الجزء 21




و- الخنساء بنت عمرو تحرض بنيها على القتال ليلة الهدأة:
في مضارب نساء المسلمين بالعذيب جلست الخنساء بنت عمرو شاعرة بني سليم المخضرمة ومعها بنوها أربعة رجال تعظهم وتحرضهم على القتال قالت: إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200)  (آل عمران،آية:200). فإن أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وحللت تفجرت نار على أرواقها جوانبها فتيمموا وطيسها وسطها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسهاجيشها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها فلما أضاء الصبح باكروا مراكزهم( ).

ز- امرأة من النخع تشجع بنيها على القتال:
كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القتال ذلك اليوم، فلما بدأ الصباح ينبلج قالت لهم: إنكم أسلمتم فلم تبدلوا، وهاجرتم فلم تثربوا( )،
ولم تَنْب( ) بكم البلاد تقحمكم السنة( )، ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس، والله إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره، فانصرفوا عنها مسرعين يشتدون، فلما غابوا عنها رفعت يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم ادفع عن بنيّ، فرجعوا إليها بعد ذلك وقد أحسنوا القتال ما جرح منهم رجل جرحاً( ).
فهذا حال بعض النساء العجائز في اليوم الأول من القادسية.

2- يوم أغواث:
كان يوم أغواث هو اليوم الثاني من أيام القادسية، وفي ليلة هذا اليوم قدمت طليعة جيش الشام يقودهم القعقاع بن عمرو التميمي وقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قد أمر أمير الشام، أبا عبيدة بإعادة جيش خالد بن الوليد إلى العراق مدداً للمسلمين في القادسية، فأعادهم وأبقى خالداً عنده لحاجته إليه، وولَّى على هذا الجيش هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخي سعد وكان هذا الجيش تسعة آلاف حين قدم من العراق إلى الشام بقيادة خالد بن الوليد، وعاد منهم إلى العراق ستة آلاف، وقد ولَّى هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو على المقدمة وعددهم ألف مجاهد( ).


أ- مواقف بطولية للقعقاع بن عمرو:
أسرع القعقاع بمقدمته حتى قدم بهم على جيش القادسية صبيحة يوم أغواث، وكان أثناء قدومه قد فكر بعمل يرفع به من معنوية المسلمين فقسم جيشه إلى مائة قسم كل قسم مكوَّن من عشرة، وأمرهم بأن يقدموا اتباعاً كلما غاب منهم عشرة عن مدى إدراك البصر سرّحوا خلفهم عشرة، فقدم هو في العشرة الأوائل وصاروا يقدمون تباعاً كلما سرّح القعقاع بصره في الأفق فأبصر طائفة منهم كبَّر فكبر المسلمون، ونشطوا في قتال أعدائهم، وهذه خطة حربية ناجحة لرفع معنوية المقاتلين، فإن وصول ألف لا يعني مدداً كبيراً لجيش يبلغ ثلاثين ألفاً، ولكن هذا الابتكار الذي هدى الله القعقاع إليه قد عوض نقص هذا المدد بما قوّى به عزيمة المسلمين، وقد بشرهم بقدوم الجنود بقوله: يا أيها الناس إني قد جئتكم في قوم والله إن لو كانوا بمكانكم ثم أحسوكم حسدوكم حَظْوتها وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع، فتقدم ثم نادى: من يبارز؟ فقالوا فيه بقول أبي بكر: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا، وسكنوا إليه، فخرج إليه ذو الحاجب( )، فقال له القعقاع: من أنت( )؟ فقال: أنا بهمن جاذويه. وهنا تذكّر القعقاع مصيبة المسلمين الكبرى يوم الجسر على يد هذا القائد فأخذته حميته الإسلامية فنادى وقال: يا لثارات
أبي عبيد وسُليط وأصحاب الجسر، ولابد أن هذا القائد الفارسي بالرغم مما اشتهر به من الشجاعة قد انخلع قلبه من هذا النداء، فلقد قال أبو بكر رضي الله عنه عن القعقاع: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل( )،فكيف سيثبت له رجل واحد مهما كان في الشجاعة وثبات القلب؟ ولذلك لم يمهله القعقاع أن أوقعه أمام جنده قتيلاً فكان لقتله بهذه الصورة أثر كبير في زعزعة الفرس ورفع معنوية المسلمين لأنه كان قائداً لعشرين ألف مقاتل من الفرس. ثم نادى القعقاع مرة أخرى من يبارز؟ فخرج إليه رجلان أحدهم البيرزان والآخر البندوان، فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان ابن الحارث أخو بني تميم اللات، فبارز القعقاع بيرزان( )، فقتله القعقاع وبارز ابن ظبيان بندوان وهو من أبطال الفرس فقتله ابن ظبيان وهكذا قضى القعقاع في أول النهار على قائدين من قادة الفرس الخمسة ولاشك أن ذلك أوقع الفرس في الحيرة والاضطراب وساهم ذلك في تدمير معنويات أفراد الجيش الفارسي، والتحم الفرسان من الفريقين، وجعل القعقاع يقول: يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنه يُحصد بها، فتواصى الناس بها، وأسرعوا إليهم بذلك فاجتلدوا بها حتى المساء، وذكر الرواة أن القعقاع حمل يومئذ ثلاثين حملة، كلما طلعت قطعة حمل حملة، وأصاب فيها وجعل يقول:

