بقلم: سامح عسكر


أكذوبة القعقاع بن عمرو التميمي

شخصية القعقاع بن عمرو التميمي..جاءت كمسلسل فني عُرض مؤخراً وحاز على إعجاب الكثيرين....ولكن كعادة البحث عن أي شخصية مادة التاريخية فلن نكتفي بالنص..حيث لا يمكن اعتماد المادة التاريخ كرواية ينبني عليها حُكماً، بل يُعتمد على الرواية والرؤية معاً..هذه إشكالية كبيرة تلك التي لم يتم فيها الربط بين الرواية المادة التاريخية ورؤيتها التي تستنتج حدثاً فارقاً أو مُدخلا صغيرا لقضية كبري..من هنا يأتي دور الفهم ببيان تلازم الرواية والرؤية ..حيث وجود المادة المادة التاريخية ليس قاضيا علي وجودها ولو بصحة سندها أو نسخها..فمستوي الفهم هو الذي يُحدد بيان هذا التلازم بدلالة واضحة حتى وإن شككنا في بعض صحتها ..ولكن في النهاية لن نستطيع قراءة المادة التاريخ إلا بالرؤية عبر الرواية..

في البداية وكما البحث السابق حول قضية "بناء الرسول بصفية بنت حيي بن أخطب"..هذا البحث هو ثمرة من ثمرات مجهودي في أحد المواقع..ناقشنا فيها قضية القعقاع بالتفصيل، ولم نترك شاردةً ولا واردةً إلا وطُرحت، وكما عادة هذه النوعية من الحوارات فنتائجها غالباً ما تكون منطقية في حين توافر شروط الحوار الجيد بوجود أطراف تعقل وتحاور أكثر مما تنقل وتتعصب..وسنحاول إيجاز البحث بطريقة سلسة وجديدة لم يتطرق إليها من خاض في نفس المسألة من قبل.

قيل أن القعقاع صحابي وقيل أنه من كبار التابعين..

أو كما قال ابن عبدالبر عنه وعن أخيه عاصم بن عمرو.." " لا يَصِحّ لهما عند أهل الحديث صُحبة ، ولا لقاء ، ولا رواية ، وكان لهما بالقادسية مشاهد كريمة ، ومقامات محمودة ، وبلاء حسن ".. الاستيعاب(784/2)...

وكذا ابن الأثير حيث قال أنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : " لصوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل ".. أسد الغابة (4/390)..
وكذا أبو علي مسكويه.. قال أنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال أيضا :" لا يهزم جيش فيه مثل هذا "..يقصد القعقاع.. تجارب الأمم " (1/332)..
ومن الإصابة لابن حجر قال.." " كتب عمر إلى سعد : أيّ فارس كان أفرس في القادسيّة ؟ قال :فكتب إليه : إني لم أر مثل القعقاع بن عمرو ، حمل في يوم ثلاثين حملة ، يقتل في كل حملة بطلا ".. الإصابة (5/343)

أرى أن ابن حجر عده من الصحابة وكذلك مؤرخين معاصرين -ولكن إسلاميين -كالدكتور راغب السرجاني والدكتورعلي الصلابي وغيرهم حتى أن الصلابي أشرف علي المسلسل المذكور بنفسه وقام علي تجريد الشخصية وإعطائها دوراً في القادسية فاق –إلى حدٍ كبير -دور سيدنا خالد بن الوليد في نفس المعركة..ولكن هل ما حدث هو جهل بالمادة التاريخ أم علمٌ تامٌ به؟..سنرى ذلك من خلال البحث –بإذن الله-..وهل كان ذلك أيضاً هو بمثابة وقوع في مصيدة مادة التاريخية ملأت كتب المادة التاريخ والتعريفات بالصحابة أم لا؟!...سنرى ذلك أيضاً...على جانبٍ آخر سمعت أن الشيخين السلفيين أبي إسحاق الحويني و سلمان العلون أنهما أنكرا حقيقة وجود هذه الشخصية أو كونه صحابي ورجح الحويني أن يكون تابعياً عاش في زمن بعد وفاة الرسول..وهذا غريب إذ ليس من المعهود عن محدثي وشيوخ السلفية إنكار شخصيات مادة التاريخية أو معدودة ضمن الصحابة-إجمالاً-بل المعهود غير ذلك..ولكن بمتابعة هذا الرأي وقفت على أن سبب إنكارهم عائد علي مكذوبية الراوي لكافة روايات القعقاع .

