدانة ويقال أدانة ابنة باويل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم وهو ابن خمس وستين سنة فولدت له متوشلخ بن أخنوخ فعاش بعدما ولد له متوشلخ ثلاثمائة سنة وولد له بنون وبنات فكان كل ما عاش أخنوخ ثلاثمائة سنة وخسما وستين سنة ثم مات
وأما غيره من أهل التوراة فإنه قال فيما ذكر عن التوراة ولد لأخنوخ بعد ستمائة سنة وسبع وثمانين سنة خلت من عمر آدم متوشلخ فاستخلفه أخنوخ على أمر الله وأوصاه وأهل بيته قبل أن يرفع وأعلمهم أن الله عزوجل سيعذب ولد قايين ومن خالطهم ومال إليهم ونهاهم عن مخالطتهم وذكر أنه كان أول من ركب الخيل لأنه اقتفى رسم أبيه في الجهاد وسلك في أيامه في العمل بطاعة الله طريق آبائه وكان عمر أخنوخ إلى أن رفع ثلثمائة سنة وخمسا وستين سنة وولد له متوشلخ بعد ما مضى من عمره خمس وستون سنة ثم
نكح فيما حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق متوشلخ بن أخنوخ عربا ابنة عزرائيل بن أنوشيل بن خنوخ بن قين بن آدم وهو ابن مائة سنة وسبع وثلاثين سنة فولدت له لمك بن متوشلخ فعاش بعد ما ولد له لمك سبعمائة سنة فولد له بنون وبنات وكان كل ما عاش متوشلخ تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة ثم مات ونكح لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بتنوس ابنة براكيل بن محويل بن خنوح بن قين بن آدم عليه السلام وهو ابن مائة سنة وسبع وثمانين سنة فولدت له نوحا النبي صلى الله عليه و سلم فعاش لمك بعد ما ولد له نوح خمسمائة سنة وخمسا وتسعين سنة وولد له بنون وبنات فكان كل ما عاش سبعمائة سنة وثمانين سنة ثم مات ونكح نوح بن لمك عمذرة ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم وهو ابن خمسمائة سنة فولدت له بنيه سام وحام ويافث بني نوح
وقال أهل التوراة ولد لمتوشلخ بعد ثمانمائة سنة وأربع وسبعين سنة من عمر آدم لمك فأقام على ما كان عليه آباؤه من طاعة الله وحفظ عهوده قالوا فلما حضرت متوشلخ الوفاة استخلف لمك على أمره وأوصاه بمثل ما كان آباؤه يوصون به قالوا وكان لمك يعظ قومه وينهاهم عن النزول إلى ولد قايين فلا يتعظون حتى نزل جميع من كان في الجبل إلى ولد قايين وقيل إنه كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابىء وقيل إن الصابئين به سموا صابئين وكان عمر متوشلخ تسعمائة وستين سنة وكان مولد لمك بعد أن مضى من عمر متوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ثم ولد لمك نوحا بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة وذلك لألف سنة وست وخمسين سنة مضت من يوم أهبط الله عز و جل آدم إلى مولد نوح عليه السلام فلما أدرك نوح قال له لمك قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة فكان نوح يدعو إلى ربه ويعظ قومه فيستخفون به فأوحى الله عز و جل إليه أنه قد أمهلهم فأنظرهم ليراجعوا ويتوبوا مدة فانقضت

المدة قبل أن يتوبوا وينيبوا
وقال آخرون غير من ذكرت قوله كان نوح في عهد بيوراسب وكان قومه يعبدون الأصنام فدعاهم إلى الله جل وعز تسعمائة وستة وخمسين سنة كلما مضى قرن تبعهم قرن على ملة واحدة من الكفر حتى أنزل الله عليهم العذاب فأفناهم
حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال ولد متوشلخ لمك ونفرا معه وإليه الوصية فولد لمك نوحا وكان للمك يوم ولد نوح اثنتان وثمانون سنة ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينهى عن منكر فبعث الله إليهم نوحا وهو ابن أربعمائة سنة وثمانين سنة ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة ثم أمره بصنعة السفينة فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة ثلاثمائة سنة وخمسين سنة