أُزعجهم عمداً بها إزعاجاً
أطعن طعناً صائباً ثجّاجاً

وكان آخر من قتل بُزرُ جَمهَرْ الهمذاني وقال في ذلك القعقاع:

حبوته جيَّاشةً بالنفس
في يوم أغواث فَلَيْلُ الفرس

هدّارة مثل شعاع الشمس
أنخس في القوم أشد النخس

ب- علباء بن جحش العجلي: انتثرت أمعاؤه في المعركة:
وبرز رجل من المجوس أمام صفوف بكر بن وائل فنادى من يبارز؟ فخرج له علباء بن جحش العجلي فنفحه( )، علباء في صدره وشقَّ رئته ونفحه الآخر فأصابه في بطنه وانتثرت أمعاؤه وسقطا معاً إلى الأرض، أما المجوسي فمات من ساعته، وأما علباء فلم يستطع القيام وحاول أن يعيد أمعاءه إلى مكانها فلم يتأت له ومرّ به رجل من المسلمين فقال له علباء: يا هذا أعني على بطني، فأدخل له أمعاءه فأخذ بصفاقيه ثم زحف نحو صف العجم دون أن يلتفت إلى المسلمين وراءه فأدركه الموت على ثلاثين ذراعاً من مصرعه وهو يقول:
أرجوا بها من ربنا ثواباً
قد كنت ممن أحسن الضراباً

ج- الأعرف بن الأعلم العُقَيلي:
خرج رجل من أهل فارس ينادي من يبارز؟ فبرز له الأعرف بن الأعلم العُقَيلي فقتله، ثم برز له آخر فقتله، وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه، وندر سلاحه عنه فأخذوه، فغبَّر في وجوههم بالتراب حتى رجع إلى أصحابه( ).

د- مواقف فدائية لأبناء الخنساء الأربعة:
كان لأبناء الخنساء الأربعة مواقف فدائية في ذلك اليوم فقد اندفعوا إلى القتال بحماس وقال كل واحد منهم شعراً حماسياً يقوِّي به نفسه وإخوانه فقال أولهم:

يا إخوتي إن العجوز الناصحة
مقالةً ذات بيان واضحة
وإنما تلقون عند الصائحة
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة
قد نصحَتْنا إذ دعتنا البارحة
فباكروا الحرب الضَّروس الكالحة
من آل ساسان الكلاب النابحة
وأنتم بين حياة وحياة صالحة

وتقدم فقاتل حتى قتل، فحمل الثاني وهو يقول:

إن العجوز ذات حزم وجلد
قد أمرتنا بالسداد والرّشد
فباكروا الحرب حماة في العدد
أو ميتة تورثكم عز الأبد
والنظر الأوفق والرأي السَّدد
نصيحة منها وبرّاً بالولد
إما لفوز بارد على الكبد
في جنة الفردوس والعيش الرغد

وقاتل حتى استشهد. وحمل الثالث وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفاً
نصحاً وبراً صادقاً ولطفاً
حتى تلفوا آل كسرى لفا
إنا نرى التقصير عنكم ضعفاً
قد أمرتنا حدباً وعطفاً
فبادروا الحرب الضروس زحفاً
أو يكشفوكم عن حماكم كشفاً
والقتل فيكم نجدة وزُلفى


وقاتل حتى استشهد، وحمل الرابع وهو يقول:

لست لخنساء ولا للأخْرَمِ
إن لم أرِدْ في الجيش جيش الأعجم
إما لفوز عاجل ومغنم
ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
ماض على الهول خضمِّ خضرم
أو لوفاة في السبيل الأكرم


فقاتل حتى استشهد( ) وبلغ الخنساء خبر بنيها الأربعة فقالت: الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته( ).


