موقف المسلم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم والصحابي معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد .
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 3/282 – 285 ) و ( 3/286 ، 287 ) .

س 1 :: إن كثيراً من الأتراك المسلمين يلعنون معاوية وابنه يزيد على الدوام..فهل هم محقون في لعنتهم أم لا ؟

ج
1 :: أما معاوية رضي الله عنه فهو أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلموأحد كتاب كامل الوحي ، وأصحابه رضي الله عنهم خير المؤمنين ، وقد ورد النهي عنسبهم ، ومن باب أَوْلَى النهي عن لعنهم ، فثبت في الصحيحين أنه صلى اللهعليه وسلم قال : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " (1) ، وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا أصحابي ،فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولانصيفه " (2) .

وقد روى بإسناد جيد في شأن معاوية رضي الله عنه : أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم علمه الكتاب كامل والحساب ، وَقِهِ سوءالعذاب " (3) ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (4) .

إذا علم ذلك فمن أصول أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(
أ):: من لعن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان معاوية أوغيره رضي الله عنهم جميعاً : فإنه يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين ،وتنازعوا : هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل ؟

(
ب):: سلامة قلوبهموألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في قولهتعالى : { والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذينسبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم } (5) .

(
ج):: ويقولون : إن الآثار المروية في مساويهم منها ما هوكذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه ، والصحيح منها هم فيه معذرون : إما مجتهدون مصيبون فلهم أجران ، وإما مجتهدون مخطئون لهم أجر واحد ،والخطأ مغفور لهم . وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عنكبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من الحسناتوالسوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر ، حتى إنه يغفر لهممن السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئاتما ليس لمن بعدهم ، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خيرالقرون ، وأن المد من أحدهم ونصيفه إذا تصدق به كان أفضل من جبل ذهبا ممنبعدهم كما سبق بيان ذلك . ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منهأو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليهوسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ،فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمورالتي كانوا فيها مجتهدين ؟! إنأصابوا فلهم أجران ، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد ، والخطأ مغفور لهم . ثمالقدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل مغمور في جانب فضائل القوم ومحاسنهم : من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم لنافعوالعمل الصالح .

(
د):: ويقولون : يجب الاقتصاد والاعتدال في أمرالصحابة والإمساك عما شجر بينهم فلا يقال بالعصمة لطائفة والتأثيم لأخرى ،بخلاف أهل البدع من الشيعة والخوارج الذين غلوا من الجانبين : طائفة عصَّمت، وطائفة أثَّمت ، فتولد بينهم من البدع ما سبوا له السلف ، بل فسقوهموكفروهم إلا قليلاً – كما كفرت الخوارج علياً وعثمان رضي الله عنهماواستحلّوا قتالهم ، وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " تَمْرُقُ مَارِقةٌ على حين فِرقةٍ من المسلمين تقتلها أَوْلَى الطائفتينبالحق " (6) ، فقتلهم علي رضي الله عنه ، وهم المارقة الذين خرجوا على عليرضي الله عنه وكَفَّروا كل من تولاه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيالحسن بن علي رضي الله عنه : " إن ابني هذا سيد ، وسَيُصْلِحُ الله به بينفئتين عظيمتين من المسلمين " (7) ، فأصلح به بين شيعة علي ومعاوية رضي اللهعنهما ، فدل على أنه فعل ما أحبه الله ورسوله ، وأن الفئتين ليسوا مثلالخوارج الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم ، ولهذا فرح عليرضي الله عنه بقتاله للخوارج وحزن لقتال صفين والجمل وأظهر الكآبة والألم ،كما يجب تبرئة الفريقين والترحّم على قتلاهما ، لأن ذلك من الأمور المتفقعليها ، وأن كل واحدة من الطائفتين مؤمنة ، وقد شهد لها القرآن بأن قتالالمؤمنين لا يخرجهم عن الإيمان – فقال تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنيناقتتلوا فأصلحوا بينهما (. والحديث المروي : " إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون " كذِبٌ مفترى لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث (9) .

