لقد عرفت الجزائر في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني ( 1800-1830) تدهورا عاما طرأ على مجالات الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وسوف نعالج من خلال هذا الفصل الأوضاع العامة التي آلت إليها الجزائر في تلك الفترة مع التركيز على أهم الأسباب التي كانت وراء هذا التدهور الذي فتح شهية الأطماع الاستعمارية في هذه المنطقة.
الأوضاع السياسية
تميزت الفترة الأخيرة من الحكم العثماني بعدم استقرار جهاز الحكم، وكثرت الاضطرابات التي عمها الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي، وتتجلى هذه الاضطرابات في كثرة تعاقب الحكام الذين تميز جلهم بالضعف وعدم الكفاءة ولم يتمكنوا من ضبط أمور الدولة خاصة بعد أن أصبحت المناصب تباع وتشترى بدلا من مراعاة الكفاءة التي تسمح بتسيير شؤون الدولة بحزم ودراية، وفي هذا الصدد يقول حمدان بن عثمان خوجة: " لم يكن على الذي يريد أن يصبح بايا إلا أن يتوجه إلى أقارب أحمد باشـا ويمدهم بالأموال وكانت المناصب تباع وتشترى" كما أن أغلب دايات الجزائر في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني وصلوا إلى مناصبهم بفضل الانقلاب للمطالبة بزيادة الأجور كما أن الكثير منهم كان يمارس مهنا تعتبر وضيعة كمهنة الفحامين والإسكافيين والكناسين وأبرز مثال على ذلك الغسال الذي كان يشتغل بتغسيل الموتى قبل 1808م .







كما أن منصب الداي يفرض رائع عليه الاختيار، ولا يمكنه الاستقالة فبالنسبة إليه لا يوجد في الحياة سوى مكانين العرش أو القبر ونتيجة لهذا فقد شاعت ظاهرة اغتيال الدايات مثل ما وقع للداي: مصطفى باشا 1805م، والداي أحمد 1809م، والداي محمد 1814م، والداي عمر آغا عام 1817م، كما كانت فترة الكثير منهم لا تتعد بضعة أشهـر .
كما أن الحكام قاموا بسياسة غير وجيهة أنبتت الحقد والضغينة وحب الانتقام في صدور الأهالي وأصحاب الطرق الصوفية، تمثلت في السياسة الضريبية المجحفة والتي كان يفرض رائعها الحكام على الأهالي، وفي الوقت ضعف فيه الأسطول البحري ونصبت موارده ودب التدهور الاقتصادي في كامل أنحاء البلاد بل وقد حدد الحكام لذلك الغرض حملات عسكرية مخزنية لقمع الممتنعين عن أداء الضرائب ولذلك قلت ثقة الأهالي في الحكام و المسؤولين الذين أهملوا مصالح البلاد وأفقروا العباد وانصب اهتمامهم بالسلطة، فأحس الأهالي أن جهوداتهم موجهة لخدمة الطبقة الحاكمة دون التمتع بأي حقوق فتوجهوا بشكواهم إلى رجال الطرق الصوفية نظرا لما كانوا يتمتعوا به من نفوذ روحي في المجتمع الجزائري .


وأمام ذلك لم يستطيع رجال الزوايا والطرق الصوفية أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الشكاوي المقدمة من الأهالي من جراء السياسة التعسفية، وباعتبار أن مصالح رجال الدين أيضا تضررت وضاعت امتيازاتهم التي كانوا يتمتعون بها على رأسها الوساطة بين الأهالي والحكام في جباية الضرائب بالإضافة إلى الاستفادة من الأرباح التي كان يدرها الجهاد البحري، والهدايا الاعتبارية في المواسم الدينية، ففضلوا الوقوف إلى جانب أهالي الريف ولذلك برزت سلسلة من الثروات في مطلع القرن التاسع عشر كرد فعل على سياسة الحكام الجائرة
ومن أهم الثورات نذكر على سبيل المثال الثورة الدقاوية التي قادها ابن الأحرش وابن الشريف في شرق وغرب البلاد والثورة التيجانية في الجنوب الغربي للبلاد والتي قادها سيدي أمحمد التيجاني

تمرد بن الأحرش :
هو محمد بن عبد الله بن الأحرش ويقول الآغا بن عودة المزاري :«... فتى مغربي مالكي مذهبا ودرقاوي طريقة، درعي نسبا، جاء لتلك القبائل، وأدعى أنه المهدي المنتظر وكان صاحب شعوذة وحيل وخبر، يبدل بها الأشياء للشيء الذي يريد فورا كاستحالة البعر زبيبا وتقطير السيف سما والحجارة درهما، والروث ثمرا، فرأت الناس منه العجائب وأظهر لهم الأمور الغرائب التي هي قلب العين لا حقيقة لها دون مين، فنصروه وعقدوا له البيعة حزبا حزبا وجندوا معه، وأمره كله كذبا ».
وقد ادعى أنه من الأشراف غير أن هذه النسبة ليسلها من يثبتها ، وعند عودته من مكة بعد أداءه فريضة الحج صادف ابن الأحرش الحملة المادة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت وشارك في مقاومتها مع جماعة من أهالي المغرب الأقصى والجزائر إلى جانب الجيش المصري فأظهر شجاعته وبلاء الأمر الذي أكسبه شهرة.











