مع الصديق الودود:


ثم نمضي مع الصديق الودود كيف كانت علاقته، وحسن تعامله، ولين جانبه مع أصدقائه، ولطافته في المعاملة، فإن بعض الناس يظن أن العلم والوقار يقتضي التجهم، وعبوس الوجه، وتقطيب الجبين، أو نحو ذلك، فلذلك يذكر أبو عبيدة القاسم بن سلام -وهو من أئمة أهل العلم والإسلام- يقول وهذه زيارة بين عالمين جليلين ننظر كيف كان المستقبِل والمستقبَل: "زرت أحمد بن حنبل، فأجلسني في صدر داره، وجلس دوني،
قال فقلت: يا أبا عبد الله أليس يقال: صاحب البيت أحق بصدر بيته،
فقال -على البديهية مباشرة-: نعم يقعد ويقعد فيه من يريد إكراماً وإجلالاً واستضافة،
يقول أبو عبيدة: فقلت في نفسي خذ إليك يا أبا عبيد هذه فائدة -إذاً كان يأتي للزيارة لا لمجرد المتعة والفكاهة والكلام والمزاح، وإنما كان يأتي بغرض المذاكرة والانتفاع-،
فقال في نفسه خذ إليك فائدة، قال:
ثم قلت: يا أبا عبد الله، لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم -يقول: لو أنني أزورك على قدر مرتبتك وحقك لكان واجباً علي أن أزورك كل يوم، كأنه يعتذر من قلة زيارته على عظيم قدره-

فقال له أيضاً: لا تقل هذا إن لي إخواناً لا ألقاهم إلا في كل سنة مرة، وأنا أثق بمودتهم ممن ألقى كل يوم -
المهم أن تعرف صدق المحبة، وصدق التعامل، وحسنه وليس الفرض رائع؟ هو كثرة الزيارة ودوامها، فإن ذلك ليس بالضرورة هو الدال على هذا،

فيقول هناك من لا يزورني ولكني واثق بمحبتهم، وصدق إخلاصهم لي لما أعرف من حاله وطبيعة معاملته-

فقال أبو عبيدة قلت في نفسي: خذ أخرى يا أبا عبيدة فهذه الثانية، قال: فلما أردت القيام قام معي،

فقلت: لا تفعل يا أبا عبد الله -كما يفعل بعض الناس الآن يأتي الإنسان يذهب يقول في أمان الله يستأذن يقول له: في أمان الله كأنه يطرده من بيته،

فقال له: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، وتأخذ بركابه،

قال قلت: يا أبا عبيد هذه ثالثة".

فاستفاد هذه الثلاث في التعامل مع الزائر، والتودد للإنسان بينه وبين إخوانه، وبين من يتعاملون معه، وهذه من أسباب توطيد عرى المحبة والمودة بين القلوب.





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©