س- مكيدة قعقاعية بالغة التأثير على الفرس:
في هذا اليوم يوم أغواث قام القعقاع بن عمرو وبنو عمه من تميم بمكيدة قعقاعية بالغة التأثير على الفرس، وذلك أنه لما علم بما فعلته الفيلة في اليوم الأول بخيول المسلمين قام هو وقومه بتوفيق من الله تعالى بتهيئة الإبل لتظهر في مظهر مخيف يُنَصِّر الخيول فألبسوها وحلَّلوها ووضعوا لها البراقع في وجوهها، وحملوا عليها المشاة وأحاطوها بالخيول لحمايتها، وهجموا بها على خيول الفرس، ففعلوا بهم يوم أغواث كما فعلوا بالمسلمين يوم أرماث، فجعلت تلك الإبل لا تصمد لقليل ولا لكثير إلا نفرت بهم خيلهم وركبتهم خيول المسلمين، فلما رأى ذلك الناس استنُّوا بهم، فلقي الفرس من الإبل يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث( )، وهكذا نجد أن المسلمين الأوائل يتفوقون على أعدائهم في الابتكار الحربي، فالفرس أنهكوا المسلمين في اليوم الأول بسبب استخدام الفيلة، وما دام المسلمون
لا يملكون الفيلة فليخترعوا مما يملكون من الإبل ما يكيدون به الأعداء فكانت هذه الحيلة الحربية الممتازة التي أخافت خيول الأعداء فنفرت بمن عليها من الفرسان، وهكذا يجب أن يكون المسلمون متفوقين في مجال الإعداد المادي بعد تفوقهم في الإعداد الروحي.

ش- أبو محجن الثقفي في قلب المعركة:
استمر القتال يوم أغواث إلى منتصف الليل، وسميت تلك الليلة ليلة السواد، ثم وقف القتال بعد أن تحاجز الفريقان وكان لوقف القتال منفعة كبيرة للمسلمين، حيث كانوا ينقلون شهداءهم إلى مقر دفنهم في وادي مُشرِّق، وينقلون الجرحى إلى العُذَيب حيث تقوم النساء بتمريضهم، ولقد شارك في القتال في هذه الليلة لأول مرة أبو محجن الثقفي( )، وكان أبو محجن قد حُبس وقُيّد، فهو في القصر، فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله، فزبره وردّه فنزل فأتى سلْمى بنت خَصَفة، فقال: يا سلمى يا بنت آل خَصفة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلِّين عنِّي وتُعيرينني البلقاء، فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قَيْدي، فقالت، وما أنا وذاك! فرجع يرسف في قيوده ويقول:
كفى حزناً أن تَرْدِىَ الخيلُ بالقنا( )
إذا قُمتُ عنَّاني الحديدُ وأُغلقت
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة
ولله عهدٌ لا أخيسُ بعهده
وأترك مشدوداً عليَّ وثاقيا
مصارع دوني قد تصمُّ المُناديا
فقد تركوني واحداً لا أخاليا
لئن فُرجَتْ ألاَّ أزور الحوانيا


فقالت سَلْمى: إني استخرت الله ورضيت بعهدك، فأطلقته وقالت: أمّا الفَرَس فلا أعيره، ورجعت إلى بيتها، فاقتادها، فأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق فركبها، ثم دبّ عليها، حتى إذا كان بحيال الميمنة كبَّر، ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصّفَّين، فقالوا: بسرجها، وقال سعيد والقاسم عُزْياً، ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبَّر وحمل على ميمنة القوم يلعب الصّفَّين برمحه وسلاحه، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فندر أمام الناس، فحمل على القوم يلعب بين الصّفين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفاً منكراً وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه من النَّهار، فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه وجعل سعد يقول وهو مشرف على الناس مُكِبّ من فوق القصر: والله لولا محبس أبي مِحْجَن لقلت: هذا أبو محجن وهذه البلقاء، وتعددت الأقوال فلما انتصف الليل حاجز أهل فارس، وتراجع المسلمون، وأقبل أبو محْجن حتى دخل من حيث خرج، وعاد رجليه في قيديه وقال:
لقد علمت ثقيف غير فخر
وأكثرهم دروعاً سابغات
وأنّا وفدهم في كل يوم
وليلة قادس لم يشعروا بي
فإن أُحبس فذلكم بلائي
بأنا نحن أكرمَهُم سُيُوفاً
وأصبرهم إذا كَرهوا الوُقوفا
فإن عَميُوا فسل بهمُ عَريفاً
ولم أشعر بمخرجي الزُّحُوفا
وإن أترك أذيقُهُهُم الحُتوفا