ولما تدخل الإنجليز وعادت الحملة المادة الفرنسية قفل ابن الأحرش مع جماعة من الحجاج وفي تونس تعرف على حمودة باشا باي تونس الذي أكرمه وأوعز إليه بمحاربة أتراك الجزائر ووعده بالدعم
وقد أورد الزهار الحوار الذي دار بين حاكم تونس حمودة باي وابن الأحرش حيث قال له: «... إن رجلا مثلك شجاع يجب أن يذهب إلى ملك الترك بالجزائر وينزعه من أيديهم ، ونحن نمدك بما يخصك والعرب يتبعونك لكثرة ما ظلمهم الأتراك» والظاهر أن حمودة باشا لمس في هذا الرجل طموحا كبيرا فأراد أن يشغله وحكام الجزائر في آن واحد عن أمور إيالته ، وحسب روايات أخرى فإن الإنجليز هم الذين شجعوه على العودة وأعطوه بندقية تطلق ثلاث طلقات دون تعمير وهذا بهدف ضرب المصالح المادة الفرنسية في الجزائر .
اتجه ابن الأحرش من تونس إلى قسنطينة أقام فيها بعض الوقت واطلع على أحوالها ثم انتقل إلى جيجل حيث توقف بعض الوقت في قبيلة بني أحمد وقد استعمل شتى الوسائل للحصول على أتباع مخلصين والقيام بانقلاب ضد الوجود العثماني، وأدعى أنه صاحب الوقت وأن دعوته مستجابة بالنصر يتبعه حيث حل وبارود عدوه لا يضره ، ولا يصيب أتباعه بل يرجع لديهم ماءً .










وكانت أحاديثه عن حرب مصر تجذب إليه سكان المدينة واستغل الفرصة لتحريض الناس ضد الأتراك ودعوته لمحاربتهم كما حارب المصريون الفرنسيين، وقد قويت شوكته وازدادت شعبيته مما اضطر حاميه جيجل من المدينة فأصبح يتصرف كالملك.
وقد اكتسبت حركة ابن الأحرش طابعا مقدسا بعدما انظم إليها العديد من المرابطين أمثال سيدي عبد الله الذبوشي مما جعل العديد من قبل تلك الناحية تصدقه وتؤمن لدعوته كأولاد حيدون وبني مسلم وبني خطاب وغيرهم.
وبلغ عدد أنصاره أكثر من عشرة آلاف رجل توجه بهم اتجاه قسنطينة ويقول الآغا بن عودة المزراتي :«... فحرك بهم على قسنطينة وحاصروها يوما كاملا وكان الباي عثمان خارجا عنها لبعض شؤونه فلما سمع أتاه عاجلا» ، ولما حل ابن الأحرش بالمدينة خرج أهلها لمحاربته تحت قيادة أحمد ابن الأبيض فوقع القتال بين الطرفين، وتكبد ابن الأحرش هزيمة نكراء وتشتت قواته ، يقول الآغا المزراتي :«...فألفاه حزم وأصيب بالرصاص في فخذه فتكسرت لكن حاله لا تزال مجتمعا غير متشتت.».












ولما علم الداي بهذا الحادث كتب إلى عثمان باشا يقول : «... لقد عينت بايا على المقاطعة التي ظهر فيها الشريف فمن الواجب عليك أن تلاحقه وتقضي عليه، وإني أضعك بين أمرين لا ثالث لهما رأسك أو رأسه »، وفي هذا يقول الزهار : «...إن ابن الأحرش عندما سمع بخروج الباي في طلبه ذهب إلى ناحية واد الزهور، وأقام بين تلك القبائل، وخمدت نار الفتنة وأذعن العرب للطاعة ووقعت العافية، ورجع إلى قسنطينة وعندما أتى الربيع، أمره الأمير بالدنوش فقدم الجزائر كما هي ولما رجع لقسنطينة واستراح أياما لقتال ابن الأحرش » .
فجهزا لباي عثمان حملة عسكرية وتوجه في شهر أوت 1804م للبحث عن الشريف بن الأحرش ولما وصلت المحلة إلى وادي الزهور بنواحي القل واستقروا بمرجة ، وفي تلك الليلة نزلت أمطار غزيرة فقام ابن الأحرش ومن معه من القبائل بتحويل مسير الوادي المذكور على تلك المرجة فصارت مثل الصبخة، فابتلعت أرجل الخيل على البوادر، والرجال إلى الركبة ثم حملوا على المحلة وقتلوا الباي ومن معه فلم ينج منهم أحد .













وفي هذه الواقعة قتل الداي عثمان وعم ابن الأحرش ومن معه من القبائل أموالا لا تحصى، وذلك الباي عندما خرج من قسنطينة لم يترك شيئا بخزينتها وحمل جميع ما فيها من الأموال ، ولما بلغ السلطة المركزية بالجزائر مقتل الباي عثمان وتشتتت قواته، عين الداي مصطفى باشا عبد الله بن إسماعيل قائد وطن خشنة بايا على قسنطينة وكلفه بتتبع ابن الأحرش ، وبعد عشرة أشهر من ملاحقته والحروب الدائمة، لم يجد بدلا من وضع حد لثورته والالتحاق بمجموعة درقاوة من العرب الجزائري بابن الشريف عبد القادر الدرقاوي وخاض إلى جانبه معارك ضد الأتراك وبقي معه إلى أن تمكن الباي من دس من قتله من أصحابه.