وأما علماء الفرس فإنهم قالوا ملك بعد طهمورث جم الشيذ والشيذ معناه عندهم الشعاع لقبوه بذلك فيما زعموا لجماله وهو جم بن ويونجهان وهو أخو طمهورث وقيل إنه ملك الأقاليم السبعة كلها وسخر له ما فيها من الجن والإنس وعقد على رأسه التاج وقال حين قعد في ملكه إن الله تبارك وتعالى قد أكمل بهاءنا وأحسن تأييدنا وسنوسع رعيتنا خيرا وإنه ابتدع صنعة السيوف والسلاح ودل على صنعة الإبريسم والقز وغيره مما يغزل وأمر بنسج الثياب وصبغها ونحت السروج والأكف وتذليل الدواب بها
وذكر بعضهم إنه توارى بعد ما مضى من ملكه ستمائة سنة وست عشرة سنة وستة أشهر فخلت البلاد منه سنة وأنه أمر لمضي سنة من ملكه إلى سنة خمس منه بصنعة السيوف والدروع والبيض وسائر صنوف الأسلحة وآلة الصناع من الحديد ومن سنة خمسين من ملكه إلى سنة مائة بغزل الإبريسم والقز والقطن والكتان وكل ما يستطاع غزله وحياكة ذلك وصبغته ألوانا وتقطيعه أنواعا ولبسه ومن سنة مائة إلى سنة خمسين ومائة صنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة وطبقة فقهاء وطبقة كتاب كاملا وصناعا وحراثين واتخذ طبقة منهم خدما وأمر كل طبقة من تلك الطبقات بلزوم العمل الذي ألزمها إياه ومن سنة مائة وخمسين إلى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين والجن وأثخنهم وأذلهم وسخروا له وانقادوا لأمره ومن سنة خمسين ومائتين إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة وكل الشياطين بقطع الحجارة والصخور من الجبال وعمل الرخام والجص والكلس والبناء بذلك وبالطين البنيان والحمامات وصنعة النورة والنقل من البحار والجبال والمعادن والفلوات كل ما ينتفع به الناس والذهب والفضة وسائر ما يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية فنفذوا في كل ذلك لأمره ثم أمر فصنعت له عجلة من زجاج فصفد فيها الشياطين وركبها وأقبل عليها في الهواء من بلده من دنباوند إلى بابل في يوم واحد وذلك يوم هرمز أز فروردين ماه فاتخذ الناس للأعجوبة التي رأوا من إجرائه ما أجري على تلك الحال نوروز وأمرهم باتخاذ ذلك اليوم وخمسة أيام بعده عيدا والتنعم والتلذذ فيها وكتب إلى الناس اليوم السادس وهو خرداذروز يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله فكان من جزائه إياه عليها أن جنبهم الحر والبرد والأسقام والهرم والحسد فمكث الناس ثلاثمائة سنة بعد الثلاثمائة والست عشرة سنة التي خلت من ملكه لا يصيبهم شيء مما ذكر أن الله عز و جل جنبهم إياه
ثم إن جما بطر بعد ذلك نعمة الله عنده وجمع الإنس والجن فأخبرهم أنه وليهم ومالكهم والدافع بقوته

عنهم الأسقام والهرم والموت وجحد إحسان الله عز و جل إليه وتمادى في غيه فلم يحر أحد ممن حضره له جوابا وفقد مكانه بهاءه وعزه وتخلت عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره فأحس بذلك بيوارسب الذي يسمى الضحاك فابتدر إلى جم لينتهسه فهرب منه ثم ظفر به بيوارسب بعد ذلك فامتلخ أمعاءه واسترطها ونشره بمنشار
وقال بعض علماء الفرس إن جما لم يزل محمود السيرة إلى أن بقي من ملكه مائة سنة فخلط حينئذ وادعى الربوبية فلما فعل ذلك اضطرب عليه أمره ووثب عليه أخوه اسفتور وطلبه ليقتله فتوارى عنه وكان في تواريه ملكا ينتقل من موضع إلى موضع ثم خرج عليه بيوارسب فغلبه على ملكه ونشره بالمنشار
