♦¤ دعاء طارق بن زياد... ¤♦
بسم الله الرحمن الرحيم

نزل طارق بن زياد –القائد الشاب- بجيشه العربي المسلم على أرض إسبانيا، مدخل أوروبا، وأمر بإحراق السفن التي حملت الجيش الإسلامي لتنقطع بالمسلمين أسباب الرجوع، ويستطيع أن يقول لإخوانه:
"أيها الناس أين المفر؟
البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر"(1)..
فيثير ذلك فيهم القوة الكامنة، والاعتماد على الله، ثم على سواعدهم وسيوفهم.
صفَّ طارق جيشه أمام العدو، واستعرضه فرأى أنه لا يكافئ الجيش الإسباني في العدة والعدد، ووصول الميرة والمدد، فإن العدوّ مركزه ومملكته، والجيش الإسلامي غريب منقطع عن مركزه وبلاده، لا يطمع في ميرة ولا مدد، إلا ما ينتزعه من أيدي عدوه انتزاعاً، ويتغلب عليه، ويعرف أنه لو حدث به حدث، ودارت عليه دائرة لأصبح خبراً من الأخبار، وكان طُعمة السباع والنسور.
كل ذلك أثار في طارق التفكير والاهتمام، وفكّر، فلم ير حيلة إلا أن يضم إلى هذا الجيش قوة لا تُهزم، وإرادة لا تُغلب، إنها القوة الإلهية، وإنها الإرادة الربانية، وقد وثق بها طارق، ووثق أنها معه، أليس هذا جند الله؟ أما جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الناس إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، وقد قال الله: )وإنّ جندنا لهمُ الغالبون(.
هنالك وقف القائد المؤمن يناجي ربه ويطلب نصره، وكان في ذلك مقلداً للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم –قائد الكتيبة المؤمنة الأولى- إذ عبّأ جيشه يوم بدر، وصفّه أمام العدو، ثم اعتزل في العريش، ونصب جبهته يبكي، ويقول:
"اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد"..
فتأسّى طارق برسوله وسيده، ودعا بهذا الدعاء العجيب، الذي لا يدعو به قادة الجيوش ولا يخطر منهم على بال، وقد سبكه محمد إقبال في قالب شعره، فزاد في تأثيره وسحره.
قال طارق:
"اللهم! إن هؤلاء الفتيان الذين خرجوا جهاداً في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، رجال غامضون مجهولون لا يعرف سرّهم وحقيقتهم غيرك، لقد منحتهم طموحاً وعلوّ همة، لا يرضون معه إلا أن يكونوا سادة العالم، يحكمون الدنيا كلها بحكمك، وينفّذون فيها أمرك، لا يعلوهم غيرك، أبطال مغاوير، تنفلق بهيبتهم البحار، وتنضوي لصولتهم الجبال.
لقد ذاقوا لذة الإيمان والحب، حتى استغنوا بها عن العالم والمادة، وهانت عليهم الدنيا وزخارفها وشهواتها، وذلك شأن الحب إذا خالطت بشاشته القلوب، ما جاء بهم من بلادهم النائية إلا الحنين إلى الشهادة، التي هي وطر المؤمن العزيز، وهمّه الوحيد، لا يفكرون في الغنائم ولا في فتح البلاد، ولا في بسط السيطرة والنفوذ على العباد.
إن العالم قد وقف على شفا حفرة من النار، لا يمنعه من التردّي في الهاوية إلا أن يبذل العرب دماءهم، ونفوسهم بسخاء وشجاعة.
إن العالم بحاجة إلى دم عربي زكيّ، فلا يُروي غليله، ولا يشفي عليله إلا الدم العربي الطاهر، ها إن الأزهار والورود في الغابة في انتظار أن تسقى بهذا الدم القاني، فترفل في حلته، وقد قدمنا لنزرع نفوسنا، ونريق دماءنا في هذه الأرض النائية، لتخصب الإنسانية بعد جدب طويل، ويحل الربيع بعد انتظار شاق، طال أمده.
لقد أكرمت يا رب رعاة الإبل وسكان الوبر –العرب- بنعم فريدة، لم يشركهم فيها أحد، لقد أفردتهم بعلم جديد، وإيمان جديد، وشعار جديد، هو: أذان الصبح، فقد أفلست الأمم في العلم الصحيح، والإيمان القوي، والذوق الرفيع والدعوة الصارخة السافرة إلى التوحيد، على حين غفلة من الناس، أما العرب فقد فاجؤوا العالم بصحة علمهم، وجدة إيمانهم، وسلامة ذوقهم، ودويّ آذانهم في السكون المخيم على العالم، والظلام الحالك.
لقد كانت الحياة فقدت لوعتها وحرارتها من قرون طويلة، وقد وجدتها من جديد في قلوبهم الفائضة بالإيمان والحنان، إنهم لا ينظرون إلى الموت كنهاية لهذه الحياة، وكتلف للنفس الإنسانية، إنهم يرون فيه فتحاً جديداً، وعيشاً جديداً.
أعد يا رب! إلى هذه الأمة المؤمنة، الحميّة الإيمانية، والغضبة المؤمنة، التي تجلّت في دعاء نوح، فقال:
)ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا(.
حتى تصبح صاعقة على عالم الكفر والفساد. واخلق فيها المطامح البعيدة، والعزائم القوية الشديدة، واقذف في قلوب الناس رعبها وهيبتها، حتى تعمل نظراتها عمل السيوف(2).
وقد استجاب الله دعاء طارق –القائد المؤمن المخلص- وانتصر الجيش الإسلامي على عدوه، الذي كان يفوقه مراراً في العدد والعُدد، وأصبحت إسبانيا النصرانية الأوروبية الأندلس الإسلامي العربي، وقامت دولة المسلمين في ربوعها، وازدهرت قروناً، ولم تضعف ولم تزل، إلا بفقدهم الروح التي تضلّع بها طارق وأصحابه، وبنسيانهم الرسالة التي جاءت بهم من جزيرة العرب، وبفقرهم في الإيمان الذي امتاز به طارق بين قادة الجيوش، وفاتحي البلاد، بانغماسكم في الشهوات والحروب الداخلية: )سنّة الله في الذين خَلَوا من قبلُ ولن تجد لسنّة الله تبديلاً




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©