تمرد درقاوة :
اسمه الكامل هو عبد القادر بن الشريف الذي يعرف لدى العامة بابن الدرقاوي، ويعود أصله إلى قبيلة كسانة المقيمة على ضفاف واد العبد، تعلم مبادئ اللغة في مسقط رأسه في قرية أولاد بالليل ثم التحق بزاوية القيطنة بمعسكر التابعة للطريقة القادرية، وفي هذا يقول الآغا عودة المزراي: « ... وكان في أول حاله عالما متفننا في سائر علوم الدين محققا لها، بقيودها والمنطوق والمفهوم ورعا زاهدا متعبدا راكعا ساجدا صائما قائما، حنينا رحيما، أستاذ يقرئ القرآن ويعز أهله، ويزيل بتعلمه لكل جاهل جهله والناس يشيرون إليه بالصلاح و النسك والنجاح » وبعدها سافر إلى زاوية بوبريح في المغرب الأقصى وهناك اتصل بمولاي عبد الله بن محمد الدرقاوي الذي أخذ عنه الورد وقال له: « يا سيدي إن في وطننا قوما يقال لهم الترك لاشيء لهم من دعاتهم للإسلام، ويظلمون الناس ولا يعبؤون بالعلماء والأولياء، ونسأل منك أن يكون هلاكهم على يدك يستريح منهم العباد وتطهر منهم البلاد ».











ولما عاد ابن الشريف إلى بلاده بدأ يخطط لثورته المناوئة للحكم التركي وابتدع أمورا يمجها الطبع وينكرها الشرع واقتدى به في ذلك الجل من الناس، وأخذ عنه كل من هو في عقله غاية الإحساس وسيقت له الهدايا من كل فج .
ويقول عنه الزهار:«... ظهر الشريف وكاتب العرب في أمر القيام على الترك، وادعى أنه صاحب الوقت واتبعه العرب وسارت إليه القبائل وظهرت له الكرامات .».
وبينما الناس على غفلة إذ بين الشريف أصبح قائما بأقوالهم معلنا بالجهاد على الأتراك والمخزن محللا لدمائهم وأموالهم فاجتمعت إليه الغوغاء من كل جانب ومكان، وهبط مع واد مينا قاصدا نحو المخزن وأذن لأتباعه بالنهب لأموال أتباع الترك وإما بلغ الداي مصطفى خبر هذا الثأر جهز جيشا وقصد ابن الشريف ، والتقى الجيشان بقرية فرطاسة بين وادي مينا ووادي العبد ووقعت صدمات بين الطرفين أسفرت عن انهزام الداي مصطفى وتشتت جيشه ففر راجعا إلى وهران.











وفي هذا يقول الآغا بن عودة المزاري: « ... فاشتد القتال بينهما على الماء وصارت نار الحرب بينهما بالحتوف وتزاحمت لبعضهما البعض الصفوف وتراكم الأمر وحمى المعروف، فانهزم الباي وقام مخزنه على ساق واحدة وركب العدو في ظهره في تزايد .» فصار الباي في ورحل الباي للمعسكر على غير الحال المعهودة وعساكر خلفه مطرودة وعلى إثر هذا النصر تحصن في مدينة معسكر وكاتب القبائل مشيرا إياهم قائلا:«...أننا نزعنا عنكم ما كنتم فيه من الحقرة والذلة والمسكنة وأداء المغارم والجزية الثقيلة والمؤن الجليلة الذي جميع ذلك هو حرام على من انتظم بالدخول في الإسلام، وقد قطعنا دابر الترك الظلام وأتباعهم الشرار اللئام، فالواجب عليكم مبايعتنا والإذعان لنا وطاعتنا » وبذلك تمكن من جمع الأنصار وحاصر مدينة وهران ثمانية أشهر، إلا أنه لم يتمكن من اقتحامها لضعف العدة والعتاد فلم ضعف أمره تراجع عنه أتباعه انتقل إلى قبيلة بني يزناس على الحدود المغربية فتوارى عن مسرح الأحداث وبقي يقيم هناك إلى أن توفى.











تمرد التيجانية:
اسمه الكامل محمد بن أحمد المختار التيجاني وهو من قبيلة عين ماضي قرب الأغواط التجأ مع والده وشقيقه محمد الصغير إلى المغرب الأقصى ولما توفي والده عام 1815م عاد مع شقيقه إلى عين ماضي ولقد عرفت الطريقة التيجانية ازدهارا كبيرا بعد عودة والدي سيدي أحمد التيجاني وقد قام السيد محمد الكبير بتجهيز جيش من ستمائة رجل من التيجانية من أهل عين ماضي وعدد كثير من العرب الصحراوية التي لا تمثل للمعروف ولا تنهي عن المنكر.
ولما أنهى استعداداته توجه وقبائل الحشم الذين أذعنوا له بالطاعة نحو مدينة معسكر 1827 ولما وصل إلى غريس وأخذ يقاتل أهل معسكر واستولى على أهل بعض الجهات، بعث الباي بالمال لكبراء الحشم لكي يتخلوا عنه وخرج إليه من وهران الباي حسن وأمر المحلة أن تردفه وفر الحشم عن التيجاني وفر الكثير من جيوشه التي أتت معه ولم يبقى معه إلا نحو الثلاثمائة من الأعراب قاتلوا قتالا شديدا إلى أن قتلوا جميعا وقتل معهم محمد التيجاني وأرسل رأسه إلى الجزائر وأرسل سيفه إلى السلطان محمود خان وقد كان للحكام المغاربة دور رئيسي في إثارة هذه الاضطرابات الداخلية ضد دايات الجزائر وذلك لتحقيق الأهداف التقليدية لسلاطين المغرب وبذلك ساهمت هذه الثورات إلى حد كبير في إضعاف السلطة الحاكمة في الجزائر وانهيار الحكم العثماني فيها.