هذا الراوي الناقل لكافة روايات القعقاع هو .."سيف بن عمر التميمي".. وهو راوي متهم بالزندقة عند ابن حبان وبالكذب عند ابن معين... في حين نبحث عن أن يأتي خبر إلينا بذكر القعقاع بن عمرو قبل سيف بن عمر والذي توفي في أواخر القرن الثاني الهجري ولم نعثر على رواية واحدة- ولو منقطعة-تروي عن القعقاع قبل زمن سيف –أي في القرن الأول الهجري.. في حين نقل الإمام الطبري –في القرن الثالث -هذه الروايات في مادة التاريخه بعد جمع ما يقارب من 735 رواية مادة التاريخية مأخوذة من كُتب سيف بن عمر التميمي..لاحظوا أن القعقاع تميمي وكذلك الراوي "الكذاب" سيف بن عمر..وهذا يُزيد من قضية اختلاق هذه الشخصية من قِبَل هذا الراوي ودسها في التراث الإسلامي في عصر كان النقل فيه مقدم على العقل بشكلٍ كبير...سنرى حقيقة ذلك بإذن الله.

لتأكيد ضعف أو مكذوبية سيف بن عمر التميمي الناقل الوحيد لروايات القعقاع سنطرح رؤية حديثية تحمل أقوال أهل الجرح والتعديل في الرجل في أطروحة زميل فاضل طرحها أثناء النقاش:
أقوال أئمة الجرح والتعديل في سيف بن عمرو
1- يحيى بن معين :فلس خير منه- ضعيف
2-أبو زرعة الرازي: ضعيف الحديث
3- أبو داوود : ليس بشىء
4-أبو حاتم الرازي : متروك يشبه حديثه حديث الواقدي
5- يعقوب بن سفيان: حديثه وروايته ليس بشىء
6-النسائي : ضعيف
7- الطبرى : صرح بضعفه وانه يضاد الإجماع ( مع روايته عنه)
8-العقيلي : لا يتابع على كثير من حديثه
9- ابن ابى حاتم : متروك الحديث
10- ابن السكن: ضعيف
11- ابن حبان :يروي الموضوعات عن الإثبات وقالوا: انه كان يضع الحديث وكان قد اتهم بالزندقة.
12-ابن عدى :بعض أحاديث سيف مشهورة وعامتها منكرة
13-الدار قطني : متروك- ضعيف
14-الحاكم :متهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط
15-البرقاني : متروك
16-الصيرفي : من الضعفاء والمتروكين
17-ابن نمير :سيف الضبي تميمي وكان جميع يقول: حدثني رجل من بني تميم وكان سيف يضع الحديث وكان قد اتهم بالزندقة.
18-ابن الجوزي: ذكره في الضعفاء
19-الذهبي في الكاشف : تركوه واتهم بالزندقة- قد نقل عنه بعض الروايات.

20- ابن حجر :ضعيف في الحديث عمدة في المادة التاريخ
وهذا متمسك للذين يقولون أن ابن حجر وثقه في المادة التاريخ وقد نقل عنه ابن حجر في التراجم والغريب انه لم يستشهد به ولا برواياته مرة واحدة في أحداث الفتنة التي نقلها ابن حجر في شرح مفصله للبخاري في الجزء الثالث عشر .