ومعاويةرضي الله عنه لم يدّع الخلافة ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا رضي اللهعنه ، ولم يقاتل عليًا على أنه خليفة ولا أنه يستحق الخلافة ، ولا كان هووأصحابه يرون ابتداء علي بالقتال ، بل لما رأى علي رضي الله عنه أنه يجبعليهم مبايعته وطاعته – إذ لا يكون للناس خليفتان وأن هؤلاء خارجون عنطاعته – رأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا الواجب وتحصل الطاعة والجماعة ، وهمقالوا : إن ذلك لا يجب عليهم حتى يؤخذ حق عثمان رضي الله عنه من الذينخرجوا عليه وقتلوه ممن هم في جيش علي رضي الله عنه .

وأما يزيد بنمعاوية فالناس فيه طرفان ووسط ، وأعدل الأقوال الثلاثة فيه أنه كان ملكاًمن ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلاًَّ في خلافة عثمان رضي اللهعنه ، ولم يكن كافراً ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين رضي الله عنهوفعل ما فعل بأهل الحرة ، ولم يكن صاحباً ولا من أولياء الله الصالحين . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (10) : وهذا قول عامة أهل العقلوالعلم والسنة والجماعة ، وأما بالنسبة للعنه فالناس فيه ثلاثة فرق : فرقةلعنته ، وفرقة أحبته ، وفرقة لا تسبه ولا تحبه ، قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله تعالى : وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وعليه المقتصدون منأصحابه وغيرهم من جميع المسلمين ، وهذا القول الوسط مبني على أنه لم يثبتفسقه الذي يقتضي لعنه ، أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إماتحريماً وإما تنزيهاً ، فقد ثبت في صحيح البخاري : عن عمر في قصة عبد اللهبن حمار (11) الذي تكرر منه شرب الخمر ، وجلده رسول الله صلى الله عليهوسلم – لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه ،فإنه يحب الله ورسوله " (12) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لعن المؤمنكقتله " (13) متفق عليه .
وهذا كما أن نصوص الوعيد عامة في أكلأموال اليتامى والزنا والسرقة فلا يشهد بها على معين بأنه من أصحاب النار ،لجواز تخلف المقتضى عن المقتضي لمعارض راجح : إما توبته ، وإما حسنات ،وإما مصائب مكفرة ، وإما شفاعة مقبولة ، وغير ذلك من المكفرات للذنوب هذابالنسبة لمنع سبه ولعنته .
وأما بالنسبة لترك المحبة فلأنه لم يصدرمنه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته ، فبقي واحداً من الملوك السلاطين ،ومحبة أشخاص هذا النوع ليست مشروعة ، ولأنه صدر عنه ما يقتضي فسقه وظلمه فيسيرته ، وفي أمر الحسين رضي الله عنه وأمر أهل الحرة .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 3/282 – 285 ) .

س 2 :: كيف نعامل الرجل الذي يسب الأصحاب الثلاثة ؟

ج
2 :: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة وقد أثنى اللهعليهم في كتاب كامله ، قال الله تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جناتتجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } (14) ، وقال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهمفأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } (15) ، إلى غير هذا من الآياتالتي أثنى الله فيها على الصحابة ووعدهم بدخول الجنة ، وأبو بكر وعمروعثمان وعلي رضي الله عنهم من هؤلاء السابقين ، وممن بايع تحت الشجرة ، فقدبايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان رضي الله عنه فكانت شهادة لهوثقة منه به ، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقدأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً ،وخاصة أبا بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وبشر هؤلاء بالجنة فيجماعة آخرين من الصحابة ، وحذر من سبهم – فقال : " لا تسبوا أصحابي ، فإنأحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا ، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " (16) رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما .

فمنسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمهم – وخاصة الثلاثة أبا بكروعمر وعثمان المسؤول عنهم – فقد خالف كتاب كامل الله وسنة رسوله وعارضهما بذمهإياهم ، وكان محرومًا من المغفرة التي وعدها الله من جاء بعدهم واستغفر لهم، ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلاً على المؤمنين : { والذين جاءو من بعدهميقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبناغلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم } (17) .