الدور السياسي لليهود
وفي الوقت الذي كانت تتقلب فيه الجزائر بالفوضى والاضطرابات، استغل اليهود هذا الوضع في مد نفوذهم إلى الميدان السياسي والمالي في الجزائر واستخدموا شتى الوسائل لكسب ود حكامها إبتداءا بالهدايا الثمينة والمساعدات المالية إلى التجسس في الداخل والخارج وقد أنشأ نفتالي بوجناح ويوسف بكري وأخوه يعقون شركة تجارية في الجزائر في عهد صالح باي وتقوم بدور الوسيط بين الأهالي والشركة المادة الفرنسية ( شركة أفريقيا ) صاحبة الامتياز واستطاعت الشركة اليهودية من إنشاء وكالة لها في عنابة ومنها إلى كل أنحاء الشرق الجزائري، منطقة الجنوب، وإلى تونس حتى أصبحت تحتكر شراء محاصيل الأهالي، فتسلم جزءا من مشترياتها للشركة المادة الفرنسية وتتصرف في الجزء الباقي وقد تمكنوا من السيطرة على القطاعات الحيوية في الدولة الجزائرية تحت رعاية بعض الحكام مثل حسن بوحنك باي قسنطينة وبفضل تجربتهم التجارية وبفضل معرفة لغة وعادات الجزائريين واستمالة حكام الإيالة وربطهم بالمصالح التجارية اليهودية والمادة الفرنسية.








وهكذا أصبح اليهود يتدخلون في الأمور السياسية حيث أصبح لهم القدرة على تعيين الموظفين الكبار في الدولة، وخير مثال على ذلك الداي مصطفى الذي قيل أنه كان كناسا ورفعه اليهود إلى منصب الداي كما توسط بوشناق في كثير من الأحيان بين الجزائر والدول الأجنبية، استقبل في 1801م قناصل الدنمرك والسويد وهولندا وتسلم منهم باسم الداي هدايا .
وهناك قضية هامة تسببت في إنهاء الحكم العثماني في الجزائر ويتمثل في قضية الديون التي أقرضتها الجزائر للحكومة المادة الفرنسية عام 1796م بدون فائدة والتي قدرت بمليون فرنك لشراء الحبوب من الجزائر في الوقت الذي كانت فيه الأسواق الأولية مغلوقة في وجه التجارة المادة الفرنسية، وكانت المبادلات في بادئ الأمر تتم بطريقة مباشرة إلا أن فرنسا غيرت فيما بعد طريقة الدفع ولجأت إلى توسيط بكري و بوشناق اللذان تحصلا على أهم امتياز بالجزائر عام 1894 حق شراء وبيع الحبوب من الجزائر ليقوما بدفع الثمن بدلها إلى الحكومة الجزائرية، وكان بكري و بوشناق يقدمان كل أنواع التسهيلات لفرنسا مما أدى إلى تراكم الديون المادة الفرنسية وتماطل فرنسا في تسديدها.










ولما كانت الحكومة المادة الفرنسية تسعى للحصول على الموارد الغذائية من الجزائر لتلبي احتياجات جيشها الذي كان يستعد آنذاك للحملة ضد مصر والذي اعتبرها نابليون فتحا فقد اقترح قنصلها بالجزائر (مولتيدو moltido) على فرنسا تسديد ديونها فطلبت فرنسا من اليهود تقديم فواتير ديونهم نظرا لتوتر العلاقات الجزائرية المادة الفرنسية بسبب الحملة على مصر 1798م ، ولما تحسنت العلاقات الجزائرية المادة الفرنسية طلب " تاليران " من حكومته تصفية ديون اليهود التي قدرت بـ: 7.942.992 فرنك فرنسي إلا أن ذلك لم يتم بسبب توتر العلاقات بين البلدين، ورغم أن الدولتان أبرمتا معاهدة في 25 ديسمبر 1801م نصت على ضرورة تسديد فرنسا لديونها لليهود إلا أن فرنسا لم تلتـزم بما جاء في هذه المعاهدة و تماطلت في القضية ، وقد أصدر نابليون الأوامر إلى حكومته بشأن مراجعـة ديون اليهود التـي قدرت آنـذاك بـ: 8.151.062 فرنك إلا أن هذه القضية أجلت بسبب انشغال فرنسا بحروب القارة الأوربية كما أن الجزائر عرفت في تلك الفترة اضطرابات عنيفة ، باعتبار أن الداي مصطفى كان متواطئا مع اليهود الذين قاموا باحتكار التجارة وتصدري الحبوب في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تعاني القحط وقلة المواد الغذائية مما أدى إلى نشوب ثورة على الداي واليهوديين .







ففي يوم 28 جوان 1805 وبينما كان بوشناق خارجا من قصر الداي إنقض عليه أحد الإنكشارية فأراده قتيلا قائلا: " تحية إليك ياملك الجزائر " ولما سار إليه الجند قال لهم " لقد قتلت اليهودي فهل أنتم من كلاب اليهود " فتركوه لشأنه، وقد لقي الداي نفس مصير بوشناق، كمـا هاجرت عـائلات يهودية كثيرة خوفا من القتل والنهب، ففي 01 جويلية 1805 هاجرت نهائيا من الجزائر 100 عائلة يهودية إلى تونس و 200 عائلة إلى ليفورنا في 10 جويلية 1805.
وفي مطلع القرن التاسع عشر أثيرة قضية الديون من جديد، حيث طلب الداي حسين ( 1818-1830 ) من الحكومة المادة الفرنسية بتسديد الديون التي كانت بذمتها، ولكن فرنسا تماطلت في الرد بل اتخذتها ذريعة لحصار الجزائر واحتلالها، وبالتالي فاليهود كانوا سببا في توتر العلاقات الجزائرية المادة الفرنسية كما ساهموا في إضعاف البلاد من الداخل قبل أن يهاجمها الفرنسيون من الخارج.