فقالت له سلمى: يا أبا محْجَن، في أي شيء حبسك هذا الرجل؟ قال: أما والله
ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية، وأنا امرؤ شاعر يدبّ الشعر على لساني، يبعثه على شفتي أحياناً، فيساء لذلك ثنائي، ولذلك حبسني قلت:

إذا متُّ فادْفنِّي إلى أصل كَرْمَةُ
ولا تدفنِّي بالفلاة فإنني
وتُروي بخمر الحُصِّ لَحدي فإنني
تُرَويِّ عظامي بعد موتي عُرُوقها
أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
أسيرُ لها من بعد ما قد أسوقُها

فلما أصبحت سلمى أخبرت سعد بن أبي وقاص عن خبرها وخبر أبي محجن، فدعا به فأطلقه، وقال: أذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جرم
لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبداً( ).

ص- خطة قعقاعية في النصف الأخير من ليلة السواد:
من أبرز ما جرى من نصف ليلة السواد الأخير أن القعقاع بن عمرو اغتنم الفرصة في التخطيط لخطة يرفع بها من معنويات المسلمين في يومهم القادم، فلقد أمر أتباعه بأن يتسللوا سراً ثم يقدموا في النهار تباعاً على فرق كل فرقة مائة مقاتل، وقال لهم: إذا طلعت لكم الشمس فأقبلوا مائة مائة، كلما توارى عنكم مائة فليتبعها مائة، فإن جاء هاشم فذاك، وإلا جددتم للناس رجاء وجدَّاً فلما ذرَّ قرن الشمس والقعقاع يلاحظ الخيل وطلعت نواصيها كبَّر وكبر الناس وقالوا: جاء المدد، وقد تأسَّي به أخوه عاصم بن عمرو فأمر قومه أن يصنعوا مثل ذلك فأقبلوا من جهة (خفَّان)، فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم بن عتبة في سبعمائة من جيش الشام، فأخبروه برأي القعقاع وما صنع في يوميه، فعبَّأ أصحابه سبعين سبعين، فلما جاء آخر أصحاب القعقاع خرج هاشم في سبعين معه( )، وهنا يلاحظ الباحث تواضع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فلقد قبل الأخذ بالرأي الأمثل في التخطيط الحربي فصنع بتفريق جيشه كما صنع القعقاع بن عمرو، ولم يمنع اعتبار النفس والمنصب من أن يأخذ برأي قائد من قواده، بل كان رجلاً من الرجال الذين تخرجوا من مدرسة التربية النبوية، فأصبحوا يلغون ذواتهم ومصالحهم الخاصة في سبيل مصلحة الإسلام ومصلحة المسلمين العامة، وهذا من أهم أسباب نجاحهم في إقامة الدولة الإسلامية الكبرى، والقضاء على قوى العالم آنذاك( ).