21- أعرض عنه أصحاب الكتب الستة عدا الترمذي فقد روى عنه رواية واحدة - حسب على-وها هو نقل لتلك الرواية مع تعليق الترمذي والألباني عليها من موقع الشيخ ناصر الدين الألباني(لحديث: حدثنا أبو بكر محمد بن نافع حدثنا النضر بن حماد حدثنا سيف بن عمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم قال أبو عيسى هذا حديث منكر لا نعرفه من حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه والنضر مجهول وسيف مجهول قال الترمذي : حديث منكرقال الشيخ الألباني : ضعيف جدا)

22- نقل الشيخ عن ابن كثير هذا النقل - في معرض تصحيح نمذجي مفصل اثر يا سارية الجبل- (ثم قال ابن كثير : “ و هذا إسناد جيد حسن “ . و هو كما قال , ثم ذكر له طرقا أخرى و قال : “ فهذه طرق يشد بعضها بعضا “ . قلت : و في هذا نظر , فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف بن عمر و الواقدي و هما كذابان) ولم أر الشيخ يعقب على نقل ابن كثير.

23-قول الشيخ فى حديث الحق مع عمار- ضعيف جدا - يقول الشيخ (بشر بن الفضيل مجهول بالنقل " .قلت : وسيف بن عمر متهم ، فالحديث ضعيف جدا . )

24- وهذا نقل آخر عن الألباني من السلسلة الضعيفة (وهذا موضوع ؛ آفته خالد هذا ؛ قال في "التقريب" :"رماه ابن معين بالكذب ، ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع" .ومن فوقه مجاهيل . وقال ابن عبدالبر في ترجمة سهل بن مالك من "الاستيعاب" :"حديث منكر موضوع ، وفي إسناده مجهولون ضعفاء ، يدور على خالد بن عمرو القرشي ، وهو منكر الحديث ، متروك الحديث" .ثم أخرجه أبو نعيم من طريق سيف بن عمر : حدثنا أبو همام سهل بن يوسف به .قلت : وسيف هذا صاحب كتاب كامل "الردة" ؛ حاله قريب من خالد بن عمرو ؛ قال الحافظ في "التقريب" :"ضعيف في الحديث عمدة في المادة التاريخ ، أفحش ابن حبان القول فيه" .قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 245) :"اتهم بالزندقة ، كان يروي الموضوعات عن الأثبات" .وقال الحاكم :"اتهم بالزندقة ، وهو في الرواية ساقط" .)....أرأيت كيف جعل الشيخ سيف بن عمرو قريب من خالد الذي قيل فيه منكر الحديث ومتروكه.

25- يقول الشيخ الألبانى (وأما (سيف بن عمر) ؛ فمعروف ؛ لكنه متهم بالوضع ؛ قال الذهبي في "المغني" :"له تواليف متروك باتفاق..انتهى الاقتباس.

قلت"سامح عسكر": وهكذا يظهر دفاع ابن حجر عن سيف وقوله"عمدة في المادة التاريخ" .. بل دافع عن الراوي في رده على من اتهموه بالزندقة، ومذهب ابن حجر في تعيين الصُحبة هو مذهب الرؤية- كما هو مشهور، لذلك نراه وقد جمع في الإصابة جمعاً غفيراً من الرجال ينسبهم للصُحبة ،وكأن ابن حجر بهذا الجمع قد استفاد من كُتب سابقيه وعلى ما يبدو أن إضافاته كانت أكثر... لذلك أرى أن من يريد معرفة الصحابة عليه بعدم حصر معلوماته في سلك ابن حجر والذهبي فكليهما مدرسة واحدة-تقريباً-والبديل ورغم أسبقيته إلا أنه كتاب كامل جيد لمعرفة الصحابة وهو كتاب كامل ابن عبدالبر المسمى"بالاستيعاب في معرفة الأصحاب"..وهو أفضل الموجود من كُتب التراث عن الصحابة...بينما الشائع هو انتشار رؤية الإمامين ابن حجر العسقلاني والذهبي وكلاهما من مُعظّمي السند دون الدراية ، لذلك فهم يُثبتونه كحقيقة مادة التاريخية ولكن برواية دون رؤية..مسألة سهلة التصور..نعم يصعب علينا تصور المادة التاريخ أو القطع بأحداثه ثبوتاً ونفياً..ولكن في قضايا الوجود لا محيص من القطع..والشُبهة هنا داحضة الوجود إن لم يُثبت الآخر بدليل صحيح عن عقل صريح هذا الوجود..