الأوضاع الاقتصادية
أ – القطاع الزراعي :
تميزت الفترة الأخيرة من الحكم العثماني في الجزائر بقلة المردود الزراعي الذي كان لا يلبي احتياجات السكان المحلية، ومرد ذلك إلى جملة من العراقيل حالت دون نمو وتطور الزراعة، حيث أن الضرائب كانت تمثل المصدر الرئيسي لدخل الدولة بعد تراجع غنائم الجهاد البحري، فكانت بعض هذه الضرائب تستخلص في ( القمح والشعير،التين ، الزبدة...) وبعضها الآخر يستخلص نقدا وكانت هذه الضرائب تزداد كمية ونوعا، فكلما كانت المحلة قوية برهن فرسان المخزن عن جديتهم ومهارتهم، وكان لا يراعي في جلب هذه الضرائب وضعية الفلاحين الأمر الذي جعلهم يتخلون عن مزارعهم وأراضيهم ويلجؤون إلى الجبال فرارا من جباة الضرائب، وفي هذا الصدد يقول القنصل الأمريكي: «... البايات وحكام الإقليم هم المسؤولون عن جمع الضرائب بواسطة أعوانهم من العساكر والشرطة يستحوذون على كل ما يقع تحت أنظارهم من أموال الشعب، وهذا الظلم الذي لا يطاق، جعل الناس يهجون البلد ويتركون السهول الخصبة ليلجأوا إلى الجبال ويسكنوا قمما لا سبيل لوصول الأتراك وأعوانهم إليها إلى أطراف الصحراي » ، كما أن أغلب المزروعات وبالخصوص القمح والشعير كانت من المزروعات الشتوية التي تعتمد على ما جاءت به السماء، وحيث أن الجزائر عرفت في هذه الفترة سنوات الجفاف لا يكاد يجمع فيها الفلاح ما زرعه.







ولم يكن نشاط الفلاحين مقتصرا على الزراعة فحسب بل شمل أيضا تربية الحيوانات كالأبقار والماعز والخيول وفي هذا يقول شالر: «... فإننا نجد هنا جميع أنواع الحيوانات، الدواجن بكثرة بما في ذلك الفرس الجمل والثور والجمل ذو السنامين والحمار والغنم والبغل والماعز، والخيول مادة اللغة العربية التي تتمتع بشهرة عالية وهذا وإن تربية الحيوانات تلائم عدم الاستقرار وتمكن أهل الريف من أن تتهرب من الضرائب التي كان يفرض رائعها الأتراك على المزارعين والتي كانت تأخذ عينا وكان اهتمام سكان الأرياف بتربية الحيوانات قد جعل المنتوجات الحيوانية تفيض من الاستهلاك بل وتصدر كميات منها إلى الخارج.».
وقد قدرت الإحصائيات الأولى للجيش الفرنسي عدد الحيوانات في السنوات الأخيرة من الحكم العثماني بـ: 6.850.205 رأس ماعز و:338.490 رأس غنم و: 10.317.738 رأس بقر و:109.096 رأس بغل، وإلى جانب هذه الحيوانات كان سكان الضواحي يقومون بتربية النحل وإنتاج كميات كبيرة من العسل تفيض من استهلاك السكان ويصدر منه جزء إلى الخارج.
ورغم وفرة الثروة الحيوانية إلا أنها كانت تعاني من بعض المشاكل مثل الجفاف وقلة العناية اللازمة بالحيوانات وتفشي الأمراض .









بالإضافة إلى مشاكل الضرائب فمثلا باي التيطري استولى في حملته على قبيلة الأرباع عام 1825 على 10.700 جمل بيعت في مكانها للقبائل الحليفة، كما أن هذا الباي في إحدى حملاته على أولاد مختار الشراقة عام 1526 على 500 جمل و4.000 خروف، وخلاصة القول أنه كان بإمكان القطاع الزراعي أن يلبي حاجيات السكان المحلية ويتعدى ذلك بالتصدير إلى الخارج نظرا للإمكانيات الزراعية والمناخية وجودة التربة، لكن العوامل البشرية التي ذكرناها حالت عائقا في تطور نمو النشاط الزراعي، فضلت الزراعة موسمية معيشية لا ترق إلى الزراعة الكثيفة.
ب – القطاع الصناعي:
تميزت الصناعة في الفترة التي ندرسها بالبساط 2014ة وقلة التنوع واقتصرت في أغلبها على المنتوجات، نظرا لوفرة المواد الخام كالصوف والحرير وكانت لكل منطقة صناعتها الخاصة، فاختصت مدينة تلمسان بصناعة الصوف والأغطية، كما كانت أجود الزرابي تنتج في قلعة بني راشد والتي تميزت بطابع محلي عريق وأسلوب أندلسي راق وأشكال تركية جميلة، واختصت مدينة الجزائر بصناعة ما لبثت أن انحطت نوعيتها وقل المشتغلون بها، مما سمح للشواسي التونسية أن تعزز الأسواق الجزائرية نظرا لجودتها العالية بالإضافة إلى صناعة الأحزمة الصوفية والحريرية والمناديل وصناعة الجلود من سروج الأجمة والمحافظ .