3- يوم عماس:
هذا اليوم الثالث، يوم عِمَاس فقد قدَّم الفرس فيه فيلتهم بتخطيط جديد تلافوا به ما كان في اليوم الأول من قطع حبالهم، فجعلوا مع كل فيل رجالاً يحمونه ومع الرجال فرسان يحمونهم وظل المسلمون يقاتلون الفيلة ومن فوقها وحولها، ولقوا منها عنتاً شديداً، ولما رأى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ما يلاقي المسلمون منها أرسل إلى مسلمي الفرس الذين كانوا مع جيش المسلمين سألهم عن الفيلة هل لها مقاتل؟ فقالوا: نعم المشافر والعيون لا ينتفع بها بعدها، فأرسل إلى القعقاع وعاصم بن عمرو وقال لهما: اكفياني الفيل الأبيض وكانت كلها آلفة له وكان بإزائها وأرسل إلى حمَّال بن مالك والربِّيِّل بن عمرو الأسدي فقال: اكفياني الفيل الأجرب، وكانت آلفة كلها وكان بإزائهما، فأخذ القعقاع وعاصم رُمحَيهما ودبَّا إليه في كتيبة من الفرسان والرجال، فقالا لمن معهما: اكتنفوه لتحيروه فأصبح الفيل ينظر يمنة ويسرة متحيراً ممن حوله، ودنا منه القعقاع وعاصم فحملا عليه وهو متشاغل بمن حوله فوضعا رمحيهما معاً في عين الفيل الأبيض، ونفض رأسه فطرح سائسه، ودلَّى مشفره، فنفحه القعقاع بسيفه فرمى به، ووقع لجنبه فقتل من كان عليه. وحمل حمّال بن مالك وقال للرِّبيِّل بن عمرو: اختر إما أن تضرب المشفر، وأطعن في عينه أو تطعن في عينه وأضرب مشفره، فاختار الضرب، فحمل عليه حمال وهو متشاغل بملاحظة من اكتنفه لا يخاف سائسه إلا على بطانه وذلك لأن المسلمين قطعوا ذلك منها في اليوم الأول فانفرد به أولئك فطعنه حمّال في عينه فأقعى على خلفه، ثم استوى، ونفحه الربيل بن عمرو فأبان مشفره، وبصُر به سائسه فضرب جبينه وأنفه بحديده كانت معه وأفلت منها الربيل وحمال، وصاح الفيلان صياح الخنزير، وكانت الفيلة تابعة لهما فرجعت على الفرس ورجعت معها الفيلة تطأ جيش الفرس حتى قطعت نهر العتيق وولَّت نحو المدائن وهلك من كان عليها( ) ولما خلا الميدان من الفيلة زحف الناس بعضهم على بعض واشتد القتال بينهم، وكان لدى الفرس جيش احتياطي من أهل النجدات والبأس، فكلما وقع خلل في جيشهم، أبلغوا (يزدجرد) فأرسل لهم من هؤلاء وقد انتهى ذلك اليوم والمسلمون وأعداؤهم على السواء( ).

أ- بطولة عمرو بن معديكرب:
قال عمرو بن معديكرب: إني حامل على الفيل ومن حوله بإزائهم فلا تَدَعوني أكثر من جز جزور (يعني نحر الناقة) فإن تأخرتم عني فقدتم أبا ثور، فأنَّى لكم مثل أبي ثور فإن أدركتموني وجدتموني وفي يدي السيف، فحمل فما انثنى حتى ضرب فيهم، وستره الغبار، فقال أصحابه: ما تنظرون؟ ما أنتم بخلقاء أن تدركوه، وإن فقدتموه فقد المسلمون فارسهم، فحملوا حملة فأفرج المشركون عنه بعدما صرعوه وطعنوه وإن سيفه لفي يده يضاربهم وقد طعن فرسه، فلما رأى أصحابه وانفرج عنه أهل فارس أخذ برجل فرس من أهل فارس، فحركه الفارسي فاضطرب الفرس فالتفت الفارسي إلى عمرو، فهمَّ به وأبصره المسلمون، فغشُوه، فنزل عنه الفارسي، وحاضر يعني أسرع إلى أصحابه، فقال عمرو: أمكنوني من لجامه، فأمكنوه منه فركبه( ).

ب- طليحة بن خويلد الأسدي:
استمر القتال في اليوم الثالث إلى الليل، ثم حجز بينهم صوت طليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد التف وراء جيش الفرس، ففزع لذلك الفرس وتعجب المسلمون، فكف بعضهم عن بعض للنظر في ذلك، وكان سعد رضي الله عنه قد بعثه مع أناس لحراسة مكان يحتمل منه الخطر على المسلمين، فتجاوز مهمته، ودار من خلف الفرس وكبَّر ثلاث تكبيرات( )، ولقد أفادت حركته هذه حيث توقفت الحرب وكان هناك فرصة لإعادة الصفوف والاستعداد لقتال الليل.

ج- قيس بن المكشوح:
يا معشر العرب، إن الله قد من عليكم بالإسلام، وأكرمكم بمحمد ، فأصبحتم بنعمة الله إخواناً، دعوتكم واحدة، وأمركم واحد، بعد إذ أنتم يعدو بعضكم على بعض عدو الأسد، ويختطف بعضكم بعضاً اختطاف الذئاب، فانصروا الله ينصركم، وتنجزوا من الله فتح فارس، فإن إخوانكم من أهل الشام قد أنجز الله لهم فتح الشام وانتشال( )، القصور الحمر والحصون الحمر( ).