وزعم بعضهم أن ملك جم كان سبعمائة سنة وست عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما
وقد ذكرت عن وهب بن منبه عن ملك من ملوك الماضين قصة شبيهة بقصة جم شاذ الملك ولولا أن مادة التاريخه خلاف مادة التاريخ جم لقلت إنها قصة جم
وذلك ما حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا إسماعيل بن عبدالكريم قال حدثني عبدالصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه قال إن رجلا ملك وهو فتى شاب فقال إني لأجد للملك لذة وطعما فلا أدري أكذلك كل الناس أم أنا وجدته من بينهم فقيل له بل الملك كذلك فقال ما الذي يقيمه لي فقيل له يقيمه لك أن تطيع الله فلا تعصيه فدعا ناسا من خيار من كان في ملكه فقال لهم كونوا يحضرتي في مجلسي فما رأيتم أنه طاعة لله عز و جل فأمروني أن أعمل به وما رأيتم أنه معصية لله فازجروني عنه أنزجر ففعل ذلك هو وهم واستقام له ملكه بذلك أربعمائة سنة مطيعا لله عز و جل ثم إن إبليس انتبه لذلك فقال تركت رجلا يعبد الله ملكا أربعمائة سنة فجاء فدخل عليه فتمثل له برجل ففزع منه الملك فقال من أنت قال إبليس لا ترع ولكن أخبرني من أنت قال الملك أنا رجل من بني آدم فقال له إبليس لو كنت من بني آدم لقد مت كما يموت بنو آدم ألم تر كم قد مات من الناس وذهب من القرون لو كنت منهم لقد مت كما ماتوا ولكنك إله فادع الناس إلى عبادتك فدخل ذلك في قلبه ثم صعد المنبر فخطب الناس فقال أيها الناس إني قد كنت أخفيت عنكم أمرا بان لي إظهاره لكم تعلمون أني ملكتكم منذ أربعمائة سنة ولو كنت من بني آدم لقد مت كما ماتوا ولكني إله فاعبدوني فأرعش مكانه وأوحى الله إلى بعض من كان معه فقال أخبره أني قد استقمت له ما استقام لي فإذا تحول عن طاعتي إلى معصيتي فلم يستقم لي فبعزتي حلفت لأسلطن عليه بخت ناصر فليضربن عنقه وليأخذن ما في خزائنه وكان في ذلك الزمان لا يسخط الله على أحد إلا سلط عليه بخت ناصر فلم يتحول الملك عن قوله حتى سلط الله عليه بخت ناصر فضرب عنقه وأوقر من خزائنه سبعين سفينة ذهبا
قال أبو جعفر ولكن بين بخت ناصر وجم دهر طويل إلا أن يكون الضحاك كان يدعى في ذلك الزمان ناصر
وأما هشام بن الكلبي فإني حدثت عنه أنه قال ملك بعد طهمورث جم وكان أصبح أهل زمانه وجها وأعظمهم جسما قال فذكروا أنه غبر ستمائة سنة وتسع عشرة سنة مطيعا لله مستعليا أمره مستوثقة له البلاد ثم إنه طغى وبغى فسلط الله عليه الضحاك فسار إليه في مائتي ألف فهرب جم منه مائة سنة ثم

إن الضحاك ظفر به فنشره بمنشار قال فكان جميع ملك جم منذ ملك إلى أن قتل سبعمائة وتسع عشرة سنة
وقد روي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على ملة الحق وأن الكفر بالله إنما حدث في القرن الذين بعث إليهم نوح عليه السلام وقالوا إن أول نبي أرسله الله إلى قوم بالإنذار والدعاء إلى توحيده نوح عليه السلام
ذكر من قال ذلك
حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال كان بين نوح وآدم عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الشريعة الاسلامية من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين قال وكذلك هي في قراءة عبدالله كان الناس أمة واحدة فاختلفوا ( 1 )
حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قوله عز و جل كان الناس أمة واحدة قال كانوا على الهدى جميعا فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فكان أول نبي بعث نوح عليه السلام
مادة التاريخ الامم والملوك
الإمام ابن جرير الطبري






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©