قصة الملكة بلقيس

نسبهـــا:

تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرح مفصلبيل من بني يعفر, وهناك إختلاف كبير بين المراجع في تحديد اسم ونسب هذه الملكة الحميرية اليمانية, كما لا يوجد تأريخ لسنة ولادتها ووفاتها.


وقد يتعجب البعض من أن في ذاك الزمان سُمِح لامرأة أن تعتلي عرشاً لتحكم مملكة كمملكة سبأ المترامية الأطراف.

كانت بلقيس قد ورثت الملك من أبيها بولاية منه -لأنه على ما يبدو لم يرزق بالبنين- مما دعى بأشراف وعلية القوم أن يستنكروا توليتها العرش وقابلوا الأمر بالازدراء والاستياء. وتسبب ذلك بالتشتت بين قومها الأمر الذي أثار أطماع الطامحين للاستيلاء على مملكة سبأ, ومنهم عمرو بن أبرهة الملقب بذي الأذعار. حشر ذو الأذعار جنده وتوجه إلى مملكة سبأ بغية احتلالها وإسقاط ملكية بلقيس. عند علم الأخيرة بذلك خشيت على نفسها واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار. لكنها عادت بعد أن عمّ الفساد مملكتها مما جعلها تعقد العزم على قتل ذي الأذعار. يقال أنها دخلت عليه يوما في قصره وجعلت تسقيه خمرا وهو ظانٌّ أنها تسامره حتى إذا ما بلغت منه الثمالة مبلغها, استلت سكينا وذبحته بها. وهناك من الروايات ما تشير إلى أنها أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها حتى تتمكن من الإنتقام منه وعند دخولها عليه فعلت فعلتها المذكورة في الرواية الأولى. وذلك دليل على رباطة جأشها وقوة نفسها وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للصعب من الأمور. وهكذا خلّصت أهل مملكتها من شر ذي الأذعار وفساده.

وكان زمن حكمها مزدهرا مستقرا, أهله متمتعين بالرخاء والحضارة والمدنية والعمران. كما حاربت أعداءها لتأمين مملكتها, وحكمت قومها بالعدل وسياسة الحكمة. ومما أذاع لها صيتها وحببها الى الناس قيامها ببناء سد مأرب الذي نال منه الزمن فأضعفه وأهرم بنيانه. كما أن السيدة بلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها.



قصة بلقيس في كتاب كامل الله تعالى:

في القرآن هي صاحبة العرش العظيم التي أُتيَت من كل شيء وصاحبة الخبرة وبعد النظر عندما قالت كما ورد في سورة النمل: "إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة".

كان قومها يألهون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص ويتقربون إليها ويسجدون لها من دون الخالق الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض, وهذا مالفت انتباه الهدهد الذي بعثه سليمان عليه السلام ليبحث عن مورد للماء. وعندما تفقد سليمان الطير ولم يجده توعده بالذبح مالم يأتيه بسلطان مبين أي حجة وعذر مقنع. لكن الهدهد جاء بالخبر والسلطان المبين " أحطت بما لم تُحِط به وجئتُك من سبإٍ بنبإٍ يقين", وأخبره عن حال أهل سبأ من عبادتهم لغير الله على رغم ما آتاهم من النعم. وسليمان بكمال عقله وسعة حكمته رأى أن يتحرى صدق الهدهد عسى ان يكون ما قاله ليس إلا عذرا ينجو به من العذاب الشديد, فأرسل كتاب كاملا إلى المرأة التي تملكهم -بلقيس- بدأه بسم الله الرحمن الرحيم " أن لا تعْلُواْ عليّ وأْتوني مسلمين". أُلقيَ الكتاب كامل إلى الملكة وهي جالسة على سريرها الذي أجمعت الروايات أنه كان آية في جماله وفخامته. جمعت الملكة أعوانها و وزراءها لمشاورتهم في أمر الكتاب كامل لأنها لم تكن تقطع أمرا حتى يشهدون, وبما أن مملكة سبأ في ذانك الحين كانت ذات قوة وبأس شديد, أراد قومها أن يطمئنوها أن لا خشية عند وقت الحرب من العدو.لكن الملكة صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مغايرا لرأيهم لأنها قد علمت مسبقا " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" , وعوضا عن القوة أرسلت لسليمان عليه السلام بهدية منتظرة بما سيرجع المرسلون من أخبار.وعندما جاء الرسول إلى سليمان "قال أتمدوننِ بمالٍ فمآءاتانِ الله خيرٌ مما آتكم بل انتم بهديتكم تفرحون" كان رد سليمان عليه السلام قوياً مُنكراً ومتوعداً اياهم "فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون". عندما علمت الملكة بلقيس برده أيقنت بقوة سليمان وعظمة سلطانه, فجمعت الحرس والجند متجهةً صوب الشام حيث سليمان عليه السلام.

وقد علم سليمان بمجيئهم فأرسل من يأتيه بعرشها قبل أن يصلوا إليه مسلمين, فآتاه بالعرش من عنده علمٌ من الكتاب كامل قبل أن يرتد لسليمان طرفه, ومن بعد ذلك قاموا بتنكير العرش وتغيير معالمه حتى يعلم إن كانت من الذكاء والفطنة بما يليق بمقامها وملكها.

وعندما حلت الملكة بلقيس سألها سليمان إن كان الذي تراه هو عرشها ام لا, "قالت كأنّهُ هُوَ". ثم قيل لها أن تدخل الصرح, فكشفت عن ساقيها ظنا منها انه لُجَّة -وهوالعميق من الماء- فقال سليمان " إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير" أي أن سطحه زجاج ناعم لا يكاد يبين من فرط نعومته وباطنه ماء. فأدركت أنها ظلمت نفسها بعبادة غير الله وأسلمت مع النبي سليمان لرب العالمين.

بعض المراجع المادة التاريخية تقول أن سليمان عليه السلام تزوج من بلقيس وانه كان يزورها من حين لأخر في مملكتها في سبأ. وأقامت معه سبع سنين وأشهرا, وتوفيت قبله ودفنها في تدمر. والمراجع تعلل وفاتها بعد إرادة الله أنها بسبب موت ابنها رَحْبَم بن سليمان.

وقيل أنه ظهر تابوتها في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وعليه كتاب كاملات أشارت إلى أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من حكم سليمان عليه السلام, وفُتِح التابوت فإذا هي غضة لم يتغير جسمها ورُفِع الأمر إلى الخليفة فأمر بترك التابوت مكانه وبنيت عليه الصخرة. هذا والله أعلم.



رجاحة عقلها وبليغ حكمتها وحسن مشاورتها:

ماإتصفت به من حسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في الكثير من المواقف العسيرة والمحن الشديدة, ومنها ما جرى لها مع ذي الأذعار الذي خلصت منه قومها بدهائها.

حسن المشاورة والبراعة في المناورة فهي لم تكن متسلطة ديكتاتورية في تنفيذ القرارات ولا تقبل النقاش أوالجدل بل كانت تأخذ برأي من حولها من أهل العلم و ببصيرتها النيرة رأت ما هو أبعد
من مصلحة الفرد و هو مصلحة الجماعة .





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©