د- مما قيل من الشعر ذلك اليوم:
قال القعقاع بن عمرو:

حضَّض قومي مَضْرَحيُّ بن يعمر
وما خام عنها يوم سارت جموعُنا
فإن كنتُ قاتلتُ العدوَّ فَلَلْته
فيولاً أراها كالبُيوت مُغيرة
فلله قومي حين هزُّوا العواليا
لأهل قُديس يمنعون المواليا
فإني لألقى في الحروب الدّواهيا
أُسَمِّلُ أعياناً لها ومآقيا( )


وقال آخر:
أنا ابن حرب ومعي مخراقي
إذ كره الموت أبو إسحاق
أضربهم بصارم رقراق
وجاشت النفس على التراقي

س- ليلة الهرير:
بدأ القتال ليلة الهرير في اليوم الرابع، وقد غيّر الفرس هذه الليلة طريقتهم في القتال، فقد أدرك رستم أن جيشه لا يصل إلى مستوى فرسان المسلمين في المطاردة ولا يقاربهم، فعزم على أن يكون القتال زحفاً بجميع الجيش حتى يتفادى الانتكاسات السابقة التي تسببت في تحطيم معنويات جيشه، فلم يخرج أحد من الفرس للمبارزة والمطاردة بعدما انبعث لذلك أبطال المسلمين، وجعل رستم جيشه ثلاثة عشر صفاً في القلب والمجنَّبتين وبدأ القعقاع بن عمرو القتال وتبعه أهل النجدة والشجاعة قبل أن يكبر سعد، فسمح لهم بذلك واستغفر لهم، فلما كبر ثلاثاً زحف القادة وسائر الجيش، وكانوا ثلاثة صفوف، صفاً فيه الرماة وصفاً فيه الفرسان وصفاً فيه المشاة، وكان القتال في تلك الليلة عنيفاً، وقد اجتلدوا من أول الليل حتى الصباح لا ينطقون، كلامهم الهرير، فسمّيت ليلة الهرير، وقد أوصى المسلمون بعضهم بعضاً على بذل الجهد في القتال لما يتوقعونه من عنف الصراع، ومما رُوي من الأقوال في ذلك( ) ما قاله كل من:

- دريد بن كعب النخعي قال لقومه: إن المسلمين تهيئوا للمزاحفة فاسبقوا المسلمين الليلة إلى الله والجهاد فإنه لا يسبق الليلة أحد إلا كان ثوابه على قدر سبقه، نافسوهم في الشهادة وطيبوا بالموت نفساً، فإنه أنجى من الموت إن كنتم تريدون الحياة، وإلا فالآخرة ما أردتم.
- وقال الأشعث بن قيس: يا معشر العرب إنه لا ينبغي أن يكون هؤلاء القوم أجرأ على الموت ولا أسخى أنفساً عن الدنيا، تنافسوا الأزواج والأولاد، ولا تجزعوا من القتل فإنه أماني الكرام ومنايا الشهداء( ).

- وقال حميضة ين النعمان البارقي: كان بإزاء قبيلة (جُعْفى) ليلة الهرير كتيبة من كتائب العجم عليهم السلاح التام، فازدلفوا لهم فجالدوهم بالسيوف، فرأوا أن السيوف لا تعمل مع الحديد فارتدعوا، فقال لهم حميضة بن النعمان البارقي: مالكم؟ قالوا لا يجوز فيهم السلاح، قال: كما أنتم حتى أريكم، انظروا، فحمل على رجل منهم فاستدار خلفه فدق ظهره بالرمح ثم التفت إلى أصحابه فقال:
ما أراهم إلا يموتون دونكم، فحملوا عليهم وأزالوهم إلى صفهم( ).
وكان بإزاء قبيلة كندة، ترك الطبري (أحد قادة الفرس) فقال الأشعث بن قيس الكندي: ياقوم ازحفوا لهم، فزحف لهم في سبعمائة فأزالهم وقتل قائدهم، ترك وكان القتال في تلك الليلة شديداً متواصلاً وقام زعماء القبائل يحثون قبائلهم على الثبات والصبر، ومما يبين عنف القتال في تلك الليلة، ما أخرجه الطبري عن أنس بن الحليس قال: شهدت ليلة الهرير، فكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم حتى الصباح، أفرغ عليهم الصبر إفراغاً وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها، ورأى العرب والعجم أمراً لم يروا مثله قط، وانقطعت الأصوات والأخبار عن رستم وسعد، وأقبل سعد على الدعاء حتى إذا كان نصف الليل الباقي سمع القعقاع بن عمرو وهو يقول:
نحن قتلنا معشراً وزائداً
نحسب فوق اللّبد الأساودا( )
أربعة وخمسة وواحداً
حتى إذا ماتوا دعوت جاهداً

الله ربي واحترست عامداً( )

فاستدل سعد بذلك على الفتح، وهكذا بات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يدعو الله تعالى تلك الليلة ويستنزل نصره، ومما ينبغي الإشارة إليه أن سعداً كان مستجاب الدعوة( ).