بتفصيل أكثر حول التساهل مع سيف بن عمر في الروايات المادة التاريخية وعدم قبوله كراوي حديث...قرأت اعتماد سيف بن عمر كمؤرخ لدي الذهبي وابن حجر وغيرهم ..في حين أصل شهادة المحدثين له بالضعف..ووثاقة الإنسان منا في "عِلمه-وقدرته-وأخلاقه-وأمانته"..هذه شروط رئيسة خارج إطار التفكير داخل المذاهب والأديان بدلالة توثيق الشيعي لدي البخاري في وصل روايات السُنّة..هنا تُثار عِدة إشكالات..

1- أيهم أدق رواية وأقل عدد من الكلمات..المادة التاريخ أم الحديث...الجواب هو الحديث..وهو دافع من الدوافع التي جعلت من علماء أهل السنة يتشددون في رواية الحديث....هذا منطقي.

2-وعليه فمن يُحكم عليه بالكذب والفبركة في الحديث -وهو أدق رواية وأقل عدد من الكلمات..فمن المنطقي أن يُحكم عليه بالكذب والفبركة فيما هو أعلي منه من حيث عدد الكلمات –حتى إن لم يكن للدقة حساب..

3- أعتقد أن سبب توثيقه كمؤرخ لدي الذهبي وغيره هو اعتماده كراوي
أصيل لروايات الفتنة-كما شددت في أكثر من موضع..ولو أسقطه الذهبي كمؤرخ فهذا إسقاط من الذهبي لمادة التاريخ الفتنة بأكمله..أما في الجانب الحديثي فسهل تكذيبه دون ضرر..وقد أثبتنا ضعف هذا القول –منطقيا..

4-هناك إِشكالية عقلية كيف لراوي متهم بالزندقة لدي ابن حبان والحاكم والنيسابوري..أن يُوثق كمؤرخ لدي الذهبي..حتى لو اعتددنا بحُجة "المادة التاريخ والحديث" الملقاة..فلماذا لم يبحث الذهبي في أسباب الحُكم وتفصيلها دون رد قول ابن حبان باختزالية..ولم لم يرد علي ابن معين وهو من هو في الحديث ورجاله..

5-الحديث هو بالأصل مادة التاريخ -من حيث المضمون..والكذب في المضمون هو كذب كلي وليس جزئي كي نثبته هنا وننفيه هناك.

6-البعض يجيز الراوية المادة التاريخية عن الضعفاء والمتروكين بحُجة تساهل جمهور أهل العلم في التفرقة بين ما يشترط للروايات الحديثية وما يشترط للروايات المادة التاريخية فيتشددون في الأولى لأنه ينبني عليها العمل ويتساهلون في الثانية متبعون لمنهج النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه الذي أجاز لنا الرواية عن بني اسرائيل "ولا حرج"!!..والرد على ذلك سهل وبسيط أن الاحتجاج بجواز الرواية عن بني إسرائيل مصحوب بأمر واضح خُلاصته في .."لا تصدقوهم ولا تكذّبوهم"..والاعتداد بجواز الرواية عن بني إسرائيل واستخدامه كذريعة للتساهل في نقل روايات المادة التاريخ مخالفة لأمر رسول الله بعدم التصديق أو التكذيب ..وعليه -وحسب أمر رسول الله- جاز لنا الطعن في أهلية سيف بن عمر كمؤرخ صادق وليس عمدة في المادة التاريخ!






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©