وكانت مدينة قسنطينة أهم مركز لهذه الصناعة بالإضافة إلى صناعة النحاس والحلي والأحجار الكريمة في كل من تلمسان، قسنطينة ومدينة الجزائر إلا أن هذه الصناعات كانت محتكرة من اليهود، وقد عرفت الصناعة مشاكل أعاقت تطورها نذكر منها:
- مضايقة الحكومة التركية للصناعة المحلية بالضرائب المتنوعة وقد بلغت الرسوم نسبة 10% من ثمن البضاعة وقلة الاستهلاك.
- قلة الاستهلاك المحلي نظرا لانخفاض القدرة الشرائية بانخفاض دخل سكان المدينة.
- منافسة المصنوعات الأوربية للمصنوعات الجزائرية التي ظلت مرتبطة بالقدم دون أن يحاول أصحابها تطويرها وتحسينها وإدخال الأذواق عليها
- بالإضافة إلى أن اليهود احتكروا أهم الصناعات كالمجوهرات والساعات والزجاج كما كان الأسرى المسيحيون والمتطوعين الأوربيين يتولون صناعة السفن والمدافع وتحضير البارود فهذه الصناعات ظلت على أهميتها غريبة على الجزائريين وفي أواخر الحكم العثماني تناقص عدد الأسرى وأنسحب المتعاونين معهم تعطلت الصناعة، كما انعكس التدهور في القطاع الزراعي والحيواني على الوضع الصناعي حيث قلت هذه المواد الأولية وارتفعت أسعارها.








ج – القطاع التجاري : عرفت الجزائر نوعان من التجارة، داخلية وخارجية
* تجارة داخلية : كان يقوم بها الأهالي في معظم الأحيان كما كان يقوم بها اليهود، فكانوا يعرضون خدماتهم على الأهـالي، بل يحملون البضـائع حتى تحوم الصحراء إذا اقتضى الأمر ذلك، فهم أشبه ما يكونوا بالدكان المتنقل وكانت اتجاهات هذه التجارة نشيطة بين الشمال والجنوب وضعيفة بين الشرق والغرب.
* تجارة خارجية : كان يمارسها في أغلب الأحيان الأجانب وخاصة اليهود وبعض الأهالي، ولبيان قيمة الصادرات والواردات للجزائر أواخر العهد العثماني نستعرض قائمة للتجارة الخارجية وردت في كتاب كامل وليام شالر الذي نقلها بدوره من سجلات التجارة بمدينة الجزائر 1822م.
ويلاحظ على جدول شالر للواردات والصادرات:
- أن بريطانيا كانت تحتل الصدارة للواردات في فترة أخذت فيها العلاقات التجارية والسياسية تتوتر بين الجزائر وفرنسا، ويظهر أن مدينة الجزائر قللت من المعاملات مع فرنسا في أواخر العهد التركي لأسباب المماطلة، إذ أن الحكومة المادة الفرنسية كان عليها ديون ثقيلة للجزائر مطلع القرن التاسع عشر ظلت تتهرب من دفعها.
- أن مجموع قيمة الواردات بلغت 1.200.000 دولار إسباني ومجموع قيمة الصادرات بلغت حوالي 237.000 دولار إسباني مما يعني أن الميزان التجاري لمدينة الجزائر سجل عجزا قدره 927.000 دولار إسباني سنة أولى822م .






ويرجع ذلك إلى ضعف الأسطول التجاري وارتباط الجزائر باتفاقيات مع الدول الأوربية الأخرى ويقول عزيز سامح ألتر : « ...أصبح السوق المغطى مهجورا ولم يعد يسمع صوت الدلالين الذين كانوا يبيعون الغنائم والأسرى بعدما كانت في السابق مدينة ذات نشاط وحيوية، فقد كانت أموال المسيحيين تتدفق عليها بكميات لا تحصى أما في هذه الفترة فقد أصبحت حزينة يئسة وهجرتها البهجة. ».
إضافة إلى كثرت الواردات الجزائر إذا ما قورنت بصادراتها واحتكار الدولة لتجارة المواد الأولية من الحبوب والأصواف والجلود وهو ما انعكس سلبا على البلاد.
كما ساهم اليهود إلى حد كبير في انهيار التجارة الجزائرية وتحصلوا على أرباح وفيرة على حساب الأهالي وذلك لكونهم قاموا بدور الوساطة في كل العمليات التجارية، كما أنهم قاموا بتقديم القروض والضمانات بفوائد خيالية مستغلين في ذلك عدم وجود البنوك، وقد عملت الجزائر بتغطية العجز بالتوجه إلى التجارة مع بلدان إفريقيا الزنجية وقد كانت القوافل المتجهة من الجزائر نحو الجنوب الغربي تستغرق شهورا عديدة لا تقل عن فصل من فصول السنة وتتعرض لمشاكل أهمها هجمات اللصوص وقطاع الطرق وقلة المياه ودفع الضرائب على المرور والزيادة فيها باستمرار .