4- يوم القادسية:
أصبح المسلمون في اليوم الرابع وهم يقاتلون، فسار القعقاع بن عمرو في الناس فقال: إن الدَّبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر، فآثروا الصبر على الجزع، فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء، وصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح ولما رأت ذلك القبائل قام فيها رجال، فقام قيس بن عبد يغوث والأشعث بن قيس، وعمرو بن معد يكرب وابن ذي السَّهمين الخشعمي وابن ذي البُردين الهلالي، فقالوا: لا يكونن هؤلاء (يعني أهل فارس) أجرأ على الموت منكم، ولا أسخى أنفساً عن الدنيا، وقام في ربيعة رجال فقالوا: أنتم أعلم الناس بفارس وأجرؤهم عليهم فيما مضى، فما يمنعكم اليوم أن تكونوا أجرأ مما كنتم( )، وهكذا يضيف القعقاع بن عمرو مأثرة جديدة في مآثره الكثيرة فقد جمع الله له بين الشجاعة النادرة، والرأي السديد وقوة الإيمان، فسخر ذلك كله لنصرة الإسلام والمسلمين، وكان قدومه في هذه المعركة فتحاً للمسلمين، لقد أدرك القعقاع أن الأعداء قد نفد صبرهم بعد قتال استمر يوماً وليلة دون انقطاع، وقبل ذلك لمدة يومين مع راحة قليلة، وعرف بثاقب فكره وطول تجربته -بعد توفيق الله له- أن عاقبة المعركة مع من صبر بعد هذا الإجهاد الطويل، واستطاع القعقاع ومن معه من الأبطال أن يفتحوا ثغرة عميقة في قلب الجيش الفارسي حتى وصلوا قريباً من رستم مع الظهيرة، وهنا تنزّل نصر الله تعالى، وأمدَّ أولياءه بجنود من عنده فهبَّت ريح عاصف وهي الدَّبور، فاقتلعت طيارة رستم عن سريره، وألقتها في نهر العتيق، ومال الغبار على الفرس فعاقهم عن الدفاع( ).

أ- مقتل رستم قائد الفرس:
وتقدم القعقاع ومن معه حتى عثروا على سرير رستم وهم لا يرونه من الغبار، وكان رستم قد تركه واستظل ببغل فوقع على رستم وهو لا يشعر به فأزال من ظهره فقاراً، وهرب رستم نحو نهر العتيق لينجو بنفسه ولكن هلالاً أدركه فأمسك برجله وسحبه ثم قتله، وصعد السرير ثم نادى: قتلت رستم ورب الكعبة، إليَّ، فأطافوا به وما يرون السرير وكبَّروا وتنادوا، وانهزم قلب الفرس، أما بقية قادة المسلمين فإنهم تقدموا أيضاً فيمن يقابلهم وتقهقر الفرس أمامهم، ولما علم الجالينوس بمقتل رستم قام على الرّدم المُقام على النهر ونادى أهل فارس إلى العبور فراراً من القتل فعبروا، أما المقترنون بالسلاسل وعددهم ثلاثون ألفاً فإنهم تهافتوا في نهر العتيق فوخزهم المسلمون برماحهم، فما أفلت منهم أحد( ).

ب- نهاية المعركة:
انتهت المعركة بتوفيق الله تعالى، ثم بجهود أبطال المسلمين وحكمة قائدهم سعد بن أبي وقاص، وكانت معركة عنيفة قاسية ثبت فيها الأعداء للمسلمين ثلاثة أيام حتى هزمهم الله في اليوم الرابع، بينما كان المسلمون يهزمون أعداءهم غالباً في يوم واحد، وكان من أسباب هذا الثبات أن الفرس كانوا يعتبرون هذه المعركة معركة مصير، فإما أن تبقى دولتهم مع الانتصار، وإما أن تزول دولتهم مع الهزيمة والاندحار ولا تقوم لهم قائمة، كما أن من أسباب ثباتهم وجود أكبر قادتهم رستم، على رأس القيادة، وهو قائد له مادة التاريخ حافل بالانتصارات على أعدائه إضافة إلى تفوق الفرس في العدد والعُدد، حيث كان عدد الفرس عشرين ومائة ألف من المقاتلين من غير الأتباع، مع من كان يبعثهم يزدجرد مدداً كل يوم بينما كان عدد المسلمين بضعة وثلاثين ألفاً( )، ومع هذا كله انتصر المسلمون عليهم بعد أن قدموا ثمانية آلاف وخمسمائة من الشهداء( )، وهذا العدد من الشهداء هو أكبر عدد قدمه المسلمون في معاركهم في الفتوح الإسلامية الأولى، وكونهم قدموا هذا العدد من الشهداء دليل على عنف المعركة وعلى استبسال المسلمين وتعرضهم للشهادة رضي الله عنهم أجمعين( ).