ومن أجل ذمه لهؤلاءالثلاثة وأمثالهم يجب نصحه وتنبيهه لفضلهم وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قدمصدق في الإسلام ، فإن تاب فهو من إخواننا في الدين ، وإن تمادى في سبهموجب الأخذ على يده ، مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان ،ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده ، فبِقلبِه وهذا هو أضعف الإيمان ، كما ثبتفي الحديث الصحيح : " من رأى منكم منكرا ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطعفبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " (18) .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 3/286 ، 287 ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)::
البخاري ( 2651 ، 2652 ، 3650 ، 3651 ، 6428 ، 6429 ، 6658 ، 6695 ) ، ومسلم ( 2533 ، 2534 ) وغيرهما .

(2)::
البخاري ( 3673 ) ، ومسلم ( 2540 ، 2541 ) ، وأحمد ( 3/11 ، 54 ، 63 ] ، وآخرون .

والمدّ : مكيال قديم ، قدّروه حديثاً بحوالي ( 675 ) غرام .

(3)::
أحمد في " المسند " ( 4/127 ) ، وفي " فضائل الصحابة " ( 1748 ، 1749 ) ،والأخير مرسل ، والبزار والطبراني كما في " مجمع الزوائد " ( 9/356 ) ،وقال : ( وفيه الحارث بن زياد ولم أجد من وثقه ... ) ، وعزاه للطبرانيأيضاً في الصفحة نفسها مرسلاً ، وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ( 3/120 ) : ( له شاهد قوي من حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة ) ، وأخرجهالبخاري في " المادة التاريخ الكبير " ( 1405 ) ، وابن حبان في " صحيحه " ( 7210 ) .

(4)::
انظر : " مجموع الفتاوى " لابن تيمية ( 35/64 ) .

(5)::
انظر الآية (10) من سورة الحشر .

(6)::
أحمد ( 3/32 ، 48 ) ، ومسام ( 1065 ) ، وأبو دواد ( 4667 ) ، وآخرون .

(7)::
أحمد ( 5/37 ، 44 ، 49 ، 51 ) ، والبخاري ( 2704 ، 3629 ، 3746 ، 7109 ) وغيرهما .

انظر الآية (9) من سورة الحجرات .

(9)::
انظر : " مجموع الفتاوى " لابن تيمية رحمه الله ( 35 /72 ) .

(10):: "
مجموع الفتاوى " لابن تيمية ( 3/409 – 414 ) و ( 4/443 ،484 – 506 ) ، بنحوه مطولا .

(11)::
الصواب أن يقال : عبد الله ، وكان يلقب ( حماراً ) . انظر : " البخاري " ( 6780 ) ، و " الإصابة " لابن حجر 2/117 ( 1815 ) .

(12)::
البخاري ( 6780 ) ، وأبو يعلى الموصلي في " مسنده " ( 176 ، 177 ) ، وعبدالرزاق في " مصنفه " ( 13552 ، 17082 ) ، والبزار في " مسنده " ( 269 ) ،وآخرون .

(13)::
البخاري ( 6047 ، 6105 ، 6652 ) ، ومسلم ( 110 ) .

(14)::
انظر الآية (100) من سورة التوبة .

(15)::
انظر الآية (18) من سورة الفتح .

(16)::
البخاري ( 3673 ) ، ومسلم ( 2540 ، 2541 ) ، وأحمد ( 3/11 ، 54 ، 63 ] ، وآخرون .

والمدّ : مكيال قديم ، قدّروه حديثاً بحوالي ( 675 ) غرام .

(17)::
انظر الآية (10) من سورة الحشر .

(18)::
مسلم (49) .

الـــــمـــــصـــــدر : تم نقل فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : فتوى رقم ( 3/282 – 285 ) وفتوى رقم ( 3/286 ، 287 ) من :

كتاب كامل : الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام – إعداد : د/ خالد بن عبد الرحمن الجريسي





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©