الأوضاع الاجتماعية
يذكر حمدان خوجة في كتاب كامله المرآة الصادر سنة أولى833م أن عدد سكان الجزائر كان عشرة ملايين نسمة لكن الإحصائيات المادة الفرنسية تنفي هذا الرقم، فحسب إحصاء 1856 بلغ عدد سكان الجزائر 2.3 مليون نسمة فقط وأيا كان عدد سكان الجزائر فإن التركيبة الاجتماعية للمجتمع الجزائري تميزت بالتنوع والثراء، ويمكن تقسيم المجتمع الجزائري إلى عدة طبقات، فحسب الجنس ينقسم المجتمع الجزائري إلى ذكور وإناث شأنه شأن بقية سكان العالم وكان عدد الرجال يفوق عدد النساء، ويرجع ذلك إلى أن أغلب المهاجرين والأسرى كانوا رجالا، كما أن النساء كن لا يختلطن بالرجال ومرد ذلك إلى تعاليم الإسلام القيمة.
أما إذا اعتمدنا أساس العرق فإن المجتمع الجزائري كان متباين الأصول إذ كان مؤلفا من الأهالي والأتراك والذين شكلوا طبقة الأسياد بيدهم سلطة البلاد ولهم امتيازات لم تكن لغيرهم ولهم الأولوية في كل شيء تجمعت بأيديهم ثروة البلاد، واليهود وهي الطبقة التي كانت تنافس في الثراء طبقة الأتراك بل ومنهم من تفوق ثروته ثروة الداي نفسه، ثم طبقة المهاجرين الأندلسيين وطبقة الكراغلة وطبقة العبيد المسيحيين وطبقة الزنوج، وبالنسبة للكراغلة فقد كانوا يطمحون إلى الارتقاء إلى المرتبة الأولى في المجتمع لكن العثمانيين أصلا منعوهم واعتبروا عنصر كرغلي يشكل خطر على مصالحهم تحكم انتمائهم العاطفي إلى أهالي الجزائر.






كما يمكن تقسيمهم إلى سكان مدن وأرياف، وأهم المدن الجزائرية في العهد التركي هي الجزائر، قسنطينة، وهران، تلمسان، عنابة، معسكر، مازونة، المدية، البليدة، بسكرة، مستغانم، المسيلة وتبسة حيث نجد في المدن الأتراك و الكراغلة كما نجد اليهود موزعين في أغلب المدن والمهاجرين الأندلسيين والعبيد السود والعبيد المسيحيين أما بالنسبة للأرياف فقد هيمنة الحياة القبلية سواء في الصحراء أو في السهول العليا أو في المناطق الجبلية ونجد أن الأرياف مكونة من قبائل الأجواد وقبائل المرابطين قبائل المخزن وهي كلها لها امتيازات متفاوتة وقبائل الرعية والقبائل التي لا تخضع لسلطة الأتراك.
لم يهتم الأتراك بميدان التعليم بل تركته للعامة ولم تشجع على الثقافة ولم تهتم بدور التعليم، حيث انخفض مستوى التعليم في كامل القطر الجزائري، في بجاية وتلمسان وتيهرت وكانت أمهات المدن التي اشتهرت بالعلم والعلماء في العهد الإسلامي، وقد أدى عم اهتمام الأتراك بميدان العلم إلى انحدار المجتمع في هوة الخرافات والطرفية، فانتشرت الخرافات والبدع والدجل والدروشة والتي تبلورت في التوسلات بالأضرحة والقبور فكان المجتمع خاملا قريبا إلى عالم الأموات منه إلى عالم الأحياء.










وتجمع المصادر على تناقص عدد سكان الجزائر أواخر العهد العثماني ويرجع إلى انتشار الأمراض والأوبئة والاضطرابات التي وقعت بين الإنكشارية واليهود والثورات الداخلية وضعف البحرية وانخفاض عدد المجندين.
الأوبئة : حيث كانت الجزائر في مطلع القرن التاسع عشر موطنا للأوبئة الفتاكة المختلفة كالكوليرا والتيفوس والجدري والسل وأهم الأوبئة هو الطاعون وقد انتقلت هذه الأوبئة موطنها الأصلي بالمشرق إلى الجزائر عن طريق البحار والتجارة والحجاج والطلبة الوافدين، وقد ساعد على توطن هذه الأوبئة انتشار المستنقعات وعدم استصلاحها وضعف الجانب العلمي وعدم وفرة الأدوية حيث كثرة الأوبئة، وفتكت بالمجتمع الجزائري فمثلا وباء عامي (1817-1818) قضى على أكثر من 14000 نسمة في مدينة الجزائر وحدها .
الاضطرابات الداخلية : التي وقعت في مطلع القرن التاسع عشر والتي أدت إلى مقتل الداي مصطفى وهجرة 100 عائلة يهودية إلى تونس و 200 عائلة أخرى إلى ليفورن بالإضافة إلى الثورات التي عمت الأرياف الجزائرية والتي نتج عنها هلاك عدد كبير من السكان.