ج- مطاردة فلول المنهزمين:
أمر سعد رضي الله عنه بمطاردة فلول المنهزمين فوكل القعقاع ابن عمرو وشرح مفصلبيل بن السمط الكندي بمطاردة المنهزمين يميناً وشمالاً دون نهر العتيق، وأمر زُهرة بن الحوية بمطاردة الذين عبروا النهر مع قادتهم، وكان الفرس قد بثقوا النهر في الردم حتى لا يستطيع المسلمون متابعتهم، فاستطاع زهرة وثلاثمائة فارس أن ليتجاوزوا بخيولهم وأمر من لا يستطيع بموافاتهم من طريق القنطرة، وكان أبعد قليلاً، ثم أدركوا القوم وكان الجالينوس وهو أحد قادتهم الكبار يسير في ساقة القوم يحميهم، فأدركه زهرة فنازله فاختلفا ضربتين فقتله زهرة وأخذ سلبه وطاردوا الفرس وقتلوا منهم، ثم أمسوا في القادسية مع المسلمين( ).

س- بشائر النصر تصل إلى عمر رضي الله عنه:
وكتب سعد إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما يخبره بالفتح مع سعد بن عُميْلة الفزاري وجاء في كتاب كامله: أما بعد فإن الله نصرنا على أهل فارس، ومنحهم سنن من كانوا قبلهم من أهل دينهم، بعد قتال طويل، وزلزال شديد، وقد لقوا المسلمين بعُدة لم ير الراؤون مثل زهائها (يعني مقدارها) فلم ينفعهم الله بذلك بل سلبهموه ونقله عنهم إلى المسلمين، واتبعهم المسلمون على الأنهار وعلى طفوف الآجام، وفي الفجاج، وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم، والله بهم عالم، كانوا يُدَوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دَويَّ النحل، وهم آساد الناس لا يشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذ لم تكتب لهم( )، وفي هذه الرسالة دروس مفصلة وعبر منها:

• ما تحلى به سعد رضي الله عنه من توحيد الله تعالى وتعظيمه والبراءة من حول النفوس وقوتها، فالنصر على الأعداء إنما هو من الله تعالى وحده وليس بقوة المسلمين، بالرغم مما بذلوه من الجهاد المضني والتضحية العالية.

• وقوة الأعداء الضخمة، ليس بقاؤها أو سلبها للبشر، بل ذلك كله لله تعالى، فهو الذي حرم الأعداء من الانتفاع بقوتهم، وهو الذي منحها للمسلمين، وإنما البشر مجرد وسائط يجري الله النفع والضرر على أيديهم، وهو وحده الذي يستطيع دفع الضرر وجلب المنفعة سبحانه وتعالى، وهكذا فهم سعد رضي الله عنه معنى التوحيد، وحققه مع جنوده في حياته.

• ونلاحظ سعداً في رسالته يصف الصحابة رضي الله عنهم ومن معهم من التابعين بالتفوق في العبادة والشجاعة، فهم عُبَّاد في الليل لهم أصوات مدوِّية بالقرآن كأصوات النحل لا تكلُّ ولا تمل، وفرسان في النهار لا تصل الأسود الضارية إلى مستواهم في الإقدام والثبات( ) وكان عمر رضي الله عنه يستخبر الركبان عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله ومنزله، فلما لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره، قال: يا عبد الله حدثني قال: هَزم الله العدو، وعمر يخُبُّ معه –يعني يسرع- ويستخبره، والآخر على ناقته ولا يعرفه، حتى دخل المدينة فإذا الناس يسلِّمون عليه بإمرة المؤمنين فقال: فهلا أخبرتني رحمك الله أنك أمير المؤمنين، وجعل عمر يقول لا عليك يا أخي( ) وفي هذا الخبر دروس مفصلة وعبر منها:

- الاهتمام الكبير من عمر رضي الله عنه الذي دفعه إلى أن يخرج إلى البرِّية كل يوم لعله يجد الركبان القادمين من العراق فيسألهم عن خبر المسلمين مع أعدائهم،





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©