جاءت الثورة المادة الفرنسية قبل قرنين من الزمان وليدة للحروب المتصلة التي عرفتها أوربا منذ القرن الثاني عشر الميلادي فصاعدا، ومن أكبرها حروب فرنسا ضد النمسا منذ سنة أولى500 م. فقد كانت الدول الاوروبية يواجه بعضها بعضا مواجهة الخصوم المدججين بالسلاح، ولا تأمن إحداها الأخرى، ولا تعترف أي واحدة منها بأي قاعدة للسلوك سوى مصلحتها الخاصة، وقد تحولت تلك السياسة التي كانت سائدة بين تلك الدول في أحقاب الديكتاتورية بأوربا، إلى سياسة خارجية موجهة ضدنا نحن العرب والمسلمين وسائر أبناء العالم الثالث اليوم. وكانت أوربا الديكتاتورية في ذلك الوقت تقيم التحالفات لتحقيق مصالح ظرفية فيما اصطلحت عليه فيما بعد باسم التوازن الدولي Balance of Power وقد كان ذلك سببا من أسباب حدوث الحروب، وأحيانا الاستقرار.

وكانت الدول الأضعف، تتحالف في وجه الدولة التي تعقد لنفسها لواء الزعامة في أوربا، أو تطلب هذه الزعامة. ومن بين تلك الدول فرنسا زعيمة الفرنكفونية المتحالفة مع ديكتاتوريات القرون الوسطى الافريقية اليوم. فقد شهد القرن السابع عشر (الاوروبي) وصولها إلى مكان الصدارة، فاتحدت أوربا ضدها إلى أن اندحرت في القرن الثامن عشر (الاوروبي) وهو القرن الذي تكتلت فيه دول أوروبية مع فرنسا ذاتها لكسر شوكة البحرية البريطانية، والذي قاد إلى استقلال الولايات المتحدة الامريكية. لكن بريطانيا شهدت فيما بعد ثورة صناعية وحملة نهب لما بقي في أيديها من مستعمرات، ساعد على استقرارها داخليا متكئة على نظامها الديمقراطي (الداخلي) وبرلمانها القوي وصحافتها الحرة، وهذا ما يفسر صمودها في الوقت الذي أطاحت فيه عواصف الثورات جميع حكومات أوربا تقريبا.

أما فرنسا فقد فقدت مكانتها العسكرية عندما ألحق بها تحالف بريطانيا / بروسيا هزيمة منكرة في حرب السنوات السبع،(حروبنا 6 أيام فقط) في عهد الملك لويس الخامس عشر الذي كان غارقا في مباذله وفحشه فحاقت هزائم كبرى بفرنسا بسببها. وخلفه لويس السادس عشر 1774 م. ورغم أن الحظ حالف فرنسا في الحرب الاهلية الامريكية فإن حزينة الدولة كانت خاوية بشكل خطير، وزادت المعارضة التي فتت في عضد نظامها الذي لم يكن يعترف بأي سلطة للأمة أو حتى مشاركة في اتخاذ القرار، كما هو حال أكثر العرب اليوم. وبناء على ذلك كثر اللصوص من موظفي الدولة الكبار، والوزراء والمديرين ومن يقع تعيينهم بواسطة الملك أو زوجته وحاشيتها. وعندما حلت عشية الثورة كان النظام قد فقد معظم أنصاره تقريبا. كان هنالك تطلع شعبي لشيء جديد خارج المألوف والممل " الحكومة الصالحة " و"السمعة الطيبة في المحافل الدولية " و"المعجزة " وكان المنافقون المستفيدون من النظام يفعلون ذلك من أجل الثراء غير المشروع أو البقاء في الوظائف والحصول على الامتيازات المادية والمعنوية، ولأنهم كانوا قلة بالمقارنة مع الملايين المحرومة فقد سقطوا جميعا بعد حين من الدهر.

النظام الاجتماعي قبل الثورة: النظام الاجتماعي قبل الثورة المادة الفرنسية كان قائما على طبقتين، تمثل الاولى العوام أو الشعب أو (رجل الشارع) المحقر في التعبير السلطوي الاستبدادي، والطبقة الثانية هي طبقة النبلاء وذوي الصلة بالبلاط والكنيسة الغارقة في الفساد المزينة للحاكم كل تصرفاته المشينة بحق المواطن والوطن. وكانت الطبقة الثانية تنعم بامتيازات هائلة: كانت معفاة من الضرائب التي يدفعها (وجل الشارع، أو رجل الشارع لا فرق) وكانت الرتب العليا في الجيش مقصورة عليهم، ومنهم كان يتألف بلاط فرساي بكل ما عرف عنه من رونق وأبهة. وكان عبء الضرائب الاكبر يقع على كاهل سكان القرى والفلاحين والعمال والموظفين الصغار. وكان الحكام يعيشون عيشة سلاطين ألف ليلة وليلة، كانت بالفعل أساطير حقيقية، ولذلك كان وقود الثورة من الفقراء المعدمين




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©