ضعف البحرية الجزائرية: وقد انخفض عدد السكان بسبب ضعف البحرية نظرا لقلة الخيرات والتي كانت تدر عليهم كما قل عدد المسيحيين الذين كانوا يمثلون نسبة كبيرة من عدد المسيحيين الذين كانوا يمثلون نسبة كبيرة من عدد السكان حيث تناقص عددهم إلى أن بلغ عددهم سنة أولى930 حوالي 122 أسيرا.
الكوارث الطبيعية : لقد أثرت الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والجفاف وزحف الجراد على الوضع الديمغرافي، فمثلا زلزال البليدة الذي استمر من 02 إلى 06 ماي 1825 والذي راح ضحيته 7000 فرد، كما نتج عن تعاقب سنوات الجفاف والقحط وزحف أسراب الجراد كثرة المجاعات مثل مجاعة 1800م والتي اضطر فيها الداي مصطفى إلى استيراد الحبوب من موانئ البحر المن التعليم المتوسط وكذا مجاعة 1819م .
الحملات الأوربية: وهي الأخرى كانت سببا في تناقص عدد سكان الجزائر مثل حملت اللورد إكسموث سنة أولى816 والتي قتل فيها 1500 من السكان وأطلق سراح عدد كبير من الأسرى .
وفي الأخير ومن خلال استعراضنا للأوضاع السياسية والعسكرية والاجتماعية يظهر لنا أن الأوضاع كانت مهيأة للاحتلال سنة أولى830م.
وقد كانت قلة وصعوبة المواصلات سببا من أسباب انهيار التجارة، فكان الانتقال من الجزائر إلى قسنطينة يستغرق 48 ساعة سيرا متواصلا عن طريق قلعة بني عباس ببجاية و104 بسور الغزلان، وكان السفر بين الجزائر ووهران لا يقل عن ثلاثة أيام رغم سهولة التضاريس وحراسة قبائل المخزن كما نجد ضعف الإنتاج المحلي وقلة الأسواق الاستهلاكية فهذا كله امتص حيوية البلاد التجارية فالقطاع التجاري بنوعيه كان متدهورا إلى حد كبير.




الأوضاع العسكرية
إنه من الصعب تحديد حجم الأسطول الجزائري في العهد التركي وذلك في غياب إحصائيات دقيقة تسمح بتتبع تطوره والحركة السريعة التي عرفها نتيجة أعمال القرصنة والمعارك التي خاضها والتي كادت أن تؤدي إلى استئصاله .
وكانت النواة الأولى لهذا الأسطول السفينتان اللتان جاء على متنهما عروج و إخوته وبحارته من المشرق في بداية القرن السادس عشر وفي سنة أولى509 أصبح تحت تصرفه ثماني قطع بحرية، وفي سنة أولى516م وظف 16 قطعة بحرية للانتقال من جيجل إلى الجزائر، وتذكر بعض المصادر أن عدد قطع الأسطول قد بلغ 60 قطعة سنة أولى530 وقد عرف الأسطول الجزائري تطورا نوعيا في مطلع القرن السابع عشر نتيجة السفن المستديرة، أدخلت إليه بفضل القرصان الفنلندي سيمونادونسا من جهة وبفضل الهجرة الأندلسية من جهة أخرى واشتغال الدول الأوربية بحروب نابليون ( 1805-1815م ).












غير أن هذا التطور والانتعاش ما لبث أن تدهور بسبب جملة من العوامل نوجزها فيما يلي:
- تدهور صناعة السفن في الجزائر لحصول اليهوديين بكري و بوشناق على حق احتكار الخشب 1799م وحق استغلال الغابات الواقعة بين بجاية والقالة فلم يقتنع اليهوديان بالعريضة التي كانت لهما لقاء نقل الخشب إلى دور صناعة السفن والتي كانت 20% ولما رفضت الحكومة دفع هذه النسبة، عمدا إلى دفع أجور زهيدة للعمال وامتنعا عن نقل الخشب فبقى هذا الأخير مكدسا ومعرضا للتلف على الشواطئ
- تعرض الأسطول إلى ضربات موجعة خلال المعارك البحرية التي خاضها ضد الحملات الأجنبية مثل الحملة الأمريكية 1815م والإنجليزية 1816م ومعركة نافارين جنوب اليونان في 20 أكتوبر 1827 والتي كانت بمثابة ضربة قاضية بالنسبة للأسطول الجزائري.
- تعرض الأسطول إلى ضربات موجعة خلال المعارك البحرية التي خاضها ضد الحملات الأجنبية مثل الحملة الأمريكية 1815م والإنجليزية 1816م ومعركة نافارين جنوب اليونان في 20 أكتوبر 1827 والتي كانت بمثابة ضربة قاضية بالنسبة للأسطول الجزائري.












أما ضعف الجانب العسكري فيعود إلى:
- فساد الجيش الإنكشاري بتغير طريقة التجنيد في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني حيث كان باب التجنيد مفتوحا للمرتزقة واللصوص واليهود واليونانيين بدلا من اختيار وتجنيد الرجال النـزهاء وهو ما تسبب في انحراف الإنكشارية عن مهمتهم الأساسية إلى جمع الأموال وإحداث الاضطرابات في سبيل الحصول عليها فأصبحوا مصدر فوضى للبلاد.
تناقص عدد الجيش في بداية القرن التاسع عشر فقد أشار يوكان في تقريره عن الجـزائر بأن قوات الداي فـي حـالة السلم تقدر بـ 15 ألف منها 10 آلاف تركي و 5 آلاف كرغلي أما عن قواته في حالة الحرب 60 ألف على الأكثر وقد تناقص عدد الجيش إلى أن بلغ سنة أولى830 بأقل من 2.500 إنكشاري قادر على حمل السلاح، ويرجع هذا إلى الأسباب التالية:
- قلة الجنود المتطوعين من المشرق والذين كان عددهم في الفترة (1800-1825) بـ 8.533 متطوعـا.
- انتشار الأمراض والأوبئة والتي أهلكت عدد كبير من الجنود فقط.
- سعى بعض الدايات إلى التخلص من الإنكشارية مثل الداي علي خوجة والذي حاول القضاء على عصيان الإنكشارية واستبدالهم بجند محلي.
- أنهكت قوات الجيش الثورات الريفية والتي انتشرت أواخر القرن التاسع عشر.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©